عقوبات جديدة على إيران: قرابين الاتحاد الأوروبي لإسترضاء ترامب من أجل العدول عن انسحابه من اتفاق إيران النووي

محمود سعيد موسى*

مقدمة:

في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2017، وبعد دقائق معدودة من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته في الانسحاب من اتفاق إيران النووي، صرحت فيديريكا موغيريني، التي تشغل منصب الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: “حسنا، في البداية أود أن أذكّر الجميع بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية شهدت 8 مرات بأن إيران تطبق جميع التزاماتها في الاتفاق، آخرها قبل أسابيع قليلة”. بتلك الكلمات الحاسمة التي لا تدع أي مجال للشك، أجابت على ما فُهم أنها مجرد مزاعم وادعاءات أمريكية بأن إيران ترتكب خروقات متعددة في تنفيذ الاتفاقية، بالرغم من أن ترامب ذكر في حديثه تفاصيل تقنية تُثبت كلامه.هكذا ألقى الاتحاد الأوروبي بنفسه إلى أحضان إيران، متخليا عن حليفه الولايات المتحدة.

وعلى خلفية التهديد بالانسحاب الأمريكي، أنكر الرئيس الإيراني حسن روحاني اتهامات ترامب، كما شدد على أن الاتفاقية ستُلغى تلقائيا في نفس وقت الانسحاب. مما يلقى بظلال نتائج غير محمودة على الأحداث السياسية الراهنة سواء على مستوى رغبة إيران في تطوير التكنولوجيا النووية الذي تناقض الرؤية الأمريكية في حظر انتشار السلاح النووي، أو على أرض المعركة في سوريا التي يلعب عليها الخصمين.

وبعدها بشهور، تحديدًا في يناير/ كانون الثانى 2018، وجّه ترامب أنظار العالم إلى انتهاكات إيران على مستوى الاتفاق عن طريق تطويرها لبرنامج الصواريخ البالستية، كما ألقى الضوء تحديدًا على تدخلها في الحروب الدائرة في سوريا واليمن. كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن تطبيق عقوبات على قائمة تضم 14 شخصية ومؤسسة إيرانية، ردًا على انتهاكاتها لحقوق الإنسان والتعذيب الوحشي لمواطنيها وقمع الحريات العامة.

وفي أبريل/ نيسان من العام نفسه، ناقشت الدول الأوروبية تطبيق عقوبات جديدة على إيران، لنفس الأسباب، مُغازِلة الولايات المتحدة للاستمرار في الاتفاقية، وتتمثل في تجميد أصول 82 شخصية ومؤسسة واحدة، ومنع التصدير إلى إيران.

تتناقض مناقشة تطبيق العقوبات مع الطبيعة القانونية لاتفاق إيران النووي، لأن تلك الخطوة قد يتبعها انسحاب إيران. كما أن دعوة الدول الأوروبية الكبري، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لتطبيق العقوبات تتناقض مع تصريحات موغيريني التي تذكّر دائما بالالتزام الإيراني بعد كل تصريح يعرقل سير الاتفاق. تخلّي الاتحاد الأوروبي عن الحليف الأمريكي في بداية أزمة الانسحاب من الاتفاق، ثم مراجعة الترويكا الأوروبية مواقفها الأولية المتمثلة في التأكيد على المضي في الاتفاق دون تعديل معللة بالتزام إيران، لتغازل ترامب بعد ذلك برغبتها في ابتكار عقوبات جديدة. هذا التحول يكشف الستار عن الخوف الأوروبي من أن تجد نفسها في معسكر إيران وروسيا والصين، وضد حليفها الأمريكي، كما أن الاتحاد الأوروبي لن يجد نفعًا في المضي في الاتفاق، لأن إيران ستنسحب فور انسحاب الولايات المتحدة، بغض النظر عن موقف الكتلة الأوروبية، أو حتى أي دولة في الترويكا الأوروبية منفردة.

الطريق إلى اتفاق إيران النووي

تتويجا لخطة العمل الشاملة المشتركة، توصلت إيران من ناحية، ومجموعة 5+1، أي مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين + ألمانيا) من ناحية أخرى، إلى اتفاق لوزان النووي في أبريل/نيسان عام 2015، التي تعد بمثابة بداية تسوية لأزمة البرنامج النووي الإيراني، التي استمرت قرابة عقدين من الزمن في دائرة مفرغة من الشد والجذب، والعقوبات والتنديدات.

وبمقتضى الاتفاق، تتخلى إيران عن طموحها في امتلاك أسلحة نووية، في مقابل تعهد الولايات المتحدة رفع كافة العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية والدولية عنها. وُصِف الاتفاق بالتاريخي، وأكد الجميع على أنه “اتفاق جيد”، بالرغم من كل الصعوبات من أجل الوصول إليه.

وبالتالي فإن الانسحاب من الاتفاق لن يؤثر فقط على هدر مجهودات دبلوماسية استمرت لسنوات، لتُعاد المفاوضات من جديد، بل أن مجرد إعلان ترامب عن نيته في الانسحاب أحدث انقسامًا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وانشقاقًا داخل الصف الأوروبي منذ بداية الأزمة.

تحلل هذة الورقة تحوًّل الموقف الأوروبي سواء على مستوى الكتلة الأوروبية، أوعلى مستوى الدول الأوروبية الكبرى (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، أي بين وقوف الاتحاد الأوروبي بأكمله في البداية إلى الجانب الإيراني، ثم عودة الدول الأوروبية إلى أحضان الحليف الأمريكي.

المقاربة الأولى: الاتحاد الأوروبي ينضم إلى معسكر إيران

بعد إقراره مرتين منذ توليه الإدارة الأمريكية على التزام إيران باتفاقها النووي الذي يُجدد كل ثلاثة أشهر، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب من واشنطن أنه لن يمرر الموافقة الثالثة بتجديد تصديقه، وذلك قبل  48 ساعة من الموعد المحدد. ثم وجه دعوته إلى الكونغرس الأمريكي لسن قوانين من شأنها إعادة تطبيق العقوبات على إيران.

بعدها بدقائق معدودة، وجهت موغيريني حديثها إلى الرئيس الأمريكي رأسا، بأن ترحيب المجتمع الدولي باتفاق إيران النووي في يوليو/ تمّوزعام 2015، كان تكليلا لجهود استمرت نحو 13 عام من المفاوضات المكثفة، وهو ليس اتفاق ثنائي، ولا يحق لأية دولة منفردة بإلغاء اتفاق متعدد الأطراف، كما باركه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبالتالي فإن المجتمع الدولي والدول الأوروبية ماضيه في المثول له. ثم تلاه البيان المشترك الذي أصدرته الترويكا الأوروبية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزارة البريطانية تيريزا ماي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، لتعيد تأكيدها على الالتزام بتنفيذ الاتفاق، من أجل الحفاظ على مصالح أمنها القومي المشترك. ولا يوجد أي داعِ للانسحاب، لأن الاتفاق فعال ويؤتي ثماره، ولأن إيران أوقفت برنامجها النووي، وأصبح مقصورًا على الاستخدامات المدنية.

بالرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الحليف الأقوى للولايات المتحدة على الصعيد الأمني، إلا أنه وجد نفسه بالصدفة مرتميا في أحضان إيران والصين وروسيا ضد الولايات المتحدة.

ينبُع ردود أفعال الدول الأوروبية الموالية للاتفاق من تأثّرها الحتمي جراء إلغائه، إذ أن تنفيذ ترامب لتهديده بالانسحاب سيؤثر بالسلب على الشركات الأوروبية التي تتعاون مع إيران تجاريًا. إذ يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد حلول من بينها تسهيل قروض حكومية لتلك الشركات، وتوفير الدعم المالي لأن بانسحاب الولايات المتحدة، سيعاد فرض عقوبات قاسية، من شأنها احتمالية تعريض الشركات إلى خسائر فادحة تتعلق بقطع البنوك التجارية دعمها المالي.

على سبيل المثال: تعتبر شركة توتال الفرنسية للنفط إحدى الشركات المتضررة من الانسحاب المحتمل؛ إذ يعترض رئيسها التنفيذي باتريك بويان على تحمل مغبات خطوة لم تكن في الحسبان، واقترح بألا تطبق العقوبات على شركته لأنها أبرمت اتفاقًا مع إيران العام الماضي لتطوير المرحلة الثانية مع حقل غاز فارس الجنوبي، أكبر حقل غاز في العالم.

وتفاديًا لحدوث تلك الأزمة، ناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي النتائج التي قد تترتب على الانسحاب الأمريكي المرتقب، وفي نفس الوقت يخوضون معاركهم لإقناع الشريك الأمريكي في العدول عن تلك الخطوة التصعيدية؛ إذ يطرحون حلولاً لمناقشة برنامج إيران البالستي، بعيداً عن الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015.

وصرح وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أن انسحاب الولايات المتحدة سيضفي على الاتفاقية صعوبة تكمن في إجراء تعديلات على خطة العمل الشاملة المشتركة. لكنه أكد على الاستمرار في الاتفاق، حتى بدون الولايات المتحدة. وطرح جونسون حلولاً بديلة للانسحاب الأمريكي مثل تمكين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من توسيع مهامها من شأنها منع تطوير صواريخ بالستية إيرانية يتعدى مداها 2000 كيلومتر، لجهله أي طريق سيسلكه الرئيس الأمريكي ترامب لمرحلة ما بعد الانسحاب من الاتفاقية.

المقاربة الثانية: الاتحاد الأوروبي يعود إلى أحضان حليفه الأمريكي

في 24 أبريل/نيسان 2018، التقى الرئيس الفرنسي بنظيره الأمريكي على أمل الوصول إلى أي حل أو تسوية أخرى غير انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، مؤكداً على أنهما قطعا شوط كبير من المباحثات حول “ترتيبات جديدة”.

وقال ماكرون بأنه يمكن “إضافة أو الاتفاق من جديد” لتغطية كل ما يقلق كل الأطراف من مستجدات على الساحة. وأكد على أن الاتفاق الجاري ما هو إلا ركيزة واحدة يجب أن تضم ثلاثة آخرين، بهدف التعامل مع الطموح النووي المستمر لإيران الذي تعدى هدف الاتفاق الحالي، وهو برنامجها للصواريخ البالستية، واحتواء التدخل الإيراني في الأراضي السورية واليمنية واللبنانية. وأضاف بأن حلفاء الولايات المتحدة لديهم هدف “واضح” تجاه ما تفعله إيران. تناقض كل ما ذهب إليه ماكرون مع ما أكد عليه وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في لقائه مع الرئيس الإيراني روحاني بالتزام الجانب الفرنسي بالاتفاق، وذلك قبل لقاء ماكرون بترامب.

وعلّقت موغيريني على لقاء ترامب – ماكرون بأنها لا تعلم ما سيحدث في المستقبل، لكن الاتحاد الأوروبي ملتزم بالاتفاق في الوقت الحالي. كما شددت على أنه من المهم بمكان الفصل بين الاتفاق، وما يستجد من مشاكل في المنطقة. أي سريان الاتفاق بمعزل عن الانخراط في نقاشات جديدة حول برنامج إيران النووي، الذي يقف منه الاتحاد الأوروبي بموقف الرافض له.

وبالرغم من تحول الموقف الفرنسي، إلا أن ألمانيا وبريطانيا لم تتخلخل عقيدتهما تجاه الاستمرار في الاتفاق. إذ أكد هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، بعد وصوله لحضور مؤتمر سوريا في بروكسيل، على أن بلاده تريد الاستمرار في الاتفاق، وترغب في عدم انسحاب الولايات الأمريكية على حد سواء. وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة البريطانية بأن “اتفاق إيران النووي ساري، وأن حكومته تعمل مع حلفائها عن قرب لمعالجة التحديات والعقبات التي تختلقها إيران في الشرق الأوسط”، والتي تشمل القضايا المطروحة من قِبل الرئيس الفرنسي في الاتفاق الجديد التي ستغطيه.

الخلاصة:

من خلال تشبث الاتحاد الأوروبي بالالتزام تجاه اتفاق إيران النووي في بداية أزمة إعلان ترامب نيته في الانسحاب، وجد الأوروبيون أنفسهم في معسكر إيران ضد الولايات المتحدة حليفهم الأمني. ثم أدركوا بعد ذلك أنهم لن يجدوا نفعًا بهذا التشبث، لأن بالانسحاب الأمريكي المرتقب يوم 12 مايو/ أيار القادم، ستَلغي إيران الاتفاقية، بغض النظر عن موقف الاتحاد الأوروبي أو حتى الدول الأوروبية الكبرى. وبالتالي تراجعت موغيريني قليلا عندما أعلنت بأنها لا تعرف تحديداً ما سيُجري من تعديلات في المستقبل.

ولأنه من الصعب الجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران مرة أخرى في حالة إلغاء الاتفاق، تزحزَح الموقف الأوروبي. تحرّكت الترويكا الأوروبية تجاة إقناع باقي دول الاتحاد الأوروبي لتطبيق عقوبات على إيران، ولكن الدول الأوروبية احتاجت إلى مزيد من الوقت للبت في المسألة. ثم توجهت الترويكا نحو مغازلة ترامب، بالمناقشات تارة ثم بمحاولة ابتكار حلول بديلة تارة أخرى؛ تمثلت في مناقشة ما استجد من مشاكل مثارة من قبل الجانب الإيراني بعيداً عن الاتفاقية، مثل تطوير برنامج الصواريخ الباليستية أو حتى انتهاك حقوق الإنسان وكبت الحريات في الداخل الإيراني. وحتى محاولات ماكرون في استمالة الولايات المتحدة بتصريحه أن الاتفاق ركيزة ضمن ثلاثة ركائز أخرى، وقبلها بأيام محاولات استمالة إيران بأن فرنسا ملتزمة بالاتفاق من خلال وزير الخارجية الفرنسي. كما صرح وزير الخارجية البريطاني بأن توسيع مهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعد بديلًا عمليا للانسحاب من الاتفاق.

تمايل مواقف الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الكبرى ليَظهر بأنه يمسك العصا من المنتصف، قد يكون له نتائج إيجابية فقط على المدى القصير، إذ لابد له من موقف حاسم بعد 12 مايو/أيار، أي بعد اتخاذ الولايات المتحدة قرارها النهائي في الانسحاب أو الإبقاء على الاتفاق. لكنه بكل تأكيد لن يستطيع أن يمسك العصا من المنتصف، أو حتى البقاء مع معسكر إيران.

* باحث مشارك فى مركز التقدم العربى للسياسات – لندن، ومهتم بالعلاقات الدولية والشؤون الأوروبية

قائمة المراجع:

https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/president-donald-j-trumps-new-strategy-iran /

https://eeas.europa.eu/headquarters/headquarters-homepage/33922/remarks-high-representativevice-president-federica-mogherini-latest-developments-regarding_en

https://www.independent.co.uk/news/world/asia/iran-nuclear-deal-hassan-rouhani-donald-trump-reaction-baseless-accusations-a7999666.html

https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/statement-president-iran-nuclear-deal /

https://home.treasury.gov/news/press-releases/sm0250

http://www.dw.com/en/eu-extends-iran-human-rights-sanctions-by-a-year/a-43361971

https://europeanmpsforjcpoa.com /

https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2015/08/05/remarks-president-iran-nuclear-deal

https://www.gov.uk/government/news/declaration-by-the-heads-of-state-and-government-of-france-germany-and-the-united-kingdom

https://www.politico.eu/article/federica-mogherini-donald-trump-iran-eu-us-has-no-right-to-terminate-iran-accord /

https://www.reuters.com/article/us-iran-nuclear-world/iran-eu-and-russia-defend-nuclear-deal-after-trump-threat-idUSKBN1CI2RZ

https://www.theguardian.com/world/2018/mar/23/eu-may-offer-credit-to-firms-trading-with-iran-if-trump-pulls-out-of-nuclear-deal

https://www.rferl.org/a/trump-macron-say-they-will-seek-new-broader-deal-with-iran-beyond-nuclear-deal/29190770.html

https://www.reuters.com/article/us-iran-france/french-minister-in-iran-to-reaffirm-nuclear-deal-but-set-out-concerns-on-missiles-idUSKBN1GH05E

http://www.presstv.com/DetailFr/2018/03/17/555778/Ali-Shamkhani-Yusuf-bin-Alawi-US-JCPOA-Bahram-Qassemi-Yemen

https://www.reuters.com/article/us-usa-trump-iran-eu/european-powers-press-for-iran-sanctions-to-buttress-nuclear-deal-idUSKBN1H4253

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.