لقاء حميدتي – حمدوك خطوة أولى لاستعادة الانتقال السياسي في السودان

تقدير موقف: ذوالنون سليمان,مركز تقدم للسياسات

تقديم:

وقعت قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) (الثلاثاء2 يناير)، علي إعلان أديس أبابا للعمل على وقف الحرب في البلاد، . وبحسب ما ورد في البيان المشترك , أن قوات الدعم السريع قد أعلنت استعدادها لوقف الأعمال العدائية فورا وبصورة غير مشروطة عبر التفاوض المباشر مع الجيش السوداني , والتزامها بمقترح خارطة طريق “تقدم” وإعلان المبادئ كأساس للعملية السياسية من أجل إنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية .
وذكر الإعلان أن التنسيقية ستطرح التفاهمات المتفق عليها مع قوات الدعم السريع على الجيش السوداني لتكون أساساً من أجل الوصول لحل سلمي ينهي الحرب في البلاد.
– اتفقت قوات الدعم السريع مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية على تشكيل إدارات مدنية بتوافق سكان المناطق المتأثرة بالحرب لإعادة الحياة لطبيعتها، وتشكيل لجنة مشتركة لوقف وإنهاء الحرب وبناء السلام.
– أكد الإعلان أيضاً الاتفاق على القيادة المدنية للعملية السياسية مع الالتزام بمشاركة لا تستثني إلا الحركة الإسلامية و المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد أيام الرئيس عمر البشير.
-تعهدت قوات الدعم السريع بفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرتها، وإطلاق سراح 451 من أسرى الحرب والمحتجزين في بادرة حسن نية.
– تم الاتفاق علي تشكيل لجنة وطنية مستقلة ذات مصداقية لرصد كافة الانتهاكات في جميع أنحاء السودان وتحديد المسؤولين عن ارتكابها وذلك بما يضمن محاسبتهم, وأخرى لكشف الحقائق حول من أشعل الحرب.
– تم الاتفاق علي تنفيذ برامج شاملة لإعادة بناء وتأسيس القطاع الأمني وفقاً للمعايير المتوافق عليها دولياً، على أن تبدأ هذه البرامج بالتعاطي ايجابيا مع المؤسسات الموجودة حالياً وعلى أن تفضي هذه العمليات للوصول الى جيش واحد مهني وقومي يعبر عن كل السودانيين وفقاً لمعيار التعداد السكاني، ويخضع للسلطة المدنية، مع خروج المنظومة الأمنية القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة وجهاز المخابرات من النشاط السياسي والاقتصادي .
– تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
– تشكيل لجنة مشتركة للوصول لوقف وإنهاء الحرب وبناء السلام المستدام ومتابعة تنفيذ ما اتفق عليه في هذا الإعلان.
– ضرورة تمثيل المدنيين في اجتماع جيبوتي المرتقب الذي ترتب له الايقاد بين قائدي الدعم السريع والقوات المسلحة في كافة ترتيبات إنهاء الحرب.
– الالتزام بمشاركة واسعة في القيادة المدنية لا تستثني إلا المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتهما .
– التفاهمات الواردة في هذا الإعلان ستطرح بواسطة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لقيادة القوات المسلحة لتكون أساساً للوصول لحل سلمي ينهي الحرب.
– اتفق الطرفين على تكوين اليات لتنفيذ بنود اعلان التفاهم , وتتشكل من “اللجنة الوطنية لحماية المدنيين” وتتولى مهام متابعة عودة المواطنين لمنازلهم وتأمين تشغيل الأسواق والمستشفيات والمرافق الخدمية وتحديد مسارات عبور المساعدات الإنسانية وضمان وصولها. واللجنة المشتركة للوصول لوقف وإنهاء الحرب وبناء للسلام المستدام، واللجنة الوطنية الدولية للتحقيق حول من الذي أشعل الحرب , واللجنة الوطنية المستقلة لرصد كافة الانتهاكات .
تحليل:
– اللقاء يتوافق مع استراتيجية قائد قوات الدعم السريع المرنة في التعاطي السياسي والدبلوماسي مع أطراف الازمة الداخلية والخارجية , ويتجلى ذلك في قبوله والتزامه بجميع مبادرات التسوية السياسية المطروحة من المنظمات والدول الإقليمية والدولية , وفي خطاباته الموجهة للشعب السوداني في المناسبات المختلفة , اخرها ذكرى الاستقلال التي قدم فيها التزامه بالحل السياسي و تصوراته لدولة ما بعد الحرب وفق شعارات ثورة ديسمبر , وقربه من القوي المدنية والسياسية ومحافظته علي علاقاته مع دول الجوار الإقليمي , يأتي ذلك على الرغم من سيطرته الميدانية وتصنيفه وفق الواقع الميداني كمنتصر في الحرب ,عكس غريمه البرهان , الذي يعاني عسكريا من أثر هزيمة جيشه وحصار مقاره , وعزلته خارجيا وداخليا بسبب تقاربه مع عناصر النظام السابق الإسلامية .
– قبول حميدتي لقاء تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية يأتي على خلفية العلاقات السابقة بين قوى الإطاري والمجلس المركزي لقوي الحرية والتغيير التي تعتبر المكون الأساسي للتنسيقية , والمقابل الثوري السياسي لحواضن البرهان من الإسلاميين وشركائهم من عناصر النظام القديم والحركات , الامر الذي يجعل من اللقاء إجراءاً تكميليا بين الطرفين ويصب في صالح استكمال الانتقال وفق خارطة منظمة دول الايقاد للحل السياسي من أجل إنهاء الحرب .
– يأتي الإجتماع في ظل ضغط إعلامي يتعرض له طرفي اللقاء نتيجة لانتهاكات قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة والتي تعتبر الحاضنة الاجتماعية لمعظم قوى التنسيقية السياسية والمدنية, مع تخوفاتهم لانتقالها للولايات الشمالية مما جعلها تتصدر أجندة الاجتماعات وتحظي بنصيب الأسد في التوصيات , وهو أمر يعكس طبيعة الازمة السودانية , ويضع قوات الدعم السريع في محل تحفظ من التنسيقية , ليس فقط لانتقادها العلني ومحاولات تجريم قواتها بعد دخولهم ولاية الجزيرة , ولكن أيضا لسياسة الكيل بمكيالين بعد تغافلهم لتجاوزات الجيش “القصف ولقتل والاعتقالات” في دارفور ومناطق سيطرته الأخري علي أساس عنصري ضد مجتمعات الغرب , فالدعم السريع لا يخفي تحفظاته من عضوية التنسيقية التي لا يحظى فيها بمشاركة كافية لحماية مكتسباته وفق مخرجات المؤتمر المزمع عقده من خلال أعضائها ال71, ويتضح هذا في بنود التفاهم أعلاه التي نصت علي تشكيل المؤسسة العسكرية والسياسية وفق نسب السكان في إشارة للدعم والحركات, وليس بمقدوره أيضا تناسي انسحاب قوى الاطاري وقوي الحرية والتغيير من المعركة السياسية في الحرب وعدم القيام بمهام الدفاع عن العملية السياسية التي اندلعت الحرب بسببها .
– في الجانب الاخر , نجد ان تنسيقية القوي الديمقراطية والمدنية واعية بمخاطر المكون العسكري على استقرار واستمرار العملية السياسية ,خصوصا بعد مشاركة الدعم السريع في الانقلاب علي حكومة الفترة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك رئيس التنسيقية , ولديها تحفظات اجتماعية وسياسية حول سيطرة مكونات قوات الدعم السريع علي المؤسسة العسكرية وبالتالي السلطة مقابل مؤسستها التاريخية القوات المسلحة , أداتها الاولي في السيطرة علي جهاز الدولة .
– الطرفان , الدعم السريع والتنسيقية يدفعهم احتياجهم السياسي لهذه الخطوة , فالدعم السريع يحتاج لقوي سياسية في حربه ، تتقاسم معه عبئ إدارة المعركة السياسية وتتعاون معه في إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرته عن طريق تفعيل الجهاز المدني الخدمي وهو ما نصت عليه احدى بنود المذكرة صراحة , بينما مكونات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تدرك أهمية الدعم السريع كقوة محلية ضامنة وحامية لوجودها في السلطة ومشاركتها في العملية السياسية وفق مبادرة دول الايقاد كمقابل موضوعي للكتلة الديمقراطية والقوي الإسلامية الأخرى والتي تعتبر حواضن الجيش السياسية , ويدعم هذا انتزاعها التزام من قائد الدعم السريع بمشاركتها في لقاء جيبوتي كطرف ثالث خلافا لمقترح الايقاد الذي يتحدث عن لقاء ثنائي يشمل قائد الجيش وقائد الدعم السريع .
– يمكن قراءة مذكرة التفاهم بخلفيات الضرورة السياسية لتوقيعها، حيث يدرك حميدتي أهمية وجود المسار السياسي وعناصره المكونة له حتي لا تتآكل انتصاراته العسكرية بفعل العوامل والتحديات الميدانية والمدنية، وتتفهم قيادات التنسيقية الديمقراطية المدنية مغبة انفراد مكون الجيش والدعم السريع بعملية السلام وعدم التعويل علي رافعة المجتمع الدولي في واقع إقليمي ومحلي غير مرحب بالانتقال الديمقراطي .

خلاصة:

لقاء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو , ورئيس تنسيقية القوي الديمقراطية والمدنية , رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك , بكل رمزيته السياسية والعسكرية يمثل منعطفا مهما في مستقبل الازمة السودانية حربا وسلما , فهو بمثابة اعلان سياسي مشترك يؤسس لمرحلة قادمة وفق مبادرة الحل السياسي , وخطوة تصب في تطوير المشتركات بين الطرفين من خلال اليات ولجان العمل المشتركة , وسيضع الوسطاء أمام تحديات تفرضها التحالفات السياسية لطرفي الحرب مرة أخرى , في حال إصرار البرهان على استصحاب شركائه الإسلاميين وحضورهم اللقاء , في استعادة لمشهد الاتفاق الاطاري , مما قد يعيد الازمة السياسية لنقطتها الصفرية أو قد يؤدي لفشل لقاء البرهان وحميدتي , ليستمر الصراع المسلح التي تقترب أطرافه من حافة الحرب الاهلية الشاملة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.