تشكيل حكومة مؤقتة في بورتسودان يهدد بتقسيم السودان
الجيش والدعم السريع: وبداية لصراع الشرعيات
ملخص ورقة سياسات
ذوالنون سليمان
مركز تقدم للسياسات
تقديم :
عشية دخول الحرب شهرها السادس، هدد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في تسجيل صوتي , بإعلان سلطة مستقلة عاصمتها الخرطوم، حال إصرار قائد الجيش على تشكيل حكومة طوارئ من بورتسودان شرقي البلاد ، متهما عبد الفتاح البرهان بقيادة مخطط يرمي لتقسيم السودان .
– أعلن حميدتي, بأنه لن يسمح لأحد بالتحدث باسم السودان وادعاء الشرعية، وفي حال استمرار الوضع الحالي وقيام عناصر النظام السابق والجيش وحلفائهم بتشكيل حكومة أمر واقع في بورتسودان فإنه سيشرع في مشاورات واسعة
لتشكيل سلطة حقيقية في مناطق سيطرته الممتدة ,وستكون عاصمتها الخرطوم ، وأنه لن سيسمح بخلق عاصمة بديلة للسودان .
– أضاف، أن المساعي لإعلان حكومة في جزء من مناطق السودان , واستمرار البرهان في محاولات ادعاء شرعية زائفة سيؤدي إلى تقسيم البلاد , وأن الأولوية الآن يجب أن تكون لإنهاء الحرب وتوحيد السودان ولذلك يجب علينا عدم السماح بتكوين حكومة حرب في بورتسودان .
-أوضح حميدتي أن الجيش وعناصر حزب المؤتمر الوطني المحلول يسيطرون على مناطق شرق وشمال السودان ويديرونها من بورتسودان، مؤكدا على جاهزية قواته للسيطرة عليها متى أرادوا ذلك.
– ذكر أن الأولوية يجب أن تكون لإنهاء الحرب وتوحيد السودان وليس لتشكيل حكومة حرب في بورتسودان.
– دعا القوى الوطنية ومن أسماهم بشرفاء القوات المسلحة والمجتمعين الدولي والإقليمي للتصدي لمحاولات تقسيم السودان.
تحليل:
البرهان يمهد للخيار الليبي :
تأتي تهديدات قائد قوات الدعم السريع بإعلان سلطة مستقلة في الخرطوم وجاهزية قواته للهجوم على شرق السودان بعد انتظام عدد من الفعاليات السياسية داخل وخارج السودان , أبرزها اجتماعات عدد من القوي السياسية والمدنية وشخصيات اعتبارية سودانية داعمة للجيش وقريبة من النظام السابق في أسمرا باستضافة من الحكومة الارترية التي لا تخفي دعمها السياسي للبرهان في المحافل الإقليمية والدولية ,والتي أعلنت بمسمى القوى السودانية الوطنية الديمقراطية ، “إعلان أسمرا لإنهاء الحرب وإدارة الفترة الانتقالية” والذي حدد ادواته والياته برؤية واضحة :
• تشكيل مجلس سيادي برئاسة القائد العام للقوات المسلحة “البرهان” ومجلس وزراء، يتم اختياره عبر لجنة حكماء منبثقة من الحوار السوداني السوداني .
• وبالتوازي، أعلنت قوي شعبية وسياسية محسوبة على الجيش والنظام القديم عن مؤتمر قريب لتوحيد الصف الوطني، يهدف لوضع نهاية” لتمرد” الدعم السريع ويشكل حكومة مدنية لإدارة البلاد، وهو ما يتوافق مع إعلان قوى أسمرا، ويتناغم مع تصريح البرهان في زيارته للدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق وتأكيد تفضيله خيار الحل الداخلي للأزمة عبر الحوار السوداني, ردا على مبادرة الايقاد.
• استراتيجية الامر الواقع بعقد المؤتمر يعقبه إعلان حكومة طوارئ، يرى فيها الدعم السريع والقوى السياسية والمدنية التي تلتف حول قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي – محاولة من الإسلاميين وعناصر النظام القديم لفرض رؤيتهم على المجتمع الدولي والإقليمي بعد فشلهم في تأمين مصالحهم في المبادرة السعودية والأمريكية ومبادرة الايقاد، فيما يسمى بالمسار الثالث.
• هذا الخيار إذا ما استمر الى نهايته يعني إدامة الحرب بحكومة هجينة انتقالية تؤمن لهم وجودهم في السلطة وفعاليتهم في الحياة السياسية، تستمد شرعيتها من الحوار الوطني وليس من ثورة ديسمبر، يعيدون بها سيناريوهاتهم السابقة في التعامل مع النظام العالمي من خلال توظيف الصراعات الدولية والتنافس الإقليمي، على نحو يضمن لهم البقاء في الحكم.
مأزق الدعم السريع:
في المقابل، يدرك حميدتي مخاطر تشكيل حكومة حرب ذات قاعدة اجتماعية، ولديه اعتبارات وجودية له ولحلفائه، فالمطروح من الطرف الاخر-الجيش- لا يقبل بغير الإلغاء والاستئصال، ليست فقط من الحياة السياسية القادمة وانما من الجغرافيا أيضا باعتباره وما يمثل في نظرهم غازيا ومحتلا قدم من الجوار الافريقي الغربي ، بحسب منطوق وتحريض بعض قادة الجيش وفاعلين اجتماعيين وسياسيين يمثلون الشمال النيلي .لهذا سيظل حميدتي محكوما بالعوامل التالية :
• ان البرهان بصفته رئيس البلاد والقائد العام للجيش وحلفه السياسي من الأحزاب والحركات المسلحة وحكومته القادمة، يملك شرعية دستورية وبيده أجهزة سيادية وتمثيل دبلوماسي صنعته جماعته وسنده من المؤتمر الوطني والتيارات الإسلامية التي انحازت له طيلة ثلاثين عاما دون أي أثر لجماعات الهامش واغلبية البلاد، ومن الطبيعي ان نشهد انحيازا دوليا وإقليميا له.
• سيظل حميدتي محكوما بمخاوف احتمال تورطه في مواجهة عسكرية مع حواضن دولة 56 الاجتماعية وحلفائها من مجتمعات ضحايا حرب دارفور، والتي أفرزت الحركات المسلحة والدعم السريع, الامر الذي سيفرض عليه أجندة وأهداف عسكرية جديدة واسعة تضعه في حرب مفتوحة , وهو ما يحاول تجنبه بالحسم العسكري , وتحالفات سياسية واجتماعية وحاضنة سياسية متجانسة ،لم ينجز منها الكثير بعد.
• رغم لغة القوة والحسم في خطاب حميدتي الأخير حول خياراته حال اعلان حكومة ، والذي يعني ان البلاد تتجه لحرب أهلية مفتوحة، الا ان بيانات القوى السياسية والمدنية حتى الان , أتت محايدة , وناصحة ,وأعلنت استعدادها للتواصل المباشر والفوري مع القوات المسلحة والدعم السريع بغرض حثهما على تجنب أي خطوات حالية أو مستقبلية تُفضي لتمزيق البلاد واستمرار الحرب وتصعيدها وزيادة رقعتها، والتفاوض من أجل وقف الحرب , مكررة موقفها الحيادي المعلن ضد الحرب ليكون ضد إعلان الحكومتين , ذات “الاعتزال” الذي يصب أكثر في مصلحة البرهان .
خلاصة:
حقق اركان النظام القديم منذ الإطاحة بحكم البشير نجاحا ملحوظا في تعطيل وافشال حكومة الفترة الانتقالية, وتقويض العملية السياسية التي دشنتها ثورة ديسمبر ، وتمكنوا من الاطاحة بمقترح الدستور الانتقالي والاتفاق الإطاري ومجهودات الالية الثلاثية “البعثة الأممية والإيقاد والإتحاد الأفريقي” والالية الرباعية “السعودية ,بريطانيا, الامارات ,أمريكا” , وإذا لم يتحقق على الأرض متغير عسكري كبير أو اختراق في العملية السياسية , سيندفع المؤتمر الوطني المحلول وحلفه السياسي الجديد لتشكيل حكومة تصريف أعمال انتقالية تعمل من العاصمة الإدارية الجديدة في بورتسودان ، إذ لا خيار لهم سوى تمثل تجربة إخوانهم في ليبيا والصومال, من دون الاكتراث لتهديدات قائد الدعم السريع , الذي سيجد نفسه أمام خيار تكوين حكومة موازية في الخرطوم والاستمرار في الحرب ومحاولة الانتشار في جغرافيات جديدة , مما سيعني ضمنيا الإعلان الرسمي لتقسيم السودان الذي تتنازعه الان ثلاث قوى مسلحة فشلت في فرض الخيار العسكري :الجيش والدعم السريع والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو, في ظل انشغال القوى الإقليمية والدولية بتحدياتها الداخلية والكونية , وعجز القوي السياسية والمدنية السودانية عن فرض متغير يصب في صالح الحل السياسي والسلام , مما يعني استمرار كارثة الحرب بكل تبعاتها الإنسانية ومخاطر تمددها لمنطقة شرق إفريقيا ووسطها بحكم الجوار الجغرافي والتداخل الاجتماعي.