هجرة العمالة واللجوء وتهريب السلاح الى اسرائيل.. اسئلة مفتوحة.

امير مخول: مركز تقدم للسياسات

مدخل:

كشف النقاب في الأول من أكتوبر، عن ان امواج البحر عند شاطئ مدينة نتانيا الساحلية (بلدة أم خالد أصلا) قد قذفت بقارب مطاطي خالٍ من الركاب، تواجدت فيه اغراض شخصية ووثائق ثبوتية لعدد من الركاب يقدر بالعشرات. واعتبر الجيش الاسرائيلي بأن ركاب القارب قد قضوا في البحر او انتقلوا الى قارب اخر، واعتبرهم مهاجري عمل او مهاجري الحروب والمجاعة في شرق افريقيا. تؤكد المصادر العسكرية الاسرائيلية بأن حوادث التسلل الى البلاد قد ارتفعت في السنوات الاخيرة بشكل متواصل، وهناك فجوة بين الحالات التي تم رصدها وبين التي تم منعها من الوصول الى بر الأمان. ووفقا لموقع “واينت” فإن الجيش يعمل على تقليص الظاهرة.
في الثالث من ايلول سبتمبر، طلب نتنياهو من الجيش والجهات الامنية اعداد مخطط تنفيذي للشروع به وذلك لبناء سياج أمنى يبلغ طوله 309 كم ويمتد من ايلات (ام رشرش) ليصل الى شمال بحيرة طبريا على طول الحدود مع الاردن. كل ذلك لاعتبار الحدود مع الاردن غير محكمة ولا يوجد عوائق حدودية تحول دون تعاظم تهريب السلاح الى الضفة الغربية وتسلل طالبي اللجوء والعمل من المهاجرين.
في تغريدة له في الثالث من سبتمبر الماضي ، كتب نتنياهو “لقد أقمنا جدارا في حدودنا الجنوبية (مصر) ومنعنا التسلل منها الى اسرائيل. لقد صدّينا بذلك اكثر من مليون مهاجر افريقي، الامر الذي لو حدث لكان من شأنه ان يقوّض دولتنا. الان نقيم جدارا على حدودنا الشرقية (الاردن) ونضمن ألّا تكون اعمال تسلل من هناك ايضا، نحمي حدودنا ونحمي دولتنا.”

قراءة:

يعود مشروع السياج الامني المحكم على الحدود مع الاردن سواء في منطقة النقب ام الاغوار والضفة الغربية ام منطقة طبريا الى العام 2011 حين اتخذت الحكومة قرارا لم تستطع تنفيذه بسبب الاولويات في الميزانية والاولويات الامنية ، وفي العام 2015 عاد الطاقم الوزاري المصغر للشؤون الامنية بإقرار المشروع بالكامل بعد ان تم انجاز جزء منه في المنطقة الجنوبية الموازية للنقب وذلك بطول 37 كم لمنع التسلل او التهريب في المنطقة المقام عليها مطار “رمون” في منطقة “تمناع” والذي يعتبر منشأة استراتيجية. حاليا ومع تعاظم موجة التهريب والتسلل بما فيه الاتجار بالبشر تقرر البدء بالمشروع باهظ التكاليف، وليس من المحسوم بأنه سينجز بالكامل فعلا.
تُعتبر البحرية الاسرائيلية ذات قدرات كبيرة ، مسنودة بسلاح الجو والاستخبارات العسكرية، بل بات إحكام سيطرتها في منطقة شرق المتوسط وحصريا بسبب حقول الغاز الاستراتيجية وضرورات حمايتها، وهي قادرة على رصد محاولات تسلل مهاجري العمل واللجوء، وقادرة على تعقبهم وهم في عباب البحر واحيانا قبل ذلك، وقادرة على رصد كل المحاولات وعلى منع معظم الزوارق من الوصول الى شواطئ البلاد، ففي العام 2022 تم رصد 14 محاولة تم احباط 13 منها، وفي العام الذي سبقه رصدت 14 محاولة واحبطت 11 منها، وهو تأكيد على رصد الحالات واحيانا يكون القرار بعدم احباطها في البحر بناء على تقديرات استخباراتية. هذا يشكك في رواية الجيش بعدم معرفة مصير من كانوا على القارب المطاطي الذي وصل الشاطئ من دون ركابه.
يتزامن أمر القارب الغامض وقد يكون من باب الصدفة، مع الصراعات الدموية التي دبت مؤخرا في اوساط مهاجري العمل وطالبي اللجوء في جنوب تل ابيب وحصريا الصراع الدموي بين المهاجرين من ارتريا، والذي تحول الى صراع مع الشرطة والدولة كونها تساند النظام في أسمرة. والذي تحول الى حرب شوارع دامية فيما بينهم، وبات هناك شبه اجماع اسرائيلي بضرورة التخلص منهم وتهجيرهم، اذ تقوم الشرطة يوميا بمداهمة تجمعاتهم واعتقال الناشطين منهم، تمهيدا لترحيلهم. وبالتعاون مع بعض الانظمة الافريقية الموالية لإسرائيل مقابل ان تقوم الاخيرة بدفع مقابل كل من يتم ترحيله اليها، دون اية ضمانات معيشية او حياتية للضحايا وهو ما تقوم به اسرائيل منذ العام 2010.
الحدود الاردنية:
تشكل الحدود الاردنية مع فلسطين البوابة الشرقية لمهاجري العمل الى اسرائيل، ويتسع نطاقها من حيث العدد والدول التي تنطلق منها، واذ كان في السابق ولغاية 2017 معظم الهجرة المحدودة عدديا تنطلق من الاردن وتركيا، فحاليا انضم الى هذه الحركة مهاجرو عمل ولجوء من اوزباكستان وجورجيا وسريلانكا واوغندا وغانا ومولودوفا وفي الاشهر الاخيرة من اثيوبيا والسودان وارتريا التي تشهد حروبا اهلية دامية، وفقا لمركز سياسات الهجرة الاسرائيلي فإن حركة الهجرة تتسارع وارتفعت من بضعة افراد الى المئات سنويا، وقد بلغت نقطة قد تتحول الى موجة واسعة تضم الالاف سنويا وحتى عشرات الالاف، كما حدث مع الحدود المصرية في سيناء والتي تزايدت خلال ست سنوات من 220 عام 2006 الى 16000 عام 2011. ووفقا للمصدر ذاته سيكون من غير الممكن وقف تسارع تدفق المهاجرين إذا لم تتخذ اجراءات حاسمة.
وفقا لمعطيات العام 2022 والتي نشرت في بداية العام الحالي فإن الحديث عن عشرات عمليات تهريب السلاح القتالي، وحسب معطيات الجيش والشرطة فقد تم احباط 80% منها وتم ضبط 500 قطعة سلاح، ومنها ما هي “وجهته الى الضفة الغربية لمواجهة الجنود والمستوطنين” ومنها ما هو موجه لمنظومة الجريمة بين فلسطينيي48.” كما وتشكل الحدود الاردنية وبخلاف الحدود مع مصر ولبنان وسوريا، منطقة تفتقر الى الحراسة والضبط. ويعترف الجيش بان العام 2023 شهد تصعيدا واتساعا للظاهرة التي لم يتم ضبطها او محاصرتها. كما تشير التقارير اعلاه الى مسألة الاتجار بالبشر خاصة بالنساء من دول الاتحاد السوفييتي سابقا ويذكر التقرير مولدافيا وجورجيا واوزباكستان.
وفقا للتقديرات الاسرائيلية فإن الحدود المخترقة وحصريا مع الاردن وكذلك حواصل قطع لتركيب الاسلحة والعبوات تصل عبر الموانئ الاسرائيلية وكذلك سرقة كميات هائلة من الذخيرة من قواعد الجيش، تجد طريقها الى منظومات الجريمة ولإغراق مجتمع فلسطينيي ال48 بالسلاح الفتاك ضمن سياسة التصفيات، وباتت تنتقل هذه التصفيات الى التجمعات اليهودية والشوارع الرئيسية في البلاد وهناك تخوف خاص من العبوات الناسفة عالية التطور التي يتم تهريبها، وتخشى المؤسسة الامنية من ان توجه في اول مواجهة مع الدولة ضد الشرطة والمجندين، لتصبح خطرا بمستوى الامن القومي. كما تعزو الجهات الامنية هذه الحالة الى تردي الوضع الامني وصراع الصلاحيات حول جيش الاحتلال وحصريا في الضفة الغربية.
الخلاصة:
تبقى قضية القارب المجهول على شاطئ أم خالد (نتانيا) بمثابة رأس الجبل الجليدي والذي يخفي امورا وتجاوزات وانتهاكات خطيرة بحق مهاجري العمل واللجوء. ويتطلب الامر من الهيئات المعنية التحقيق في الامر وطالبة اسرائيل بكشف حقيقة ما حدث ومصير ركاب القارب. كما وينبغي دمغ اسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة ترقى الى جريمة حرب بشأن المهاجرين وجرائم كراهية.
تآكل الردع على الحدود الأمنية بما فيه في ذلك في نظر منظومات الجريمة، وتعثر المنظومة في اسرائيل تجعل الدولة مخترقة كما لم تكن يوما، وباتت مؤشرات بأن تورطها في الاستخدام الوظيفي لمنظومة الجريمة ضد فلسطينيي48 بدأ ينقلب عليها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.