الحادث الأمني على الحدود المصرية الإسرائيلية

هل ستضطر اسرائيل الى تعيين لجنة تحقيق في الاخفاق
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم:
قال المتحدث العسكري المصري إنه “فجر اليوم السبت، قام أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود الدولية بمطاردة عناصر تهريب المخدرات، وأثناء المطاردة قام فرد الأمن باختراق حاجز التأمين وتبادل إطلاق النيران مما أدى إلى وفاة 3 أفراد من عناصر التأمين الإسرائيلية وإصابة عدد اثنين آخرين بالإضافة إلى وفاة فرد التأمين المصري أثناء تبادل إطلاق النيران”. أكد المتحدث أنه “جار اتخاذ كافة إجراءات البحث والتفتيش والتأمين للمنطقة وكذلك اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة”.
قراءة:
من المتوقع ان تقوم كل من مصر واسرائيل باحتواء الحدث وباعتباره موضعيا لا يؤثر على العلاقة الامنية بين البلدين، وذلك بعد ان يتم التحقيق المشترك بين الجانبين بالإضافة الى التحقيقات احادية الجانب.
من الواضح بناءً على الجدل الاسرائيلي بأن الاسئلة الجوهرية والتي تتطلب الاستنتاجات الاكثر تعقيدا ستكون اسرائيلية داخلية تصل الى اعادة تقدير لمجمل “العقيدة الدفاعية” الأمنية، وقد تترك أثرها على استراتيجية الحرب المتعددة الجبهات المختلفة جوهريا فيما بينها ومدى قابليتها للتطبيق.
بغض النظر عن الحيثيات التي ستتضح قريبا، الا ان الحادث يشكل إخفاقاً أمنيا، وهزة معنوية تنسف ما تدعو له القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية ، ومن ضمن ذلك التبجح بمناورات “اللكمة القاضية” الجارية هذه الايام لمحاكاة حرب متعددة الجبهات وضمان الجهوزية القصوى لها، بينما تتلقى اسرائيل اللكمة في “خاصرتها الرخوة” في الحدود الاكثر هدوء وأمانا كما تعتبرها اسرائيل، وبالذات في ضوء العلاقات الامنية بين البلدين ضمن اتفاقية كامب ديفيد 1979، وبعد الاستثمار الهائل في العقد الاخير في بناء منظومة الجدران والرقابة المتطورة في مسعى لمنع هجرة العمل الافريقية الى اسرائيل، ولتدارك إشكالات أمنية وهجمات من سيناء في منطقة تميزت بضعف الوجود العسكري المصري بناء على الاتفاقات المذكورة.
وفقا للمحللين العسكريين الاسرائيليين فإن الحادث الذي سقط فيه ثلاثة جنود واصابات عدة، وعدم استدراك ما حدث الا بعد ساعات طويلة، يشكل إخفاقا استخباراتيا وميدانياً، وينسف مركبات من العقيدة “الدفاعية” وهزّة لا بد ان تؤثر على اهالي الجنود الذين يشعرون بأن الدولة لا توفر الأمان لجنودها حتى وإن كانوا مدججين بأحدث انواع السلاح بينما الجندي المصري مجهز بأسلحة خفيفة نسبيا. كما يرى المحللون أن الاخفاق الاستخباراتي الكبيرقد يؤدي الى فقدان الثقة بالجيش. ثم ان سقوط ثلاثة جنود إسرائيليين مقابل جندي مصري واحد هو ثمن باهظ يمس بمعادلات الردع وخطاب التفوق الاسرائيلي الاستعلائي. اوعز قائد الاركان الاسرائيلي للجيش باجراء تحقيق داخلي وقد يصل الامر الى اقالة ضباط كبار نظرا لسلسلة الاخفاقات في ادارة الحدث وفي عدم منعه قبل حصوله.
يربط المحللون الاسرائيليون ايضا الحادث بتكرار حالات قد تكون كل منها حدثا موضعيا، لكنها تتحول الى إخفاق استراتيجي ناتج عن تآكل الردع الاسرائيلي ويربط ذلك ايضا بالحكومة الحالية ووزرائها الذين يشكلون استفزازا لكل المشاعر القومية العربية والدينية على السواء. ومن الحالات المقصودة هنا عملية مجيدو واختراق مقاتل لبناني الحدود وصولا الى مجيدو على بعد 70كم، وعمليات إطلاق النار في الضفة تجاه المستوطنين وكذلك الاخفاق الاستراتيجي للعدوان الاخير على غزة حتى وان حقق مكاسب تكتيكية بناء على التقييمات الرسمية. كما يعود الى الاذهان ما تؤكده مراكز الابحاث والاستراتيجيات الاسرائيلية منذ اربعة عقود بأنه رغم التطبيع الرسمي واتفاقات كامب ديفيد، فإن الشعب المصري وجنوده، يساندون فلسطين وشعبها ويرفضون التطبيع مع اسرائيل.
رغم اشادتها الرسمية بالعلاقات الأمنية مع مصر وبأنها لن تتأثر من الحادث، الا ان إسرائيل الرسمية والمؤسسة الامنية حصريا تطرح السؤال الاهم بالنسبة للتحقق منه وهو هل كان الجندي المصري وحيدا وعمل من تلقاء نفسه أم ان هناك تنظيم يقف من ورائه في اشارة مبطنة الى داعش سيناء التي تلقت ضربة ساحقة من الجيش المصري قبل سنوات. لإن هذا السؤال وتصدره لمسائل التحقيق فيه مسعى غير مباشر لتحميل مصر المسؤولية والادعاء باختراق سيادتها من داخل اراضيها.
بتقديرنا سيتم احتواء الاشكال الإسرائيلي المصري وتداعيات الحدث على العلاقة بين البلدين، الا ان الاسئلة الجوهرية المتعلقة بالجيش وبالأمن القومي سوف تتصدر المشهد وقد تؤدي الى اقامة لجنة تحقيق رسمية، لترميم الردع ولترميم ثقة الجمهور الاسرائيلي بالجيش وكذلك اعادة النظر في العقيدة “الدفاعية” وفي استراتيجية الحرب متعددة الجبهات، وحتى هل الحلول العسكرية لا زالت ممكنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.