الأزمة في كشمير: استدعاء لوصفة تفجير شبه القارة الهندية

الأزمة في كشمير: استدعاء لوصفة تفجير شبه القارة الهندية

ملخص تنفيذي:

ظلت كشمير قضية متفجرة في الوجدان الشعبي في الهند والباكستان منذ انفصالهما في نهاية اربعينيات القرن الماضي. لدى الدولتان ادعاءات وروايات تاريخية بأحقية كل منهما بالسيادة على كشمير، انتهت بتقسيمها إداريا بين الدولتين. وعلى الرغم من الحكم الذاتي الواسع الذي تمتعت به كشمير ذات الأغلبية المسلمة طيلة العقود السبعة الماضية، الا انها ظلت بؤرة توتر قابلة لإشعال الحروب بين الجانبين. حافظت الهند على وضعية الاستقلال الذاتي الذي تديره من خلال النص على ذلك في الدستور والذي اعطى لكشمير وضعية قانونية خاصة، هدفت في الأساس الى المحافظة على الطابع الديمغرافي المميز لهذه المنطقة. قامت الهند مؤخرا بإلغاء المادة (370) من الدستور التي تنظم العلاقة مع هذا الاقليم، مما فتح الباب على مصراعيه امام الهندوس للانتقال وللاستيطان الدائم في الإقليم. يأتي هذا تنفيذا للضغوطات التي يمارسها الحزب الهندوسي بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء ناريندرا مودي. الامر الذي يقود الى تغيير تركيبتها الديمغرافية على المدى الطويل من خلال السماح للهندوس في الإقامة والتملك.

التحليل:

ان الغاء المادة 370 من الدستور الهندي يؤدي الى التخلي عن الوضعية الخاصة للقسم الهندي من كشمير، وكأننا نتحدث عن زراعة او صناعة عوامل تفجيرية جديدة للوضع المتفجر أصلا في هذه الولاية.  فالخطاب التوتيري المتطرف لحزب بهاراتيا جاناتا تجاه المسلمين عموما وكشمير خصوصا وتبنيه من قبل رئيس الوزراء مودي، يدفع الأمور لإدامة التوتر وتصعيد الصراع العسكري الى اقصى درجاته. تغيير المعادلة المستقرة (قانونيا وسياسيا) في التعامل مع كشمير قد يشكل عاملا ضاغطا على معادلة الجغرافية السياسية من جهة، بما يحمله ذلك من ابعاد دينية وقومية يشكلان الان أساسا لسياسات الحزب اليميني الحاكم الذي يرى في كشمير لبنة أساسية في مسيرة تحويل الهند الى ديموقراطية من لون واحد، أساسه الهندوس. وعلى الرغم من ان هذا التوجه ليس جديدا في برنامج الحزب، الا انه لم يكن متوقعا ترجمته بشكل عملي، وخصوصا إلغاء المادة الدستورية، مما يؤشر الى ان الحزب الحاكم لا يقدم خطابه الشعبوي العنصري على سلطة القانون. مخاوف كثيرة مبررة تحيط بمستقبل قضية كشمير برمتها.

شهد الخطاب اليميني الشعبوي انتعاشا ملحوظا في أروقة السياسة الهندية في السنوات الخمس الاخيرة، أنتج فوزا انتخابيا جاء بحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتعصب الى سدة الحكم منذ 2014 وحتى الان، وقد كانت الحملة الانتخابية للحزب منصة وحاضنة تجلت فيه اركان هذا الخطاب. لقد تمحور البرنامج الانتخابي للحزب على شعارات عنصرية تستهدف غير الهندوس وخصوصا المسلمين. مع تركيز واضح على ان الحزب يعمل على إعادة تشكيل الهوية الثقافية للهند بحيث تكون هندوسية خالصة، مع تضييق على الأقليات والثقافات الأخرى التي لا يرى ضرورة لوجودها في الهند. يبدو ان الأجواء الدولية التي تجتاحها موجات اليمين الشعبوي المتطرف، قد ساهمت في دفع الحزب الهندي الحاكم الى البدء بخطوات عملية لتنفيذ اجنداته الشعبوية، تلك التي تتجاوز كل التابوهات والخطوط الحمراء التي ظلت راسخة في التقاليد السياسية لمؤسسات الحكم والدولة، والتي رسخها الدستور الهندي العلماني الذي خطه غاندي ونهرو ومن بعدهما انديرا غاندي وراجيف، الذين دفع ثلاثة من الرؤساء حياتهم على يد المتطرفين الهندوس. وهي الثقافة الراسخة التي دفعت اول رئيس في العالم يأمر بمصادرة كتاب سلمان رشدي ايات شيطانية رعاية لمشاعر المسلمين وذلك قبل فتوى الخميني ضد الكاتب. ولعل هذا التصعيد في غلواء التطرف الهندوسي القومي والديني يخالف تحالف حزب بهارتا جاناتا نفسه ، اذ يذكر تاريخ الهند باعتزاز موقف الزعيم فيشونات برتاب سنغ الذي اضطر للاستقالة من منصبه في رئاسة الوزراء احتجاجا على موقف المتعصبين  من قضية الخلاف حول المسجد البابري في مدينة ايوديها والذي ظل مكانا مقدسا للمسلمين منذ انشائه في القرن التاسع عشر وحاول الاصوليون الهندوس ازالته ليقيموا مكانه معبدا هندوكيا لرام اله الهندوس وكادت البلاد تدخل في فتنة طائفية ، لقد اثر سينغ الاستقالة على مخالفة الدستور والخروج علن ثقافة الهند رمز وحدتها القومية . وعندما وقع الاعتداء الثاني على ذات المسجد عام ١٩٩٢ بالتواطؤ مع حكومة الولاية، فما كان من رئيس الحكومة نارسيما راو الى ان وجه رسالة الى رئيس الدولة طالبه فيها بحل برلمان الولاية وطرد حكومتها وإخضاع الولاية كلها للحكومة المركزية لخروجها على دستور البلاد. كما يذكر التاريخ أيضا ان نهرو بثقله الأخلاقي والفكري العميق فرض على جماعته الهندوس، تنصيب مسلم رئيسا للدولة

  اليوم ينخرط الحزب اليميني الحاكم في حملة تصعيدية عنصرية ضد الأقلية المسلمة تحديدا، وضد المخالفين في الدين والراي السياسي، تجلى ذلك في الخطاب السياسي الانتخابي الذي فاز به حزب بهارتيا جاناتا، ما ينذر بتفجير الصيغة السياسية المتسامحة التي امنت استمرار وحدة وتماسك البلاد بأعراقها وقومياتها ولغاتها وثقافاتها المختلفة وشكلت نموذجا يحتذى في العالم اجمع.

بالإضافة الى الخطاب الشعبوي الذي طرحه الحزب الحاكم في الهند، فان القرار لا ينفصل عن سياقات ما يجري على الصعيد العالمي. حين تندرج الهند وحزبها اليميني الحاكم في التحالف الدولي ورافعته، ترويج الاجندة العنصرية والعداء للمختلف، وقد يفهم من ذلك ان الحزب الحاكم أراد استثمار هذه الموجه حتى يمهد لتمرير قرارته الخطرة في موضوع كشمير. يرى بعض الخبراء بان الحزب الحاكم في الهند، بالإضافة الى استجابته للمطالب في أوساط حزبه ودهماء العنصريين الهندوس، الا انه أيضا أراد قطع الطريق على وساطة أمريكية لحل النزاع في كشمير والتي ينظر اليها على انها منحازة لتعزيز دور باكستان الإقليمي. ونشير هنا الى نجاح باكستان في الوساطة بين الأطراف الأفغانية وتحييد دور الهند في القضية الأفغانية بعد ان باتت عاملا فاعلا في معادلة الاستقرار في العقد الأخير.

وهنا يحضر في المشهد الأصابع الخفية للباكستان في استثمار القوى الارهابية المتطرفة التي كانت تتخذ من افغانستان مقرا لها والتي تحولت في العام الأخير الى حشد كل قواتها في منطقة كشمير، وأعلنت الحرب المقدسة ضد القوات الهندية، ويقف على راس هذه القوى جيش محمد الذي نفذ قبل أشهر عملية عسكرية في قاعدة عسكرية هندية اسفرت عن مقتل العشرات من العسكريين، وشكلت هذه العملية مادة خصبة للمتعصبين القوميين، وكادت ان تؤدي الى حرب مع القوات الباكستانية التي حملتها الهند المسؤولية عن العملية. وتشير التقارير الهندية الى ان المخابرات الباكستانية نقلت عددا من التنظيمات الإسلامية المتطرفة من افغانستان الى جامو كشمير. ولا يخفى على المتابع لشون القارة الهندية ان الحكومات المتعاقبة في الباكستان ومن خلفها الجيش استخدم المجاميع الإسلامية الإرهابية في تنفيذ سياساته ونفوذه الإقليمي. يرى المراقبون ان اسلام اباد لا يمكنها السكوت على الخطوة الهندية، لان كشمير التاريخية ظلت على الدوام أحد اهم روافع شرعية النظام، والسكوت على الخطوة الهندية التي تشرع الاستيطان في كشمير، يعني استثارة الاسلاميين المتشددين والقوميين الباكستانيين وطغمة القوات المسلحة التي تدير البلاد من وراء الستار. حتى اللحظة اختارت اسلام اباد الطرق الدبلوماسية، فبدأت تحركا دوليا نشطا دعت فيه مجلس الامن والمنظمات الدولية الأخرى لوقف الخطوة الهندية لما فيها من عوامل تفجير المنطقة المتوترة أصلا. وتشير التقديرات الى ان هذه الخطوة الدبلوماسية سوف يتبعها إجراءات أخرى حفاظا على الوحدة الوطنية وسلام البلاد الداخلي، والخطوة الأخرى التي بدأتها الحكومة ومن خلفها الجيش هي تحريض سكان كشمير على الاحتجاجات الشعبية ضد الإدارة الهندية في كشمير. الا ان ذلك قد يكون من الخطوات المعلنة، لكن النشاط الأهم هو الدعم الدائم للقوى المسلحة وتحديدا اجنحتها الإسلامية المتطرفة والتي تخوض حربا مستمرة ضد القوات الهندية في الاقليم. ولا ينقص اسلام اباد الحجة والمبرر بعد اخلال الهند بالوضع القانوني والسياسي المستقر منذ ما يقرب السبعين عاما. من المؤكد بأن ذلك سيجلب ردا هنديا على مثل هذا النوع من الأنشطة العسكرية المسلحة، مما يضع المنطقة على فوهة بركان، في واحدة من حروب الوكالة التي تطل براسها في أكثر من بقعة في العالم.

:الخلاصة

علاقة المخابرات الباكستانية التسليحية والتدريبية مع منظمة جيش محمد الإسلامية المتطرفة وبقية الفصائل الجهادية باتت ثابتا معروفا، فمنذ مطلع العام الحالي عادت هذه الفصائل لتركيز نشاطاتها العسكرية مجددا في كشمير وما يحمله من احتمالات استئناف العمل المسلح ردا على الخطوة الهندية، وخصوصا بان أحد اهم الأهداف الرئيسية لهذه المجموعة هو تحرير كشمير من الاحتلال الهندي وتوحيدها مع باكستان. ومما يزيد من احتمالات التصعيد، ما يمضي له بعض المحللين من ان التوتر الجديد هو انعكاس لحرب الوكالة بين الصين والولايات المتحدة) The National Interest,March 24,2019  )

  • إن لغة التصعيد القومي الشعبوي الهندية تعد وصفة نموذجية لفسخ الصيغة الدستورية التعاقدية الديمقراطية التي قامت عليها الهند منذ الاستقلال عن بريطانيا، والذي رعاه الآباء المؤسسون. فالمسلمون يشكلون حوالي 14 % من سكان الهند، وبالتالي فان الاخلال بالقواعد المستقرة للتعايش واستهداف المسلمين سيعزز مظلوميتهم امام تصعيد الخطاب العنصري، ولن تتوقف الأمور عند المسلمين وحدهم بل سيتعداه الى مظلوميات أخرى قد تبرز مع التصعيد العنصري الهندوسي من القوميات والأديان الكثيرة المتعايشة في الهند. توتر يهدد فعليا وحدة البلاد ودورها كقوة عالمية صاعدة تشكل منافسا قويا للصين في المنطقة.
  • باكستانيا، يشكل هذا الصراع استثمارا لفرصة الانتهاء من فكرة الدولة المدنية وإعادة ترسيخ سيطرة العسكر على الدولة، ومن شأنه تجميع القوى القومية والإسلامية الإرهابية في معركة لا نهاية لها، تقوم على الخطاب الديني التحريضي المتطرف كما حصل في كثير من مناطق العالم.
  • من غير المستبعد برأي العديد من المحللين ان تصعيد التوتر بين الهند والباكستان، قد يكون الفرصة الذهبية لإعادة حشد القوى الإسلامية الجهادية المتطرفة من مناطق النزعات المختلفة وتحويلها الى كشمير، بؤرة التوتر الجديدة. فكثير من الازمات كانت غطاء للحروب الدينية المقدسة التي استقطبت الجهاديين من مناطق الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب شرق اسيا ، للقتال في أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا والشيشان والبوسنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.