بعد قرار محكمة العدل الدولية:

ارتباك اسرائيلي رغم تظاهرة المكابرة

تقدير أولي : مركز تقدم للسياسات

اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مجرد نظر المحكمة الدولية بدعوى جنوب افريقيا بأنه مشين، مؤكدا ان اسرائيل ستواصل الحرب حتى تنتصر. وإذ أصدر امرا الى وزرائه بالامتناع عن اي تعقيب على قرار المحكمة، الا ان اوامره اثبتت ضعف قراره ، حيث استعجل الوزير بن غفير اصدار بيان يتهم المحكمة باللاسامية وكره اليهود ويرفض شرعيتها، وليخرج وزير الامن غالنت عن طاعة رئيس وزرائه ويصدر بيانا عنيفا ضد المحكمة وهو الذي ذكره قرار المحكمة واقتبس تصريحاته وقراراته منذ 8 اكتوبر وخطاب الابادة ومنع الماء والغذاء والدواء عن “الحيوانات البشرية”.
– في ردودها الفورية على نص قرار العدل الدولية، اجمعت بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية وكذلك الجهات القضائية والسياسية على ان القرار هو انتصار لإسرائيل بكونه “لم يتهمها مباشرة بارتكاب ابادة جماعية”، ولم يدعُ في امر وقتي احترازي الى وقف اطلاق النار، وقد اشارت وسائل الاعلام الى ان هذا القرار “المخفف” كان بفضل وجود القاضي الاسرائيلي اهارون براك وجدارة المرافعة الاسرائيلية، الا انها ادعت بممارسة الضغوطات من الولايات المتحدة وحكومات غربية على المحكمة، وفقا للمصادر الاسرائيلية، مشككة بجدارة الهيئة القضائية وقضاتها.
– شهدت ردود الفعل اللاحقة نوعا من الهستيريا في النشرات المسائية الرئيسية لنهاية الاسبوع، ودعا أحد اقطاب المعارضة افيغدور ليبرمان رئيس حزب “اسرائيل بيتنا” الى معاقبة الاردن والتوقف عن مدّها بحصة المياه لكون خارجيتها ساندت دعوى جنوب افريقيا، والى معاقبة مصر وجنوب افريقيا، واعتبر مطلب المحكمة من اسرائيل احاطتها بتقرير بعد شهر، على أنه دليل على خطأ القرار بالمثول امام المحكمة والشراكة في جلساتها وانتداب القاضي براك، بل كان ينبغي رفض مطلق للمحكمة ولدعوى جنوب افريقيا.
– بالمقابل يرى بروفيسور مردخاي كرمنتسر الشخصية الحقوقية البارزة، بأن القرار لم يتهم اسرائيل بارتكاب ابادة جماعية ودافع عن موقف دولته في هذا الصدد، الا انه أكد ان القرار يشكل بطاقة انذار لإسرائيل وأنها باتت تخضع لمساءلة متواصلة وحذر من تصريحات فيها دعوة للإبادة من قبل وزراء واعضاء كنيست. كما اعتبر الصحفي امنون ابراموفيتش في القنال 12 بأن قرار محكمة العدل الدولية سوف ينعكس على العمليات العسكرية بمعنى ان الجيش سوف يقوم بتحديد طبيعة عملياته وفقا لمعايير قضائية كي لا تقع ضمن جرائم الابادة التي تراقيها المحكمة، وهذا ما قد يدفع الى وضع محدوديات لعمليات عسكرية او حتى لإلغائها.
– برز قلق كبير بين خبراء في قضايا الامن والجيش من قرار المحكمة بأنها ذات صلاحية في النظر في دعوى جنوب افريقيا والتي ستستمر لفترة طويلة تكون اسرائيل خاضعة للمساءلة بشكل جارٍ، ومن مطالبة اسرائيل بإحاطات وبالإبقاء على البيّنات الميدانية. كما انها قد تعوّق عمليات الجيش المخطط لها في رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) والتي تهدد حياة أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني نازح. كما وظهر قلق من احتمالية تضرر المصالح الامريكية والدفع الامريكي إثر ذلك لإنهاء الحرب.
– شكلت اقتباسات المحكمة من اقوال كل من وزير الامن غالنت ووزير الخارجية الحالي كاتس ومن رئيس الدولة هرتسوغ، بمثابة ضربة معنوية وزادت من رد الفعل العصبي، خاصة اتهام رئيس الدولة بشخصيته التمثيلية الجامعة، مقابل تجاهل المحكمة في صياغة قرارها اقوال الوزراء الاكثر تطرفا ممن دعوا لإبادة الفلسطينيين وطردهم والى القاء قنبلة نووية على غزة وغير ذلك.. واعتبر الاعلام الاسرائيلي أن تسمية هذه الشخصيات فيها اتهام للمنظومة الحاكمة برمتها وللتيار المركزي الاسرائيلي. كما دفع الامر الى حملة تخوف من مناشدة وزراء في الليكود وحزبي الصهيونية الدينية والقوة اليهودية الى مؤتمر “الانتصار” المخطط ليوم الاحد 28/1 لانطلاق حملة شعبية ورسمية لإعادة استيطان قطاع غزة، وهناك من طالب نتنياهو بمنعهم من المشاركة لما فيه من احراج للدولة امام العدل الدولية.
– يسود القلق في الاوساط السياسية والعسكرية والاعلامية من ان اقرار المحكمة فعليا بأن اسرائيل تتحمل مسؤولية كل ما يحصل في غزة واعتبارها قوة احتلال، فإن ذلك يفتح الباب امام سيل من الدعاوى ترفع الى محكمة الجنايات الدولية ومحاكم وطنية في بلدان معينة، لتقوم باستدعاء قيادات عسكرية وأمنية وسياسية بتهم جرائم الحرب، كما واكد موقع “واينت” بأن مجموعات من مئات المحامين الدوليين يعدون ملفات شخصية ضد ضباط كبار في الجيش لرفعها الى الجنائية الدولية.
– نظر المستويان السياسي والاعلامي بقلق الى ان اعتماد المحكمة الدولية تقارير صادرة عن لجان الامم المتحدة والمقرر الخاص للشؤون الانسانية ومنظمة الصحة العالمية وعن وكالة غوث اللاجئين الاونروا والصليب الاحمر وغيرها، واعتبروا ان هذه المنظمات الدولية الانسانية لا تحظى بالمصداقية وأنها تدعم الارهاب وحصريا الاونروا. كما شدد الاعلام على القرار الامريكي الذي تزامن مع انعقاد المحكمة الدولية بتجميد ميزانيات الى هذه الوكالة والتي تسعى اسرائيل دوليا الى تفكيكها وانهاء دورها بحجة “انها تبقي الصراع نظرا لإبقاء قضية اللاجئين”
تقدير أولي:
• ما حدث في محكمة العدل الدولية وقرارها باستصدار اوامر احترازية لإسرائيل والقرار بمواصلة النظر في الدعوى، يضع اسرائيل والفلسطينيين في سياق غير مسبوق، اذ تخضع اسرائيل ولأول مرة الى مساءلة قانونية مستدامة ولا تستطيع تجاهلها، ولأول مرة تكون على مقعد المتهمين.
• قرارات المحكمة تجعل اسرائيل مضطرة للانصياع الى الاوامر الاحترازية الوقتية، وضبط سلوكها السياسي والعسكري وفقا لروح القرارات، وفي حال انتهكتها سوف تكون في ورطة قانونية.
• قد يعمق قرار المحكمة التوتر بين المستويين السياسي والعسكري، اذ ان الائتلاف الحاكم برئيسه نتنياهو وسموتريتش وبن غفير ووزير الامن غالنت يدفعون نحو استمرار الحرب وتعميق العمليات وتوسيع نطاقها مما قد يضع الجيش وضباطه في خانة المساءلة القضائية.
• قلق اسرائيلي من المنظمات الدولية الانسانية وقد تذهب باتجاه تحديد تحرك هذه المنظمات أكثر مما هو متبع، لكن سيكون من الاكثر صعوبة القيام بهذه الخطوة نظرا لاعتماد المحكمة الدولية هذه المنظمات.
• رغم خطاب المكابرة الذي تبناه نتنياهو والتقليل من شأن المحكمة الا ان القلق الاسرائيلي هو سيد الموقف، وهناك قناعة بان مرحلة جديدة لم تمر بها اسرائيل من قبل، قد بدأت تخضع فيها اسرائيل للمساءلة القانونية الدولية ولا يبدو بإمكانها الافلات منها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.