التحولات في خطاب حماس بعد وثيقة طوفان الأقصى

تقدير موقف

نهاد أبو غوش- مركز تقدم للسياسات

تكتسب وثيقة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وعنوانها ” هذه روايتنا. لماذا طوفان الأقصى؟” التي اصدرها المكتب الإعلامي للحركة بتاريخ 21/12/2024 أهمية مضاعفة، تتجاوز النشاط الإعلامي المتصل بردّ الاتهامات الموجهة للحركة خلال عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي. فالوثيقة تعيد تعريف الحركة وتقديمها للشعب الفلسطيني أولا وللمحيط العربي والإقليمي وللأطراف الدولية كافة. وتمثل ردا سياسيا وأيديولوجيا على محاولات دعشنة الحركة وشيطنتها من قبل إسرائيل لتبرير حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، ثم تضع النقاط فوق الحروف تجاه عدد من القضايا الجوهرية وأبرزها خلفيات عملية طوفان الأقصى والموقف من استهداف المدنيين، ومن اليهود ورؤية الحركة لمستقبل غزة بعد الحرب.
وبقدر ما توضح الوثيقة مبادئ الحركة تجاه هذه المسائل المفصلية فإنها تثير تساؤلات أخرى إن كان المقصود منها نفي التهم، أو تأهيل الحركة للتعاطي مع المجتمع الدولي في إطار الشرعية الدولية، وهل يأتي ذلك ضمن مسعى تنافسي أم تكاملي مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
تحليل:
تتجاوز أهمية الوثيقة الوظيفة الإعلامية التي تنشغل بالراهن كإيضاح بعض القضايا وتعبئة الجمهور ومواجهة الرواية الإسرائيلية، بل يمكن اعتبارها واحدة من أهم وثائق (حماس) إلى جانب وثيقة التأسيس (ميثاق حركة حماس) الصادر في أغسطس عام 1988، ووثيقة المبادئ والسياسات العامة الصادرة في 1/5/2017، ففي الأولى (الميثاق) تعرّف ا(حماس) نفسها بأنها جزء لا يتجزأ من حركة الإخوان المسلمين حيث جاء في المادة الثانية ” حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين”. بينما جاء في وثيقة 2017 أن حماس هي “حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، … مرجعيَّتها الإسلام في منطلقاتها”. بينما الوثيقة الأخيرة أقرب للفكر الوطني الفلسطيني، بالتأكيد على أن الحركة هي “حركة تحرّر وطني ذات فكر إسلامي وسطي معتدل “.
تنفي الحركة ما نسب لها من فظائع كقتل الاطفال والاغتصاب، وتورد تقارير وشهادات تؤكد مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن هذه الخسائر الناجمة أساسا عن الفوضى وانهيار المنظومة الأمنية. وتدعو لإجراء تحقيق دولي نزيه في الجرائم التي وقعت، وتؤكد أنها لا تستهدف المدنيين الإسرائيليين، وأن ذلك يخالف مبادئها الدينية والأخلاقية، وأنها لا تستهدف اليهود لكونهم يهودا وإنما تقاوم الاحتلال الذي يستخدم الدين لتبرير أطماعه الاستعمارية والتوسعية.
تستند الوثيقة الجديدة إلى وثيقة ايار 2017 مع تشذيب الأخيرة من بعض العبارات التي توحي بأن شيئا لم يتغير في فكر الحركة، من قبيل قول الشيء ونقيضه ففي وثيقة 2017 تقول الحركة أنها ” ترفض أي بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها”. ثم ترى أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس… هي صيغة توافقية وطنية مشتركة. لكن الوثيقة الأخيرة تستخدم صيغا أقرب للغة منظمة التحرير كما جاء في الفصل الخامس عند مطالبة دول العالم بإسناد نضال الشعب الفلسطيني أجل تحرير أرضه وإقامة دولته، وممارسة حقه في تقرير مصيره”، وفي عديد المواقع تتسلح الوثيقة بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، وقرارات محكمة العدل الدولية، وتورد فقرات مطولة للحديث عن التضامن الدولي مع القضية والحقوق الفلسطينية، وتخاطب أحرار العالم وكل الدول والأطراف والحركات والاتجاهات التي تناصر قيم الحرية والعدالة.
وحول مستقبل غزة وطريقة حكمها وهو الموضوع الذي يشغل العالم، تؤكد الحركة أن الشعب الفلسطيني وحده هو من يملك القدرة والكفاءة على تقرير مستقبله وترتيب بيته الداخلي دون وصاية من أحد، وهي صيغة لا تتمسك بالحفاظ على الوضع الذي كان قائما قبل طوفان الأقصى، ويمكن لأي وطني فلسطيني أن يتبناها.
تعززت هذه المقاربة التي بدت قريبة ومنسجمة مع لغة المجتمع الدولي ومرجعياته السياسية والقانونية، بالرسالة التي وجهها الدكتور موسى ابو مرزوق للمفوضية الاوروبية والتي اشتملت على مضامين مشابهة بشأن مبادئ الحركة وأهدافها وحملت هي الأخرى التزاما بالقانون الدولي وأكدت التزامها بميثاق الأمم المتحدة، والاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والنظام الاساسي للمحكمة الجنائية والعدل الدولية، لتقدم بالإجمال صورة لحماس مغايرة عن تلك التي ترسمها الدعاية الاسرائيلية، وتدعو العالم لبناء تحالف دولي لمحاربتها.

خلاصة
من المرجح أن من ينظر إلى حماس كمنافس أو خصم أن ينظر إلى هذه التحولات كدليل على نية الحركة تأهيل نفسها لتحظى بقبول دولي في إطار منافستها لمنظمة التحرير، وسعيها لتقديم نفسها كممثل للشعب الفلسطيني وبديل للمنظمة، وخصوصا مع تصاعد شعبية الحركة في أوساط الفلسطينيين وما قدمته في السابع من أكتوبر. إلى ذلك من الصعب توقع تغيير جوهري في مواقف الأطراف الدولية وبخاصة الغربية تجاه الحركة. لكن ما تقدم وفي ضوء مناقشة الخيارات المرتبطة لمرحلة ما بعد الحرب، وأمام التسليم باستحالة القضاء على الحركة، فإن حماس تخطو خطوات واسعة نحو التوافق مع المؤسسة التمثيلية الفلسطينية المجمع عليها وهي منظمة التحرير، بما يمكن من إعادة توحيد الموقف الفلسطيني لكي يكون الفلسطينيون قادرين ومؤهلين للتعاطي مع تحديات المرحلة المقبلة، التي لا تحتمل انفراد اي طرف بادعاء تمثيل الشعب الفلسطيني، وهذه الخطوات من حماس تستحق ترحيبا من سائر القوى الفلسطينية، واستعدادا للتعاطي مع الحركة بمعزل عن الشروط التعجيزية المسبقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.