عشية قمة ترامب – بوتين في هلسنكي: أوهام الخروج الإيراني السريع من سوريا  

وحدة السياسيات في مركز تقدم العربي – لندن

لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السادس في هيلسنكي، والذي تؤكد المصادر المختلفة أن الملف السوري سيكون في مقدمة جدول الأعمال. فاللقاء يأتي بعد اجتماع الرئيس الأمريكي مع أعضاء حلف الناتو في بروكسل، وبعد اجتماعات تمهيدية أجراها في موسكو مستشار الأمن القومي جون بولتون، التقى خلالها الرئيس الروسي. وإذا  كانت تلك الأجندات لا تزال موضع جدل وتضارب، سيما أنها تأتي بعد سلسلة جديدة من العقوبات أقرتها ادارة الرئيس ترامب على موسكو، بالإضافة لأزمة تطغى على العلاقة الأمريكية الأوروبية بعد الانسحاب الأمريكي المنفرد من الاتفاق النووي الإيراني، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين نتيجة فرض متبادل الرسوم الجمركية ، الأمر الذي  يجعل من الصعوبة بمكان التكهن بفحوى الملفات المزمع مناقشتها بين الزعيمين، إلا أن ما بات مؤكدا هو أن قضية التواجد الإيراني في سوريا ستكون في صلب تلك المباحثات كما أوضح بولتون، ففي تقرير للوول ستريت جورنال نشر في الأول من يوليو/تموز الحالي نسبت الصحيفة له القول ، أن التواجد الإيراني في سوريا ”سيتم مناقشته بشكل مطول بين الرئيسين“، كما تمنى أن يستطيع الرئيس الأمريكي الحصول على مساعدة موسكو في إخراج القوات الايرانية وحلفائها خارج الأراضي السورية” .

الاستراتيجية الأمريكية في سوريا:

في معرض حديثه عن تفاصيل القمة المرتقبة لصحيفة الوول ستريت جورنال قال  بولتون ” أن مسألة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد هي خارج اهتمامات ادارة الرئيس ترامب، وأن الادارة لم يكن لديها أي استراتيجية لإسقاط الرئيس السوري”، وهو ما لم يعد مستغربا ، فهذا التوجه بدأ بالظهور العلني  منذ أمر الرئيس الأمريكي وكالة الاستخبارات المركزية CIAبوقف العمل ببرنامج تسليح وتدريب المعارضين السوريين الذين يقاتلون نظام الأسد في شهر يوليو من العام الفائت، ثم تبعه تحركات لمراكز سيادية أمريكية أخرى ، كانت تصب في ذات الاتجاه، منها إعلان الرئيس الأمريكي رغبته بسحب جنوده  من سوريا، والاتفاق الأخير بين واشنطن وموسكو بما تعلق باتفاق الجنوب السوري، والذي مكن قوات النظام من فرض سيطرتها على غالبية المناطق، بعد أن تخلت واشنطن عن دعم أي من الفصائل العاملة في الجنوب. يذكر أيضا أن سحب إسقاط الرئيس السوري كهدف في المدى القريب من التداول ـ تم ترسيخه في الاستراتيجية الأمريكية في سوريا والتي عرضها وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون مطلع العام الحالي، حين أكد  أن الهدف الأساسي لتواجد الولايات المتحدة في المنطقة هو انهاء تنظيم داعش و“تقليص“ النفوذ الإيراني، ثم تصاعدت حدة التصريحات الأمريكية بعد تولي مايك بومبيو وزارة الخارجية وتعيين جون بولتون كمستشار للأمن القومي وهما معروفان بتوجهاتهما الصقرية لإيران، والتي ترجمت في المطالب الاثنتي عشر التي قدمها بومبيو لإيران والتي كان منها سحب كافة القوات التي تتبع للقيادة الايرانية من سوريا، هذا التوجه المتشدد عاد ليؤكد أن لا تغيير في الاستراتيجية الأمريكية بما يخص التعامل مع التواجد الإيراني في سوريا، وأن واشنطن لا زالت متمسكة بإنهاء النفوذ الايراني في سوريا.

التدخل الايراني:

منذ انطلاق الاحتجاجات في سوريا،  استعان النظام بمستشارين وخبراء أمنيين ايرانيين لمواجهة التحركات السلمية حينها، نظرا للخبرة الايرانية في التعاطي مع الاحتجاجات الشعبية، بعد أن استطاعت قمع حركات الاحتجاج في ايران أو ما عرف ”الثورة الخضراء“ عام ٢٠٠٩، ويمكن تمييز بداية العام ٢٠١٢ كمرحلة لبدء التدخل العسكري الايراني في الحرب السورية حين أرسلت طهران مستشارين عسكريين وقياديين من الحرس الثوري في مهمة  تقتصر على التدريب والتخطيط العسكري. تشير المصادر أن التدخل الإيراني شهد ممانعة داخلية في البداية سيما وأنهم طالبوا بالإشراف على القطعات العسكرية وتولى قيادة الوحدات العسكرية المنتشرة، وهو ما عارضه القادة العسكريون في الجيش وأجهزة الأمن خوفا من فقدان السيطرة لصالح الضباط الإيرانيين، واكتفوا بالسماح لهم بتجنيد وتدريب قوات رديفة على أساس طائفي من المناطق الشيعية والعلوية كانت بأعداد متواضعة في البداية وأسلحة خفيفة وصلاحيات محدودة ، اقتصرت مهمتها على مساندة قوات النظام في معاركه التي كانت تتسع يوما بعد يوم على الخارطة سوريا ، لكن دخول النظام بحرب استنزاف أجبره على الانسحاب تحت الضربات المتكررة والجبهات المفتوحة على طول البلاد وعرضها ، ما قلص المساحات التي يسيطر عليها إلى نحو ٢٥ بالمئة من كامل الأراضي السورية، بالإضافة لفقدانه السيطرة على أغلب منابع النفط والطاقة، وبدأ يعاني من نقص في صفوف قواته نتيجة الخسائر البشرية المستمرة، اضافة لعمليات الانشقاق والفرار التي كانت قد ضربت صفوف الجيش، حتى بات النظام مهددا في العاصمة دمشق بعد أن أحكمت الفصائل المعارضة حصارها على العاصمة وأصبح القصر الجمهوري في مرمى صواريخها، وهو ما أجبره على الرضوخ للشروط الإيرانية التي عرضت عليه خطة جاهزة لانقاذه من السقوط مقابل منحها التفويض ومفاتيح المؤسسة العسكرية والأمنية.

بحسب مذكرات العميد حسين همداني القيادي في الحرس الثوري الإيراني والذي تم إرساله إلى سوريا عام ٢٠١٢ وبقي فيها لغاية مقتله في ريف حلب عام ٢٠١٥، فإن طهران أعدت ما أسماها ”خطة لإنقاذ النظام السوري من السقوط“، يشير أنها وضعت بطلب من المرشد الأعلى علي خامنئي وبإشراف الحرس الثوري وقاسم سليماني شخصيا ، وتبدو تلك الخطة أقرب ما تكون الى استراتيجية متكاملة ، حيث توحي تفاصيلها برغبة ايرانية للتغلغل في المؤسسات الرئيسية للدولة السورية، فقد كانت مؤلفة من خمسة محاور، عسكرية/ أمنية/ سياسية/ اقتصادية/ ثقافية. إلا أن الجنرال همداني يذكر أنه بعد أن عرضها على حسن نصرالله ، قام الأخير بطلب التركيز بداية على الشقين العسكري والأمني، وتأجيل المحاور الأخرى لمراحل لاحقة بعد أن يتم إنقاذ النظام من شبح السقوط، وهو ما تم بالفعل  كما يقول الهمداني بعد أن حصلت على موافقة قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في سوريا، بدأت على أثرها طهران تجنيد وتسليح المدنيين في وحدات خاصة عرفت لاحقا باسم كتائب الدفاع الوطني، وهي الخطوة التي كسرت احتكار الجيش السوري للسلاح، وفتحت الباب لطهران كي تشكل مجموعات ذات ولاء مباشر لها، وهو ما مكنها من إعادة رسم التركيبة العسكرية في المناطق التي يتواجد بها النظام، فقد تم تحويل المؤسسة العسكرية السورية لفرق تقاد وتؤتمر بتوجيهات قياديين من الحرس الثوري الايراني، خصوصا بعد أن استمالت طهران الضباط السوريين وعملت على استبعاد المعارضين لنفوذها داخل صفوف الجيش، في حين تنامى دور حزب الله في المناطق المتاخمة للبنان ومناطق أخرى من سوريا بتولي قياديي حزب الله ادارة المعارك والعمليات ، في وقت استمرت طهران باستقدام عناصر وفصائل موالية لها من العراق كحركة النجباء وعصائب أهل الحق، ومن أفغانستان لواء فاطميون وزينبيون ، بالإضافة لنشر عناصر الحرس الثوري الإيراني لتولي قيادة تلك المجموعات، وتأسيسها على أساس مذهبي في المناطق الشيعية السورية كريف حمص ونبل وزهراء في ريف حلب والفوعة وكفريا في ريف ادلب، الأمر الذي مكن طهران في اعادة هيكلة القوات العسكرية في سوريا والهيمنة عليها، وهو ما بدا واضحا من ظهور قاسم سليماني وعدد من ضباط الحرس الثوري الايراني على الجبهات ، يقودون المعارك ويحركون دفتها.

خرافة اخراج إيران من سوريا:

بعد أشهر قليلة من تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين بضرورة خروج القوات الأجنبية من سوريا بما فيها الإيرانية، عاد وزير خارجيته سيرغي لافروف ليناقض تلك التصريحات، حيث أشار بأن التواجد الإيراني في سوريا شرعي وأتى بطلب من حكومة دمشق، كما طالب باحترام المصالح الايرانية في سوريا، وهو ما يمكن تفسيره بأن موسكو تدرك أنها لا تزال بحاجة للتواجد الإيراني في سوريا في المرحلة الحالية، سيما وأن طهران  تتحمل الكلفة الأكبر في الحرب السورية، والتي تصل بحسب مصادر مختلفة الى نحو ملياري دولار شهريا ( هل من مصدر هنا ؟؟) في سوريا، وهو الأمر الذي لن ترغب موسكو بتحمله بدلا عن طهران، وبصرف النظر عن ما روج إعلاميا عن أبعاد للقوات الايرانية عن الحدود المتاخمة للجولان السوري المحتل ، إلا أن المصادر الميدانية تؤكد تواجد العناصر الموالية لطهران بتلك العملية، وإن كانت قد أخفت راياتها وأدخلت عناصرها تحت رايات ولباس الجيش السوري، الأمر الذي أكده مؤخرا وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، حين قال بأن القوات المدعومة من قبل إيران تؤسس “بنية تحتية للإرهاب” على الحدود السورية تحت إشراف نظام بشار الأسد، مهددا برد اسرائيلي عنيف على تلك التحركات، جاء ذلك بعد تسرب مقاطع مصورة تظهر عناصر من لواء الفاطميون في المناطق التي تقدمت إليها قوات النظام في درعا، ما يظهر عدم إذعان إيران للضغوط الروسية التي طالبتها بالابتعاد عن الحدود الأردنية والحدود مع الجولان المحتل، ما يطرح التساؤل عن مدى جدية روسيا في مراعاة مخاوف دول الجوار، فالحديث المتداول اليوم عن موافقة موسكو على إبعاد الإيرانيين وحلفائهم إلى مسافة 40 كم عن الحدود مع الجولان المحتل ، في وقت تدعي  اسرائيل أنها غير معنية بعدد الكيلومترات، بل بإزالة الوجود الإيراني كليا من سوريا. لا يبدو بالطبع أن ايران ستقبل بالتخلي عن نفوذها في سوريا نتيجة بعض التصريحات الإعلامية، وهو ما ظهر بعد ردود الأفعال الايرانية الرسمية والتي رفضت أي انسحاب من الأراضي السورية أو التخلي عن مناطقها على حدود الجولان المحتل، سيما وأن الحرب السورية كلفت إيران سنوات من الاستنزاف لخزينتها وأكثر من ٣٠٠٠ قتيل من عناصرها، وهو ما يعني أن أي حديث عن انسحاب إيراني في المدى القريب أو المتوسط هو بعيد عن الواقع، سيما وأن إيران هي من تملك النفوذ على الأرض على عكس الروس الذين اقتصر تدخلهم على الجو وانتشار للشرطة العسكرية في بعض المناطق السورية، في حين اقتصر وجودهم العسكري الرئيسي على القواعد الروسية (مرفأ طرطوس وقاعدة حميميم)، بينما ظل التواجد الإيراني مصاحبا لقوات النظام في غالبية المناطق، حتى أن هناك العديد من المناطق التي كانت حكرا للإيرانيين وحلفائهم دون تواجد للقوات السورية.

الخلاصة:

قمة هلسنكي، بين ترامب – بوتين ، تأتي بعد اجتماعات الناتو في بروكسيل والتي خلفت تصدعا كبيرا في العلاقات الاوروبية الامريكية. فالرئيس ترامب قال صراحة إن أوروبا تكسب في تجارتها البينية مع الولايات المتحدة وهو أمر لن يستمر بحسب تعبيره، كما اتهم المانيا بأنها تدفع لروسيا المليارات ثمنا للغاز وتريد من الولايات المتحدة أن تدفع ثمنا لحمايتها، كما أنها تأتي بعد استقبال رسمي وشعبي غاضب في العاصمة البريطانية، وتوتر غير مسبوق للعلاقات بين البلدين، وأزمة حكومية قد تعصف برئيسة الوزراء تيريزا ماي . وإذا كانت العواصم الأوروبية تنظر بقلق بالغ الى القمة، والتي قد تؤسس لانقلاب في العلاقات خاصة وأن تصرفات ترامب لا يمكن التكهن بها ، فإن العرب تحديدا ينبغي أن يكونوا أكثر قلقا ، فكل الخطاب الأمريكي والاسرائيلي حول استراتيجية إنهاء الوجود الايراني في سوريا والمنطقة العربية ، يبدو ضربا من الخيال والأمنيات ،فالصفقات التي يبحث عنها ترامب مع بوتين تتجاوز سوريا التي تحتاج الى اكبر من مشروع مارشال ، وليس في قدرة روسيا ولا ايران حمل كلفة اعادة بناء بلد منكوب يحتاج الى قرابة سبعمائة مليار دولار وعلى مدى عشرين عاما حتى تعود سوريا إلى وضعها دولة طبيعية. ولهذا فإن الخروج الإيراني العسكري من سوريا سيبقى مؤجلا، واداة استراتيجية لاستنزاف روسيا وإيران ولابتزاز المنطقة العربية وثرواتها، والمدخل الذي يمكن استخدامه لإعادة انتاج قوى الارهاب والتطرف الاسلامي السني بحسب التوقيت والمصلحة الأمريكية الاسرائيلية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.