الزعيم الصيني في أوروبا: قراءة في العوامل والتحوّلات

تقدير موقف؛ مركز تقدم للسياسات

تقديم: يقوم الرئيس الصيني شي جين بينغ بجولة في أوروبا بدأها الأحد من فرنسا وتقوده لاحقا إلى المجر وصربيا. ويعوّل الفرنسيون والأوروبيون على تحقيق تقدم في ملف النزاع التجاري بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي. كما تعوّل باريس وأوروبا على دور صيني أكثر حيوية لإنهاء الحرب في أوكرانيا والعودة إلى طاولة المفاوضات. وإذا كانت زيارة فرنسا تعتبر إطلالة للصين على الاتحاد الأوروبي مقابل المواجهة مع الولايات المتحدة، فإن زيارة شي للمجر وصربيا تكشف عن متانة اختراق روسي صيني داخل أوروبا.

ويمكن قراءة الجولة في أبعاد وعوامل عدّة:

– الجولة هي الأولى للزعيم الصيني في أوروبا منذ عام 2019. وتتصدر المحادثات في فرنسا قضايا النزاعات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي. يأخذ الأوروبيون على الصين الدعم الحكومي للشركات بما يقوض المنافسة بين الاقتصادات. بالمقابل تنتقد الصين السياسة الحمائية التي بدأت فرنسا تنتهجها وقد تعمم لتطال الاتحاد الأوروبي برمته.
– أنهت فرنسا منذ 5 سنوات ما اسمته السياسة الاقتصادية “الساذجة” مع الصين واعتمدت اجراءات حمائية لصناعاتها. وقد أقلقت السياسة الفرنسية الحمائية ألمانيا بالنظر إلى مصالح برلين التجارية الواسعة مع الصين.
– بعد وصول العجز التجاري للاتحاد الاوروبي مع الصبن الى 396 مليار يورو عام 2022، انخفض إلى نسبة 27 بالمئة عام 2023 ليصل الى 191 مليار يورو. وتسعى فرنسا والأوروبيون إلى تقليص هذا العجز من خلال اتفاقات تبادل عادل مع الصين والسماح للشركات الأوروبية بالوصول السلس إلى السوق الصيني.
– مهّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة شي باجتماع تنسيق للمواقف، الخميس، مع المستشار الألماني أولاف شولتز. لكن الأخير اعتذر عن دعوة ماكرون للانضمام إلى اجتماعه مع الزعيم الصيني ورئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فان دير لاين (بداعي التزامه بزيارة لكل من لاتفيا وليتوانيا). وكان ماكرون يسعى مع شولتس إلى تكرار تجربة انضمام المستشارة السابقة انغيلا ميركل إلى اجتماع من هذا النوع جرى عام 2019.
– بوجود رئيسة المفوضية الأوروبية، يسعى ماكرون إلى تعزيز زعامته الأوروبية وتأكيده الدفاع عن المصالح الأوروبية قبل الانتخابات الأوروبية في يونيو المقبل. وعلى الرغم من الصورة الموحدة للاتحاد حيال الصين، غير أن بكين تتعامل مع أعضاء الاتحاد بشكل ثنائي. وكان المستشار الألماني مثلا قام منتصف أبريل على رأس وفد من رؤساء الشركات الألمانية بزيارة الصين للدفاع عن مصالح بلاده.
– للزعيم الصيني مصلحة في اللعب على وتر التباينات داخل أوروبا بشأن العلاقة مع بلاده (يرى ماكرون أنه لا يوجد إجماع بشأن الاستراتيجية الواجب اتباعها حيال الصين). وللزعيم الصيني مصلحة في استغلال الخلافات في الرؤى بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن طبيعة ومستقبل العلاقة مع الصين. وقد أكد، الاثنين، أن “بكين تعتبر أوروبا أولوية في السياسة الخارجية الصينية”.
– من هذه الخلافات ما عبّر عنه ماكرون بعد زيارته للصين في أبريل 2023 من مواقف أثارت جدلا في أوروبا والولايات المتحدة حين قال “إن على أوروبا أن تنتهج سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة والصين وأن تكف عن التبعية لواشنطن”.
– تعوّل فرنسا وأوروبا على موقف مختلف للصين بإمكانه المساعدة على إنهاء حرب أوكرانيا والعودة إلى طاولة المفاوضات خصوصا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيزور الصين خلال اسبوعين. فالصين تعتبر نفسها طرفا محايدا لكن الأوروبيين يلاحظون أنها لم تدن الهجوم الروسي على أوكرانيا. فيما اتهم أمين عام الناتو، ينس ستولتنبرغ، مؤخراً الصين بتعزيز اقتصاد الحرب في روسيا وتزويدها بتكنولوجيات متقدمة ممكن استخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، وسط اشارات بامكانية فرض اوروبا عقوبات على الشركات الصينية التي تتعامل مع روسيا. ويعتزم الرئيس الفرنسي أن يطلب من الصينيين دعم “هدنة أولمبية” لتعليق كل النزاعات خلال دورة ألعاب باريس هذا الصيف.
– تمثل زيارة الزعيم الصيني للمجر وصربيا تعزيرا لاختراق صيني روسي داخل أوروبا. فإضافة إلى قرب البلدين الأوروبيين من روسيا، فان الصين تموّل خط للسكك الحديد ما بين بلغراد وبودابست لنقل البضائع الصينية التي تصل الى مرفأ بيريه في اليونان. كما أن انتشار مصانع البطاريات والسيارات الكهربائية الصينية في المجر يمثل الروابط الاقتصادية بين بكين وبودابست.
– تتصادف زيارة شي لصربيا مع ذكرى مرور 25 عاما على قيام الناتو بقصف السفارة الصينية في بلغراد عام 1999. وهي مناسبة للزعيم الصيني يذكّر فيها بازدواحبة المعايير الغربية ونزوعها نحو الحرب وتناقضها مع “التزام الصين بالسلام والحوار والدبلوماسية”، وفق جانكا أورتل، مديرة برنامج آسيا للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR).

خلاصة:

**يسعى الزعيم الصين إلى تعزيز علاقات بلاده مع أوروبا من خلال التمسّك بسياسة العلاقات الثنائية مع كل عضو من أعضاء الاتحاد الأوروبي على حدة، ومن خلال استغلال تباين المصالح الاقتصادية بين أوروبا والولايات المتحدة.
**تسعى فرنسا وأوروبا إلى تصحيح الخلل في العلاقات التجارية مع الصين وتقليص العجز التجاري بين الطرفين والضغط على بكين لوقف سياسة الدعم الحكومي لشركاتها وفتح أسواق الصين أمام الشركات الأوروبية.
**تعمل فرنسا وأوروبا على اجتذاب الصين نحو موقف مختلف بشأن الحرب في أوكرانيا يكون ضاغطا على روسيا وسط اتهامات لبكين بدعم اقتصاد الحرب في روسيا.
**تمثل زيارة شي الى المجر وصربيا تعزيزا لاختراق صيني روسي داخل أوروبا. ويمثل البلدان امتدادا اقتصاديا للصين ويعتبران بوابات في إطار مشروع خط الحرير الاستراتيجي في أوروبا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.