الدور التشادي في الصراع السوداني، حسابات إثنية وقبلية داخلية .

إسرائيل تدخل من نافذة نجامينا

وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات

ورقة سياسات:

تقديم: بعد فشل المحاولة الانقلابية الاخيرة في تشاد ضد حكم محمد ادريس ديبي، رئيس المجلس الانتقالي في ديسمبر 2022 , واستنادًا الى التوضيحات التي دفع بها رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان حول تحمل قوات الدعم السريع وقائدها مسؤولية المحاولة الانقلابية، أصبحت مجهودات رئيس المجلس الانتقالي التشادي ، وحاضنته الاجتماعية المسيطرة علي الحكم منذ عام 1990 , تدور حول كيفية تأمين استمرارية حكمهم للبلاد. كل المؤشرات تفضي الى وجود دور تشادي في الازمة السودانية وانحيازها للجيش والميليشيات المساندة له وذلك من أجل تحجيم نفوذ و تأثير الدعم السريع وقائده محمد حمدان حميدتي ، وفي اطار التحولات في المواقف الدولية وتراجع بعض الأطراف الإقليمية من الدخول في صراع مع موسكو بعد ان تمظهرت احدى مسببات الصراع وحملت على بعده التنافسي بين الولايات المتحدة وروسيا ، باتت نجامينا بوابة للتدخل ، ولديها دعم إسرائيلي وغطاء امريكي وبريطاني .

تحليل:

تزامن نشوب الصراع المسلح بين الدعم السريع والجيش مع زيارة محمد ادريس ديبي للمملكة العربية السعودية، لكن تطورات الأوضاع الأمنية في السودان فرضت عليه قطع زيارته والعودة الى بلاده الثلاثاء 19 أبريل ، ليترأس اجتماعا أمنيًا رفيع المستوى يوم الأربعاء وذلك لمباشرة الإجراءات التنفيذية لقرار إغلاق الحدود مع السودان و سحب القوات التشادية من الآلية العسكرية المشتركة بين السودان وتشاد المعنية بمراقبة الحدود ومعالجة الاختلالات الأمنية.
يأتي هذا القرار الاستباقي لقطع الطريق أمام أي إمدادات للدعم السريع من حواضنه الاجتماعية الإقليمية ، وللحيلولة دون انسحاب عناصر الدعم السريع في حال خسارته للمعركة . كما يتوافق مع الوجود الملموس لعدد مقدر من قوات الحركات المسلحة الدارفورية في المناطق الحدودية التشادية كخط دفاع أول ضد المعارضة التشادية المتواجدة في ليبيا، وتاريخيا، نجد أن قوات جيش تحرير السودان بقيادة مناوي والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم (وسابقًا شقيقه خليل إبراهيم) قاتلت الي جانب ادريس ديبي أثناء مهاجمة قوات المعارضة للعاصمة، وأن عددا من القادة الميدانيين والجنود كانوا ضمن الجيش الشادي بحكم التداخل الاجتماعي والعرقي .
قرار التدخل التشادي في الازمة السودانية يأتي تتويجًا لإستراتيجية متكاملة تهدف الى:
محاولة تحييد الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا “مناوي وجبريل والطاهر حجر” في الصراع بين الجيش والدعم السريع، مقدمة لضمان مشاركتهم لاحقًا في تأمين الحدود وقتال المعارضة التشادية التي تتكون من مجموعات ذات أصول عربية وذلك بعد أن تم استيعاب الفصائل المعارضة المنحدرة من الزغاوة ” توم وتيمان ” في السلطة بعد إتفاقية الدوحة للسلام. لكن اتفاق الدوحة لم يشمل معارضات المكونات العربية المسلحة من قبائل “السارا” و”القرعان” و”التاما”,”والبرقو”، وتعتبرهم نجامينا ادوات حميدتي في الصراع الداخلي التشادي والمحاولات الانقلابية المتكررة.
تشير المعلومات المتقاطعة الى توجيه من الرئاسة التشادية للفصائل المسلحة الدارفورية بضرورة دعم الجيش في المعركة مع الدعم السريع ، ويمكن ان يجد هذا التوجه مشروعية وقبولا لدي جمهور قبائل دارفور من الزغاوة والفور، والذين لم تجد مظلوميتهم الطويلة حلا رغم سقوط نظام البشير والمتمثلة في مشاكل معلقة في قضايا الحواكير والملكيات التي استولى عليها “الجنجويد” بقيادة حميدتي في ذلك الوقت، كما ان هناك ملايين النازحين واللاجئين من شعب دارفور ذو الأصول الافريقية، لا زالوا خارج ديارها في معسكرات اللاجئين والنازحين، ومن السهل تجنيدهم ضد قوات الدعم السريع وعصبيتها الرئيسة قبيلة حميدتي من الرزيقات وحلفه ونسبه من قبائل البقارة العربية.

الدور الإسرائيلي:

ثمة دوافع إقليمية مفهومة ومبررة لدعم الجيش السوداني لتامين استقرار البلاد، وتجنب النموذج الليبي واليمني، لكن المفاجئ كان الموقف الإسرائيلي، حيث تظهر اليوم في المشهد عبر مساعدة استخباراتية وفرق مستشارين من الموساد، والذي يعد ترجمة للاتفاق الذي أسفر عن زيارة الرئيس محمد ديبي لتل ابيب وافتتاح سفارة بلاده في فبراير 2022 وكان في استقباله رئيس الموساد ديفيد بارنيا في المطار. ونقلت المواقع الإعلامية، ان إسرائيل وعدت ديبي في حينه بدعم فوري من فرق تدريب أمنى وتقني للحرس الجمهوري الخاص لمواجهة المتمردين التشاديين الذين ينطلقون من الجنوب الليبي ومن إقليم دارفور السوداني.
بعد سبعة وأربعين عامًا من قطع تشاد علاقتها مع إسرائيل، أعاد البلدان في يناير 2019 العلاقات الدبلوماسية. بعد مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي إيتنو، الذي حكم البلاد لمدة 30 عامًا، في أبريل 2021 ، تراجعت العلاقات مع إسرائيل. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن محمد إدريس ديبي اتخذ نهجًا أكثر تحفظا تجاه التطبيع. لكن مسؤولا إسرائيليا قال: “عندما أصبح ديبي الزعيم الجديد لتشاد، نظر إلى العلاقات مع إسرائيل على أنها عبء أكثر من كونها مصدر قوة، بذلت في حينها جهود حثيثة وصبورة عمل عليها قائد جهاز المخابرات الخارجية لإقناعه بالعلاقات الدافئة”. في إطار الترتيبات تمكن الموساد من إحضار شقيق الرئيس الحالي ويده اليمنى، عبد الكريم إدريس ديبي، إلى تل أبيب في زيارة سرية في عام 2021″. ولاحقا ترتيب زيارة ديبي لإسرائيل في فبراير الماضي، وفتح السفارة في تل ابيب.
تكمن أهمية تطبيع العلاقات بين نجامينا وتل ابيب في مجموعة الاتفاقات في مجالات التدريب والتسليح والتقنيات العسكرية الحديثة والاستشارة الأمنية في مجال مقاومة التمرد. وفي مطلع اذار مارس الماضي وبعد الإعلان عن محاولة انقلابية اتهم فيها الفريق محمد حمدان دقلو انتقلت فرق امنية من الضباط والمستشارين الإسرائيليين الى نجامينا.
يأمل المسؤولون الإسرائيليون أن يوجه الزخم المتجدد مع تشاد رسالة إلى دول عربية وإسلامية أخرى في المنطقة مثل النيجر والسودان لتجديد الجهود لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. ويتطلع المسؤولون الإسرائيليون الى دعوة تشاد جنبًا إلى جنب مع السودان للمشاركة في منتدى النقب الإقليمي ومجموعات العمل المتفرعة عن الاتفاقيات أبراهام حتى يتمكنوا هم أيضًا من الاستفادة من ثمار السلام بطريقة من شأنها توسيع الدعم للتطبيع مع إسرائيل وتشجيع المزيد من الدول للقيام بذلك.
لكن السؤال المطروح في الأوساط الإعلامية والدبلوماسية ، كيف حسمت إسرائيل موقفها بمساندة الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع وما هي خلفيات هذا الموقف ؟، ثمة اعتبارات إسرائيلية خاصة بمعزل عن علاقاتها مع الأطراف الدولية المتصارعة على افريقيا ،إذ تدرك تل ابيب ان القارة الافريقية التي تستفيق على هويتها وتصفية بقايا الاستعمار الأوروبي القديم ، تمتلك ثروات وموارد نادرة وأسواق لمليار وربع مليار نسمة ، ومشاريع تنمية كبرى تحتاج الى بنية تحتية ، ولهذا تتقدم إسرائيل وشركاتها المختلفة لتصارع على حصة من التنافس الدولي . وتجد في الدول الهشة والضعيفة والتي تعيش اضطرابات سياسية واقتصادية وصراعات عرقية ودينية، فرصة للدخول من بوابة المساعدة الأمنية. وتشاد خير نموذج وبوابة للنفوذ في دول جنوب الساحل التي تواجه اضطرابات وتهديدات من الفصائل الإرهابية وحركات التمرد. وإذا كان السودان المضطرب يشكل أرضية محتملة للتدخل، فان ذلك يقدم دعما للتيار المتنفذ والقوي في الجيش، الذي غامر بتطبيع العلاقات في لقاء جمع البرهان رئيس المجلس السيادي مع نتنياهو في اوغندا. لان إسرائيل تدرك ان أي انتصار للقوى المدنية او تغيير في ميزان القوى سيؤدي الى وقف التطبيع والتبادل الدبلوماسي والتمسك بمقولة الحكومة المدنية السابقة برئاسة عبد الله حمدوك، ان أي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل لن يكون قبل قيام برلمان منتخب وحكومة يصادق عليها البرلمان.
ورغم الحذر في موقف حكومة نتنياهو من الحرب الأوكرانية، الا ان علاقات تل ابيب بموسكو تشهد بعض التوترات، تسمح لتل ابيب بمواجهة المصالح الروسية في السودان وافريقيا وفي نفس الوقت مشاركة الولايات المتحدة ذات الأهداف في الصراع ضد النفوذ الروسي والصيني وفي البوابة السودانية.
يعيش 12 مليون شخص في تشاد؛ أكثر من نصفهم مسلمون و44٪ مسيحيون. تبلغ مساحتها حوالي 1.3 مليون كيلومتر مربع وهي خامس أكبر دولة في إفريقيا. تقع على الحدود مع السودان وليبيا وتلعب دورًا مهمًا في سلسلة دول الساحل. كما انها تخوض صراعا طويلا ضد التنظيمات الجهادية العالمية وحركات معارضة مسلحة، كما تعاني البلاد من مشاكل اقتصادية حادة.

الخلاصة:

الصراع السوداني الدموي يدخل طورا جديدا من التدخلات الأجنبية والصراعات الدولية، والدخول التشادي على خط الازمة السودانية نيابة عن قوى إقليمية ودولية يؤشر الى أن هنالك حربا أهلية قادمة سيطول أمدها، وقد تتحول الى ساحة صراع إقليمي ودولي . خاصة وان التيار المدني المدعوم من قوى مسلحة في قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي وغيرها من القوى المحسوبة على تيار الثورة والتغيير ، تستفيق أخيرا على محاولة الانقلاب على كل منجزات الشعب منذ ديسمبر 2019 ، خاصة بعد تصريح احد ابرز قيادات المؤتمر الوطني ونظام البشير ،أحمد هارون ، إثر هروبه من السجن ، انه يقف وكل منسوبي حزبه مع الجيش ضد قوات الدعم السريع ، ما يؤكد ان هذه الحرب ليست خلافا بين رموز المؤسسة العسكرية ، بل وتتحول الى حرب أهلية نموذجية ، عنوانها ، مع او ضد عودة النظام القديم ، وقد يمهد انكشاف طبيعة الصراع ، لانضمام القوى المدنية والديمقراطية الى قوات الدعم السريع بعد اعلان قائده حميدتي ، بصورة لم تكن تتضح بعد ، انه سيسلم السلطة للمدنيين وسيعمل على اخراج الجيش والقوى المسلحة من السلطة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.