اسرائيل لا تثق بالنظام السعودي، ولكنها تريد التطبيع معه

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

تستبعد التقديرات الاسرائيلية ان يتم انجاز مسألة التطبيع مع الحكومة الاسرائيلية الحالية التي لا تستطيع ان تحتمل الاتفاق لا بشقه الفلسطيني ولا بشقه النووي، فإسرائيل في مرجعياتها العميقة، لا تثق باستمرار التحولات السعودية وطبقتها الحاكمة، والتحذيرات المتشددة في المسألة النووية تأتي من المؤسسة الامنية وعلى عكس نتنياهو الذي يبدو اكثر مرونة مع انه لا يملك اوراق لعب حقيقية.
هناك الكثير من التساؤلات نحو ما يدفع بالسعودية الى اتفاق تطبيع مع اسرائيل في مرحلة تراجع جوهري في دور الاخيرة. اذ لم يعد “الطريق الى واشنطن يمر من تل ابيب” بل بات يمر أيضا من الرياض في هذه الحالة ويمر من فلسطين من حيث الاستحقاقات المطلوبة من اسرائيل.
لم تصدر تصريحات اسرائيلية رسمية بشأن الخطوة السعودية وحصريا بشأن القنصلية في القدس والتي ستدار من خلال السفير السعودي في الاردن، وذلك باستثناء وزير الخارجية ايلي كوهين، وهو فعليا ليس المسؤول عن الملف الامريكي السعودي وإنما رئيس مجلس الامن القومي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ويدار هذا الملف من مكتب رئيس الحكومة نتنياهو. اعلن وزير الخارجية عن “اعتراض اسرائيل على اقامة اية قنصلية في شرقي القدس” تُعنى بالفلسطينيين، الا ان الرأي الاكثر تداخلا بالملف السعودي يؤكد بأن اسرائيل في حالة من الحيرة ولا تفهم مغزى الخطوة السعودية؛ هناك من اعتبرها رمزية بمفهوم انه لن يقام مقر للقنصلية في القدس، وباعتبارها بادرة حسن نية سعودية تجاه القيادة الفلسطينية وشعبها، ورسالة متعددة العناوين :احدها لحكومة نتنياهو بحيث تلوح له بضرورة اتخاذ خطوات جوهرية وملموسة تجاه الفلسطينيين، وأخرى للأردن ،بأنها تريد ان تكون شريكة فعالة في ملف القدس والمقدسات وهذا يعدد امرا جديدا. وهو ايضا رسالة للفلسطينيين بأن السعودية تسعى الى تشكيل صمام امان لمصالحهم في سياق المحادثات مع ادارة بايدن بشأن العلاقات مع اسرائيل.
يتوقع المحللون الاسرائيليون بأن الطريق لا يزال طويلا وليس واضحا او واعدا اسرائيليا في الظروف الراهنة المنبثقة عن الازمة الاسرائيلية. بل وهناك رسائل متناقضة من قبل اسرائيل والولايات المتحدة بشأن الاستحقاقات الاسرائيلية فيما يخص الفلسطينيين، بحيث يسعى نتنياهو الى الإقلال منها والترويج بأنها تندرج في إطار تنازلات محدودة لا أكثر من اجل ترضية السعوديين، بينما تشير الادارة الامريكية الى انه سيكون من الصعوبة بمكان ان توقع السعودية على اتفاقية تاريخية مع اسرائيل من دون تنازلات جوهرية من قبل الاخيرة لصالح الفلسطينيين. وهناك تقدير اخر لصعوبة الوضع إسرائيليا، ناتج عن تدخل الملك السعودي مباشرة للاشراف على حماية المصالح الفلسطينية في اية اتفاقية سعودية امريكية بخصوص اسرائيل.
تنطلق القراءات الاسرائيلية من ان هنالك نخباً صاعدا في النظام العربي توجه جل اهتمامها الى الحالة الوطنية في كل بلد وتبتعد عن قضية فلسطين والشأن القومي العربي. وهذا شبيه وفقا لإسرائيل بما حدث من نشوء نخب في افريقيا خاصة جنوب الصحراء والتي تعنى بأفريقيا اولا وشأن بلدانها الوطني وأقل اهتماما بالشؤون الأممية كما كان في سنوات السبعين والثمانين. ترى اسرائيل بأن قمة العلمين الثلاثية بين القادة المصري والاردني والفلسطيني هي تعبير عن خشية الفلسطينيين من احتمالية التطبيع بين السعودية واسرائيل، وخشية مصر والاردن من فقدان وزنهما النوعي في قضية فلسطين.
في الجانب الاخر، ترفض المعارضة البرلمانية الاسرائيلية بقيادتها غانتس ولبيد وليبرمان توفير حبل الخلاص لنتنياهو بالدخول في ائتلافه بديلا لتيار الصهيونية الدينية بأحزابه، والذي يعارض اية تنازلات للفلسطينيين حتى ولو كانت شكلية، بل تسعى المعارضة الى اسقاط حكومة نتنياهو واستلام زمام الامور في انتخابات برلمانية وهذا ما تدركه كل من الولايات المتحدة والسعودية.
تشكل الخطوة السعودية المذكورة مفاجأة استراتيجية ثانية لإسرائيل خلال بضعة أشهر وذلك بعد ابرام اتفاقية اعادة العلاقات الدبلوماسية مع ايران بوساطة صينية، كما ويشكل الاتفاق الامريكي الايراني هذه الايام الأخيرة انتكاسة لجوهر الاستراتيجية الاسرائيلية التي صممها نتنياهو منذ عقد من الزمن، بل ان اسرائيل باتت في الحالتين طرفا على هامش اللعبة السياسية الكبرى وليست طرفا ريادياً جوهريا وتتراجع قدرتها في التحكم في الامور.

الخلاصة:
– لا يزال الطريق لإحداث اختراق جوهري في العلاقات السعودية الاسرائيلية طويلا، ولا يوجد شريك اسرائيلي حاكم يقبل باتخاذ خطوات ايجابية تجاه الفلسطينيين او يقدر على ذلك.
– لا تزال المعارضة البرلمانية مصممة على اسقاط حكومة نتنياهو ودفع البلاد نحو انتخابات جديدة، مقتنعة بأنها ستكسبها.
– احتمالات الحرب على الجبهة الشمالية تتصاعد، ايضا بسبب الازمة الاسرائيلية الداخلية ويأمل نتنياهو إقامة حكومة وحدة قومية في حالة الحرب التي تتناقض والمصالح الامريكية والسعودية.
– هناك تراجع جوهري في المكانة والدور الإسرائيليين، اقليميا ودوليا، ينعكس ذلك على الاتفاقات الإبراهيمية، وهو نتاج الازمة الداخلية العاصفة.
– الازمة الاسرائيلية الشاملة اخذة بالتعمق بما فيه الازمة داخل الجيش وفي فوضى المرجعيات، وهي ليست حدثا طارئا، بل ظاهرة متدحرجة نحو الهاوية ومن دون مخارج مرئية للمدى القريب، ومن المستبعد ان تكون اية دولة بما فيها السعودية معنية بعلاقات استراتيجية معها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.