“يوم التحرير” في واشنطن: قراءة في قرارات الرفع الشامل للتعرفات الجمركية الأميركية
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم: نفّذ الرئيس الأميركي وعده برفع التعرفات الجمركية على المستوردات لاستعادة التوازن في ميزان التجارة. تسبب الإجراءات ارتباكا في الأسواق الدولية، وسط ردود فعل تتراوح بين التهديد بردّ انتقامي أو الاستعداد للتفاوض. فكيف يمكن قراءة المشهد وتحليل آفاقه؟
في التفاصيل:
– في 2 أبريل 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية بنسبة 10 بالمئة على جميع الواردات ورسوماً أعلى على بعض أكبر الشركاء التجاريين للبلاد. استهدفت الرسوم عشرات الدول منها الصين والهند، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي. واعتبر أن “اليوم هو يوم ولادة الصناعة الأميركية من جديد”، وأن “هناك دولاً سرقت ثروات بلادنا منذ سنوات”. وقال في خطاب خلال ما وصفه بـ”يوم التحرير”، أن إجراءاته ستجعل أميركا ثرية من جديد”، لافتاً إلى أن بلاده تمت “سرقتها” و”نهبها” من قبل “الأعداء والأصدقاء” لعقود.
– يفرض القرار رسوماً جمركية قدرها 34 بالمئة على الصين، و20 بالمئة على الاتحاد الأوروبي، و46 بالمئة على فيتنام، و32 بالمئة على تايوان، و24 بالمئة على اليابان، و10 بالمئة على بريطانيا، و25 بالمئة على كوريا الجنوبية. طالت الرسوم دول عربية مثل الأردن بنسبة 20 بالمئة ومصر والسعودية والإمارات بنسبة 10 بالمئة.
– لاحظ المراقبون أن تفاوت نسب الرسوم لا يتعلق بالضرورة فقط بحسابات اقتصادية، بل أن عوامل سياسية يمكن أن تكون وراء ارتفاع النسب وانخفاضها وفقا لموقف واشنطن من تلك الدول أو خططها المقبلة معها.
– تُضاف هذه الرسوم إلى الخطوات المتخذة منذ تولي ترامب المنصب في يناير الماضي، إذ فرضت رسوم إضافية إجمالية بنسبة 20 بالمئة على كل السلع المستوردة من الصين، إلى جانب رسوم بنسبة 25 بالمئة على مجموعة كبيرة من البضائع الواردة من المكسيك وكندا، فضلاً عن 25 بالمئة على واردات الصلب والألمنيوم من جميع أنحاء العالم.
– نصح وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت كل الدول المعنية أن لا ترد بالمثل موضحاً: “خذوا خطوة إلى الوراء وانتظروا. لأن الرد سيؤدي إلى تصعيد. أما إذا لم تردوا، فقد يكون هذا هو الحد الأقصى للتعرفة”.
– توقع تحليل لـ “بلومبيرغ” أن تتصدر الصين والاتحاد الأوروبي والهند قائمة الدول المتضررة فيما يتعلق بالتأثير على الصادرات المتجهة إلى الولايات المتحدة، رغم أن اقتصاداتها قد تتمكن من التكيف مع الوضع، بينما ستكون كندا ودول جنوب شرق آسيا الأكثر تأثراً بشكل عام.
– في 3 مارس 2025، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الرسوم الجمركية الأميركية “ضربة كبرى” للاقتصاد العالمي”. واعتبرت أن التبعات ستكون وخيمة على ملايين الناس عبر أرجاء العالم، لكنها شددت على أن الاتحاد الأوروبي كان منفتحاً دوماً على التفاوض مع واشنطن، مشيرة إلى أن بروكسل ستعقد حواراً استراتيجياً مع قطاعات الصلب، وصناعة السيارات، والرعاية الصحية، وستتبعها قطاعات أخرى.
– في 3 مارس 2025، قال متحدث باسم وزارة التجارة الصينية إن “الصين تعارض الرسوم الجديدة بشدة، وستتخذ بحزم تدابير مضادة لحماية حقوقها ومصالحها”، وأشار إلى أن هذه الرسوم “تتجاهل حقيقة أن الولايات المتحدة استفادت بشكل كبير من التجارة الدولية لفترة طويلة”. وجدد موقف الصين بأن “الحروب التجارية لا يوجد فيها فائزون”، وأكد أن الخطوة الأميركية “تمثل ممارسة أحادية الجانب، وتنم عن أسلوب تنمر نموذجي”.
– في 3 مارس، قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، إن الرسوم الجمركية ستكون بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، بمثابة “يوم التضخم”، وليس “يوم التحرير”. لكنه رأى أنه لا يزال هناك بعض الوقت أمام الاتحاد الأوروبي للتفاوض مع واشنطن، مشددا على ضرورة أن يرد الاتحاد الأوروبي بطريقة موحدة.
– في 3 مارس، قالت جمعية صناعة السيارات الألمانية (VDA)، إن الرسوم الجمركية الواسعة “ستؤثر على النمو الاقتصادي العالمي وتضر بالوظائف”، وحضت أوروبا على السعي بسرعة لإبرام اتفاقيات تجارة حرة. وأضافت: “هذا ليس أميركا أولاً‘، بل ’أميركا وحدها‘.”
– في 2 مارس، قال وزير الأعمال البريطاني جوناثان رينولدز، إن “الولايات المتحدة هي أقرب حليف لنا، لذا فإن نهجنا هو التزام الهدوء وإبرام الاتفاق التجاري، الذي نأمل أن يخفف من آثار ما أُعلن عنه”. وأضاف: “لدينا مجموعة من الأدوات المتاحة، ولن نتردد في اتخاذ أي إجراء.
– لاحظ المراقبون تجنّب اليابان أي ذكر لتدابير انتقامية، فيما ذكر المتحدث باسم الحكومة اليابانية يوشيمسا هايشي، أن رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا يدرس أيضاً حوافز اقتصادية للتخفيف من الأضرار التي قد تلحق بالشركات اليابانية.
– في 3 مارس، وصف مجلس وزراء تايوان الرسوم بأنها “غير منطقية للغاية”. بالمقابل طالب الرئيس الكوري الجنوبي المؤقت هان دك سو، الحكومة ببذل “كل ما في وسعها للتغلب على الأزمة التجارية”، في اجتماع طارئ عُقد في 3 مارس، واصفاً الوضع بأنه “خطير للغاية”.
– يلفت محللون إلى أن شكوك أوروبا باستمرار دعم الولايات المتحدة لأمن أوروبا يضاف إلى تدابير أميركية تعتبرها أوروبا عدائية اقتصاديا ما قد يعزز ابتعادا استراتيجيا عن الولايات المتحدة وإعادة دراسة العلاقات مع الصين.
– يلاحظ أن كبار الاقتصاديين في الولايات المتحدة مترددون في إعطاء رأي جازم بشأن تأثير قرارات ترامب على مستقبل الاقتصاد الأميركي، خصوصا أن ترامب نفسه يقرّ أن التدابير ستؤدي إلى تضخم في الولايات المتحدة في الأجل القصير وموجع للمستهلك الأميركي.
– تلفت مصادر في عالم المال أن إجراءات ترامب قد تعزل أميركا عن السوق الدولي ما سيضر بالمنتجات الأميركية، فيما تذهب توقعات أخرى إلى انفتاح الأسواق على منتجات الصين ما من شأنه أن يكون نقيضا لاستراتيجية ترامب ضد الصين.
خلاصة:
**يهدف ترامب من خلال قراره رفع الرسوم الجمركية الشامل إلى إعادة التوازن إلى الميزان التجاري ووقف ما يعتبره استغلالا وسرقة تمارسها دول العالم ضد بلاده. غير أن تفاوت النسب المفروضة على تلك الدول قد ترتبط بأجندات سياسية أيضا.
**يعوّل ترامب على إجراءاته لانعاش قطاعات الصناعة والزراعة وخلق فرص عمل، فيما لا يؤكد الاقتصاديون بشكل قاطع نجاح هذه الإجراءات في تحقيق أهداف ترامب بالمستويات الكبرى المطلوبة.
**تساهم إجراءات ترامب في إحداث تصدّع في علاقات واشنطن مع الحلفاء وتذهب في العلاقة مع الخصوم مثل الصين إلى حدود الحرب التجارية التي تعتبرها بكين خاسرة للجميع.
**ترفع الإجراءات من مستوى شكوك أوروبا بطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة ومستقبلها التي تضاف إلى الشكوك الراهنة بشأن التزامات واشنطن في أمن أوروبا.
**تتراوح لهجة الاتحاد الأوروبي بين الحزم والاستعداد للتفاوض، فيما تبدو لهجة بريطانية هادئة لتعويلها على إبرام اتفاق تجارة مع إدارة ترامب.
**يعتبر اقتصاديون أن إجراءات ترامب قد تعزل المنتجات الأميركية عن الأسواق الدولية في حال ردّت الأسواق بإجراءات مضادة، وأن الصين قد تستفيد من أسواق جديدة في العالم.
**تنصح واشنطن الدول المعنيّة بعدم الردّ وتلمّح إلى أن الإجراءات المعلنة قد تكون الحدّ الأقصى للتعرفة.