اتفاق جنوب افريقيا بين الحكومة الاثيوبية وقوات التيغراي

التحديات والآفاق
ورقة سياسات: علي هندي

تقديم: بدأت اللجنة العسكرية المشتركة بين الحكومة الاثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي اجتماعاتها في العاصمة الكينية نيروبي اليوم الاثنين، يضم الوفدان قادة عسكريين من الحكومة وآخرين من جبهة تيغراي، وذلك من أجل وضع الترتيبات للجنة العسكرية المشتركة التي تم إقرارها في اتفاق السلام الذي وقع عليه الطرفان الأسبوع الماضي، وهي اللجنة التي ستشرف على تنفيذ اتفاق نزع سلاح الجبهة.
يرأس وفد الحكومة الاثيوبية المشير برهانو جولا فيما يرأس القائد العام لقوات تيغراي الجنرال تاديسي وردا وفد الجبهة. ووفقا لبنود الاتفاق فان مهام اللجنة هي:
• التأكد من ان الحالة الأمنية على الأرض مناسبة لكي تقوم جبهة تيغراي بتسليم سلاحها بما فيها الاسلحة الخفيفة وفق لجدول زمني حدد بثلاثين يوما من بدء تأسيس اللجنة المشتركة وهو جدول زمني يحق للجنة رفع توصية لتمديده.
• ضمان خلو إقليم تيغراي من أية قوات أخرى غير قوات الحكومة الفيدرالية في اشارة واضحة الى القوات الإرترية والميليشيات التي تشكلت من المتطوعين من أبناء قومية الامهرا ومليشيات الفانو المنظمة.
التحليل:
• ينص الاتفاق على أن نزع سلاح الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي يعتمد على الحالة الأمنية على الأرض، والذي يعني تنفيذ شرط جبهة تحرير تيغراي بانسحاب القوات التي تقاتل الى جانب الجيش الإثيوبي والمقصود هنا، القوات الارترية ومليشيات الفانو الامهرية التي لبت نداء الحكومة لدعم الجيش الإثيوبي في الحرب. ولن يختلف الفهم الرسمي عن ذلك لكنه قد يربط انسحاب تلك القوات بجدول زمني كما هو الحال مع الجدول الزمني الذي سيتم الاتفاق عليه لنزع سلاح الجبهة، ولن يشكل ذلك خرقا للبند الذي ينص على أن يتوقف كلا الطرفين من دعم أية جهة معادية للطرف الآخر.
• المسالة الاخرى التي لا زال يكتنفها الغموض وهي الية تشكيل القوة العسكرية والامنية الخاصة بالإقليم، فقد أقر مستشار رئيس الوزراء السفير رضوان حسين ورئيس الوفد الحكومي في مفاوضات جنوب إفريقيا، بحق إقليم تيغراي تشكيل قوات خاصة أسوة بالأقاليم الأخرى، دون أن يشير، ما إذا كانت الحكومة هي من سيتولى إنشاء هذه القوات، وهو ما يتناقض ظاهريا مع البند الوارد في الاتفاق بنزع سلاح جبهة تيغراي. من غير المعلوم حتى اللحظة ما إذا كانت اللجنة العسكرية المشتركة هي صاحبة القرار في تشكيل قوات الاقليم ام سيكون لجبهة تيغراي الخيار في تحديد نوعية القوة عددا وعدة.
• ويقول مراقبون إن التعقيدات العملية لهذا البند من الاتفاق، قد تشكل عنصرا جوهريا في فشل الاتفاق او تعثر التنفيذ وذلك بسبب الارضية التي تقف عليها الحكومة فيما يخص علاقتها بالقومية الثانية في البلاد وهي الامهرا ومعها أحد أذرعها المسلحة القوية قوات الفانو وما يعرف بحراك الامهرا ، الذي لعب دورا كبيرا في مواجهة تمرد إقليم التيغراي .
• التقديرات تشير إلى أن الاتفاق لن يمر بسهولة لدى حراك الامهرا في الداخل والخارج، وذلك بسبب الشعبية التي تتمتع بها الشخصيات التي تقف خلف الحراك وفي مقدمتهم ، الجنرال تفري مامو قائد قوات إقليم الامهرا الخاصة السابق والذي يحظى بشعبية واسعة بسبب موقفه المدافع عن حقوق الامهرا واهمها مطالبته المستمرة بإعادة مناطق “ولقايت” و”رايا” لاقليم الامهرا والتي ضمت الي اقليم تيغراي بعد العام 1991، والدكتور دسالني شيني عضو البرلمان الإثيوبي ممثلا لدائرة مدينة “بحر دار” في إقليم الامهرا، ورئيس حزب حراك الامهرا الوطني والذي استطاع أن يحل محل القوى التقليدية التي مثلها حزب “جنوبت 7 ” والتي ذابت في التيار الذي جند نفسه لخدمة رئيس الوزراء ابي احمد ودعم الدولة المركزية ، لكنها فقدت شعبيتها لصالح شخصيات شابة من أمثال الدكتور دسالني. وضع هذا الحراك المطالب أمام الحكومة الاثيوبية تمحورت حول أحقية تمثيل الامهرا في المفاوضات مع التيغراي والاعتراف بحدود إقليم الامهرا وفق التقسيم الذي كان قائما قبيل عام 1991، كما طالب بإتاحة المجال لعقد حوار مفتوح حول تعديل الدستور الإثيوبي، يسمح باعادة النظر في نظام الفيدرالية الاثنية الذي صارت البلاد تحكم من خلاله. وتضمن البيان مطالب تتعلق بالإفراج الفوري والغير مشروط عن كل السجناء السياسيين والصحفيين والمعارضين وأعضاء حراك الفانو. وفي أول تصريح للدكتور دسالني على الاتفاق قال صراحة ” اننا لن نقبل ببنود هذا الاتفاق كما جاءت وأنه يتوجب على الحكومة إجراء تعديلات على بعض البنود”. ومثل هذه التحفظات بدأت بالانتشار في وسائل الاعلام في الاقليم، الامر الذي سيضيف تعقيدا جديدا في طريق نزع سلاح جبهة تحرير تيغراي.
• لجأت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى إنشاء كيان أطلقت عليه “قوات دفاع تيغراي ” بعد أن لبت أعداد كبيرة من ابناء الاقليم نداء حمل السلاح لمواجهة العدوان الذي قالت ان الهدف منه هو ابادة وتطهير عرقي، ولعبت الأحزاب السياسية في التيغراي دورا في هذه الحملة مما أجبر الجبهة الشعبية على إطلاق قوات دفاع تيغراي لضمان تحقيق الوحدة بين صفوف المقاتلين. ولكن هذا الاتفاق وقع بين الحكومة الاثيوبية وجبهة تيغراي مما يعني ان قيادة الجبهة قررت الانفراد بتمثيل كل ابناء القومية وهذا القرار أسفر عن تداعيات وسط حراك التيغراي في الخارج ومن المرجح أن يمتد تأثيره الي الداخل مع عودة الهدوء الي المدن في الاقليم.
لعبت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي دورا كبير في إنشاء “تحالف القوات الفيدرالية والكونفدرالية الاثيوبية الموحدة” قبل أكثر من عام، وهو تحالف تشكل من حركات مسلحة، منها جيش تحرير الأورومو وجبهة تحرير سيداما والبني شنقول والصومال والعفر وغيرهم. وبالرغم من ان الصعوبات اللوجستية حالت دون تمكن التحالف من احداث تأثير كبير في مجرى الأحداث، استفادت جبهة تيغراي من المناخ السياسي الذي نشأ وصولا الى تحقيق اتفاق يخص المصالح القومية الخاصة. ووفقا لهذا الاتفاق فإنه يتوجب على التيغراي الانسحاب من هذا التحالف وبالتالي خسارة شركاء كان يمكن ان يشكلوا معها خارطة القوى السياسية الإثيوبية المستقبلية.

خلاصة:
السؤال الذي سيطرح بعد اتفاق جنوب افريقيا بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير التيغراي يتمثل في: ما هي ملامح مشروع التيغراي الجديد في إطار الدولة المركزية الواحدة وهزيمة مشروعها الانفصالي، وما هي تحالفاتها القادمة في ضوء حجم الإقليم الذي لا يتجاوز السبعة بالمئة من السكان. وماذا سيكون عليه موقف قومية الامهرا وحراكاتها وميليشياتها ومطالبها باستعادة أراض من إرثها التاريخي تم الاستيلاء عليها أثناء حكم التيغراي الذي طال لثلاثة عقود.
ولا مبالغة في الاستخلاص، ان هذا الاتفاق يعد اللبنة الأساسية لقيام الدولة الأثيوبية الجديدة – إذا ما تم التنفيذ – وهو المشروع الذي يعكس طموح رئيس الوزراء ابي أحمد في تشكيل دولة مركزية بدل فيدرالية الاثنيات الذي ثبت أنها وصفة دائمة للصراعات والحروب المسلحة بين القوميات. فالقوى القومية المؤسسة لاثيوبيا التاريخية، وهي الامهرا والتيغراي كانت العقبة الرئيسية أمام قيام دولة المساواة لكل مواطنيها واعراقها واثنياتها واستعانت في سبيل الابقاء على شكل الدولة المأزوم، بايدولوجيات مختلفة، منها ادعاء التفوق العرقي والثقافي واللغوي وآخرها الفيدرالية الاثنية التي لم تقدم أية معالجات حقيقية لقضية مظلوميات القوميات الأخرى. جاء الاتفاق ليشكل هزيمة المشروع السياسي للتيغراي وخسارة مشروع الامهرا لمركزية “شوا” حيث العاصمة أديس أبابا، لصالح قوة متنامية للقومية الأكبر وهي الاورومو. وبهذا يلبي الاتفاق طموح رئيس الوزراء ابي احمد لكي يتفرغ لإنجاز مشروعه الطموح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.