اللاجئون إلى أوروبا قد يؤثرون إيجابيًا على الاقتصاد

بعد الاحتجاجات التي عمت عددًا من الدول العربية، وما تبع ذلك من ثورات تطورت إلى حروب أهلية في بعض الدول كسوريا وليبيا، وتدهور للأوضاع الأمنية في دول أخرى كالعراق، ما أجبر الملايين من المدنيين على الفرار من بلدانهم باحثين عن ملاذ آمن وحياة أفضل (١)، وكانت دول الجوار والدول الأوروبية هي المكان الذي قصده هؤلاء، حيث تدفق إلى البلدان الأوروبية مئات آلاف اللاجئين الذين عبروا البحر ليغرق الآلاف منهم في الطريق، وتستقبل تلك البلدان مئات الآلاف من طالبي اللجوء في مدة زمنية قصيرة، حيث قدرت إحدى الإحصائيات عددهم بنحو ١.٣ مليون في سنة ٢٠١٥ (٢).

هذا الواقع الجديد خلف ردود أفعال متخوفة لدى الأوساط الأوروبية، من الأثر الذي قد يحدثه هؤلاء على مجتمعاتهم اجتماعيًا وثقافيًا وأمنيًا واقتصاديًا، ويرى المدقق في الدراسات أو التقارير التي نشرت عن هذا الموضوع تباينًا واضحًا في الآراء، خصوصا في الجانب الاقتصادي.

ثمة من اعتبر اللاجئين عبئًا على خزائن وميزانيات الدول المضيفة، لما يستدعيه استقبالهم وعائلاتهم من إنفاق دون مقابل، حيث إن اللاجئين لا يحصلون على حق العمل قبل مدة أقلها ستة أشهر، وحتى بعدها لا يستطيعون غالبًا الانخراط في سوق العمل؛ إذ يظلون بحاجة لتعلم اللغة والتأهيل المهني أو الدراسة، وغالبًا يعيش هؤلاء خلال تلك الفترة وعوائلهم على نفقة الدولة وعلى حساب دافعي الضرائب.

لكن في المقابل أشارت تقارير وتحليلات إلى الأثر الإيجابي للاجئين على سوق العمل، وإلى فائدتهم في رفع الناتج الإجمالي على المدى البعيد، واعتبرتهم هذه التقارير فرصة ومكسبًا مهمًا لأسواق العمل الأوروبية ولتنمية الصناعة والحرف، التي تتطلب يدًا عاملة بدأت بالتناقص في بعض الدول الأوروبية وتحديدًا في مجال الصناعة، مع ما تواجهه القارة العجوز من ارتفاع نسبة المسنين الذين خرجوا من قوام الطبقة العاملة، بالإضافة لما تشهده أوروبا من انخفاض في معدل الولادات ما أدى إلى انخفاض مضطرد في عدد السكان.

الأثر الإيجابي

وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي في البلدان التي استقبلت أعدادًا كبيرة من اللاجئين، قد يتعزز بنسبة قد تصل لنحو ٠.٥٪ مع انطلاقة العام الحالي. كما توقع أحد الخبراء الاقتصاديين في بنك يوني كريديت بأن “تدفق اللاجئين في السنوات القليلة المقبلة يمكن أن ينمي الاقتصاد الألماني بنسبة 1.7 ٪ إضافية” (٣).

ومع أن من المبكر الحديث عن أثر إيجابي ملموس للاجئين الجدد على اقتصادات الدول الأوروبية، فلم يمض بعدُ الوقت الكافي لاستقرارهم واندماجهم في سوق العمل، إلا أن الكثير من رواد الصناعة الأوروبية يراهنون عليهم وعلى دورهم في ملء الشواغر المطلوبة في القطاع الصناعي، وحسب بعض التقديرات فإن ألمانيا وحدها بحاجة لملء نحو مليون وظيفة شاغرة (٤)، وهو ما قد يساعد في تحقيقه اللاجئون الجدد الذين يشكل الشباب أكثر من نصفهم، إذ تتراوح أعمار الغالبية منهم بين ١٨-٣٤ عامًا، كما أن نحو ثلثهم دون سن الثامنة عشر (٥).

تهدد الشيخوخة وانخفاض معدل المواليد سوق العمل الأوروبي، فبحسب إحصائيات رسمية تقدر نسبة من تجاوز سن الرابعة والستين في دول الاتحاد الأوروبي بنحو ٢٠% من السكان، وهي نسبة آخذة في الازدياد (٦)، ويتوقع أن تصل نسبتهم لنحو ٥٠٪ مع منتصف القرن الحالي.

ويضاف إلى ذلك الانخفاض الحاصل في أعداد المواليد، إذ تشير العديد من التقارير إلى أن القارة مقبلة على انخفاض في عدد السكان بسبب تفوق أعداد الوفيات على الولادات، حيث توقع مكتب الإحصائيات الألماني أن ينخفض عدد السكان نحو العُشر مع حلول العام ٢٠٦٠، كما توقع خسارة القوة العاملة بعد نحو ١٠ سنوات لنحو ٦ ملايين من أعدادها الحالية (٧)، التي تقدر بنحو ٤٣ مليون. كما تشير الإحصائيات الرسمية إلى انخفاض معدلات الولادة والخصوبة في القارة، ففي ألمانيا قدر انخفاض الخصوبة لنحو ١.٥ طفل لكل امرأة (٨).

ولهذه الأسباب وجه عدد من المدراء التنفيذيين في بعض الشركات الكبرى الأوروبية مطالبات لحكوماتهم بتقديم المزيد من المساعدة للاجئين، حتى أن ديتر زيتش، الرئيس التنفيذي لشركة دايملر المتخصصة في صناعة السيارات، ذهب لاعتبار اللاجئين “أساسًا لتحقيق المعجزة الاقتصادية الألمانية القادمة” (٩)، وهو نفس ما صرحت به وزيرة الخارجية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، قائلة إن أوروبا تحتاج إلى المهاجرين من أجل اقتصادها (١٠).

الأثر السلبي

في المقابل يمكن قراءة التكلفة الفعلية التي تستنزفها عملية إعادة توطين اللاجئين، فبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، أنفقت الحكومة الألمانية قرابة ٢٠ مليار يورو في سنة ٢٠١٦ على القضايا والخدمات المتعلقة باللاجئين (١١).

وإذا كانت ألمانيا تتمتع باقتصاد قوي وبالقدرة على استيعاب أعباء اللجوء، فهناك دول أوروبية غير قادرة على تحمل تكلفة استيعاب اللاجئين الباهظة، ومنها اليونان التي رغم أن شواطئها كانت ممرًا لأغلب اللاجئين إلى دول أوروبا الغربية، إلا أنها امتنعت عن منح حق اللجوء لأي منهم، وهو ماينطبق أيضا على المجر وبلغاريا ودول أخرى رفضت حتى أن تكون ممرًا أو مستقرًا للاجئين.

ورغم أن الدول الأوروبية تمتلك برامج لاستقطاب اليد العاملة من خلف الحدود، إلا أن وضع اللاجئين يختلف عما يعرف بالمهاجرين الاقتصاديين الذين يلتحقون بوظائفهم فور وصولهم للبلاد، على العكس من اللاجئ الذي يستغرق الكثير من الوقت ليحصل على حق اللجوء والعمل، ثم يحتاج إلى وقت لتعلم اللغة المحلية والالتحاق بدورات تأهيل مهني قبل أن يبدأ بالعمل والإنتاج، ودراسة لغة البلد المضيف وحدها قد تستغرق ثلاث سنوات، وفي بعض البلدان سنتين على أقل تقدير، حتى يتجاوز اللاجئ مستوى جيدًا في اللغة.

وعلى المستوى المهني يفتقر معظم طالبي اللجوء للتأهيل المهني الملائم للدول الأوروبية، فقد قدرت دراسة نشرها معهد بحوث سوق العمل (IAB) أن حوالي ثلثي اللاجئين في ألمانيا لم يحصلوا على شهادة تأهيل مهني قبل وصولهم للبلاد (١٢)، وهو ما يتطلب مزيدًا من الوقت يتراوح بين سنة وثلاثة سنوات يعيش خلالها اللاجئ معتمدًا على المساعدات الحكومية.

ويضاف إلى هذه المعوقات التي تُأخر اندماج اللاجئ في سوق العمل، عقبات أخرى تعرقل التأثير الإيجابي للاجئين على الاقتصاد، فقد أشارت دراسة إلى أنه من أصل ١.٢ مليون طالب لجوء في ألمانيا، كان هناك نحو نصف مليون ممن حصلوا على حق اللجوء وتم تسجيلهم كباحثين عن عمل، لكن ١٢٪ منهم فقط من حصل على وظيفة. وفي السويد أوضحت دراسة بأن اللاجئين الذين مضى على وصولهم للبلاد أكثر من ١٠ سنوات لازال نحو نصفهم عاطلاً عن العمل (١٣).

وتشير دراسة أجراها صندوق النقد الدولي، إلى أن اللاجئين في الدول الأوروبية أكثر ميلاً للعيش اعتمادًا على المعونات الاجتماعية، بنسبة أعلى بنحو ١٧٪ من سكان البلد الآخرين (١٤).

ورغم هذه النسب المتدنية لانخراط اللاجئين في سوق العمل، إلا أن بعض الأصوات تحذر من تسبب اللاجئين الجدد في انخفاض الأجور لأنهم ينافسون “السكان الأصليين” على الوظائف وفرص العمل.

الخلاصة

تحول اللاجئين إلى عامل دفع لاقتصادات الدول الأوروبية مرتبط بسياسات ناجحة لدمج اللاجئين وتأهيلهم للانخراط في سوق العمل، ولا يمكن التيقن من نجاح تلك الخطوات أو جدواها في المدى القريب ، فاللاجئ القادم حديثًا إلى البلد يستغرق الكثير من الوقت والتكاليف قبل انخراطه في سوق العمل.

مع الأخذ بالاعتبار تقبل المجتمع المضيف للاجئ وإتاحة الفرصة له في العمل، ففي بعض الدول كبريطانيا لا يزال اللاجئ يواجه عقبات نتيجة التمييز الذي يتعرض له في عملية التوظيف، وعليه سيكون للجانب النفسي دور مهم أيضًا في دفع اللاجئ للتوقف عن العيش على المعونات الاجتماعية، والانخراط في سوق العمل متى شعر بنفسه جزءًا من المجتمع.

وقبل كل شيء يتوقف تأثير اللاجئين إيجابيًا أو سلبيًا على استمراريتهم في الدول التي قدموا إليها؛ فمن غير الواضح إن كان هؤلاء سيستقرون في تلك البلدان، أم سيعودون إلى بلدانهم الأصلية متى سمح الوضع السياسي والأمني الذي كان سبب طلبهم للجوء ومغادرة بلدانهم.

 

المراجع:

١. http://www.unhcr.org/ar/4be7cc27207.html

٢. http://www.pewglobal.org/2016/08/02/number-of-refugees-to-europe-surges-to-record-1-3-million-in-2015/pgm_2016-08-02_europe-asylum-01/

٣. https://www.thenational.ae/world/why-europe-s-aging-economies-need-refugees-1.129739

٤.http://www.euronews.com/2016/11/01/refugees-in-germany-from-desperation-to-economic-fortune

٥. https://www.focus-economics.com/blog/impact-of-refugees-on-european-economies

٦. http://ec.europa.eu/eurostat/statistics-explained/images/d/de/Population_age_structure_by_major_age_groups%2C_2006_and_2016_%28%25_of_the_total_population%29.png

7.https://www.thenational.ae/world/why-europe-s-aging-economies-need-refugees-1.129739

8. http://ec.europa.eu/eurostat/tgm/table.do?tab=table&init=1&language=en&pcode=tsdde220&plugin=1

٩. http://www.dw.com/ar/اللاجئون-مكسب-أم-عالة-على-سوق-العمل-الألمانية/a-18722774

١٠.  http://www.france24.com/ar/20170208-موغيريني-مهاجرون-اقتصاد-أوروبا-جدران-اتجار-بشر

١١. https://www.focus-economics.com/blog/impact-of-refugees-on-european-economies

١٢. http://www.dw.com/ar/اللاجئون-مكسب-أم-عالة-على-سوق-العمل-الألمانية/a-18722774

١٣. https://www.focus-economics.com/blog/impact-of-refugees-on-european-economies

١٤. https://www.economist.com/news/finance-and-economics/21688938-europes-new-arrivals-will-probably-dent-public-finances-not-wages-good-or

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.