هل دخلت اسرائيل حرب اليمين ضد اليمين

ورقة سياسات : امير مخول ، مركز تقدم للسياسات

تقديم :

تتصاعد وتيرة التوتر بين رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الامن القومي بن غفير، وبين مستشار الامن القومي هنغبي ووزير الامن غالنت من ناحية والوزير في وزارة الامن ووزير المالية سموتريتش. أعلن بن غفير ان وزراء حزبه لن يدعموا قرارات الائتلاف الحاكم وذلك في اعقاب الصدام مع نتنياهو بشأن التضييق على الأسرى الفلسطينيين بمعارضة الجيش وجهاز الامن العام الشاباك. في حين هاجم سموتريتش هنغبي الذي صرح بأن اسرائيل على استعداد لتقديم تنازلات للسلطة الفلسطينية في سياق اتفاق تطبيع مع السعودية، وهاجم وزير الامن بسبب ادخال عربات امريكية مصفّحة الى السلطة الفلسطينية وعن طريق الاردن. اعلن سموتريتش بأن دور الحكومة الحالية هو ترسيخ الاستيطان وتوسيعه ولا تنازلات بتاتا. في المقابل تشهد الساحة السياسية والاعلامية تلميحات عديدة لامكانية تفاهمات بين نتنياهو وغانتس، مع الاستدراك بأنها غير ناضجة لحد الان.
قراءة:
يتفاقم الصراع القائم بين حزبي الليكود بقيادة نتنياهو وحزبي الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش وبن غفير. وقد انتقل هذا الصراع مؤخرا الى العلن ليصبح صراعا مفتوحا في العديد من قرارات الحكومة، يترافق ذلك مع توتر شديد بين تياري الحرديم وبين الصهيونية الدينية. مع إدراك معظم الاطراف بأنها مضطرة للتمسك بالائتلاف الحاكم الذي لا بديل له. كما توضح المؤشرات والتقديرات بأن الائتلاف الحاكم وبالأخص تيار الصهيونية الدينية يخطط من وراء التشريعات الجديدة الى تثبيت حكمه وسطوته على البلاد ودونما اية معوقات تعترضه.
من ملامح الصراع يبدو هناك منحيان متزامنان من التوترات؛ واحد ناتج عن صراع حزبي على جمهور المؤيدين بهدف ترسيخ مواقع ونفوذ في الحكومة واحيانا للاستهلاك الاعلامي للتأثير على الراي العام او للابتزاز السياسي، والاخر بعيد المدى ويمكن وصفه بالصراع العميق وحتى الاستراتيجي، ومنه ينبثق المنحى الاول.
1. التوترات بين نتنياهو وبن غفير:
أحد مسببات التوتر هو الفشل الذريع لوزارة الامن القومي وفوضى المرجعيات التي تعود الى سلوك الوزير باعتباره وفقا لمعظم التقديرات الاسرائيلية فاشل وغير ملائم ولا يتحلى بأي فهم أمني او اداري ويتعامل كما لو كان معارضة لحكومته، ويؤدي في ممارساته السياسية الى توريط اسرائيل اقليميا ودوليا مما يزيد من ضمور دورها الاقليمي والى توترات امنية خطيرة. هذا ما يدفع اوساط داخل الليكود والرأي العام وحتى ادارة بايدن للضغط على نتنياهو لاستبدال ائتلافه بإدخال حزب المعسكر الرسمي بقيادة غانتس بدلا من حزب القوة اليهودية.
2. التوتر الاستراتيجي بين الليكود وحزب الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش:
تتمسك الصهيونية بفكرة خطة الحسم مقابل الفلسطينيين والسيطرة على كامل “ارض اسرائيل” بشكل ثابت ونهائي. كما ترى بالائتلاف الحاكم الحالي فرصتها التاريخية لكن التمهيدية لجعل مشروعها قابلا للإنجاز والتحقيق.
مثل هذا المشروع لا يبنى على مراحل بينيّة مؤقتة وفقا لاعتبارات الصهيونية الدينية، بل ان الحسم يتطلب سباقا مع الزمن وتكثيفا هائلا للترويع ولخطوات تغيير الواقع على الارض وبأسرع ما يمكن، فكل تراجع في الوتيرة قد يؤدي الى اخفاق المشروع بالكامل.
هناك قناعة لدى سموتريتش بأنه موجود ليحكم، اي ليكون الحاكم، وفعليا فإنه لا يقدر ان يحكم الا اذا تحالف مع نتنياهو من موقع قوة، ولا يستطيع ان يحكم فعليا من خلال نتنياهو الذي لا يمثل طموحاته وغاياته، وهو يستند الى مرجعيات دينية كبيرة الأثر وفي طليعتهم الراب دروكمان ويهوشع شابيرا، وهي صفة تميز بها حزب العمل (المباي سابقا ولغاية 1977) بأنهم موجودون ليحكموا، وهي في الاصل ايضا تعود الى حركة “حيروت “التي شكلت الليكود لاحقا وتحولت الى الحزب الحاكم في العام 1977 ولغاية اليوم باستثناء سنوات قليلة. الا ان الحكم بالنسبة الى سموتريتش يشكل الاداة لتطبيق عقيدته “خطة الحسم”
حدد سموتريتش عددا من العقبات التي اراد تطويعها؛ اولها كان السيطرة على تيار الصهيونية الدينية والذي قاده تاريخيا حزب المفدال (الحزب الديني القومي) وتغيير طابعه وتحويله من حزب شريك في اي ائتلاف حاكم الى تيار متسيّد يسعى ليتبوّأ الحكم في دولة اسرائيل ليقودها وفقا لعقيدته بصدد “أرض اسرائيل”، وقد تسنى له ذلك. ثم تحطيم بنى الدولة المعوّقة لتطبيق عقيدته ومنها الجهاز القضائي وقيادة اركان الجيش والشاباك ولا يتحدث عن الشرطة كون العنوان الاول لتطبيق مشروعه هو الضفة الغربية لاعتباراته التوراتية الدينية بأنها “يهودا والسامرة” والاكثر علاقة بالتاريخ اليهودي حسب رؤيته وهي تخضع لسيطرة الجيش والشاباك، بينما تبقى العقبة الاصعب وفقا لمخططاته هي اليمين ذاته بشقيه السياسي اي الليكود الحاكم والديني السياسي المتمثل بالأحزاب الحريدية التي تتبى عقيدة ان تعاليم الله هي طريق اتباعها. ويسعى الى التأثير في داخل الليكود وفرض نفوذ اخذ بالاتساع داخله من أنصار عقيدة الصهيونية الدينية، سعيا للسيطرة عليه لاحقا، ويسعى مع الاحزاب الحريدية الى استمالة الجيل الشاب فيها لصالح تياره، كما ويرى بها الاحتياطي الديمغرافي للسكن في البؤر والمستوطنات في الضفة الغربية وحصريا مناطق ج، وسوف يشكل الحريديم (اليهود المتزمتين توراتياً) الغالبية بين المستوطنين الذين يبلغ عددهم حاليا نصف مليون في الضفة الغربية وربع مليون في القدس الشرقية ،على ان يتضاعف العدد لغاية 2050.
يسود تيار الصهيونية الدينية شعور عام من الرضى بأنه نجح بشكل سريع في تحطيم ما يمكن تسميته “البقرات المقدسة” الاسرائيلية وأهمها هيبة قيادة اركان الجيش وسياستها في الضفة الغربية، وهيبة وسطوة جهاز الامن العام الشاباك وخاصة القسم اليهودي فيه والمعني بالتنظيمات الارهابية اليهودية الاستيطانية في الضفة الغربية، وتحطيم المحكمة العليا والاجماع حولها وتحويل الانصياع لقراراتها الى وجهة نظر، بعد خلق حالة فوضى المرجعيات والصدام داخل المنظومة الحاكمة واجهزتها بما فيها الصدام بين سموتريتش واقسام وزارة المالية وطواقمها المهنية. كما ونجح هذا التيار مدعوما بوزير القضاء ليفين بخلق حالة جماهيرية من نزع الشرعية عن المستشارة القانونية للحكومة. لقد بلغ الامر الى تحطيم الاجماع حول “وثيقة الاستقلال” الاسرائيلية ونزع شرعية اعتمادها في روح القوانين ومرجعية للتشريعات، وهو تحوّل هام نحو تعطيل كامل للقيم الصهيونية التقليدية التي بنيت عليها عقيدة بوتقة الصهر سعيا لوضع اسس بديلة لاحقا وبروح الائتلاف الحاكم وحصريا “اليمين الجديد”.
معظم التقديرات تؤكد ان نتنياهو غير معني بمواصلة التشريعات، نظرا للثمن الغالي اسرائيليا والذي يلحق أشد الأذى بالجيش، وقوة الردع وبالاقتصاد والمالية. ومن هنا استعداده للتوافق مع غانتس برعاية رئيس الدولة وعلى حساب سموتريتش وبن غفير. وهو ما يجعل الصراع داخل معسكر اقصى اليمين الحاكم مفتوحا، حتى وان كان يفتقد الى المخارج من المأزق، وقد يطيح بالحكومة خلال العام القريب.
اعاد مركز مدار الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية الى الواجهة مفهوم اليمين الجديد في كتاب يحمل هذا الاسم، ومن ضمن محاوره تورط نتنياهو في صراع مع تيار هو نفسه من سعى الى توحيده قبل الانتخابات ليجد نفسه في ورطة التناقض مع هذا التيار.
يتميز التيار الصهيوني – ديني الاستيطاني او اليمين الجديد بأنه لا يرى مستقبله مقادا من حزب الليكود وانما ان يكون هو نفسه التيار السائد، وهذا يعكس علاقات التحالف مع نتنياهو والصراع معه على القوة والنفوذ والصلاحيات، بخلاف ما شهدته الحكومات السابقة في اسرائيل.
ايقاف التشريعات في هذه المرحلة سيجعل من الصعب على الصهيونية الدينية والائتلاف الحاكم التخلص من عقبة كأداء بالنسبة لهم وهي الوزن السياسي لفلسطينيي48، بمحاولة منع احزابهم من خوض الانتخابات البرلمانية تحت مسمى “دعم الارهاب”، وكي لا تشكل عقبة بنيوية امام استمرارهم في الحكم وكي لا تحول المحكمة العليا دون شطب قوائمهم.
الخلاصة:
• يسعى اليمين الجديد الصهيو- ديني، الى الاستحواذ على كل مواطن القوة في اسرائيل. ويعتقد انه قد حقق جوهر غاياته في الائتلاف الحاكم وبالتغيير البنيوي والجوهري الحاصل في تقويض منظومات الدولة العميقة، وهو جاهز للانتقال الى خطوة متقدمة نحو التغلب على المعوقات الاكثر صعوبة بالنسبة له، وهي السيطرة على معسكر اليمين بالكامل.
• الصراع داخل معسكر أقصى اليمين هو صراع حقيقي أبعد من مجرد خلافات سياسية حزبية، ويقوم على استهداف “اليمين الجديد” لليمين التقليدي سعيا للاستحواذ على مقاليد الحكم وقيادة اليمن بكامل تياراته.
• غاية التيار الصهيو- ديني هي فرض معادلة “خطة الحسم” القائلة بأن “أرض اسرائيل لشعب اسرائيل” وبقناعة دينية صهيونية.
• فلسطينيا، كل انجاز كفاحي دبلوماسي نحو كسب عضوية كاملة في الامم المتحدة وكسب اعتراف دولي بفلسطين دولة تحت الاحتلال، الى جانب الحماية والنضال الشعبيين على الارض من شأنه ان يمنع اليمين الجديد من تحقيق غاياته. فالعامل الفلسطيني مؤثر على كل ما يحصل في اسرائيل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.