الحراك الاجتماعي في السعودية: تحولات تاريخية في بيئة إقليمية مضطربة

وليد زايد *

مثّل الأمر الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز بتعديل صلاحيات “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” والتي قامت بدور الشرطة الدينية، بداية عملية إصلاح ضخمة في تاريخ المملكة منذ التأسيس، ثم أعقبها جملة من الإجراءات، طالت مكانة ركنين أساسيين في شرعية الحكم وهما: العائلة الحاكمة؛ إذ جرى اعتقال عدد من الأمراء بتهم الفساد، وأقيل البعض من مناصبهم لعدم الكفاءة، والثاني التحفظ بالسجن على عدد من رجال الدين البارزين. وأشار متابعون للشأن السعودي، إلى أن نجاح الأمير الشاب محمد بن سلمان في تمرير هذه الإجراءات وبتأييد شعبي، خاصة من الجيل الشاب، أظهر أن الإصلاح في السعودية من الأعلى، عملية واقعية وممكنة، ولم يكن ينقصها يوما سوى الإرادة السياسية.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، سمحت السعودية للنساء بقيادة السيارات وحضور المباريات الرياضية، وفتح دور السينما والمسرح ،الامر الذي اعتبر نقطة تحول فى العلاقة بين المجتمع و الدولة وبين المجتمع السعودي والعالم الخارجى. لتحول لا ينطوي على درجة من الانفتاح الاجتماعى والدينى فقط، ولكن له جوانب اقتصادية وسياسية لا يمكن إغفالها، وفى ذات الوقت لها دلالات وتداعيات على المستويين المحلى والدولى، خاصة فى ظل استراتيجية 2030 التي تسعى المملكة العربية السعودية لتنفيذها.

أولا: الدين و نشأة المملكة العربية السعودية

يعود تأسيس الدولة السعودية الاولى لعام 1744، بعدما وقع محمد بن سعود، مؤسس العائلة الحاكمة، ميثاق الدرعية مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، المُنظر المؤسس للفكر الوهابي، وشكلت هذه الاتفاقية شكل الدولة السعودية الأولى عند التأسيس وكذلك تطورها حتى الوقت الراهن .وقد بلورت هذه الاتفاقية التحالف بين الدين والسياسة والسلاح، ومهدت للسيطرة على أراضي الجزيرة العربية بدعوى الإصلاح الدينى ونشر الدين الصحيح والبعد عن البدع والخرافات والعودة الى ما كان عليه السلف الصالح  فى عهد النبوة والخلفاء الراشدين.

هذا المزيج، الدين والسياسة والسلاح، لم يخلق نظاما سياسىا بالشكل المتعارف عليه حاليًا ولكنه أرسى دعائم سلطة واسعة على شبه الجزيرة العربية، مستمداً شرعيته من سلطة الدين والتوازنات بين القبائل. وقد عملت الأسرتان على تعزيز التحالف بينهم من خلال المصاهرة وتقسيم السلطات بينهم، فقد أسس هذا التحالف نمطاً من الحكم يقوم على توزيع السلطة بينهما، تختص أسرة محمد بن سعود بالحكم والسياسة والقوة العسكرية، وتختص أسرة محمد بن عبد الوهاب وشيوخ الوهابية بالوظيفة الدينية وبالطبع السيطرة على التشريعات باعتبارهم المحتكرين الوحيدين للتفسير الديني والشرعي.

ولكن ظهور النفط، أستبدل الاعتماد على شيوخ الوهابية لترسيخ حكم العائلة المالكة بالاقتصاد الريعى القائم على النفط كمصدر للدخل، فقد ساهم النفط فى تغيير موازين القوة بين العائلة المالكة وشيوخ الوهابية لصالح العائلة الحاكمة، وأصبح ولاء الناس  للسلطة الحاكمة التى توفر لهم فرص للعيش الجيد ومزايا مالية كبيرة تجعلهم يعيشون فى حالة غير مسبوقة من الرفاه. لم تستغن العائلة الحاكمة عن شيوخ الوهابية في الوساطة بينهم وبين الشعب فقط، بل ونجحت فى تحويل العلاقة مع شيوخ الوهابية الى علاقة ريعية أيضًا، وبذلك ضمنت ولاءهم الكامل للسلطة الحاكمة.

وعلى مدار عشرات السنوات توغل شيوخ الوهابية ليس فقط فى حياة المجتمع السعودي، ولكن سعوا للانتشار والسيطرة على الخطاب الديني في جميع أرجاء الوطن العربي وحتى الجاليات الإسلامية في أوروبا، وأطلقوا حالة من التحريم الشديد ورفض تام للحداثة الاجتماعية، بل والتصميم على الوقوف أمام التطور الخطي للتاريخ والزمن، ابتداءً بالاعتراض على إصدار بطاقة الأحوال للمرأة وتحريم شرب القهوة، مرورًا بمعارضة تعليم البنات وتحريم التلفزيون والتليفونات المحمولة المزودة بالكاميرا، وتحريم خروج المرأة للعمل، والسيطرة على المناهج الدراسية. ونتيجة لهذه السطوة الكبيرة للفقه والتأويل الديني المتشدد على حياة الناس، نشأت حالة ازدواجية بين حياة السعوديين في الداخل والحياة التي يعيشونها عند الخروج من المملكة.

ثانيا: أحداث 11 سبتمبر وتوتر العلاقة مع أمريكا والغرب

منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تتهم العديد من المؤسسات الأمريكية، وكذلك أهالى الضحايا، النظام السعودى بالتورط فى هذه الهجمات ونشر التطرف والعنف، سواء بشكل مباشر من خلال تحريض أشخاص سعوديون، أو من خلال المناهج التكفيرية والمتطرفة التى تبثها المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية. ومنذ ذلك الحين تحول التعامل مع السعودية من كونها شريكا استراتيجيا، وخاصة بسبب دورها فى حرب الخليج، إلى كونها مصدر الإرهاب والتطرف، وأصبح التعامل معها لأغراض براغماتية بحتة تتمثل فى كونها أكبر الدول المنتجة للنفط.

وقد زادت حادثة حريق مدرسة البنات في مكة عام 2002 من تعميق النظرة العدائية تجاه المملكة، حيث وُجِّهت إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية اتهامات بالتسبب في زيادة عدد الوفيات عندما قاموا بطرد أولياء الأمور والحريق مشتعل في المدرسة وإغلاق الباب على البنات أثناء الحريق وذلك لأنهن “لا يرتدين الحجاب”. واتهم أفراد الهيئة بمنع رجال الإطفاء والإسعاف من الدخول إلى المدرسة لأنه “لا يجوز للفتيات أن ينكشفن أمام غرباء”، وكانت النتيجة خروج البنات جثثا متفحمة. وحينها وجهت الادارة الأمريكية والمؤسسات الدولية أصابع الاتهام إلى مناهج الثقافة الإسلامية السعودية، وبدأت التدخل فى تغيير المناهج التعليمية فى السعودية لتصبح أكثر انفتاحا على العالم.

وفي الآونة الأخيرة، تجدد الحديث مرة أخرى عن علاقة العائلة المالكة وبعض المؤسسات السعودية بأحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، حيث تبين أنه فى عام 2002، تم تقديم تقرير شامل للكونغرس عن أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ولكن قامت إدارة بوش بحجب دائم لجزء من التقرير مكون من 28 صفحة. وتشير الاتهامات إلى تورط محتمل لشخصيات حكومية سعودية في الدعم المالي واللوجيستي للعملية الإرهابية، وعلى إثر هذا طالبت عائلات ضحايا الهجمات بمنحهم حق مقاضاة السعودية والإفصاح عن محتويات الأوراق المحجوبة، وبالرغم من أن حق المقاضاة مخالف للقانون الأمريكي، الأ أن الكونجرس وافق على قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب أو ما يعرف باسم قانون “جاستا”، الذي يسمح بإجراء دعاوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية أو أي دولة أخرى تثبت رعايتها للإرهاب.

ثالثا: ديناميكية التغيير وعوامل التحول نحو الانفتاح

التغيرات والتحولات التي تشهدها المملكة العربية السعودية ليست قادمة من العدم، لكن هناك عدة عوامل تدفع فى اتجاه التحول نحو الانفتاح الاجتماعي، وتضمن استمرار هذه الاصلاحات الداخلية:

1- محمد بن سلمان: رجل التحولات الكبرى

في شهر يونيو/حزيران لعام 2017، عيّن العاهل السعودي الملك سلمان، نجله محمد بن سلمان وليا للعهد، ليحل بذلك محل ابن عمه محمد بن نايف. ومنذ ذلك الحين، شهدت المملكة تغييرات واسعة على مستوى الخطاب الرسمي للسلطة الحاكمة ليصبح أكثر انفتاحًا بعيدًا عن الأصولية الإسلامية، وذلك بفضل بصمات ولي العهد محمد بن سلمان. فمن الواضح أنه يمتلك رؤية واضحة تجاه الوضع الداخلي السعودي والوضع الإقليمي العربي، وكذلك رؤية في تعامله مع العالم الخارجي، وهذا يظهر في تصريحاته لوسائل الإعلام العربية والأجنبية.

فقد تعهد محمد بن سلمان بقيادة السعودية إلى التخلص من الأفكار المتشددة والأصولية الإسلامية، التي بدأت، بحسب تصريحاته، في عام 1979 مع مشروع الصحوة الإسلامية، حيث يرى أن السعودية قبل الثورة الإيرانية لم تكن بهذا التشدد، وأن هذه الأصولية ظهرت كرد فعل لمساعي إيران للسيطرة على الدول العربية، وعلى العكس فالسعودية كانت قبل هذا التوقيت- بحسب قوله- تمثل الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب.

أما عن نظرته للمرأة السعودية، فقد أكد في لقاء بثته قناة «سي بي إس» الأميركية، أنه أعطى للنساء السعوديات حقوقاً جديدة، مثل تسهيل بدء عمل تجاري، والانضمام إلى الجيش، وحضور الأحداث الرياضية، وفي يونيو، سيكنّ قادرات على قيادة السيارات وإصدار رخص رسمية لهن، كما أنه صرح بأن المرأة السعودية لن تكون مجبورة على أرتداء العباءة أو الحجاب.

2- التحولات الاقتصادية:

الظل الاقتصادى للقرارات الاجتماعية الاخيرة فى السعودية واضح جلياً، حيث يدفع نحو المزيد من الانفتاح، وذلك لتلبية المطالب الاقتصادية العاجلة. ففى رؤية 2030، والتى أطلقتها السلطة السعودية، دفع واضح نحو التحول من دولة ريعية، تمتلك فيها الدولة وسائل الإنتاج ومصادر الدخل وتعتمد على البترول كمصدر أساسي للدخل وتنفق من خلاله على الشعب السعودي، إلى دولة رأسمالية حداثية تعتمد على تنوع مصادر الدخل، وخاصة بعد ارتفاع عجز الموازنة الى مئات المليارات، ففى عام 2015 فقط كان عجز الموازنة حوالي 366 مليار ريال، واتخذت الحكومة السعودية بسياسات التقشف حتى قل العجز فى عام 2017 الى  198 مليار ريال.

وتعتبر أهم المكاسب الاقتصادية، على سبيل المثال، من السماح للنساء بالقيادة في السعودية هو تقليل تكاليف استقدام السائقين الأجانب وتوفير عوائد مرتباتهم لصالح الأسر السعودية، بالإضافة إلى توفير مصاريف الاستقدام والتأشيرات والإقامة، وتشير البيانات إلى أن الأسر السعودية تنفق ما يزيد على 25 مليار ريال رواتب سنوية للسائقين الأجانب، حيث يوجد نحو 1.3 مليون سائق، وفق النشرة الإحصائية لسوق العمل بالمملكة خلال الربع الأول من 2017. كما أن القرارات الاجتماعية الاخيرة، وفى قلبها قيادة المرأة للسيارات، تدعم حضورا أوسع للمرأة في المجال العام وتدعم  قبولا لدور أكبر للنساء في مجتمع الأعمال، فمن ضمن رؤية 2030 جزء يعنى بتوسيع مشاركة المرأة فى سوق العمل فبالرغم من أن المرأة السعودية تمثل نحو 49.6% من المتخرجين الجامعيين بالمملكة السعودية، ألا أنهم لا يشكلن فيه سوى 16% فقط من الأيدي العاملة، وتسعى الرؤية الى مضاعفة هذه النسبة الى حوالى 30%.

3- أثر التعليم والابتعاث الخارجي:

على الرغم من الهيمنة الدينية المتشددة على المؤسسات التعليمية في المملكة العربية السعودية، إلا أن النقطة الايجابية أن المملكة السعودية تشجع على الدراسة فى خارج الأراضي السعودية، فقد أكدت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) في تقرير لها صدر عام 2009، أن السعودية في المرتبة الأولى عالمياً في نسبة المبتعثين المسجلين بمؤسسات التعليم الأكاديمي خارج أوطانهم. وقد بدأت أول بعثة تعليمية سعودية خارج المملكة فى عام 1935، حيث أُرسل 14 دارساً الى مصر، و توسع انتشار البعثات في لبنان وعدد من الدول العربية والاوروبية، ثم أول بعثة سعودية فى الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 1952، وقد مثل عام 1980 نقطة الذروة الأولى في تاريخ الابتعاث السعودي للولايات المتحدة، حيث تجاوز عدد المبتعثين لدى المكتب التعليمي في هيوستن 11 ألف مبتعث ومبتعثة، وكان ثلث هذا العدد من الإناث.

وكان عام 2005 نقطة تحول فى تاريخ الابتعاث الخارجي للطلاب السعوديين، إذ أعلنت المملكة السعودية عن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي بدأت نواته في أميركا، وامتد فيما بعد ليشمل دولا عديدة، فقد ساعد هذا البرنامج على تذليل العقبات أمام السعوديين الراغبين في الدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، حتى بلغ عدد الدارسين الذين تُشرف عليهم الملحقية الثقافية السعودية فى عام 2015 الى 125513 دارسًا ودارسة، بجانب 9504 من الدارسين على حسابهم الخاص. وفى ضوء هذه الإحصائيات، لا يمكن النظر إليها بدون قراءة فى تداعياتها، وخاصة فيما يتعلق بالنساء المبتعثات، فلا يمكن تصور أن هؤلاء سيتحملون دور هامشي في المجال العام الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي أكثر من ذلك.

4- الشباب:

المجتمع السعودي مجتمع شاب، حيث أن 70% من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وهذا له انعكاس واضح على أى تغييرات تشهدها المملكة، وخاصة فى ظل عصر العولمة والتطور التكنولوجي، لأن فئة الشباب هم الأكثر احتكاكًا بالعالم الخارجي والتطورات العالمية، وخاصة فى ظل زيادة نسبة الابتعاث العلمي إلى الخارج والاحتكاك مع الثقافات المختلفة، فلا يتصور أن يستمر المجتمع السعودى فى الجمود الاجتماعى طويلاً، فقد أصبح الانخراط في مُنتجات العولمة والحداثة حتمية تاريخية لكل الدول. وفى ظل تآكل النظام الأبوي السعودى القائم بين المواطنين والأسرة الحاكمة، سيعتمد الاقتصاد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتى من المتوقع أن ينخرط فيها الفئات الشابة وهذا سيكون له مردود اجتماعى قوى فى ظل سيطرة الشباب، من الرجال والنساء، على النواحى الاقتصادية.

5- المجتمع المدني:

فى الاونة الاخيرة، ظهرت عدة منظمات حقوقية تدفع تجاه الحصول على المزيد من الحريات الدينية والسياسية والاجتماعية، مثل  ديوان المظالم الأهلي، مرصد حقوق الإنسان في السعودية، منظمة القسط لدعم حقوق الإنسان في السعودية، المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان. ويمتد الأمر أيضا إلى المبادرات الفردية والجماعية التى تهدف للضغط على السلطة الحاكمة فى السعودية، فعلى سبيل المثال كانت أولى الحركات الفعلية للمطالبة بالقيادة للسيدات عام 1990، عندما أقدمت 47 امراة على قيادة سيارات في شوارع الرياض، فالحقوق التى بدأت السلطة السعودية في أعطاها للنساء لم تاتى من الفراغ بل أتت تتويجا للنضال النسوي ولمجهودات حركات الضغط والمبادرات الفردية والجماعية التى أطلقها الشباب منذ سنوات.

رابعًا: دلالات وتداعيات

يمثل الإصلاح الاجتماعى فى السعودية ضرورة وحاجة ملحة، فلا يمكن تصور استمرار المجتمع السعودى بدونها فى ظل عصر العولمة والتكنولوجيا الرقمية وانفتاح الاجيال الشابة على العالم كله، ولأن هذه التغيرات لا تحدث فى الفراغ أو جاءت من العدم، فان لها تداعيات ودلالات سواء على المستوى المحلى أو المستوى الاقليمى والدولى:

1- على المستوى المحلى:

تعتبر التغييرات الاجتماعية التي تشهدها المملكة السعودية حاليا، مجرد بداية لتغييرات أخرى ستتراكم بمرور الوقت، وخاصة فيما يتعلق بشكل نظام الحكم القائم وإعادة بناء الشرعية التى تقوم عليها الدولة السعودية منذ قيامها. ففى ضوء العوامل، السابق ذكرها، والتى تدفع نحو حدوث تغييرات اجتماعية واسعة، لا يمكن تصور استمرار الوضع السياسى فى المملكة بنفس الوتيرة الموجودة منذ إعلان قيام المملكة العربية السعودية، ملكية مطلقة وتركيز مطلق للسلطات فى يد الأسرة الحاكمة، ومجلس شورى بدون صلاحيات فعلية تُذكر، فقط لتقديم النصح والمشورة غير الملزمة، بجانب حظر الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الحقوقية. فالسياق الذى ظهر فيه نظام الحكم القائم تغيير كليًا سواء على المستوى المحلى أو الدولى، الدولة الزبونية الريعية التى كانت تنفق على الشعب السعودي وتمده بمستوى معيشي مرتفع تتراجع يومًا بعد يوم، والنظام السياسى يفقد أهم مزاياه وهو الشكل الأبوي القائم بين الاسرة الحاكمة والشعب السعودي، فتوسع مشاركة الشباب والنساء فى المجال العام واعتماد النظام الاقتصادى على المشروعات الصغيرة والمتوسطة يؤدي الى إعادة توزيع مصادر الانتاج ويخلق حالة من الندية لم تكن موجودة من قبل، وهذا بدوره قد يؤدى الى تحول المملكة العربية السعودية من ملكية مطلقة الى ملكية دستورية او شبة دستورية فى السنوات القادمة.   

العنصر الآخر هو إعادة التكوين الإيديولوجي للنظام السياسى، فيما يتعلق بالعلاقة مع الدين، لا يمكن توقع بشكل دقيق أن السعودية ستتحول الى العلمانية، بمعنى فصل الدين عن الدولة، حتى بعد تصريح سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، بأن السعودية والامارات ومصر والاردن والبحرين يريدون شرق أوسط علماني، ولكن على الأقل فأن هناك توجه لإعادة تشكيل العلاقة مع الدين بحيث يكون بعيدًا عن الأصولية المتشددة والوهابية التي شهدتها السعودية فى المرحلة السابقة، وكان أول هذه الخطوات هو تقليص دور هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى المجال العام ونزع حق الضبطية القضائية منهم، واعتقال العديد من شيوخ الوهابية ضمن حملة الاعتقالات الاخيرة، فمن الواضح أن هذا التوجه  يسير فى مسار التأكيد على الدولة الوطنية المدنية ذات الهوية الاسلامية والعربية وليست فى إطار الدولة الاسلامية الثيوقراطية.

2- على المستوى الاقليمى والدولى:

أثارت القرارات الاخيرة وبدايات الإصلاحات الاجتماعية فى السعودية ترحيبًا واسعًا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ وأيضًا بعض الدول العربية، كما أن إدارة ترامب تدعم السلطة السعودية الحالية لاعتبارات براغماتية بحتة، فشكل العلاقات الدولية الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وبعد انتهاء الحرب الباردة لم يعد قائما، فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى الى قيادة العالم من خلال تكوين شبكات للتحالف غير المجانى، والدليل على ذلك تصريحات ترامب حول أن الولايات المتحدة تدعم السعودية وتنفق المليارات من أجلها دون أن تحصل الولايات المتحدة الامريكية فى المقابل على شئ.

وعلى أثر هذا لن تتحمل الادارة الامريكية أن تستمر السعودية في إنتاجها للمتطرفين وتأجيج الإرهاب فى الشرق الأوسط من ناحية، ومن ناحية أخرى فالشراكة الأمريكية السعودية ستنفق عليها السعودية كما تنفق الولايات المتحدة، خاصة فى ظل توسع مفهوم الأمن القومي السعودي لمنافسة ايران وقطر على نفوذهم في المنطقة، فالسعودية تدعم الحركات المناهضة لبشار الاسد فى سوريا وتدعم الحرب ضد الحوثيين فى اليمن وتأجج الصراع فى لبنان ضد حزب الله والنفوذ الإيراني وتدعم بعض النظم العربية فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين. ويرى متابعون للشان السعودي في سعيه نحو التحول السلمي والهاديء ، ان هذه الاصلاحات التاريخية تحتاج الى بيئة اقليمية متصالحة لتركيز الموارد نحو التنمية الداخلية ، والمجال الحيوي للمملكة والخليج.

وليد زايد : باحث في مركز التقدم العربي للسياسات

      

قائمة المراجع:

http://acpss.ahram.org.eg/News/16420.aspx

https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3278/

http://acpss.ahram.org.eg/News/16464.aspx

https://www.sasapost.com/the-economic-vision-of-saudi-arabia/

https://arabic.cnn.com/قانون-جاستا

https://arabic.cnn.com/middleeast/2016/11/23/me-231116-trump-saudi-relationship#autoplay

http://orient-news.net/ar/news_show/124338/0/

ما-هو-قانون-جاستا-الأمريكي-وكيف-سيؤثر-على-السعودية؟

https://www.alaraby.co.uk/opinion/2016/5/23/رؤية-2030-السعودية-بين-نظرتين

https://aawsat.com/home/article/1062851/محمد-بن-سلمان-سنقضي-على-التطرف-وسنعود-إلى-الإسلام-الوسطي

http://www.alarabiya.net/ar/saudi-today/2015/09/03

http://www.alarabiya.net/ar/saudi-today/2015/09/03/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%A1.html

https://www.alhurra.com/a/saudi-women-secularism/394529.html

http://www.dw.com/ar/إلى-أين-تتجه-السعودية-بعد-اقتراب-ابن-سلمان-خطوة-من-العرش/a-39353346

http://www.alraimedia.com/Home/Details?Id=24158c0a-d31f-43ed-ac0b-04a999a380c4

http://www.dw.com/ar/إلى-أين-تتجه-السعودية-بعد-اقتراب-ابن-سلمان-خطوة-من-العرش/a-39353346

http://www.masrawy.com/news/news_publicaffairs/details/2017/12/9/1217142/

أمريكا-والسعودية-تحو-ل-مفاجئ-في-علاقة-الود-المتبادل-

https://www.ida2at.com/two-countries-are-contradictions-modernity-between-east-west/

https://www.eremnews.com/news/arab-world/saudi-arabia/1006050

https://www.okaz.com.sa/article/1574205/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A/%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-2030-%D8%AA%D9%85%D9%83%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84-

https://www.okaz.com.sa/article/1556076?rss=1

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.