منبر جدة للتفاوض بين الجيش والدعم السريع

المبادرة السعودية -الأمريكية وفرص النجاح

ملخص تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

ذوالنون سليمان عبدالرحمن

تقديم: بدأت المحادثات الأولية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في مدينة جدة السبت 6 مايو ,تحت رعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية , وبدعم من مجموعة دول الرباعية وجامعة الدول العربية و الآلية الثلاثية , وذلك لرسم خارطة طريق لمباحثات وقف العمليات العسكرية والتأكيد على إنهاء الصراع وتجنيب الشعب السوداني التعرض للمزيد من المعاناة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة , وفق ما جاء في البيان السعودي -الأميركي المشترك .
التحليل:
وصول طرفي الصراع المسلح لجدة، وبداية التفاوض “غير المباشر” حول المحاور الفنية المتعلقة بوقف إطلاق النار المؤقت من أجل الوضع الإنساني، يمثل اختراقا إيجابيا لحالة انسداد الأفق بين الطرفين منذ فشل ورشة الإصلاح الأمني والعسكري في بداية أبريل لمعالجة خلافاتهم الفنية، والتي أدت لاندلاع القتال المسلح في منتصف أبريل. بدء التفاوض، حتى لو كان في غرف منفصلة، منح المبادرة السعودية الأمريكية – شرعية القبول من طرفي الحرب، وانتزعت الأسبقية من المبادرات الأخرى المطروحة، وأهمها المبادرة المصرية ومبادرة الإيقاد، وصارت عمليا معنية بوضع البدايات لإنهاء الكارثة الإنسانية والازمة السياسية في السودان.
امتازت المبادرة السعودية -الأمريكية بعدة عوامل جعلتها أكثر واقعية ومقبولية مقارنة بالمبادرة المصرية ومبادرة الإيقاد , أهمها تمتع الدولتين بالحياد المعقول لدى طرفي الصراع , فقيادة الدعم السريع تشكك في الموقف المصري من الصراع وذلك بحكم علاقاتها التاريخية مع المؤسسة العسكرية وقربها من موقف الجيش حول الأزمة , إلى جانب أن مقترحها بخروج القوات من المناطق السكنية، يتعارض مع الاستراتيجية التي اعتمدها الدعم السريع في القتال مع الجيش، والتي ارتكزت على الوجود داخل المدن، بهدف تقويض فرص استخدام الجيش السوداني لسلاح الطيران , الذي يمثل نقطة تفوقه العسكري أمام الدعم السريع الذي يفتقر للأسلحة الفنية القتالية .
على الجانب الآخر، وعلى الرغم من موافقة طرفي الحرب على مبادرة منظمة الإيقاد، إلا أنها تعثرت بعد أن فشلت في إرسال وفد رئاسي من دول كينيا وجيبوتي وجنوب السودان إلى الخرطوم للتوفيق بين طرفي الصراع السوداني، وذلك لسوء الوضع الأمني وإغلاق المجال الجوي نتيجة الاشتباكات المسلحة, وعدم نجاح دعوتها لممثلي الطرفين للتفاوض في جوبا، عاصمة جنوب السودان.
عناصر المبادرة والتحديات:
تتمحور المبادرة السعودية الأمريكية حول تأمين الهدنة وتهيئة الظروف المناسبة للتعامل مع الجوانب الإنسانية للمواطنين، وإيجاد الية لمراقبة الهدنة و لوضع خطوط تماس بين قوات الطرفين ، وتشكيل لجنة عسكرية من طرفي النزاع لحسم النقاط الخلافية المتعلقة بوضعية قوات الدعم السريع والجيش , بالإضافة لتكوين آلية من الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين للإشراف على الهدنة وخطوات وقف إطلاق النار المؤقت والدائم , والتنسيق بين جهود الأطراف السودانية والإقليمية والدولية، بغية دفع الفاعلين السودانيين المدنيين والعسكريين إلى الاتفاق على إعلان سياسي يساعد في استئناف الحوار وتعزيز الاستقرار .
تحديات المبادرة السعودية-الأمريكية تكمن في مدى نجاحها في خلق أرضيات سياسية للصراع العنيف على امتيازات السلطة في السودان، وإقناع العقلية الحربية لدى الطرفين بمنطق الحل السياسي وجدوى الخيار السلمي، خاصة مع التكلفة العسكرية الباهظة لدى الطرفين وقناعتهم المشتركة بقدرتهم على حسم النزاع عسكريا. أيضا سيشكل الفصل بين القوات ومناطق السيطرة تحد كبير للمبادرة ، فالصراع المسلح يدور في قلب الخرطوم والمدن السودانية وأحيائها، ومحاولات خروج الدعم السريع أو الجيش منها قبل الوصول لحل نهائي أو وجود اليات وضمانات دولية قوية شبه مستحيل، وذلك لأهميتها الاستراتيجية للطرفين ، فبالنسبة للدعم السريع تمثل عامل حماية له من ضربات الطيران وورقة ضغط يصعب الحصول عليها في حال تنازله عنها ، خاصة في ظل تخوفه من مخططات عناصر النظام القديم المتنفذين في الجيش ، بالإضافة لفقدانه قواعده العسكرية بعد استهدافها من الطيران العسكري . أما الجيش، فهو بحكم رئاسته للمجلس السيادي يرى أنه يمثل الدولة ، ويتعاطى مع قوات الدعم السريع كقوات غازية للخرطوم والمدن السودانية الأخرى .
آليات مراقبة سير الهدنة ووقف اطلاق النار ستكون إحدى معضلات المبادرة , فالواقع الأمني السوداني يمثل مأزقا للأطراف الإقليمية والدولية التي تتجنب التورط فيه بشكل مباشر , قد يلجأ طرفي المبادرة لإشراك الاتحاد الافريقي أو استعادة تجربة القوات المختلطة ” قوات من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة” في اليات المراقبة , أيضا المبادرة لن تكون بمنأى عن شبح التقاطعات الدولية وصراعات النفوذ علي أفريقيا , والتي تمظهرت في تفضيل الصين وروسيا للحل الافريقي -الافريقي , في إشارة لمبادرة منظمة الايقاد ودور الاتحاد الافريقي , والذي يتوافق مع مصالح الجيش وحلفائه من النظام القديم من خلال موقفهم المعلن في جلسة مجلس الامن الاخيرة حول السودان , وتخوفاتهم المسبقة من السعودية وأمريكا لموقفهم الواضح من عودة جماعة الإسلام السياسي في السودان والمنطقة للحكم .
الخلاصة:
من غير المتوقع الوصول لنتائج هامة في الأيام الاولى من التفاوض وذلك للتباينات الكبرى بين الطرفين , ولنزوعهما لكسب الزمن من خلال تواجدهما في منبر جدة من أجل إفساح المجال لخططهم العسكرية على الأرض لتحقيق أهدافها , ويبقى نجاح المنبر أسيرا لقدرة الوسطاء على فرض الحل التفاوضي من خلال الضغط على طرفي الحرب , والاهم , إيجاد الية لمشاركة المبادرات الأخرى في الحل حتى لا يكون المنبر ضحية لصراعات إقليمية ودولية , مثل ما حدث سابقا في المبادرة الرباعية والالية الثلاثية التي أفضت لاحقا لفشل الحل السياسي وانفجار الوضع العسكري بالسودان .
فتح طاولة التفاوض، خطوة أولى على أهميتها، الا أنها تواجه مصاعب الانطلاق وبحاجة إلى جهود مضنية لتجسير الهوة التي تعمدت بالدم والخراب، فالسفير دفع الله الحاج، مبعوثُ رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، شدد في تصريحاته عشية الوصول إلى جدة على عدم قبول أي مقترحاتٍ لبحث موضوع المصالحة مع قوات الدعم السريع، مؤكداً أن أولوية الجيش تكمن في حسم المعركة. كما انه حصر مهمة المنبر الجديد والمبادرة السعودية في مناقشة ومراقبةِ آلية الهدنة، في الوقت الذي يحافظ فيه الدعم السريع علي سيطرته الميدانية واستمرار محاولته للقضاء علي القيادة العليا للجيش .
والمسألة الأخرى أن نجاح المفاوضات والمبادرة يحتاج الى تفاهمات وربما ضغوط على دول الجوار، لوقف تدخلاتها لصالح أي طرف من أطراف النزاع، وهو العامل الذي تتزايد أهميته كلما طال امد الحرب، فالسودان بات نقطة تقاطع ومحط صراع القوى الإقليمية والدولية التي ستسعي لتأمين مصالحها خلال الصراع , مما قد يؤدي لإطالة أمد الأزمة ويزيد المخاوف حول وحدة الدولة السودانية واستقرارها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.