اجتياح جنين المتجدد وحاجة نتنياهو للعدوان

تقدير موقف ، مركز تقدم للسياسات

تقديم: اجتاح جيش الاحتلال صباح الخميس 26 كانون ثانٍ/يناير مخيم جنين والمنطقة المحيطة، وتميزت بحشد كبير للقوات عددا وعتادا، سقط تسعة شهداء بينهم أطفال وامرأة مسنة، إضافة للدمار والخراب الذي لحق بالبيوت والمحالّ والشوارع.
حسب التقديرات الاسرائيلية يجري استبعاد اشتعال الجبهة مع غزة، وحصريا مع حماس، كما تدل القراءة الاسرائيلية الأولية على نجاح استراتيجية في إعادة تفكيك الجبهات بالمفهوم الاسرائيلي.
لا يوجد اي اعتراض او تنديد لدى المعارضة الاسرائيلية المركزية بالاجتياح ولا بالمجازر المرتكبة، بل يوجد إجماع بهذا الصدد والى جانب حكومة نتنياهو.

تحليل:

يشير حجم القوات التي اجتاحت جنين إلى أن العدوان جاء مدبّرا وليس من باب الرد على عملية عينية تخطط لها المقاومة الفلسطينية.
تبدو الحاجة السياسية لحكومة نتنياهو أكثر احتمالية لهذا العدوان من الوضع الأمني بحد ذاته. فهو يعيش في ضائقة سياسية كما وصفه رئيس اللجنة الاقتصادية في الكنيست الليكودي دافيد بيتان، وبالذات فيما يتعلق بالمظاهرات المعارضة والضغط الأمريكي وموقف النخب الاقتصادية.
يدرك نتنياهو انه يحظى في مثل هذه العملية العدوانية بتأييد المعارضة المركزية وكذلك يخفف من سطوة الضغوطات عليه، وتحدث انتقالا ولو لفترة في جدول أعمال الراي العام الاسرائيلي من مأزقه الداخلي والصراع حول الجهاز القضائي، إلى مسألة الصراع مع الفلسطينيين والذي لا يزال يضبط إيقاعه.
لا تعير اسرائيل وعودها بالتهدئة امام النظام العربي أية جدية وأي اهتمام، إلا إذا وجدت نفسها في ورطة مع الانظمة الحليفة لها إقليميا. وتؤكد القراءات الاسرائيلية بأن النظام العربي والدول المنضوية تحت اتفاقات ابراهام، ليست منشغلة في الوقت الراهن بقضية فلسطين، فلديها انشغالات واهتمامات بمخاطر أخرى إقليميا ودوليا، وليس من بينها خطر الفاشية والتطرف في إسرائيل.
العدوان الاسرائيلي على مخيم جنين متواصل وهو نوع من حرب الاستنزاف ويفوق قدرات غرفة العمليات وكتيبة جنين التي لا حاضنة لها إلا الحاضنة الشعبية الموضعية، لكن لا توجد أية حماية لها لا من الفصائل ولا من الأمن الفلسطيني، كما لم يعد وزن للتصريحات النارية التي تفتقر إلى أي فعل. بل والأخطر من كل ذلك ان هذه الفصائل بمختلف تعبيراتها باتت عاجزة عن تأمين الغطاء السياسي للمقاومة وحاضنتها الشعبية.
توجد فجوة بين مستوى تصريحات القوى السياسية والمسلحة الفلسطينية وبين الفعل، وعليه نرى أن وقف التنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية واسرائيل الذي تطالب به العديد من الفصائل غير قابل للتنفيذ لأن الواقع العملي يكشف عن منظومة بنيوية دولانية اخترقت وهندست جوهر السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، بغض النظر عن الموقف منها ومن تعاسة التنسيق وتأمين الهيمنة الاحتلالية من خلاله.
بخلاف الانتفاضتين الاولى والثانية، حيث كان امتداد جغرافي سكاني فلسطيني في كل أنحاء الضفة الغربية، فإن ما يحدث في جنين وما حدث مؤخرا مع “عرين الأسود” في نابلس يدلّ على أن طبيعة المواجهات من قبل المقاومة الفلسطينية شبه العفوية باتت موضعية محلية تحدث حين يقتحم الاحتلال المخيم، بينما الاحتلال هو الطرف المبادر والذي يعمل على امتداد الضفة الغربية.
تسعى حكومة نتنياهو الى تقويض السلطة الفلسطينية وخلق حالة تنافر وصراع فلسطيني داخلي في الأراضي المحتلة . وفي حال نجح هذا المخطط سيكون من السهولة على دولة الاحتلال ثني السلطة الفلسطينية عن مواصلة مساعيها أمام المحافل الدولية وفرض المساءلة الدولية على إسرائيل.
نتوقع إصرار السلطة، رغم الضغوطات، على الاستمرار في مساعيها أمام محكمة الجنايات الدولية وأمام لجنة التحقيق الدائمة المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان بشأن الجرائم الإسرائيلية، وعدم حدوث أي تراجع بهذا الخصوص. كما بإمكان القيادة الفلسطينية التقدم بمشروع جوهري في أساسه وضع خطة فلسطينية عربية لتعزيز مطلب الحماية الدولية وجعله قابلا للتنفيذ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.