ليبيا الجديدة: المعطيات الداخلية والخارجية لإفراز تسوية سياسية توافقية

• عدنان موسي
تمهيد
بعد أكثر من سبعة سنوات على الانزلاق الليبي فى براثن الفوضي الشاملة، وسقوط حدود وهيكل الدولة القائمة، لصالح المليشيات الارهابية فضلا عن تحولها مسرحا للصراعات والتنافس الدولي والإقليمي، بدأت المعطيات الداخلية والخارجية تميل باتجاه احتمالات تسوية سياسية، بعدما نجحت ايطاليا فى التسويق الفعال لمؤتمر روما المقبل حول ليبيا، إلى جانب تدعيمه بالوجود الأممي والأفريقي والعربي، فضلا عن تأكد حضور كافة الاطراف الداخلية والخارجية الفاعلة فى هذا الملف، مما يمهد للوصول لتسوية توافقية محتملة، يدعم تلك الفرضية التطورات الاخيرة التى شهدها الداخل الليبي، على صعيد العمليات العسكرية والسياسية، لكن يبقي التساؤل المشروع هو مصير المليشيات الارهابية فى غرب وجنوب ليبيا وتداعياته على أى تسوية مقبلة، وموقف الأطراف الخارجية الداعمة لتلك المليشيات، خاصة مع حضور هذه الاطراف لمؤتمر باليرمو . بالتالى تسعي هذه الورقة الى قراءة استشرافية للمتغيرات التى تسبق المؤتمر المقبل والرؤية المستقبلية للملف الليبي.
أولا: مؤتمر باليرمو ومؤشرات التسوية
أختتم رئيس المجلس الرئاسي الليبي “فائز السراج” زيارة سريعة إلى روما لوضع الترتيبات الأخيرة قبل مؤتمر “باليرمو” المزمع عقده يومي 12 و 13 نوفمبر 2018، وذلك قبل أيام قليلة من زيارة مماثلة للمشير حفتر لإيطاليا، وحرصت روما على حضور الأطراف الليبية الأربعة التى شاركت من قبل فى مؤتمر باريس فى مايو 2018، واشارت تقارير إيطالية إلى أن مؤتمر باليرمو سيعقد على يومين، يتم خلال اليوم الاول مباحثات بين الاطراف الليبية الأربعة ( السراج، وحفتر، خالد المشري، وعقيلة صالح)، قبل ان يتضمن اليوم الثاني مشاركة رفيعة المستوى من قبل العديد منم القوى الاقليمية والدولية، اذ سيضم المؤتمر ممثلين عن السعودية ومصر وتركيا والامارات وقطر وفرنسا والمانيا واسبانيا والمغرب وتونس وبريطانيا وكندا وتشاد والجزائر والأردن ومالطا، بالاضافة الى مشاركة من قبيل الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي.
وسيشهد مؤتمر باليرمو حضورا قطرياً رفيع المستوى، وهو ما أكده وزير الداخلية الإيطالى ” ماتيو ساليفيني” عقب زيارته الى الدوحة، الامر الذي يثير العديد من التساؤلات حول الاجندة االايطاليا وتداعياتها على المسار المحتمل بعد المؤتمر.
تدفع بعض المؤشرات الداخلية باتجاه احتمالات الوصول الى نتائج هامة فى مؤتمر باليرمو، فقد أقال حفتر عددا من الضباط المعترضين على التسوية، كاللواء ونيس بوخمادة، واللواء عبد الرزاق الناظوري، بالاضافة الى الرائد محمود الورفلي، وهى المجموعة المتهمة بالتورط فى مخالفات ضد الانسانية، حيث استعاض حفتر عنها بمجموعة من القيادات الشابة المقربة منه، فى المقابل استثمر السراج الصراعات المسلحة التى اندلعت فى غرب ليبيا بين مجموعة من المليشيات وتمكن من إعادة تشكيلها تحت قيادات جديدة ضمن خطة الترتيبات الامنية، وعين “فتحي باشاغا” وزيرا للداخلية، وهو الذى شارك سابقا فى تشكيل حلف “فجر ليبيا”، ويسود الاعتقاد بأن لدية الخبرة الكافية فى تركيب وتفكيك المليشيات.
ويشار هنا الى أن ما يدعم احتمالات الوصول لتسوية للملف الليبي، عودة سفراء عدد من الدول منها الولايات المتحدة والمانيا، الى جانب مجموعة من السفارات التى لازالت تعمل بشكل طبيعي داخل الاراضي الليبية، على رأسها السفارة التركية فى طرابلس التى تستغلها فى تحركاتها بدعم بعض الميليشيات المسلحة ، الى جانب سفارة كوريا الجنوبية والسفارة البريطانية، وهو يعكس التكالب الدولي على اقتسام المغانم المتوقعة حال الوصول الى تسوية سياسية.
ثانياً: عودة داعش إلى ليبيا
على الرغم من نجاح قوات البنيان المرصوص فى طرد داعش من سيرت بوسط ليبيا، إلا أن فلول التنظيم نجحت فى الفرار الى جنوب ليبيا ودروبها الصحراوية، والتى عادت لتنشط من جديد ولم يقتصر هذا النشاط على الجنوب بل امتد الى وسط وغرب ليبيا، فقد اصبح يقدر عدد افراد تنظيم داعش فى ليبيا بحوالى ( 3000- 4000) بحسب المصادر المتقاطعة . يضاف لذلك ان جنوب ليبيا يضم مجموعات تشادية وسودانية متمردة بدأت فى الفترة الاخيرة تكثيف نشاطها فى الجنوب الليبي، غرب جبال الهروج، وهى تنتشر فى منطقة الكفرة مرورا بأم الارانب وحوض مرزوق بالجنوب على الحدود الليبية التشادية.
وشهدت الايام الاخيرة نشاطا غير مسبوق لتنظيم داعش الذى بدأ يستعيد توزانه من جديد، فقد قام التنظيم بعدة هجمات على مناطق متفرقة، كان أخرها الهجوم على بلدة الجفرة، جنوب شرق طرابلس، والتى جاءت ردا على تصفية اعتقال جمعة القرقعي احد قادة التنظيم فى الجنوب، فى مدينة الفقها.
فى المقابل، عادت الاشتباكات فى العاصمة طرابلس للاندلاع من جديد بين المليشيات المنتشرة هناك، ارتبط ذلك بحادثة اغتيال احد قائد كتيبة ثوار طرابلس.
ثالثا:ليبيا فى ظل الحرب الباردة الجديدة
يظل دور واشنطن محوري في تحقيق التسوية المنتظرة في الملف الليبي، وعليها دعم العملية السياسية دون المفاضلة بين فرنسا وإيطاليا او حتى بعض الأطراف الإقليمية، ففي يوليو 2018 عندما أعلن حفتر عن التوجه لبيع بعض احتياطي النفط خارج شرعية المؤسسات النفطية، ردت واشنطن بان ذلك يمثل انتهاك لقرار الأمم المتحدة مع تعرض المشترين لعقوبات الولايات المتحدة، وهو ما دفع حفتر للتراجع عن هذا القرار، وهو ما يدعم فرضية أن واشنطن لاتزال تمتلك اليد الطولى في الملف الليبي، على الرغم من تجاهل الإدارة الامريكية للأزمة الليبية لصالح غيرها من الملفات الإقليمية والدولية، كما يعزز من احتمالات التوصل الى مسار سياسي ناجح ونتائج توافقية هامة حال شاركت إدارة ترامب في مؤتمر باليرمو.
فرضت روسيا نفسها كلاعب قوي وفاعل رئيسي فى تنسيق وتسوية الملف الليبي، وهو ما سيضع على الاتحاد الاوروبي مزيدا من الضغوط للتعاون معها لتحقيق الاسقرار فى ليبيا للسيطرة على تدفق المهاجرين، ومن المرجح أن يغذى تنامي الدور الروسي فى ليبيا من الانقسامات الاوروبية الاوروبية، خاصة مع ترحيب الحكومة الشعبوية الايطالية بمشاركة موسكو فى مؤتمر باليرمو. وتجدر الاشارة الى أن موسكو عززت فى الفترة الأخيرة من تواجدها العسكري فى شرق ليبيا، فوفقا لتقرير خاص بالاستخبارات البريطانية اصبحت روسيا تمتلك قاعدتين عسكريتين فى طبرق وبنغازي الساحليتين، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا للقارة الاوروبية خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة عبر المتوسط.
رابعاً: تعثر لقاء حفتر والسراج فى مصر
بعد أكثر من عام كام على الجهود المصرية الرامية إلى تحقيق وحدة المؤسسة العسكرية الليبية، يبدو ان تلك المحاولة اصطدمت بأدوار ومواقف خارجية محركة للأطراف الداخلي، حكومة الوفاق على وجه التحديد، وذلك بعدما امتنع السراج عن حضور الاجتماع الذى نظمته القاهرة، فى 24 أكتوبر 2018، بحضور الاخير والمشير حفتر للتوقيع على الاتفاق النهائي لتوحيد المؤسسة العسكرية، وهو الأمر الذى كان نجاحه يعنى عدم جدوى المؤتمر الذى تعده روما، ولكن اعتراض السراج حول فكرة خضوع الجيش للسلطة المنتخبة فقط، وهو ما يعني انه لن يخضع للحكومة المؤقتة التى ستسبق الانتخابات الرئاسية، بالتالى فتعثر الجهود المصرية تفتح كل الاحمالات امام مؤتمر روما، كما انها ستدفع باتجاه بعض الاطراف، خاصة فرنسا والولايات المتحدة وروسيا، للمشاركة فى المؤتمر لضمان وجودها فى اى معادلة مقبلة.
فى المقابل، آثارت زيارة وزير الدفاع التركي ” خلوصي أكار” الى طرابلس ولقائه بالسراج العديد من التساؤلات حول توقيت وأهداف الزيارة خاصة وأنها تطرقت للحديث عن فكرة توحيد المؤسسة العسكرية الليبي، اذ تسعي انقرة لسحب هذا الملف من القاهرة وتحويلة للأمم المتحدة، حيث تمثل فكرة وجود قوة عسكرية ليبية موحدة تهدديدا لوجود المليشيات التى تدعمها انقرة – الدوحة فى غرب ليبيا، بالاضافة الى رغبة تركيا فى تأكيد الدعم لحكومة السراج حول الترتيبات الامنية الأخيرة .
حاصل القول، أعلن برلمان الشرق ( طبرق) والمجلس الاعلي للدولة التابع لحكومة الوفاق بشأن الاتفاق على تشكيل حكومة موحدة تتكون من رئيس ونائبين الى جانب حكومة موحدة تمهيدا لوضع خارطة طريق نحو بناء المؤسسات الليبية الموحدة، ومع فتح باب الترشح رسميا لتشكيل المجلس الرئاسي الجديد، فتبقي حظوظ عقيلة صالح هى الاوفر لتولي رئاسة المجلس الرئاسي الجديد، بينما يرجح أن يتولي السراج رئاسة الحكومة الجديدة. وهو ما يطرح مقدمات عديدية تمهد الطريق نحو الوصول الى تسوية سياسية في اطار مؤتمر روما المقبل، لكن يبقي الدور الخارجي المحرك للمليشيات الداخلية محدد رئيسي في النجاح في هذا الهدف، فمن المؤكد أن وضع نهاية للانقسام الليبي يمثل تهديد لوجود تلك المليشيات وبالتالي ضربة قوية للقوي الراعية لتلك المليشيات، وهو ما يطرح تساؤلات حول احتمالات تدخل دولي على غرار القوات الدولية المشاركة في سوريا لوضع نهاية للمجموعات الإرهابية المتواجدة في غرب وجنوب ليبيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.