اعلان سياسي من جوبا بين الحلو والميرغني

فصل الدين عن الدولة، ودمج الدعم السريع والحركات المسلحة في إطار الجيش القومي

فصل الدين عن الدولة، ودمج الدعم السريع والحركات المسلحة في إطار الجيش القومي

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

بعد انتهاء ورشة القاهرة وإعلان بيانها الذي أعاد التأسيس لعملية سياسية جديدة ترتكز على تحالف جديد بين مكونات مدنية وأخرى جهوية مسلحة و بين الجيش السوداني، انتقلت القيادات الأساسية في تحالف الحرية والتغيير جناح الكتلة الديمقراطية الى عاصمة جنوب السودان، حيث عززت حضورها بالتوقيع على اتفاق رسم بإعلان سياسي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة عبد العزيز الحلو، الخميس ٢٣ فبراير.
جاء في البيانات الصادرة من جوبا أن الحلو ورئيس الكتلة الديمقراطية جعفر الميرغني – الحزب الاتحادي المقرب تاريخيا من مصر – اتفقا على ضرورة أن “يكون هناك وفاق وطني وتوافق سياسي يسهم في تشكيل حكومة مدنية لدفع عملية السلام واستدامته بمخاطبة جذور المشكلة السودانية.
وأكد الطرفان في “الإعلان السياسي” أن “الدستور الذي يضمن العدالة والمساواة يجب أن يرتكز على فصل الدين عن الدولة، بينما يظل دور الدين في المجتمع أساسياً ولا تنازل عنه”.
كما نص الإعلان السياسي على ضرورة أن تقف الدولة على مسافة واحدة من الجميع، وإيجابيا من جميع الأديان والهويات، كما يتوجب عليها أن تؤمن حرية العبادة وحماية مؤسساتها بطريقة متساوية وإيجابية.
وعلى أن يقوم نظام الحكم في السودان على اللامركزية، ويرتكز على الوحدة الطوعية و الإرادة الحرة للشعوب البلاد.
ونص أيضا على مهنية القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وإعادة بنائها وتحديثها وهيكلتها بعقيدة قتالية جديدة، وتكون مهمتها الرئيسية حماية البلاد والمواطنين والدستور، على أن تدمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش وفقاً جداول زمنية لضمان سلام مستدام.
واتفق الطرفان على ضرورة تحقيق العدالة في توزيع السلطة والثروة بين جميع شعوب الأقاليم السودانية لرفع التهميش تنمويا ثقافيا، مع مراعاة التمييز الإيجابي للمناطق التي دارت فيها الحروب.
ودعا الإعلان السياسي الجديد، إلى الاعتراف بالتعدد والتنوع التاريخي والمعاصر للدولة السودانية، عرقيا وثقافيا ودينيا وإقليميا، على أن ينعكس ذلك في هياكل السلطة والمؤسسات الإعلامية ومناهج التعليم والسياسات التنموية، والتأكيد على أن جميع الديانات والأقاليم هي أجزاء مكونة للهوية الوطنية للدولة.
القراءة في سطور الاتفاق:
أهمية الإعلان السياسي تكمن في أنه يجمع بين قوى سياسية ذات تاريخ طويل وتجربة كبيرة في العمل المسلح , فالحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو تعتبر امتدادا لإرث القائد الراحل جون قرنق مؤسس الحركة في العام 1983, والتي تتمركز في جنوب كردفان والنيل الأزرق , بينما يشمل تحالف الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية حركتي مناوي وجبريل إبراهيم اللتان تعتبران من أكبر وأقوى الحركات المسلحة في دارفور , إلى جانب جبهة الشرق بتكويناتها المختلفة ” مؤتمر البيجا , الجبهة الشعبية المتحدة والأسود الحرة ” ذات التجربة المسلحة في منطقة شرق السودان , بالإضافة لمسارات السلام في وسط وشمال السودان اللذان يشهدان تكوينات عسكرية جديدة ” قوات درع الشمال , قوات درع البطانة ” القريبة من التيارات الإسلامية التقليدية والنظام القديم .
توقيع على الإعلان السياسي يأتي على خلفيات الصراع السياسي السوداني وأزمته المستفحلة بين مكوناته المسلحة والسياسية، فالكتلة الديمقراطية تسعى للمحافظة على امتيازاتها في اتفاقية سلام جوبا والمهددة بوثيقة الاتفاق الإطاري التي نصت على مراجعته، بينما تسعى الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو غير الموقعة على اتفاقية جوبا لتأمين أكبر قدر من مصالحها عبر التفاهمات الثنائية مع أطراف السلطة. بهذا الشكل، يعتبر الإعلان السياسي رسالة تحذيرية في بريد القوي السياسية السودانية ذات المصلحة في الاتفاق الاطاري , والقوي الإقليمية والدولية الراعية له , من مغبة تجاوزهم في العملية السياسية الجارية , لا سيما بعد تهديد حركتي مناوي وجبريل ومؤتمر البيجا بالحرب . وهو أيضا تجل للصراع الإقليمي حول ملف الانتقال في السودان والذي تلعب الالية الثلاثية واللجنة الرباعية الدولية أدوارا ملموسة فيه، في الوقت الذي ترى مصر وجنوب السودان “بخبرتهم الطويلة في الأزمات السودانية ” ضرورة تجاوز المصالح الفئوية والدفع باتجاه مسارات جديدة أساسها مخرجات ورشة القاهرة ، ومن أجل تسويقه، عملت القوى الموقعة ورعاتها الإقليميين على ضم عبد العزيز الحلو والسعي لإشراك حركة عبد الواحد النور في العملية السياسية، بعد مقاطعتهما الطويلة لكل المسارات السياسية وإصرارهم على استبعاد الجيش من أي دور في مرحلة الانتقال وصولا إلى تسليم السلطة بعد الانتخابات للمدنيين .

الخلاصة : ينظر العديد من المراقبين الى إعلان جوبا السياسي ، على أنه مناورة سياسية في اطار حالة الاستقطاب الجارية بين المكونات السياسية المدنية والعسكرية ، لكنه في حال فشله في فتح حوار وطني شامل يؤدي الى حالة توافق قومي ، فانه قد يغذي حالة الانقسام والتشرذم السياسي والجهوي ، ويهيئ البلاد مجددا للعودة إلى مربعات العنف المسلح وفق أطروحة صراع المركز والهامش على السلطة والتي كانت من أبرز سمات فترة حكم الإنقاذ بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير . وثمة من يرجح فرضية إعلان جوبا السياسي من أنه مجرد مناورة سياسية للضغط على القوى الموقعة على الحرية والتغيير المجلس المركزي الموقعة على الاتفاق الاطاري , وعلى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو – حميدتي ومن خلفها الوسطاء الإقليميين والدوليين الذين دعموا الاتفاق والعبور إلى مرحلة انتقالية آمنة ، كما تعزز فرضية المناورة بوجود أطراف أساسية في الكتلة الديمقراطية ، من أصحاب المرجعيات الإسلامية مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي الممثل السياسي لطائفة الختمية الدينية , أو في الحركات المسلحة التي تنتمي مفاهيميا للنظام الإسلامي القديم أمثال زعيم العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم , فهم لا يمكنهم الموافقة على رؤية الحركة الشعبية جناح الحلو بفصل الدين عن الدولة لتعارضها مع مشاريعهم السياسية , الأمر الذي يجعل من الإعلان السياسي أداة ضغط للاستجابة لملاحظات الكتلة الديمقراطية حول الاتفاق الاطاري والعملية السياسية ، تلك الملاحظات التي تتقاطع مع رؤية المؤسسة العسكرية والرئيس عبد الفتاح البرهان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.