أثر التطورات الداخلية الأثيوبية والتحركات المصرية الراهنة على ملف سد النهضة

عدنان موسى

أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” عن وجود مشاكل فنية وجوهرية تعوق استكمال بناء سد النهضة، وهو ما أعقبه قرار من الحكومة الإثيوبية بإلغاء التعاقد مع الشركة المحلية الاثيوبية “ميتيك” المشاركة فى اعمال البناء. تسعى هذه الورقة الى رصد وتحليل تطورات ملف سد النهضة في ضوء التطورات الداخلية الإثيوبية والتحركات المصرية الراهنة، مع محاولة استشراف الآفاق المستقبلية لهذا الملف.

أولاً: التطورات الراهنة التى تفرض نفسها على الداخل الأثيوبي

شهد الداخل الإثيوبي العديد من التطورات والمتغيرات الهامة التى أثرت على عمليات البناء فى السد، والتى يمكن إبراز أهم ملامحها فى العناصر التالية:

  • تطورات خريطة المواجهات العرقية الداخلية فى أثيوبيا

يشهد الداخل الاثيوبي مواجهات بين المجموعات العرقية المختلفة التى تتشكل منها الدولة الاثيوبية، وهو ما يمثل تهديدا لأى خطوات إيجابية وعمليات اصلاحية يستهدفها رئيس الوزراء آبي أحمد، ولقد كان آخر تلك الأعمال ما شهدته أديس أبابا فى مطلع شهر أكتوبر 2018، من مواجهات بين أقليات راح ضحيتها حوالى 44 شخص، وقد وقعت تلك الاشتباكات على الحدود بين منطقتي “أوروميا” و ” بني شنقول” وهو ما نتج عنه تشريد اعداد كبيرة من الأسر والسكان فى تلك المناطق.[1]

ولا تعد تلك الأعمال الأولى من نوعها، حيث تدور مواجهات بشكل دوري بين الأورومو وبني شنقول منذ سنوات للسيطرة على بعض المناطق الصالحة للزراعة فى منطقة الحدود المشتركة. وجاءت تلك الاشتباكات بعد أيام قليلة من اعمال عنف مماثلة شهدتها العاصمة أديس ابابا، انتجت 23 قتيل ونزوح حوالى 4500 شخص واعتقال العشرات، على إثر تدفق بعض السكان المحليين من مناطق أوروميا الى العاصمة للاحتفال بعودة قائد جبهة تحرير أوروميا من المنفي، وهو ما يمثل استمرارية لظاهرة المواجهات العنيفة التى تشهدها الساحة الإثيوبية على فترات منتظمة بين القبائل المختلفة والاعراق المتنوعة.

  • أعاد ائتلاف الجبهة الديموقراطية الثورية الشعبية الحاكمة فى أثيوبيا، فى 5 أكتوبر 2018، انتخاب رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد زعيما له، وبالتالى سيقود آبي الحزب الحاكم مرة أخري حتى المؤتمر القادم، والذي يُعقد كل ثلاثة أعوام. وجرت عملية انتخاب آبي أحمد وفقاً لاقتراع سري فى نهاية مؤتمر الائتلاف ، إذ حصل على 176 صوتاً من اجمالي 177 صوت، كما أعاد المؤتمر انتخاب ديميكي ميكونين نائباً لآبي.[2]
  • إضراب عمال البناء فى سد النهضة:أعلنت الحكومة الأثيوبية تعيين ” كيفيلي هورو” مديرا جديد لمشروع سد النهضة، خلفا للمدير السابق ” سمنجاوبقلي” الذى أُغتيل فى ظروف غامضة.[3]ويأتى ذلك بعد أيام على قيام موظفي سد النهضة بتنظيم إضراب عام لطلب زيادة الرواتب وتحسين المعيشة، وهو ما حمل العديد من التساؤلات حول مستقبل استكمال اعمال البناء فى السد، خاصة وأن ما تم إنجازه حتى الآن وفقاً لتصريحات “إفريم ولد كيدان” المدير السابق للمشروع ، هو فقط أعمال الانشاءات البسيطة، اذ لم يتم البدء حتى الان فى الاعمال الهندسية والميكانيكية المعقدة بالاضافة الى تركيب التروبينات.[4]
  • خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي عن وجود مشكلات تعوق استكمال بناء سد النهضة: إذ أعلن”آبي أحمد”، فى25 أغسطس 2018، فى خطابه الذى تضمن وضعية السد، حيث أشار إلى وجود مشكلات عديدة تواجه التصميم ، كما تم رصد تأخر في تنفيذ الجوانب الكهروميكانيكية للسد من طرف هيئة المعادن والهندسة المتعاقد معها.مشيراً إلى أن بناء السد كان مفترض الإنتهاء منه في خمس سنوات ولكن لم يحدث ذلك بسسب ادراة فاشلة للمشروع من قبل شركة ميتيك التابعة لقوة الدفاع الاثيوبية.[5]
  • إلغاء تعاقد الحكومة الاثيوبية مع شركة ميتيك المحلية:(والتى تُعدالمقاول المحلي الخاص بتركيب المكونات الكهروميكانيكية والهيدروليكية الخاصة بالمشروع) وقد كلفت تلك الشركة الحكومة الاثيوبية قرابة الـ 4 مليارات دولار، لتنفيذ بعض الأعمال الهندسية الخاصة ببناء السد، مع البحث عن شركة أخرى لاستكمال أعمال البناء ، نظرًا لانعدام خبرة الشركة المحلية في بناء السدود.

ثانياً: التحركات المصرية الراهنة

شهدت السياسية الخارجية المصرية عدة تحركات هامة على مستوى التعامل مع ملف سد النهضة خلال الفترة الماضية، يمكن ابراز اهم ملامح تلك التحركات على النحو التالى:

  • لقاء الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبيفي بكين على هامش اجتماعات منتدى التعاون الصيني الافريقي، وهو اللقاء الذى يعكس تعزيز التعاون بين القاهرة وأديس أبابا منذ وصول أبي أحمد للسلطة فى أثيوبيا، كما أنه يدلل على مجالات التعاون المختلفة التى حققته العلاقات بين البلدين والتى طغت بشكل فعال على ملف سد النهضة، فالتعاون الاقتصادي بين القاهرة وأديس أبابا، برعاية إماراتية  ودولية، عملت على تقريب التفاهمات بين البلدين حول مناقشات نقاط الخلاف حول مشروع السد، بالتالى هناك العديد من التساؤلات التى تطرحها التقارير الدولية حول مستقبل السد والتفاهمات الراهنة حوله في حال فشلت مشروعات الاستثمارات العربية والمصرية فى الاقتصاد الإثيوبي.
  • زيارة وزير الخارجية ورئيس المخابرات الى إثيوبيا:حملت الزيارة المفاجئة التى قام بها وزير الخارجية ورئيس المخابرات العامة المصريين إلى إثيوبيا العديد من التساؤلات بشأن توقيت الزيارة فضلاً عن أهدافها غير المعلنة، فتوقيت الزيارة الذى أعقب إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي عن تعطل العمل بمشروع سد النهضة حمل دلالات حول مقترحات وملفات للتعاون المشترك يمكن للقاهرة أن تطرحها على الجانب الإثيوبي لإستثمار التعثرات الراهنة بالسد، بالتالى فالقاهرة تسعي لاستثمار الفرصة الراهنة بسلسلة الفساد التي عطلت العمل في سد النهضة لضمان دور مصري فعال في عملية بناء السد، تضمن للقاهرة إلتزام إثيوبي بعدد سنوات الملئ التي تريدها الدولة المصرية، مقابل تعاون اقتصادي واستراتيجي مصري إثيوبي.
  • زيارة الرئيس السيسي إلى السودان: أجريالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة سريعة إلى السودان، في 25 أكتوبر 2018، والذى يعد الاجتماع الثاني فى اطار اللجنة العليا المشتركة على مستوى الرئاسة، ولقد تضمنت الزيارة وضع ترتيبات جديدة بشأن موضوع سد النهضة، خاصةً مع مرافقة 12 وزيرا للرئيس السيسي في زيارته للخرطوم، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين.ورغم أن التوافق الراهن لا يمكن وصفه بالتسوية النهائية للقضايا الخلافية بين الجانبيين، إلا انها تمثل مدخلا لتوافق في ملف سد النهضة، وترجيح لفكرة إنضمام الخرطوم لتحالف ثلاثي يضم مصر وإثيوبيا والسودان في إطار حلف اقتصادي، فقد أعلن وزير الموارد المائية والكهرباء السوداني ” خضر محمد قسم الله” عن احرز تقدم ملحوظ حول قضية فترة ملئ خزان سد النهضة، وهو ما يعكس ترجيح احتمالات الاعلان قريبا عن توافق حول مدة ملئ خزان السد.

وبدأت زيارة السيسي للسودان فى جني ثمارها سريعاً، حيث أعلنت الخرطوم إلغاء الحظر المفروض على الواردات الزراعية والحيوانية المصري ( والتى كانت تصل الى حوالى 300 مليون دولار سنوياً قبل الحظر)، فى تطور يمثل انفراجة واضحة فى العلاقات بين القاهرة والخرطوم، قد تمثل عودة لتوافق الرؤي فى ملف سد النهضة، خاصة بعد التقارب الإثيوبي الإيريتري، بالتالى وفقا للتطورات الراهنة فى علاقات الجانب المصري مع كلا من السودان واثيوبيا تبعث باحتمالات تحقيق الاهداف المصرية فيما يخص ملئ خزان السد.

ثالثاً: السيناروهات المحتملة لمستقبل سد النهضة الاثيوبي

لا يزال الداخل الاثيوبي يسير فى اتجاه مجهول من التطورات التي تقودها منظومة المصالح والتي تعرف بالدولة العميقة ، التى كان آخرها قيام بضعة عشرات من الجنود الاثيوبيين بتمرد واقتحام مكتب رئيس الوزراء آبي أحمد، وهو ما يعد أمراً نادر الحدوث فى العسكرية الأثيوبية المعهود عنها حالة الانضباط والانصياع التام، بالتالى هناك العديد من المتغيرات والتحديات التى تواجه المسار الذى يخطوه رئيس الوزراء الاثيوبي. فى المقابل حملت المتغيرات الراهنة فى  توجهات الحكومة الاثيوبية، بالإضافة الى إلغاء تعاقد الحكومة مع شركة ميتيك المحلية لتنفيذ بعض الأعمال الهندسية الخاصة ببناء سد النهضة، العديد من الدلالات الهامة، بالتالى يمكن وضع عدد من السيناريوهات المحتملة، حول مستقبل السد خلال الفترة المقبلة:[6]

السيناريو الأول: شركة أجنبية بديلة لـ ” ميتيك”: فالحكومة الاثيوبية ستعمل جاهدة فى الفترة المقبلة على البحث عن شركة بديلة تتولى الأعمال الفنية فى السد،ويطرح هذا السيناريو العديد من الاحتمالات المتوقعة خاصة إمكانية تعاقد أديس أبابا مع شركة أجنبية لدولة مناوئة أو معادية  للقاهرة، كتركيا على سبيل المثال، خاصة وأن أنقرة لها خبرة طويلة فى مجال إنشاء السدود، ويعزز من احتمالات هذا السينايو الدور المتصاعد لتركيا فى منطقة القرن الأفريقي، بالإضافة الى السياسات العدائية التى تحملها أنقره للدولة المصرية، لذا يدور جدل المختصين في القاهرة حول ضرورة المتابعة الدقيقة لتعثر عمليات البناء في السد، وأهمية تعزيز التعاون مع أديس أبابا لملء الفراغ الراهن وتجنب أى مفاجئات محتملة، ويتوقع أن تكون زيارة وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات المصريين تطرقت لتلك المسألة.

السيناريو الثاني: شراكة مصرية- إثيوبية: فمن الممكن أن تعرض القاهرة على أديس أبابا إمكانية المساهمة فى إختيار الشركة الاجنبية الجديدة لإستكمال أعمال البناء فى السد، لضمان عدم الاضرار بالمصالح المصرية واستغلال سد النهضة ليكون مصدر للتنمية لكلا البلدين، بالإضافة إلى استثمارات مصرية فى السوق الإثيوبي.

السيناريو الثالث: شراكة ثلاثية: تضم مصر وإثيوبيا وجهة/ دولة اجنبية أو عربية مانحة، تتولى عملية استكمال بناء، وتعمل على تحقيق التعاون التجاري والاقتصادي بين الاطراف وما سيعزز هذا السيناريو رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي مطلع يناير 2019 التي من المفترض استغلالها لتعزيز أطر الشراكة بين الدول الأفريقية، خاصة دول حوض النيل.

حاصل القول، تمثل المتغيرات الراهنة فرصة أمام الدولة المصرية لتحقيق مصالحها وضمان حصتها فى مياه النيل، إلى جانب تعزيز الدور المصري فى القرن الإفريقي، من ناحية أخري يمثل التعاقد الإثيوبي مع شركة ” فويث” الألمانية (صاحبة العلاقات الاستراتيجية العميقة بكل من الإمارات ومصر) لإستيراد التوربينات الثلاثة المتبقية لبناء السد خطوة ايجابية لمصر، تدعم سيناريو التوافق المصري الإثيوبي حول التعاقد مع شركة أجنبية لا تضر بالمصالح المصرية، كما يرجح أن يكون ذلك التعاقد قد تم بدعم ومباركة إماراتية.

[1] https://www.noonpost.org/content/25031

[2] https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN1MF22X

[3] http://apanews.net/ar/news/thyoby-taayyn-mdyr-gdyd-lsd-lnhd-khlf-llmdyr-lrhl

[4] https://arabicpost.net/politics/2018/09/07/%D8%A7%D9%83%D8%AA%D9%85%D9%84%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D8%B0%D8%A7%D9%8B-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B4%D8%B1/

[5] https://arabicpost.net/politics/2018/08/25/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A7/

[6] http://www.almarjie-paris.com/3713

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.