يتحكم بمصير أربع عواصم عربية .. قاسم سليماني : زعيما متوجا لإمبراطورية الظل الإيرانية
مركز التقدم للسياسات
بات واضحا في السنوات الأخيرة تعاظم نفوذ إيران في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، ويرجع تنامي القوة هذا لانتهاج استراتيجية فريدة من نوعها تمزج بين القوة العسكرية والحنكة السياسية، عبر بناء مجموعات موالية لإيران في بلدان الشرق الأوسط، مرتبطة سياسيا وماليا ومذهبيا مع النظام الإيراني، لكن الجديد اللافت هو توسيع مروحة الدعم المالي والعسكري لقوى سنية، وحزم متتالية من العقوبات الاقتصادية الأمريكية باتت تخنق الاقتصاد الإيراني، وتلويح بتقليص صادرات إيران النفطية إلى 0%، بالإضافة لادراج أغلب قادة الحرس الثوري الإيراني على قوائم العقوبات الإيرانية والشخصيات الممنوعة من السفر، لكن أيا مما سبق لم يحد من نفوذ إيران أو يعيق عملياتها التوسعية في الشرق الأوسط، فالواقع اليوم يشير إلى أن الدولة الموازية في إيران أو مايعرف بدولة الملالي، تتمتع باستقلال كامل وموازنات مستقلة، ولها اليد الطولى والكلمة النهائية في القرارات الهامة والخارجية، كالتوقيع على الاتفاق النووي، كما أنها الطرف الذي يشرف ويمول الحرس الثوري الإيراني، وقوته الضاربة في الخارج المتمثلة في فيلق القدس، والتي ترعى العمليات الخارجية وحروب الوكالة وتمويل المجموعات الموالية لطهران خارج الحدود كحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والسورية وحركة حماس والجهاد الإسلامي، وكلها تعمل بشكل منفصل وباستقلال تام عن الحكومة الرسمية في طهران، وتتلقى أوامرها وتمويلها من مكتب المرشد بشكل مباشر.
الدولة الموازية في إيران:
قبل وفاته عام 1989 وقع المرشد الأعلى الخميني مرسوما بانشاء هيئة جديدة لإدارة وبيع العقارات التي تركها مالكوها في سنوات الفوضى التي أعقبت الثورة الإسلامية عام 1979، كان اسمها ”ستاد إجرايي فرمان حضرت إمام“ وتعني ” هيئة تنفيذ أوامر الإمام“
وأصبحت من بين أقوى الهيئات الاقتصادية في إيران، وفي الأعوام الأخيرة تحولت إلى كيان تجاري عملاق، يملك حصصا في كل قطاعات الاقتصاد الإيراني تقريبا بما في ذلك قطاعات المال والنفط والاتصالات وصناعة السلاح و حتى إنتاج حبوب منع الحمل.
ورغم السرية التي تهيمن على حسابات ”ستاد“، إلا أن التقارير تشير لأن ممتلكاتها من العقارات والحصص في الشركات وغيرها من الأصول لا تقل عن 95 مليار دولار وفقا لتقرير نشرته رويترز.
ويسيطر على هذه الامبراطورية الاقتصادية شخص واحد حاليا هو خامنئي. فهو بصفته أعلى رجال الدين في إيران صاحب القول الفصل في كل شؤون الحكومة، أما الهيئة “ستاد” فهي تساعد في تمويل مقر السلطة العليا في إيران وهو ”بيت الرهبر“ أو دار الزعيم. فهو يوظف زهاء 500 شخص في مكاتبه الإدارية، غالبا ما يستقدمون من الجيش وأجهزة الأمن.
في شهر يونيو من العام ٢٠١٣ فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليها وعلى بعض الوحدات التابعة لها ووصفت الهيئة بأنها شبكة هائلة من الشركات التي تخفي أصولا لحساب القيادة الايرانية، إلا أن تلك العقوبات لم تحقق أي أثر يذكر حيث أنها طبقت على الشركات التي تبلغ حصة “ستاد” بها أكثر من خمسين بالمئة بينما كان لستاد استراتيجية مختلفة قائمة على استثمار حصص صغيرة في آلاف الشركات الايرانية وهو الأمر الذي جعل العقوبات الأمريكية غير ذات تأثير عليها.
عدو ”الشيطان الأكبر“:
في هذه الدولة الموازية ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي الهائل، يقف على رأس الجهاز التنفيذي قاسم سليماني، القيادي في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، حتى بات يطلق عليه وصف الجنرال الأكثر نفوذا في الشرق الأوسط، اضافة لكونه العسكري الأكثر شعبية في إيران، وبعض المصادر تحدثت عنه كمرشح رئاسي محتمل. ويعتبر مهندس الهلال الشيعي، أو ما بات يعرف ب “محور المقاومة” – الممتد من خليج عمان الى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط. قد يكون أحد أهم الأسباب التي ساهمت ببزوغ نجم سليماني هو تصديره، كند وخصم رئيسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد تولى سليماني مسؤولية الرد على بيانات وتغريدات دونالد ترامب، وكان أخرها حين نشر الرئيس الأمريكي تغريدة تحمل صورته وعبارة ”العقوبات قادمة“ ليرد سليماني بصورة له وعليها عبارة ”سأقف بمواجهتك“، او ” قد تبدأ أنت الحرب، ولكن سنكون نحن من يحدد نهايتها“
التصريحات النارية تلك مع الدور الرئيسي الذي يلعبه سليماني في حروب الوكالة التي تنفذها مجموعات محلية في الدول العربية أدت لوصفه من قبل المختصين بالشأن الإيراني بـ “وزير الخارجية الفعلي لإيران.”، فسليماني يشرف على صلاحيات واسعة بالسياسة الخارجية الإيرانية، هذه السلطة مستمدة من الصلاحيات التي أعطيت له من قبل المرشد الأعلى ،علي خامنئي، الذي وصف سليماني “بالشهيد الحي“. هذا على الصعيد الداخلي أما خارجيا، فقد استطاع أن يخلق تقاربا شخصيا مع القادة والسياسيين في دمشق وبيروت وبغداد وموسكو.
لمحة تاريخية:
انضم سليماني للحرس الثوري الإسلامي بعد فترة وجيزة من تأسيسه في نيسان/أبريل 1979. ويبدو أنه أظهر سلوكا متميزا بحيث أصبح مدربا للمجندين الجدد بعد فترة قصيرة من انضمامه، ومنذ تلك اللحظة بدأ قاسم سليماني بالتدرج في المراتب. بدأ مسيرته الجدية في الحرس الثوري الإيراني بمواجهة الاضطرابات التي تلت “الثورة الإسلامية”، عندما أرسل لإخماد تمرد الأكراد، مع بدء الحرب الإيرانية العراقية، أعيد سليماني إلى الجبهات لتدريب القوات الإيرانية. حيث خدم طوال فترة الحرب على طول الجبهات مع العراق، بعد انتهاء الحرب عام 1988، أرسل سليماني مجددا إلى مسقط رأسه كرمان، للقتال ضد عصابات المخدرات. وشن حملة دموية استمرت ثلاث سنوات، فرض بعدها سلطته على المنطقة وهزم عصابات المخدرات، ما أكسبه شعبية وامتنان سكان تلك المنطقة ورؤسائه .
عراب حروب الوكالة:
في عام 1998 تم ترفيع سليماني ليصبح قائد فيلق القدس، وبعد أشهر قليلة من توليه لمنصبه الجديد نفذت حركة طالبان مذبحة بحق الشيعة في أفغانستان وكان من بين القتلى مجموعة من الإيرانيين ثمانية دبلوماسيين وصحفي، وبدأت إيران بحشد ربع مليون جندي على طول الحدود الأفغانية. لكن سليماني تدخل حينها ونزع فتيل الحرب. وبدلاً من مواجهة طالبان مباشرة، عمل سليماني على زيادة الدعم الإيراني للتحالف الشمالي المعارض لطالبان في أفغانستان، وقام بالمساعدة في عمليات دعم التحاف من قاعدة على الحدود الشمالية لأفغانستان، وكانت هذه السياسة نموذجا للحروب بالوكالة التي ستصبح استراتيجيته فيما بعد.
العسكري البراغماتي:
بعد هجمات الحادي عشر من أيلول وجد سليماني نفسه أمام فرصة لهزيمة الطالبان، عن طريق التعاون مع الولايات المتحدة، وذلك عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية حول المواقع العسكرية لطالبان مع الأمريكيين. وفي المقابل قدم الأميركيين ما يعرفونه عن عناصر وقيادات القاعدة في شرق إيران،
كان هذا الاتصال كاف لرأب الصدع في العلاقات بين طهران وواشنطن. ولم يخف سليماني سعادته بهذا التعاون وأعرب عن أمله في أن يتطور لمستويات أعلى ” أن الوقت قد حان لإعادة التفكير في علاقتنا مع الأميركيين”.
لكن في كانون الثاني/يناير 2002، وجه الرئيس جورج بوش مجموعة من الاتهامات التصعيدية اتجاه إيران إذ وصفها بمصدر الارهاب والدولة القمعية، وجزء من “محور الشر“. وهو ما دفع بسليماني لإغلاق كافة قنوات الاتصال مع الأمريكيين ووقف التعاون الاستخباراتي منذ ذلك الوقت.
الدور في العراق وسوريا:
بعد أن شنت الولايات المتحدة حملتها على العراق، أدرك كل من النظامين الإيراني والسوري أنه إذا نجح الأميركيون في العراق، فقد يكونوا هم الهدف القادم، ما دفع بسليماني وضع مشروع مساعدة المخابرات السورية في إنشاء خطوط لتوريد الجهاديين السنة إلى العراق لمحاربة القوات الأمريكية، باستخدام قنابل مزروعة وعبوات مفخخة كلها كانت مصنعة في معامل فيلق القدس التابع لسليماني والذي أشرف على توفيرها وايصالها للجهاديين السنة عبر سوريا، بعدها تدخل سليماني بشكل أكثر مباشرة، عبر إرسال الميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران.
عقب اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في العام 2011، أمر سليماني الميليشيات العراقية الحليفة بالتوجه الى سوريا للدفاع عن نظام الأسد. كما أقام جماعات مسلحة شيعية إضافية؛ وتشمل هذه مجموعة من الأفغان المقيمين في إيران، وألوية ” فاطميون وزينبيون”، وكلها تحت قيادته، وكانت فعالة في العديد من العمليات الرئيسية في الحرب السورية، وكان قادة الميليشيات اللبنانية والعراقية تعمل جنبا إلى جنب مع الجنرالات الإيرانيين والسوريين.
بحلول عام 2014 في تشرين الأول/أكتوبر، وصلت “الدولة الإسلامية- داعش “ إلى مشارف بغداد، أمر حينها سليماني بعض الميليشيات العراقية التي أرسلها إلى سوريا بالعودة مرة أخرى لمواجهة داعش بجانب الحشد الشعبي، الموالية تشكل ركيزته الكبرى، واستفاد الحشد ال١ي يفوق قدرات الجيش النظامي من الدعم الجوي الأمريكي الذي كان فعالا في القتال، ، وقدر عديد الحشد الشعبي بحوالي 100,000 إلى 150,000 مقاتل، معظمهم موالون لإيران.
وبرز دور سليماني مجددا في الساحة العراقية. قبل استعادة كركوك من البيشمركة الكردية في خريف عام 2017، حين سافر شخصيا إلى كردستان على الأقل ثلاث مرات يحمل تهديدات مبطنة إلى القيادة الكردية باسم العبادي. ما دفع الأكراد في نهاية المطاف الى الانسحاب من المنطقة دون قتال تقريبا.
استدعاء الدب الروسي:
منتصف عام 2015، كانت قوات الأسد وحلفائها من المجموعات الشيعية تعاني من هزائم متتالية، وبات واضحا أنها تحتاج إلى دعم أكبر من الخارج لإنقاذها من السقوط. في تموز/يوليو 2015، طار سليماني إلى موسكو على متن طائرة تجارية (كونه ممنوع من السفر) لإجراء محادثات مع وزير الدفاع الروسي، وبعض التقارير قالت أنه التقى بوتين وناقش معه التدخل الروسي المباشر في سوريا. بعد بضعة أسابيع شوهد سليماني في سوريا، يقود هجوما للقوات البرية تحت غطاء جوي روسي، فقد أصبح واضحا ان التدخل الروسي حسم هدف انقاذ الأسد ومن خلفه إيران.
دعم حزب الله :
أنشئ حزب الله في عام 1985 بدعم مالي ولوجستي إيراني وتدريب ورعاية الحرس الثوري، وأعلن الحزب منذ إنشائه الولاء للمرشد الأعلى روح الله الخميني ولاحقا لعلي خامنئي، ويعد حزب الله الجهة الأكثر أهمية في الشرق الأوسط اليوم من بين الجماعات غير المنضوية تحت سلطة دولة. وتدرك إيران أن الحفاظ على حزب الله يعني الحفاظ على طرق إمداده، والشحنات البحرية من إيران إلى لبنان محفوفة بالمخاطر بسبب الدوريات الإسرائيلية الجوية والبحرية. لكن التحالف الإيراني مع نظام الرئيس الأسد، والتفويض السوري للطائرات الإيرانية بالهبوط في مطار “دمشق الدولي“، يعتبر شريان حيوي مهم لإيران وحزب الله اللبناني حيث يتم تحميل البضائع في شاحنات عبر الجبال السورية إلى وادي البقاع في لبنان، معقل حزب الله. ويعتبر الحفاظ على هذا الشريان من أولويات الأمن القومي الإيراني للحفاظ على حليفه في سوريا والحفاظ على خط الإمداد لحزب الله في لبنان. وكشفت المصادر المتقاطعة العلاقة الشخصية القوية التي كانت تجمع سليماني مع عماد مغنية، العقل المدبر لتفجير ثكنة “مشاة البحرية الأمريكية” في بيروت عام 1983 والهجوم على السفارات في العاصمة اللبنانية، والهجمات بالقنابل على السفارة الإسرائيلية ومركز الجالية يهودية في بوينس آيرس في عامي 1992 و1994، على التوالي. في فبراير/شباط 2008، أتيحت للموساد الفرصة الذهبية لاغتيال مغنية في دمشق، وبعض المعلومات الاستخبارية الغربية اشارت الى تواجد سليماني بصحبة مغنية. وهو ما دفع وحدة الاغتيال الى تأجيل العملية الى حين مغادرة سليماني المكان.
واظب حزب الله منذ نشأته اتباع استراتيجية طهران، عسكريا وسياسيا، فمنذ عام 1992، نشط الحزب في الحياة السياسية اللبنانية، واليوم لديه القوة السياسية والسلطة لتعطيل عمل مجلس الوزراء، ووقف التشريعات التي لا تخدم حلفائه. ورغم كل الضغوطات المحلية والخارجية التي تتناول سلاج الحزب، الا انه ظل متمسكا بمقولة انه سلاحه هو لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ضد لبنان، ولحرب المتطرفين ” الإرهابيين السنة في لبنان وسوريا.
الدعم الإيراني لحزب الله لا يزال غير دقيق تماما، ولكن في عام 2010، قدرت إدارة أوباما أنه يتراوح بين 100 و200 مليون دولار في السنة، وفي عام 2018، قدر مسؤولون اميركيون لصحيفة واشنطن بوست أن الدعم المالي الإيراني لحزب الله ارتفع إلى حوالي 700 مليون دولار في السنة.
الدور في اليمن:
طموحات سليماني للهيمنة الإقليمية لا تنتهي مع سوريا والعراق وحزب الله، وامتدت لدعم متمردي أنصار الله في اليمن، المعروف بحركة الحوثيين.
في البداية، كان الدعم الإيراني للحوثيين عبارة عن شحنات صغيرة من الأسلحة والأموال، بالإضافة لخبراء عسكريين ومدربين من حزب الله وعدد قليل من المستشارين في فيلق القدس ، لكن، مع بدء عملية عاصفة الحزم السعودية في اليمن ارتفع هذا الدعم، فسليماني راكم خبرة طويلة باستغلال التوترات الطائفية في تجييش حلفائه المحليين في الدول الأخرى، حيث استفاد من إطالة امد الحرب وابتعاد الحسم العسكري ، لتمكين الحوثيين من الصمود والانقلاب على الدولة ومؤسساتها واستقطاب المزيد المناصرين دون الحاجة لاستثمارات طائلة للتجنيد وكسب الولاءات .
في آذار/مارس عام 2017، اجتمع سليماني مع كبار القادة في طهران لبحث سبل زيادة دعم الحوثيون. وعقب الاجتماع، صرح مسؤول إيراني لرويترز أن” الحرب الحقيقية تجري في اليمن… والفوز في المعركة سيحدد توازن القوى في الشرق الأوسط.” وقال آخر أن خطة إيران الآن” إنشاء ميليشيات مثل حزب الله في اليمن لمواجهة السياسات العدائية السعودية “. بعدها بدأت إيران بتقديم مجموعة متطورة من الأسلحة على نحو متزايد، تشمل صواريخ مضادة للدبابات والألغام البحرية وطائرات بدون طيار وصواريخ بعيدة المدى. منذ نيسان/أبريل عام 2017، نفذت الميليشيات الحوثية في متوسط ست ضربات شهريا ضد قوات التحالف العربي، كما استخدمت قوارب القرش الإيراني-33 لشن هجمات على فرقاطة سعودية في البحر الأحمر. بعض من هذه الصواريخ كان مصدرها إيران، وأطلقت عبر الحدود نحو الاراضي السعودية نفسها.
العلاقة مع القاعدة
جرى أول اتصال موثق بين إيران والقاعدة في أوائل التسعينات، خلال فترة تواجد تنظيم القاعدة في السودان. حيث رتب عناصر من الحرس الثوري الإيراني في الخرطوم وساطة لسفر بعض عناصر القاعدة إلى لبنان لتلقي التدريب بإشراف عماد مغنية ، لكن هذا التنسيق لم يدم طويلاً، ولم يتقبل عناصر القاعدة تلقي التدريب من مدربين شيعة.
بعد 9/11، لجأ أعضاء القاعدة إلى باكستان، ولكن نظام برويز مشرف، وافق على التعاون مع الولايات المتحدة لملاحقة الجهاديين. فلم تعد باكستان مكانا آمنا. ما دفع بالعديد من أعضاء القاعدة، بمن فيهم بعض كبار القادة، إلى أحد البلدان المتبقية في المنطقة التي لا يمكن أن تصلها أمريكا أي إيران
كان أبو حفص الموريتاني على رأس الموجة الأولى من الفارين إلى ايران، وفي كانون الأول/ديسمبر 2001، اجتمع الموريتاني مع قاسم سليماني شخصيا، ويقال أن سليماني أبلغه رفضه التعاون معهم ضد أمريكا، وتعلل المصادر هذا الرفض بالهدوء النسبي والتقارب الذي كان يسود العلاقات الإيرانية الأمريكية.
لاحقا، واجه أعضاء القاعدة الذين فروا إلى إيران موجات متعاقبة من الاعتقالات وعمليات الاحتجاز والترحيل، ومع ذلك، أدرك سليماني أن وجود أعداد كبيرة من الجهاديين تحت يده يمكن أن يكون رصيداً استراتيجيا. في خريف عام 2002، عرضت السلطات الإيرانية على بعض أعضاء القاعدة المنحدرين من السعودية أن ترسلهم للتدريب على يد حزب الله، بشرط أن يتجهزوا لشن هجمات في المملكة العربية السعودية.
في تموز/يوليو 2004، حاول سليماني إجراء اتصالات مع أسامة بن لادن نفسه من أجل توسيطه لدى أبو مصعب الزرقاوي للحد من الحملة الشرسة التي شنها الأخير ضد الأضرحة المقدسة الشيعية في العراق، في المقابل كانت وسيلة سليماني في التفاوض هي وعوده بتحسين معاملة المحتجزين من القاعدة لديه، خصوصا أن بعضهم كانوا من أفراد أسرة بن لادن، بما فيهم زوجته (أم حمزة) وأربعة على الأقل من أبنائه،
العلاقة بين إيران والقاعدة قائمة على التوازن الهش، وتقاطع المصالح، كليهما تسعى إلى إضعاف الغرب وحلفائه في الخليج. كما أن الأولوية في إيران لمنع هجمات القاعدة على أراضيها، وضد “المسلمين الشيعة” في أماكن أخرى إن أمكن.
القاعدة، من جانبها، تسعى إلى الحفاظ على الممر الوحيد الممكن بين معقلها على الحدود بين أفغانستان وباكستان وبين ساحات القتال في الشرق الأوسط، ولإبقاء هذا شريان مفتوح، مارست القاعدة سياسة استثناء ايران من عملياتها وانشطتها .
خاتمة:
في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وصراع إقليمي مستمر مع المملكة العربية السعودية، فقد تصاعدت النزعة القومية لدى الشعب الإيراني، وهناك أدلة قوية على أن الإيرانيين باتوا أكثر ميلا للنظر في مسار ثالث: أي رئيس عسكري للبلاد. وإذا حصل أمر كهذا، فسيكون سليماني المرشح الطبيعي. غير أنه من المستبعد أن يوافق سليماني على تولي الرئاسة الإيرانية، كونه سيكون مثقلا بالمشاكل الإقتصادية وتردي العملة ومعدل عال للبطالة، ولن يستطيع تحمل تبعاته أو الغضب الذي سيخلفه على الشارع، وهو يدرك أنه يعد من الشخصيات الأكثر شعبية في إيران من دون تولي منصب الرئاسة، والغالب أنه يفضل توسيع امبراطوريته العسكرية والدبلوماسية في الظل وفي كنف الدولة الموازية متحررا من أي عقوبات أو تضييق مفروض على الحكومة الرسمية في طهران.