انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي للتعاون كشريك حوار: التداعيات والافاق

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

مقدمة:

بعد أسابيع على مساعدة بكين في التوسط في صفقة لتطبيع العلاقات مع إيران، تنضم المملكة “كشريك حوار” في منظمة شنغهاي للتعاون. اثارت هذه الخطوة جدلا على مستويات مختلفة، هل هي استدارة سعودية في علاقاتها الدولية، وتخل عن ثمانية عقود من التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، ام انها خطوة ذات ابعاد اقتصادية ولا ينبغي المبالغة في تداعياتها واهميتها. وهل يمكن للصين ان تكون لاعبا رئيسيا في حلول النزاعات في الشرق الاوسط بعد استفراد الولايات المتحدة بإدارة كل النزاعات وتحتفظ بهيمنة ونفوذ كاملين مقارنة بالدول الاستعمارية التاريخية مثل فرنسا وبريطانيا.

تحليل:
– من الاهمية بمكان، الإشارة الى طبيعة العضوية السعودية في هذه المنظمة الدولية، فهي ليست عضوية كاملة ولا عضوية مراقبة، وليس لها الحق في التصويت على القرارات والترشيح للمناصب. لكنها تمارس دورا كاملا في النقاشات واقتراح المشاريع. رغم ذلك فقد احتفلت بكين بانضمام السعودية للمنظمة وقدمت الحكومة الصينية تهانيها للرياض بعد إقرار الانضمام. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ: “نحن على استعداد لتعزيز التعاون مع الجانب السعودي في إطار منظمة شنغهاي للتعاون لتقديم مساهمات أكبر للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين وتعزيز التنمية المشتركة”.

– قرار المملكة العربية السعودية بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون سيساعد بالتأكيد الصين على توسيع نفوذها في الشرق الأوسط”. يتوقع أن تلعب الصين دورًا أكبر في القضايا الإقليمية، لكن الأهم ان تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية بوساطة صينية من شانه يساعد إيجابيا في كفاءة العمل في منظمة شنغهاي وتقليل الخلافات ، فكلا البلدين سيجلسان متجاورين في مقاعد الدول التسع المكونة لائتلاف التعاون والتنمية.

– تعد الصين أكبر شريك تجاري للسعودية منذ قرابة الخمسة أعوام، وصلت التجارة الثنائية إلى 87.3 مليار دولار أمريكي ، يمثل النفط الخام 77 في المائة من وارداتها من المملكة. في نوفمبر الماضي ، صدرت السعودية 1.77 مليون برميل يوميًا إلى الصين ، مما جعل تجارة النفط بين البلدين تبلغ 55.5 مليار دولار أمريكي. وباتت الرياض وجهة رئيسية للاستثمار في إطار مبادرة الحزام والطريق
– مراقبون غربيون يرون ان انضمام الرياض لمنظمة دولية تقودها الصين حتى لو كانت من مستوى “شريك حوار ” لا ينبغي التقليل من أهميته للتحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، فهي يأتي في سياق توتر لم يتم تجاوزه بعد ، بين الرياض وواشنطن، ولا زال السعوديون يتذكرون بمراره وصف الرئيس بايدن لولي عهدهم محمد بن سلمان بالمنبوذ ، على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا ، كما ان السعوديون يتشككون اليوم في التزام واشنطن بأمن السعودية ، بعد سحب المظلة الصاروخية الدفاعية فوق المملكة وهو ما مكن الحوثي من استهداف المناطق الحيوية السعودية بما فيها مناطق ثروتها وصناعتها النفطية في الدمام والظهران بالصواريخ والمسيرات المتفجرة . ردت السعودية بصورة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات مع الولايات المتحدة ، بان وقفت في موقع الوسط في الصراع الاوكراني وفسر موقفها الرافض لرفع معدلات انتاج النفط وتخفيض الأسعار باعتباره دعما للموقف الروسي ورفضا للمشاركة في العقوبات عليها ، وتقدمت الرياض كدولة إقليمية كبرى لتلعب دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا ، كما توسعت في علاقاتها التجارية مع الصين ، وصولا الى كشف واشنطن عن مصنع للصواريخ البالستية بعيدة المدى أقيم في السعودية بخبرات ومساعدة صينية ، ولهذا يمكن القول ان انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي ، لن يمر بسهولة على صانع القرار الأمريكي ، خاصة وان دولا أخرى مثل تركيا والبرازيل ومصر وحتى هنغاريا العضو في الناتو أظهرت ذات النزوع الاستقلالي عن الولايات المتحدة مفضلة الالتفات لمصالحها الخاصة بدل الاستقطاب الضار الذي تحاول واشنطن فرضه على حلفائها ، على قاعدة ” من ليس معي ضد روسيا والصين فهو ضدي ”
على المقلب الاخر: يرى محللون غربيون ومن الشرق الاوسط انه، لا ينبغي المبالغة في أهمية عضوية السعودية في منظمة شنغهاي للتعاون. والتي لا تتعدى الرغبة في لعب دور اقتصادي مؤثر في المنظمة، فالحذر الذي يميز الدبلوماسية السعودية، جعلها توقف حدود عضويتها عند البقاء في المقاعد الخلفية بالقرب من الباب.
– يمكن اعتبار خطوة الرياض جانبا من استراتيجية الضغط الناعم على الولايات المتحدة، فالمصلحة السعودية الحالية في الجوهر، أقرب الى سياسة عدم الانحياز، والابتعاد عن الاستقطاب في العلاقات الدولية، ورفض سياسة الاملاءات والالتحاق المجاني بالحلف الأمريكي، ودرج ممثلو الدبلوماسية السعودية على ترديد مقولة، ان الرياض لا تطلب تعاملا أكثر من تعامل واشنطن مع حلفائها الغربيين الذي يتمتعون بهامش من المناورة والاستقلالية في علاقتهم مع الصين اكبر شريك تجاري للقارة الاوروبية.
– لهذا لا ترمي الرياض المشاركة في الانقلاب الصيني والروسي على الهيمنة الامريكية على العالم، لكنها ومن زاوية المصلحة الاقتصادية البحتة تتقدم بحذر الى شراكة في التعاون والتنمية بقيادة الصين.
– في ذات الوقت، لا يمكن الحديث في الوقت الراهن عن دور لمنظمة شنغهاي في المشهد الأمني العالمي، وهو دور لا تدعيه المنظمة ويتوقع ان يظل هامشيا في المدى المنظور. قد تلعب دول أساسية في منظمة شنغهاي أدوارا مهمة في الشؤون الأمنية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، مثل روسيا والصين وربما الهند، لكن منظمة شنغهاي للتعاون ستبقي على دور قليل الدسم سياسيا وامنيا مع تركيز على تطوير منظومات التعاون الاقتصادي والتجاري .
– لكن المسالة التي يحسب حسابها في ضوء تطور الصراع والمنافسة الصينية الامريكية، ان تصبح منظمة شنغهاي احدى ادوت الصراع والاستقطاب، وان توسع المجموعة دورها وعضويتها لتشمل دول ذات مكانة اقتصادية وجيوسياسية كبرى مثل مصر وتركيا ونيجيريا واثيوبيا ودول أخرى في أمريكا اللاتينية.
– لا يمكن لاحد التنبؤ بمستقبل الدور الصيني في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، فسياسة بكين التقليدية حتى الان تقوم على الابتعاد عن منافسة الولايات المتحدة على دور أمنى في المنطقة، ولم تنشر قواعد عسكرية حول العالم ولا جيوشا خارج حدودها لمساندة حلفاء او لضمان امن دول، وهي تكتفي بتقديم بدائل قليلة الكلفة مقارنة بمتطلبات وكلف النفوذ والهيمنة الغربية. لكن من السذاجة القول ان القوة الناعمة التي تشكلها مبادرة الطريق والحزام جوهرها ، والتي تخترق القارات وصولا الى الباحة الخلفية للولايات المتحدة ومناطق نفوذها التقليدية ، ستبقى على حالها ودون سند عسكري لتامين مصالحها ونفوذها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.