4 دول وقعت على اتفاق بشأنه في بغداد؛ “طريق التنمية”.. الطموح والتحديّات

ملخص تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

تقديم: أثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى بغداد أشرف ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على توقيع مذكرة تفاهم رباعية إلى جانب كل من الإمارات وقطر للتعاون في تنفيذ مشروع “طريق التنمية”. ويشكل المشروع تحوّلا جيوستراتيجيا داخل خرائط النقل الدولية، لكنه أيضا يتطلّب إعادة هندسة سياسية لمنطقة شديدة التوتّر قليلة الاستقرار. فما هو المشروع وما هي شروطه وتداعياته؟

في السياق جدير التوقف عند الملاحظات التالية:
– مشروع التنمية، ويسمى أيضا “القناة الجافة”، مشروع قديم تداولته حقب سابقة وتكلّم عنه الإعلام وخبراء الاقتصاد منذ سنوات ولم يتمّ تحقيق أي تقدم به. حمل السوداني المشروع إلى أردوغان في زيارة لتركيا كان قام بها في مارس 2023. حينها تعهدا بالدفع بتنفيذه.
– تصل تكلفة المشروع إلى 17 مليار دولار ويشمل تكملة بناء ميناء الفاو وشقّ الطريق البري والمدّ السككي من الجنوب صوب الشمال لمسافة تتجاوز الـ 1000 كلم، وإقامة المحطات والمدن والمناطق الصناعية والبنى التحتية المكمّلة، وصولا إلى الحدود العراقية التركية في فيشخابور.
– سيتيح هذا المشروع العملاق للعراق لعب دور جديد، كمعبر اقتصادي هائل ما بين الشرق والغرب. لكنه بالمقابل يتطلّب استقرارا سياسيا وأمنيا داخليا يوفّر للبلد بيئة حاضنة لورشة هائلة لها الطابع الإقليمي الدولي.
– كان حضر مؤتمر إطلاق المشروع في مايو 2023 عشر دول مجاورة معنيّة بتصدير أو استيراد أو تمرير البضائع والسلع. وسيكون الممر دوليا لأنه سيكون معبّر البضائع والسلع المتنقلة من أقصى الشرق إلى أوروبا مرورا بالمنطقة.
– وفق دراسات هذا المشروع من المفترض أن تستغرق الرحلة بواسطة الشاحنات حوال 10-12 ساعة، بينما تستغرق رحلة القطارات أقل من ذلك داخل الأراضي العراقية، ما سيؤدي إلى الاستغناء عن الطرق البحرية التقليدية التي تدور حول رأس الرجاء الصالح لتمرّ عبر قناة السويس والتي تستغرق رحلاتها حوالي 5 أسابيع لصالح الممر العراقي الذي يقدر أن تستغرق رحلته حوالي أسبوعين من المنبع إلى المصدر، ناهيك من انخفاض حاد في تكاليف النقل بين الطريقين.
– يثير المشروع العراقي، وخصوصا الطموحات بشأن مستقبل ميناء الفاو، مسألة المنافسة مع موانئ المنطقة، لا سيما في الكويت والإمارات (جبل علي)، ومستقبل قناة السويس. ويثير المشروع مسألة تنافسه مع الطرق الإيرانية نحو بحر قزوين وأخرى صوب البحر المتوسط.
– يعوّل مشروع “طريق التنمية” على نجاح الاتفاق السعودي الإيراني لإنتاج بيئة حاضنة، وعلى التقارب البطيء والمرتبك الذي حصل مؤخراً بين دمشق والمجموعة العربية، وعلى التفاهمات التركية العربية، لا سيما مع السعودية والإمارات ومصر.
– حذّرت انتقادات في العراق من هذا المشروع وشكّكت بجدواه الاقتصادية واعتبرت أنه سيحوّل البلد إلى ممر لعبور منتجات الآخرين من دون أن يعظّم من البنى الاقتصادية الانتاجية للبلد.
– ظهرت اتهامات للمشروع بأنه مدعوم من الولايات المتحدة والمنظومة الغربية ليكون نقيضا لـ “طريق الحرير” الذي تخطط له الصين التي سبق أن وعدت العراق باستثمارات مجزية من أجله.

خلاصة:

**على الرغم مما أصدره الخبراء من أرقام هندسية واقتصادية ومالية، وما وعد به رئيس الحكومة العراقي من وفورات وأرباح وازدهار لبلاده وبلدان المنطقة، إلا أن المشروع يجري من دون أي ضمانات بشأن توفّر السقوف الإقليمية والدولية لحمايته.
** نجح العراق في استمالة تركيا لدعم المشروع، خاصة بعد استبعاد أنقرة من مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والخليج وأوروبا الذي تم الإعلان عنه خلال قمة العشرين في سبتمبر 2023.
**بغداد هي أكثر الأطراف إدراكا لأهمية عامل الأمن والاستقرار لمشروعها الطموح والأكثر وعياً لصعوبة ذلك في ما يختزنه واقع العراق، وما يتأثّر به مما يتطوّر لدى دول الجوار وما يستجد لدى النظام العالمي من تحوّلات قد تتداعى على كل تفصيل وجهد لشقّ “طريق التنمية”.
**رغم توقيع 3 دول إضافة إلى العراق على مذكرة التفاهم بشأن المشروع، غير أن هذه الدول كما دول أخرى في المستقبل ستبقى حذّرة غير مقدامة في غياب أي ضمانات لاستقرار عراقي داخلي بالنظر إلى أنشطة الفصائل والميليشيات التي تتحرك وفق أجندة إيرانية وحسابات ذاتية لها علاقة بتقاسم الثروة والنفوذ.
**بالنظر إلى النفوذ الذي تمتلكه إيران في العراق، فإن نجاح المشروع رهن بأن تكون إيران موافقة عليه مستفيدة منه وربما جزءا منه. وإذا صحت نظرية أن المشروع منافس لـ “طريق الحرير” الصيني، فإن إيران قد تعرقل مشروعاً ينافس مصالح الصين الحليفة.
**سبق لمشاريع اقتصادية عملاقة في المنطقة أن استندت على سلم إقليمي سيأتي به “مؤتمر مدريد” (1991) ثم اتفاقات أوسلو (1993) ولم يأت. وللعراقيين تجربة تاريخية في مشروع خط بغداد- برلين للسكك الحديد في بدايات القرن الماضي، والذي أحبطته التحوّلات الدولية بعد ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.