التطرف والارهاب في مصر: هل الفقر محركه الوحيد؟

  • المعالجة الموضوعية لظاهرة تنامي ظاهرة التطرف في مصر حاليا يجب أن تأخذ بالاعتبار، الفرق بين العوامل المحفزه و البيئة الحاضنة التي تنشط فيها هذه العوامل.
  • الآثار السلبية للفجوات الاقتصادية والاجتماعية بشكلها المطلق ليست عاملا مفسرا وحيدا للتطرف، فهي ليست الأسوأ مقارنة بدول العالم النامي الاخري. لكن فجوة الطموحات بين الواقع و المأمول في عقول الشباب خلقت بيئة خصبة للتمرد الاجتماعي، خاصة بعد احداث الخامس و العشرين من يناير.
  • اقترنت هذه البيئة بخطاب ديني متطرف عجزت عن مواجهته المؤسسات الدينية الرسمية التي اصبحت في نظر الكثيرين أجيراً لدي السلطة السياسية، واداة من ادواه التعبئة لها، وشكل من اشكال احتكارها للدين.
  • تفتيت مشهد الاسلام السياسي في مصر بعد عزل مرسي و حل جماعة الأخوان و زوال الخطوط الفاصله بين تيارات الاسلام السياسي التى كانت فاعلة في الحياه الساسية والتيارات الجهادية المتطرفه ساهم في تحول حركات التمرد الاجتماعي الى تيارات عنف ذات ايدلوجية  دينية.
  • يشهد النظام الإقليمى ظهور عدد من الفاعليين،اسرائيل وتركيا وايران ، في سباق متجدد للهيمنة وصراع المصالح ، تجلى ذلك في نهاية ادارة اوباما والانسحاب التدريجي من المنطقة من اجل التركيز على المشاكل الداخلية الامريكية ، وهو ذات النهج الذي استمر مع الادارة الحالية . وقد ادى صراع النفوذ الاقليمي الى زعزعة الاستقرار فى المنطقة وتهديد الامن القومى العربى .
  • تغيرت إستراتيجة الأمن القومى الأمريكية الجديدة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط واختفاء التمييز الذي ساد مع الادارات السابقة بين التيارات الاسلامية المعتدلة والمتطرفة ، وهذا بدوره سوف يغير من شكل النظام الإقليمى فى السنوات القليلة القادمة، بالتحالف مع السعودية والامارات ومصر، والاردن.

مقدمة

“إن الفقر و حده لا يحول الفقراء الى ارهابيين و قتلة. و لكن المزيج السام من الفقر و الفساد و القمع في كثير من المجتمعات يؤدي الى حكومات ضعيفة و غير قادرة على فرض النظام و عرضة للشبكات الأرهابيه ” تبدو هذه الكلمات معبرة بشكل كبير عن رؤية متعددة الابعاد لجذور التطرف و دون مصادفة فهي اقتباس من مقال للرئيس الامريكي جورج بوش في النيويورك تايمز أحياءا  للذكري الاولى لأحداث الحادي عشر من سبتمبر [1]. و ليس خفيا ان هذه الرؤية شكلت الحجة الاساسية التي قدمها الرئيس الامريكي لغزو العراق.

و الواقع أن أية معالجة فعالة طويلة المدى  لظاهرة التطرف تتطلب منهجا استراتيجيا ياخذ في الاعتبار مجموعة من الابعاد أهمها:  الظروف الداعمة  للتطرف، والبيئة الحاضنة له، وعوامل احتوائه و السيطرة عليه. فالأوضاع الاقتصادية، وعلى الرغم من أهمية تأثيرها في ظاهره مثل التطرف تبدو عاملا محفزا اذا ما وجدت البئية الاجتماعية  والسياسية المحفزة و الحاضنة له .  بشكل عام، جذور التطرف في المنطقة العربيه  ظاهرة ذات جذور مركبة وشديدة التداخل مع عدة عوامل ومتغيرات محلية واقليمية ودولية. غير ان المتتبع لمسار و ديناميكيات التطرف الحالي في مصر سيجد نفسة امام وجه آخر للظاهره يتجلى في ثوب حركة احتجاج او تمرد اجتماعي-سياسي، ومقترن بخطاب ديني متطرف بفعل؛ اولا: التطورات التي شهدتها البلاد في اعقاب ثوره 25 من يناير و الانتكاسات المتلاحقة لها و ما اسفر عنه  من احباطات متتالية سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، و ثانيا: تفتت مشهد الاسلام السياسي في مصر بعد عزل مرسي و ما ترتب عليه من موجات عنف متصاعده. هذه الاحداث المفصلية و تبعاتها الاجتماعية و السياسية تظهر بشكل كبير لماذا لايجب الركون الى تفسير ظاهرة  التطرف الحالية بالاعتماد على متغيرات ضيقة تختزل الظاهرة و تعزلها عن محيطها العام.

جذور التطرف:  عوامل محفزه و بيئة حاضنة

في تقرير للبنك الدولى عنوانه “العدالة الاجتماعية والاقتصادية لمنع التطرف “و الذي أعده المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الاوسط و بالإعتماد على قاعد بيانات فريده عن مجندي داعش من مختلف الجنسيات، يمكننا رصد بعض من النتائج الهامة التى تساعد في تشخيص  اسباب التطرف  بشكله الحالى في مصر.[2]

أحد اهم النتائج التي توصل اليها التقرير أن الفقر ليس العامل الأبرز لإنضمام المقاتلين؛ فمجندو داعش ليسو من الفقراء او الأقل تعليماً. فمن بين البلدان  ذات الأغلبية المسلمة، تأتى كلا من السعودية وتونس والمغرب ومصر وتركيا كأكبر خمس بلدان مصدره للمجندين في صفوف التنظيم. لمحة سريعة لمؤشرات التنمية البشرية في هذه البلدان تتسق مع الإدعاء السابق بأن العوامل الاقتصادية وحدها ليست الدافع للتطرف. وفقا لتقرير التنمية البشريه  في العالم العربي لعام 2016 تصنف كلا من: السعودية  وتونس انها دول ذات مؤشر مرتفع جدا للتنمية البشريه، في حين تصنف المغرب ومصر على أنها دوله متوسطة التنمية البشريه. (الشكل ادناه)

المصدر: تقرير التنمية الانسانية العربيه للعام 2016

فيما يتعلق بالسمات الفردية لهؤلاء المقاتلين، يظهر التقرير ان متوسط اعمار المجندين 27.4 سنة، 96% حاصلون على تعليم ثانوي او اقل، فيما لايتجاوز نسبة من تركوا التعليم قبل المرحلة الثانوية 15% كما تقل نسبة الاميين عن 2%. هذه النتيجة تحديا تتطرح  تحديا هاما يتعلق بالطبيعة الديموغرافية لهيكل سكان المنطقة العربية و مصر تحديدا و التي يشكل فيها الشباب مما لا يتعدو 25  سنة حوالى نصف عدد السكان و التي تجعل منها بيئة مصدرة للمجندين الشباب . و على الرغم من أن التقرير يغطى  حاله أكثر من 3000 مقاتل من تنظيم داعش خارج مصر و من مختلف الجنسيات  و  لكنه بالتاكيد يساهم بشكل كبير في بناء تصورات معنوية لأثر العوامل السياسية، والأجتماعية و الديموغرافية الاخري،  والتي تساهم في تنامي ظاهرة الإرهاب في مصر و العالم العربي.

الى جانب نتائج هذا التقرير ثؤكد العديد من التحليلات المرتبطة بدراسة ما يحدث في سيناء أن التطرف في هذه المنطقة تحديدا هو وليد بيئة تمرد اجتماعي-سياسي في منطقة  توصف بانها من المناطق الأكثر تهميشا في مصر. فغياب استراتجية تنمية حقيقة في هذه المنطقة قادرة على تحقيق الشمول الاقتصادي و الاجتماعي، مقترنا بتنامي مشاعر التهميش و الاقصاء سواء كان سياسيا او اجتماعيا عزز من  قدرة الحركات الريكالية  على  “الإستثمار” فى هذه البيئة وخاصة و أن  المجتمع المدنى في هذه المنطقة ضعيفا و علاقاته الاجتماعية قائمة على  العشائرية، وهذا ما سبق رصده ايضا في مناطق مثل  شمال غرب باكستان، والانبار فى العراق. ويصدق هذا القول ايضا على التحالفات القبلية فى المناطق السورية،وكذلك فى الصومال واليمن.[3]

في احد المقالات المتعلقة بدراسة التطرف في سيناء، اجريت مقابلة مع أحد سكان مدينة الشيخ زويد والذي كانت  له رؤيتة الخاصة في تصنيف دوافع الإنضمام لتنظيم ولاية سيناء: فهناك من انضموا للتنظيم بدوافع انتقامية على اثر قصف منازلهم و قتل افراد اسرهم  بفعل عمليات الجيش في المنطقة،  وهناك أيضا الأفراد ذوي الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المتدني داخل النظام القبلي في شمال سيناء، والذين وجدا في انتمائهم لجماعة متطرفة مسلحة طريقة للحصول على مركز اجتماعي اعلى، اضافة الى الفوائد المالية من عمليات تهريب  الأسلحة عبر الحدود.[4]

وإذا افترضنا أن هذه العبارات تصف بدقة دوافع الأنضمام لمنظمات الارهاب في سيناء ،  هناك العديد  من الاسئلة الاخرى التي  يجب ان تطرح. منها درجة أثر  الايدلوجيا الدينيه المتطرفة في حشد و تعبئة الافراد للانخراط في الحركات الراديكالية؟  هل يتراجع اثرها مقابل العوامل الاجتماعية و الدوافع الانتقامية الاخري؟  هل تنامي هذه الايديولوجيات هو عارض من عوارض ازمة الشمول الاجتماعي و الاقتصادي التي تعيشها تلك المنطقة؟

إن اي محاولة للاجابة عن التساؤلات السابقة تتطلب تشخيصاً لعاملين : الفجوات الاقتصادية و الاجتماعية و دور المؤسسات الرسمية الدينية

  • فجوات اجتماعية-اقتصادية ومجتمع شاب

تشير كثير من الادلة الى أن آفاق الشباب المصري تتعرض اليوم أكتر من اي وقت مضي لخطر الإقصاء الاجتماعي  والاقتصادي،  متمثلا في خطر ارتفاع معدلات التضخم و البطاله و اتساع فجوات اللامساواة في الدخل و الفرص.

سبق ان المحنا الى أن مؤشرات التنمية البشرية ليست الأسوأ في مصر؛ فقد اكتسب هذا المؤشر عدة نقاط  ايجابية ناتجة عن التحسن في التعليم و الصحة و لكن بالتاكيد لا تعكس الصوره الكاملة خاصة في ما يتعلق بالدخل و توزيعة. فوفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الاحصاء و من واقع بحوث الدخل و الأنفاق لعام 2015 وصلت معدلات الفقر الى نحو 27.8% بارتفاع قدرة 1.5% مقارنة بعام 2013 وهو ما يعني ان هناك حوالى اكثر من 30 مليون نسمة يحصلون على دخل اقل من 482 جنية مصري (خط الفقر الوطني)  . كما اظهرت البيانات 85% من الأسر المصرية تعيش على دخل أقل من 4.170 جنيهًا فى الشهر. [5]

كذلك ايضا فالتفاوت بين المناطق في مستوى الرفاهة يشكل إحدى السمات الدائمة للفقر في مصر: فصعيد مصر كان ولا يزال من  أفقر المناطق  حيث يضم الصعيد حوالي 38% من سكان مصر، تشكل نسبة الفقراء منهم حوالى  67% من عموم السكان. التفاوتات بين الريف و الحضر تشمل ايضا التفاوت في الحصول على الخدمات الرئيسة قالتقرير السابق يشير ايضا أن الغالبية العظمى من الأسر الريفية لا تتمتع بخدمة شبكة الصرف الصحي التي لا تشمل سوى 30% من أسر الريف مقابل 89.8% من أسر الحضر، وأن 97.3% من أسر الحضر متصلون بالشبكة العامة للمياه مقابل 89.2% في الريف. هذا على صعيد التفاوتات اما على مستوى معدلات البطالة  فلا تبدو الصوره اكثر اشراقا فمعدلات البطالة مازالت مرتفعة و مقدره بنحو 12% و ترتقع لتصل الى نحو 32% بين خريجي الجامعات في حين كانت اعلى نسبة بطاله  من نصيب الفئة العمرية 20-24 سنة و بلغت حوالى 40%.

هذا على الرغم من ان الاقتصاد المصري يشهد حاليا حالة من الاستقرار النسبي اتسمت بتحسن بعضا من مؤشراته الكلية الرئسية كمعدل النمو، وانخفاض عجز الموازنه؛ بفعل السياسات الحكومية الرامية لتخفيض الإنفاق،  وارتفاع صافي الاحتياطات النقدية، و هي بالطبع المؤشرات التي تهدف تحسين وضع الاقتصاد امام المانحين الدولييين املا في الحصول على المزيد من القروض او تشجيع الاستثمار الخارجي ؛ الا أن استراتجية الحكومة هذه  تتجاهل بشكل كبير الأبعاد الاجتماعية السلبية لتردي بعض المؤشرات الاخري التي منها كما معدلات البطالة و معدل التضحم الذي قفز الى مستوى قياسي في اواخر العام 2017 مع اجراءات تحرير سعر الصرف ليصل الى نحو 33% مع احتمالية بارتفاعة مره اخري اذا استمرت الحكومة في انتهاج سياستها الرامية لخفض معدلات الأنفاق العام و الدعم.

لا يعنى جميع ما سبق من مؤشرات سوي مزيدا من العقبات  الاقتصادية التي تعمق  الشعور بالاستبعاد وتضاؤل الفرص امام الشباب الذي يشكل حوالى اكتر من نصف سكان البلاد.  لكن السؤال هنا  ، هل  هذه المؤشرات كافية لتفسير التنامي الحالي لهذه الظاهرة؟ بالعودة الى تقرير البنك الدولى الذي سبق الاشاره الى نتائجة و التى توحي بمحدودية اثر الفقر في تفسير انضمام الشباب الى تنظيم داعش، يمكن التوفيق بين وجهتي نظر قد تبد متعارضتين في اثر الفجوات الاقتصادية و تبعاتها الاجتماعية على النحو التالي،  لا يمكن ان يكون هناك فاصل بين الظروف الاجتماعية – الاقتصادية و التطرف في مصر  و لكن هذة الظروف تنشط و يتفاقم تأثيرها خاصة في اوساط صغار السن عندما تجد بيئة حاضنة قاعدتها ما يمكن عليه “فجوة التوقعات او الطموحات”. و فجوه تعبر عن المساحة الاخذ في الاتساع بين تصورات الشباب  عما يعتقدون انهم يستحقونه وبين  ما يحصلون علية  بالفعل. في المطلق لا تبدو مؤشرات التنمية البشريه هي الاسوأ في مصر مقارنة ببقية دول العالم النامي و لكنها مفارنة بما يطمح اليه  و يتصوره مواطنو اكبر و اقدم دول المنطقة تبدو غير مرضية و تبعث على السخط.

هذا ما يمكن ملاحظتة  بشكل كبير في تدني مستويات الرضا عن الحياه في اوساط الشباب  المصري كما تظهره مسوح القيم العالمية  في مصر مقارنة حتى بمثيلاتها من الدول العربية. في الشكل ادناه؛ و الذي يعبر عن الفجوه في مستويات الرضا عن الحياه من واقع استطلاع القيم العالمي بين الفئات العمرية المختلفة. الملاحظ ان الرضا عن الحياه هو الأدني بشكل عام في مصر مقارنة بباقي الدول العربية خاصة في الفئة العمرية من 30-44 سنة في مصر.

 

الرضا عن الحياه بحسب الفئة العمرية (2010-2014)

         

   المصدر: تقرير التنمية الانسانية العربيه للعام 2016.

هذا الانخفاض في مستويات الرضا قادر على توليد التعصب الاجتماعي و الديني خاصة اذا ما اقترن بمؤسسات و سياسات غير قادرة على تمكين الشباب  و دمجهم في عملية تنمية حقيقة او توسيع نطاق الفرص الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية المتاحة لهم.

  • فاعلية الخطاب الدينى الرسمي في مواجهه التطرف و اشكالية استقلال المؤسسات الدينية

اقتران حركات الاحتجاج الاجتماعي- السياسي بخطاب ديني متطرف يرتبط في مصر بقضية استقلال المؤسسة الدينية الرسمية، وعلى رأسها الازهر بمؤسساته المختلفة وقضية تجديد الخطاب الديني، والتي لازالت محل جدل دائم داخل الازهر نفسة، و في الخطاب الرسمي للدوله،  وبين النخب الفاعلة في المجتمع.

هنا لابد ان نشير سريعا إلى أن  أحد أهم و أخطر النتائج التي أسفرت عنها الأحداث التي تلت الإطاحه بمرسي و جماعة الإخوان كان  تفتييت الإسلام السياسي في مصر، على النحو الذي أصبحت فيه الخطوط الفاصله بين الجهاديين و متطرفي هذا التيار ملتبسة بشكل كبير مع التيارات الاسلامية الأخري التي كانت ترفض العنف،  وترى أن أدوات العمل السياسي المنظم تشكل مساحة مقبولة للعمل من خلالها.  وهو التيار الذي تزعمته جماعة الإخوان المسلمين لقتره طويلة. اضف الى ذلك حالة الإنقسام و التشتت التي عانى و لايزال منها تنظيم الإخوان و فقدانه السيطرة على كثير من اتباعه خاصىة من صغار السن، خلقت مجالا للحشد و التعبئة  للعنف ضد النظام؛ الذي اصبح من وجهه نظرهم يشن حربا على الاسلام و اتباعه. هذا المشهد أسفر عن تنامي ساحة التمرد الاسلامي لتشمل ليس فقط الجهاديين المنتمين للجمعات المنظمة، بل انصار اسلاميين آخريين،  وبعض اعضاء جماعة الاخوان الذين يبرزون انفسهم كمقاومين  وثوار، اهدافهم تتعلق بالإنتقام من السلطة غير الشرعية، واسقاط حكم السيسي،  وعودة مرسي للحكم، بالإضافة الى استخدامهم تبعات الأزمة الاقتصادية من غلاء و بطالة الى الترويج بمنطقية تمردهم و رفضهم للسلطة. [6]

فيما يتعلق بفاعلية المؤسسات الدينية الرسمية  دورها في فض هذا الاشتباك و احتواءه،  والذي يبدو محدودا حتى هذا الفترة؛  تظهر أزمة استقلال تلك المؤسسات، و مدى مصداقياتها في ظل المشهد الحالي المشبع بالعنف و الاستقطاب، كمعضلة يصعب تجاهل نتائجها.

والواقع ان المؤسسات الدينية الرسمية في الوطن العربي بشكل عام،  والأزهر بشكل خاص يواجه تحديا مركبا. فالسلطة السياسية الحالية تعتبره أداة من ادواتها تسعى الى استخدامة لتحصين حكمها وترسيخ شرعيتها من خلال الحصول على دعمها لسياستها  والترويج لها، و منع خصومها من استخدام الدين للتعبئة ضدها. هذا الامر ترتب عليه ان تحولت هذه المؤسسات في اعين الكثير من الشباب ذوي التوجهات الاسلامية و المشحون باالسخط على السلطة الحالية، الى بوق من أبواق السلطة غير الشرعية من وجهه نظرهم و فقد الخطاب الذي تمثلة هذه المؤسسات اي قدرة حقيقية  على التأثير في عقلية و توجهات تلك الفئة.

التحدي الاخر الذي تواجهة المؤسسة الدينية الرسمية في مصر هو أزمة و أشكالية تجديد الخطاب الديني. ففي ظل المشهد الحالى جاءت كثيرا من الدعوات المحلية و الدولية لقيادات الأزهر و مؤسساته لقيادة عجلة الإصلاح الديني محملة بقدر من الاتهام لهذه المؤسسات اما بوصفها مسؤلة بشكل مباشر عن تنامي نزعات التطرف بين اوساطة،  و عدم قدرتة على السيطره على هؤلاء المتشددين المنتمين الى مؤسساته، أو بشكل غير مباشر بسبب عجزها عن تطوير خطاب معتدل حديث قادر على الوصول الى اوساط الشباب.

التداخلات الخارجية ومحاولات تأجيج الإرهاب

يشهد النظام الاقليمى فى الشرق الاوسط ظهور العديد من الفاعليين على الساحة الإقليمية والدولية، وكلاً منهم يٌعرف الإرهاب من وجهة نظره، وتبنى تعريفا مرنا  لامنه القومي ومصالحة العليا القريبة والبعيدة ، كما حدد ايضا الاهداف والوسائل والادوات لتحقيقها ، بوسائل مشروعة وغير مشروعة ( المثال الابرز هو علاقات دول الاقليم الفاعلة في مناطق النزاعات المفتوحة مع قوى ارهابية ، ايران في علاقتها مع قوى سنية عنيفة – القاعدة وطالبان . تركيا في علاقتها المباشرة مع فصائل النصرة والاحرار والسلفيات الجهادية المتطرفة ، كما ينطبق الامر على دول الخليج ) .

وعند النظر فى إستراتيجة الأمن القومى الأمريكية الصادرة فى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2017، نجد فى جزء الشرق الأوسط أن إدارة ترامب ترى أن محاولات جورج بوش إحداث تحولات ديمقراطية فى المنطقة، ومحاولات إدارة أوباما تقليل الارتباط بمشكلات الشرق الأوسط، لم تفد الولايات المتحدة الامريكية؛ بل أضرتها فى أمنها القومى وأدت إلى تنامى النفوذ الإيرانى فى منطقة الخليج العربى والشام، وتزايدت الجماعات الجهادية فى المنطقة نتيجة لسياسات الإدارات الامريكية السابقة.

فالولايات المتحدة، فى ظل إدارة ترامب، تسعى بشكل جاد إلى قيادة العالم وتحقيق هيمنة دولية بعيداً عن نمط العلاقات الدولية التعاونية التى أضعفت السيادة الامريكية من وجهة نظرهم، فوجهة النظر الدولية بأن الجماعات الإسلامية المعتدلة هى من سوف تقف أمام القاعدة وداعش لم تعد وجهة نظر صحيحة من وجهة نظر الإدارة الامريكية الحالية ، فالأستراتيجة الجديدة التى تتعامل بها إدارة ترامب هى معاملة جميع الحركات الإسلامية بإعتبارها جماعات متطرفة بشكل أو بأخر وتعادى الحضارة الغربية إيدولوجياً، وبالتالى لابد من القضاء على ظاهرة الإسلام السياسى فى المنطقة وتحقيق استقرار للانظمة الحاكمة وعلمنة المنطقة قدر الإمكان. [7]

فالشرق الأوسط منذ الغزو الأمريكى للعراق 2003، يعانى من ظاهرتين ،  وجود “دول فاشلة” غير قادرة على إحكام السيادة والسيطرة على كامل أرضها، بالإضافة إلى فقدان بعض النظم السياسية لشرعيتها مما دفع بعض مواطنيها إلى الاحتجاج لإسقاطها. وهذه الظواهر بدورها أدت إلى أن أصبحت هذه الدول منصة رئيسية فى تصدير الإرهاب إلى الدول العربية والاجنبية، لاسيما مصر، نظراً لضعف تماسك هذه الدول ووجود مليشيات مسلحة لها أهداف عابرة للقارات مدعومة من دول أخرى، ويوجد هذا بوضوح فى العراق وسوريا واليمن و ليبيا.

مصريا، تواجه الدولة الجماعات الإرهابية المتطرفة وتعمل على تجفيف منابع الإرهاب وقطع مصادر التمويل والدعم، وتقف بجانبها عدة دول خليجية وعلى رأسها السعودية والامارات، ودول أجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد إدارة ترامب، وذلك فى مواجهة أيدلوجيات “تصدير الثورة الإيرانية” من جانب إيران، و”العثمانية الجديدة” من جانب تركيا، ومحاولات قطر للظهور ودعم التيارات الإسلامية المتطرفة والمعتدلة لتمكينها من الحكم في  المنطقة العربية.

فمن ناحية قطر، فإنحيازها واضح للإخوان والإسلاميين فى مصر، وأيضا فى سوريا وليبيا، حيث نجد أن قوائم الارهاب التى أعدتها الدول الرباعية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) فى مواجهة قطر، كشفت عن وجود  ٥٩ إرهابياً من المقيمين في قطر، كان من بينهم ٢٦ إرهابياً مصرياً، حيث وتوفر لهم أماكن للإيواء بعدما هربوا من مصر بعد 30 يونيو وإعلان خارطة الطريق فى 3 يوليو 2013، وتوفر لهم دعم إعلامى ومالى قوى يتضح من خلال المنصات الإعلامية التليفزيونية والإلكترونية التى يستخدموها فى نشر إيدلوجياتهم. [8]

ومن ناحية أخرى، تلعب تركيا نفس الدور القطرى، فعند صعود الاخوان المسلمون إلى السلطة فى مصر، تزايدات العلاقات التعاونية مع الجماعة الحاكمة فى إطار مساعي تركيا للعب دور إقليمي متعاظم في المنطقة تحت ما يعرف ب “العثمانية الجديدة”، حيث تسعى لفرض نفوذها فى المنطقة من خلال دعمها للجماعات الإسلامية، ولذلك ترفض تركيا الاعتراف بالسلطات الحاكمة منذ إعلان خارطة الطريق فى 3 يوليو 2013، وتوفر للهاربين من الجماعة منصات إعلامية  تنطلق من تركيا، وتوفر لهم منهم أماكن لإيواء.

أما عن العلاقات مع إيران، فالعلاقات الدبلوماسية المصرية الإيرانية مقطوعة تماما منذ عهد حسنى مبارك، وتوطدت العلاقات بعد وصول الاخوان المسلمين إلى الحكم بعض الشئ، ولكن تظل العلاقات ليست فى وضعها الطبيعى. وبالرغم من أن إيران تركز فى محاولات فرض نفوذها على منطقة الخليج أكثر من مصر، إلا أن مصر تقف ضد التوغل الإيرانى فى المنطقة العربية، وتقف مع السعودية فى محاولاتها تحجيم الدور الإيرانى، وخاصة فى اليمن، وهذا قد يجعل مصر فى بؤرة الصراع مع إيران ومستهدفة من جماعات موالية لها.

ومن الملاحظ أن العامل المشترك بين هذه التدخلات الاقليمية هو أن ما يحدث هو تمويل ودعم جماعات مسلحة يصعب السيطرة عليها لأنها غير محدودة فى أهدافها ولها تصورات عقائدية حقيقية عن ذاتها ولا يمكن تصنيفها المرتزقة بالمعنى الحرفى للكلمة، ولذلك نرى بوضوح انتشار هذه الجماعات فى دول المغرب وخاصة تونس وفى ليبيا ومصر، كما فى العراق وسوريا والسعودية، بل و إمتدت الى خارج حدود الشرق الأوسط، وقامت بتنفيذ عمليات فى القارة الأوروبية، فكلما طال الوقت يزداد الأمر تعقيداً ويصبح من الصعب السيطرة عليها، ويظهر هذا بوضوح فى فكرة عودة المقاتلين الأجانب، حيث  تواجه مصر، مثل العديد من الدول الأوروبية، مخاطر عودة المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا، فقد تلقى هؤلاء المقاتلون تدريباً طويلاً في تصنيع المتفجرات وتجنب الإجراءات الأمنية، وهو ما يزيد من خطرهم على الأمن المصري والأمن الإقليمى مثلما حدث بعد عودة المقاتلين من أفغانستان فى أواخر القرن الماضى.

 

 

[1]Bush.W.G (2002, Sep 11). Securing Freedom’s Triumph. https://www.nytimes.com/2002/09/11/opinion/securing-freedom-s-triumph.html.

[2] لمزيد من التفاصيل و النتائج انظر التقرير  http://documents.worldbank.org/curated/ar/582871475669923685/pdf/108525-REVISED-ARABIC-PUBLIC.pdf

[3] Farasin.F, Battaloglu.C, Bensaid.A.(2017) What Causing Radicalism in MENA. Arab Center for Research and Policy Studies.

[4] Mohyeldeen.S.(2016),Youth Radicalization in Egypt and the Complicated Relationship to Violence. Arab Reform Initiative.

[5] CAPMAS.(2015).Household Income, Expenditure and Consumption Survey.

[6] عوض.مختار، هاشم،مصطفى(2015).تصاعد التمرد الأسلامي في مصر.مركز كارينغي الشرق الأوسط.                 https://carnegie-mec.org/2015/10/21/ar-pub-61778

[7]  د. إيراهيم عوض، قراءة فى استراتيجية الأمن القومى للرئيس ترامب، جريدة الشروق، http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=30122017&id=85f1f6e9-5c45-4251-aaf5-0bc57e01a73e

[8]  د.شادى عبدالوهاب، ارتدادات خلفية: حدود الارتباط بين تصاعد الإرهاب في مصر وأزمات الإقليم، مركز المستقبل، على الرابط التالى: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3054/%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.