مؤتمر إعادة استيطان غزة يكشف:

الصهيونية الدينية تجتاح الليكود والاحزاب الدينية

أمير مخول، مركز تقدم للسياسات

تقديم: كشف مهرجان استيطان غزة والترانسفير في 28 يناير بمشاركة الحشود الضخمة، عن التحولات نحو الكهانية داخل حزب الليكود الحاكم برئاسة نتنياهو وحتى داخل الاحزاب الحريدية. شارك في المهرجان اثنا عشر وزيرا وخمسة عشر عضو كنيست، منهم تسعة من الليكود. وألقوا خطاباتهم وتصريحاتهم في المهرجان داعين الى اعادة استيطان قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، وبأن الاستيطان هو الضمانة للأمن، والى الابقاء على احتلال غزة وتهجير سكانها تحت شعار “فقط التراسفير يجلب السلام”. وهي من شعارات الكهانية (نسبة الى الراب مثير كهانا مؤسس “عصبة الدفاع اليهودية”) التي اُعلنت تنظيما ارهابيا في الولايات المتحدة وحظرت لفترة من خوض انتخابات الكنيست.
تحليل: من المؤكد ان وزراء الليكود ومنهم مشاركون دائمون في كابنيت الحرب (حاييم كاتس) ما كانوا ليشاركوا لولا موافقة نتنياهو ورضاه. كما يدرك الجميع بأن تصريحات نتنياهو “لا يوجد قرار في الحكومة يتيح الاستيطان في غزة” و “فكرة استيطان غزة غير واقعية” هي للاستهلاك الخارجي، بينما برر مكتب رئيس الحكومة مشاركتهم بأنه تعبير عن “حرية الرأي لليمين ايضا”. ومع ذلك لم يصدر عن نتنياهو اي تصريح مبدئي ضد المهرجان او فكرته، بل شدد في خطاباته الاخيرة على تَبَرُّئه من اتفاقات اوسلو ومن الانفصال عن غزة وشمال الضفة 2005 الذي قاده شارون. تأتي هذه التصريحات ضمن مساعي نتنياهو لصيانة ائتلافه الحاكم ولتحريك جمهور مؤيديه كي يسيطر على الشارع الاسرائيلي.
يهاجم ليبرمان أحد اقطاب المعارضة واليمين مهرجان الاستيطان والترانسفير، ليس من باب رفض الفكرة مبدئيا، بل يتحدى الائتلاف الحاكم مشيرا الى ان “نتنياهو وحكومته المخفقين في اعادة النازحين من سكان غلاف غزة والجبهة الشمالية الى بلداتهم وبيوتهم، فمن اين لهم الجرأة على استيطان غزة”، ويرى ان رئيس الحكومة يتصرف فقط وفق مصالحه الحزبية وعلى حساب الأمن من اجل الحفاظ على ائتلافه الحاكم، مؤكدا ان غانتس وايزنكوت يمنحانه حبل الخلاص.
التحول الى الكهانية هو مزاج قوي داخل الليكود وقاعدته الانتخابية، قد يفقده القدرة على ان يكون حزبا حاكما. يبدو ان مسعى نتنياهو قائم على التسليم بهذا المنحى بعد أن حوّل الحزب الى اداة طيّعة تخدمه شخصيا كي يحكم، وما دام حكمه بات محدودا وبات عبئا على الحزب بدلا من رافعة انتخابية له، فبتقديرنا لن يكون من المستبعد ان يدفع سلوك نتنياهو الكهانية لتكون تيارا حاكما إذا ضمنت له فرصة للبقاء في الحكم.
قاطعت حركة شاس برئاسة ارييه درعي المهرجان، ودعت جمهورها الى عدم المشاركة فيه، كموقف يبدو مسؤولا لكن لا يخلو من الحسابات السياسية الحزبية، حيث ينحو جزء من جمهورها (الشرقي الديني من اصول مغاربية) نحو الكهانية. يعتبر حزب شاس من أكثر الاحزاب المرشحة في ظرف معين لاتخاذ موقف بفض الشراكة طويلة الامد مع الليكود والانضمام الى تكتلات حاكمة اخرى وحصريا مع غانتس وايزنكوت اللذان يراهن عليهما زعيم شاس داخل كابنيت الحرب. وتتسع دائرة الاصوات التي تدعو حزب شاس الى فك الارتباط بنتنياهو وحزبه باعتبار الزعيم الروحي للحزب ومرجعيته الدينية الراب عوفاديا يوسف كان قد أصدر فتاوى تفضيل حياة اليهود على افكار ارض اسرائيل الكبرى والاحتلال. مضمون الاصوات الضاغطة على رئيس شاس هو أن نتنياهو كان حليفا جيدا للحزب الا ان مصلحة جمهور شاس باتت تتطلب تغيير الموقف، وحتى الى تحذير ارييه درعي مما قد يحدث داخل المجتمع الاسرائيلي حين تنطلق موجه الاحتجاج الكبرى لتصطدم مع الاف البنادق التي تم توزيعها [الاشارة الى بن غفير] مما سيعني حربا اهلية، كما كتب بروفيسور شيكي ليفي في معاريف 29/1/2024.
بخلاف حزب شاس كان لافتا مشاركة وزير الاسكان غولدكنوفت من حزب “يهدوت هتوراه” المتدين الحريدي (من أصول اشكنازية) وحديثه من على منصة المهرجان، ويشهد هذا الحزب الديني تنامي الكهانية السياسية بين جمهور اتباعه الشباب، فمقابل شريحة واسعة ملتزمة بالخط التاريخي الوسطي سياسيا والمتزمت دينيا، يشهد مسار تصهين في العقود الاربعة الاخيرة وبات نفوذ التيار الصهيو-ديني الكهاني قويا في الحزب. وهو بدوره بخلاف الموقف الرسمي للحزب ايضا وقياداته التي لم تشارك في المهرجان، خاطب جمهور مؤيدي واتباع الحزب مدركا تحولهم يمينيا واستيطانيا كهانيا نحو الصهيونية الدينية.

وضع الليكود:

يتعمق الصدع داخل الليكود ذاته على خلفية المهرجان المذكور، ففي حين اتهم مسؤولون كبار في الحزب بأن مهرجان الترانسفير يلحق الضرر بالحزب وبأنه مهرجان “هذيان سياسي”، يؤكد الجناح المعني بالتحالف مع الكهانية والصهيونية الدينية بأن الليبراليين في الحزب سوف يتوسلون الى هذا الجمهور كي يصوت لهم حين تقترب الانتخابات والتي باتت تسيطر على جدول الاعمال السياسي في اسرائيل.
يأتي ذلك على شكل صدع اَخذ بالاتساع داخل الليكود وبدأ الحديث عن “دخلاء” من تيار الصهيونية الدينية الكهانية ضمهم نتنياهو الى قائمة الليكود قبل الانتخابات الاخيرة وتتعالى المطالبة بإخراجهم من الليكود ليعود حزبا قوميا ليبراليا بالمفهوم الصهوني التأسيسي للحزب. الا ان التخلص من النفوذ الكهاني الصهيو-ديني في صفوف الليكود لم يعد بالأمر القابل للتحقيق، اذ هناك من يعتبر ان نتنياهو في صراعه على البقاء السياسي وفي الحكم أصبح دعمه الانتخابي الاساسي من هذا التيار لبناء كتلة من اقصى اليمين تحافظ على حكمه. سياسياً بات ضعفه امام بن غفير وسموتريتش مثارا للغليان داخل الحزب وعلى قناعة بأنه قد يندثر ولا يعود حزبا حاكما على الاطلاق.
تهديد بن غفير لنتنياهو بعد المهرجان من ان عقد صفقة مع حماس سيعني “التسيّب السياسي ويؤدي الى تفكيك الحكومة” فيه دلالة لمدى سطوة هذا التيار على رئيس الحكومة ورهان الاخير على ائتلافه، مما دفع رئيس المعارضة لبيد الى الاعلان عن توفير شبكة أمان للحكومة في حال اقرت عقد الصفقة، لان الاولوية هي إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة. وفي حال حصل هذا الاصطفاف فإن موقع نتنياهو رئيسا للحكومة يتضعضع أكثر، ومن المستبعد ان يراهن على اي دعم خارجي من قبل لبيد والمعارضة.
الخلاصة:
• أثر التيار الصهيو- ديني والكهاني بات جوهريا في الليكود الحاكم، ويأتي ضمن مسعى من هذا التيار لتصدّر الاحزاب اليمينية والدينية لخدمة وجهته نحو الوصول الى رئاسة الحكومة وقيادة الدولة.
• موافقة نتنياهو على مشاركة اعضاء الليكود من وزراء واعضاء كنيست في مهرجان الترانفسير والاستيطان انما تدل على انه ينظر برضى لهذا الحراك ويريده، اولا لكونه يتماشى مع عقيدته السياسية وكذلك يخلق وزنا شعبيا واسعا وكبير الاثر في مواجهة صوت عائلات الرهائن والنازحين وحركة الاحتجاج ضد حكومته.
• صراعات نتنياهو على بقائه السياسي تجعله يتجاوب مع ضغوطات التيار المذكور وتطويع مبادئ الليكود القومي الليبرالي لأغراضه السياسية. ومن غير المستبعد ان نشهد تصدعا داخل الليكود في مرحلة معينة.
• قد يكون في مقدور حزب شاس الديني ، اسقاط حكومة نتنياهو وتغيير تحالفاته سواء لرؤيته لمستقبل اسرائيل او لتخوف قياداته من أثر الصهيونية الدينية في صفوفه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.