تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن: قراءة في الأسباب المحتملة وتداعياتها

ملخص تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

تقديم: لم تتضح بشكل حاسم الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إعلان أنقرة تأجيل الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة في 9 مايو المقبل. وفيما تحدث التبرير الرسمي عن “تعارض في المواعيد الدبلوماسية”، غير أن الحدث كشف عن خلافات بين أنقرة وإدارة الرئيس جو بايدن في واشنطن، على الرغم مما سُجل من تحسّن بين البلدين في الأشهر الأخيرة. فكيف يمكن فهم إلغاء زيارة كانت منتظرة وتمّ التعويل كثيرا على نتائجها.

لقراءة الحدث حريّ التوقف عند النقاط التالية:

– تم تسريب خبر الزيارة من الجانب التركي في 29 مارس الماضي عشية الانتخابات البلدية التي جرت في 31 من نفس الشهر. ولم يصدر عن الولايات المتحدة أي إعلان رسمي عن الزيارة وبرنامجها. والزيارة لو تمت كانت ستكون الأولى التي يلتقي فيها الرئيسان في البيت الأبيض.
– في أواخر شهر مارس التقى رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالن ووزير الخارجية هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر في أنقرة مع رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي، مايك روجرز، وأعضاء الوفد المرافقين له. وتمّ خلال هذه الاجتماعات مناقشة زيارة أردوغان لواشنطن.
– قامت حيثيات الزيارة على تحسّن طرأ على علاقات البلدين بعد جفاء كان أبرز أسبابة من الجانب الأميركي اقتناء تركيا الأطلسية منظومة صواريخ S-400 الروسية. فقد صدّقت تركيا على طلب السويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) في يناير الماضي بعد تأخير استمر 20 شهراً. كما أعلنت واشنطن في فبراير الماضي موافقة الكونغرس على إبرام صفقة لبيع تركيا مقاتلات من طراز F-16.
– تدور خلافات البلدين حول عدّة ملفات أبرزها بالنسبة لتركيا مسألة دعم الولايات المتحدة للقوات الكردية (قسد) في شمال سوريا فيما تقول واشنطن إنها حليف رئيسي ضد تنظيم “داعش” في سوريا. ومن الملفات البارزة استضافة الولايات المتحدة لفتح الله غولن المتهم بتنظيم محاولة الانقلاب عام 2016.
– بالمقابل تطلب واشنطن بالمزيد من الجهود لضمان عدم حدوث تحايل على عقوباتها المفروضة على روسيا، أي التزام أنقرة بفرض حظر على البضائع ذات الاستخدام المزدوج مثل المواد الكيميائية والرقائق الدقيقة إلى روسيا والتي تقول واشنطن إنها تستخدم في مجهود موسكو الحربي في أوكرانيا.
– أتى إعلان تأجيل الزيارة بعد زيارة قام بها أردوغان إلى بغداد إثر زيارة قام بها رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني إلى واشنطن. وتربط تحليلات تركية بين رفض بغداد القيام بعمليات عسكرية مشتركة مع القوات التركية ضد حزب العمال الكردستاني PKK ووجود ضغوط من واشنطن على بغداد ضد رغبات أنقرة في هذا الصدد.
– إضافة إل غياب تقارير أميركية رسمية عن الزيارة، كان اللافت تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، الخميس، بأنه “لا يوجد شيء مخطط له بالنسبة لزيارة الرئيس أردوغان”، وهو موقف يعكس وجود خلافات. كما أن هذا الموقف الصادر عن البيت الأبيض قد يكون وراء إعلان أنقرة عن تأجيل الزيارة.
– تحدثت تحليلات في تركيا عن أن الحسابات الانتخابية للرئيس بايدن قد تكون وراء تأجيل الزيارة. قالت هذه التحليلات إن ضغوطا في البيت الأبيض اعتبرت أنه من غير المفيد انتخابيا استقبال أردوغان بعد انتقاده إقرار واشنطن مساعدات بقيمة 26 مليار دولار لإسرائيل وبعد استقبال الرئيس التركي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنّية، وقيادات أخرى في اسطنبول مؤخرا.
– ترجح تحليلات تركية أن يستفيد أردوغان من تأجيل رحلته الأميركية، خصوصا إذا ما تمّ التركيز على علاقة الأمر بمواقفه حيال حرب غزّة، من أجل تعزيز شعبيته الداخلية بعد توجّه أصوات في الانتخابات البلدية من كتلته الناخبة صب حزب “الرفاه من جديد” بزعامة فاتح أربكان احتجاجا على سياسة أردوغان “غير الكافية” حيال الحرب في غزّة.
– من المتوقّع أن يؤثّر قرار تأجيل الزيارة إذا تأكد وجود خلافات بين البلدين على احتمال حضور أردوغان قمّة الناتو في يوليو المقبل وعلى الموقف التركي من مسألة اختيار أمين عام جديد للحلف حيث يتوافد المرشحون على أنقرة لنيل موافقتها.
– رغم الإعلان عن صفقة الـ F-16، فإن العلاقة التركية مع الناتو بقيت متشنجة. فتركيا تطالب بإزالة القيود والعراقيل المفروضة من قبل بعض دول الحلف على قطاع الصناعات الدفاعية لتركيا.
– تتحدث بعض المصادر عن انتقادات أميركية لتركيا تتعلق بالوضع السياسي الداخلي خصوصا في ما يتعلّق بمسألة الإفراح عن الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي اليساري الكري صلاح الدين دميرطاش، ورجل الأعمال الناشط في مجال المجتمع المدني عثمان كافالا، المعتقلين منذ عام 2017.

خلاصة واستنتاجات:

**من غير الواضح ما إذا كانت أسبابا خلافية أو إجرائية أدت إلى تأجيل الزيارة. وليس واضحا ما إذا كان ممكنا إجراء الزيارة قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالية. الأرجح أن أنقرة أدركت عدم استعداد واشنطن في الوقت الحاضر تقديم تنازلات في ملفات الخلاف.
**على الرغم من وجود خلافات بين البلدين، غير أن انفراجا حصل عبّر عنه قرار تركيا دعم عضوية السويد في حلف الناتو وموافقة الكونغرس على الإفراج عن صفقة مقاتلات F-16 مع تركيا. لكن اللافت هو أن إعلان أنقرة عن الزيارة في مايو لم يقابله أي تأكيد رسمي في واشنطن.
**قد تكون حسابات سياسية داخلية في تركيا والولايات المتحدة وراء تأجيل الزيارة. بايدن يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية وأردوغان يعمل على ترتيب البيت الداخلي بعد هزيمة حزبه في الانتخابات البلدية.
**وجب التذكير بالعامل الشخصي في علاقات رئيسي البلدين. سبق لبايدن أن شنّ حملة على أردوغان وتمنى هزيمته في الانتخابات. ولطالما اعتُبر اردوغان أقرب إلى خصمه دونالد ترامب.
**إذا ما تأكد أن تأجيل الزيارة نتاج “نكسة” في علاقات تركيا والولايات المتحدة، فالحدث يأتي لصالح روسيا لجهة مواقف تركيا المطلّة على البحر الأسود واستمرارها في الالتفاف على العقوبات الغربية ضد موسكو.
**ستظهر جلية حدّة الخلافات التركية الأميركية إذا ما تأكد أنها وراء تأجيل الزيارة، في مواقف أنقرة المقبلة من حلف الناتو والتحوّلات داخله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.