وقف الحرب في لبنان: خلاصات مقترحة
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: تُفرج دروس الحرب التي شنّتها إسرائيل ضد لبنان، عن خلاصات، يمكن أن تستدرج ملاحظات وأفكار، بشأن مستقبل المنطقة، وما يمكن أن تتركه حروب ما بعد “طوفان الأقصى” على خطوط الخرائط الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط. والخلاصات ما تزال أولية، تتعلق بطموح نتنياهو في تغيير المنطقة، وطموح إيران في لعب دور استثنائي إقليمي، ومستقبل الصراع واحتمالات حلّ الدولتين.
نعرض هنا لمجموعة من الخلاصات القابلة للنقاش والتحديث والتطوير:
– أثبت حرب الشمال الإسرائيلي ضد حزب الله في لبنان، عدم قدرة المنظومات الصاروخية المتقدمة المضادة للصواريخ في حماية إسرائيل ومدنها الكبرى، وسقوط نظرية قدرة التفوّق التكنولوجي على توفيّر “قبّة” تحصّن إسرائيل، وعدم قدرة إسرائيل على إسكات النيران المضادة من دون تدمير منهجي شامل يحتاج إلى الوقت والرعاية الدوليين.
– استنتجت إسرائيل أنها لا تمتلك في لبنان، ما امتلكته في غزّة بعد عملية “طوفان الأقصى”، من غضّ طرف غربي، يرقى إلى مستوى الضلوع والشراكة، لممارسة سياسة الأرض المحروقة في القطاع. وظهر أن العواصم الإقليمية والدولية تتعامل مع لبنان بصفته دولة تملك به مصالح تقاطعت لمنع إسرائيل من الذهاب بعيدا في تدمير بناه المدنية والحكومية.
– كان موقف الجيش الإسرائيلي، لا سيما بعد ما مارسه من سياسة انتقامية لا سقف لها ضد غزّة، أكثر حزما في وضع خطط الهجوم على لبنان وأهدافه، والجهر بعدم نجاعة الاستمرار في الحرب، معلنا انتهاء تحقيق أهدافه من هذه الحرب، لا سيما في شقّها البري، ما حرم نتنياهو من داعم أساسي لحروبه في المنطقة.
– اعتمد الجيش الإسرائيلي في تقويماته على مسلّمة عدم وجود بيئة تقنية حاضنة لعملية برية كبيرة بمستوى اجتياح لبنان والوصول إلى العاصمة، وعدم وجود بيئة دولية يمكنها أن تغطي الأمر، على صعوبته، كما جرى عام 1982.
– استنتج نتنياهو، مستندا على تقارير الجيش، أن لا إمكانية لاستعادة أمن سكان الشمال، وهو هدف الحرب في لبنان، من خلال الأدوات العسكرية وحدها، مهما دمرت إسرائيل من قوى حزب الله جنوب نهر الليطاني، طالما أن الحزب يستطيع توجيه صواريخه من مواقع بعيدة شمال الليطاني. وأن الورقة الأميركية للاتفاق تقدم نسخة متقدمة جدا لتطبيق القرار 1701 لعام 2006، يضمن أمن الشمال وجب استغلالها.
– بات مسلّما به أن اضطرار نتنياهو إلى القبول بوقف إطلاق النار في لبنان، بعد تمكّنه من التملّص من الضغوط الدولية التي مورست عليه لإبرام صفقة تتعلّق بالحرب في غزّة خلال أكثر من عام، سببه استنتاجه تبدّل المزاج الأميركي، وتبلغه إشارات ضاغطة من قبل إدارة بايدن، كما إدارة ترامب، بشأن تقاطعها الحاسم لوقف الحرب على لبنان.
– بتخوّف نتنياهو من النسخة الجديدة من ترامب في البيت الأبيض. فإضافة إلى انتقادات وجهها ترامب إلى نتنياهو قبل سنوات، فإن مواقف الرئيس المنتخب الداعمة في ولايته الأولى لإسرائيل في موضوع القدس والجولان وصفقة القرن والاتفاقات الإبراهيمية، وتلك الحديثة المتعلّقة بحقّ إسرائيل في توسيع مساحتها، يجعله أكثر امتلاكا لأدوات الضغط على إسرائيل وعدم تحمّله معاندة نتنياهو لخططه في الشرق الأوسط.
– من الأرجح أن نتنياهو خضع لموقف واضح لترامب داعم لوقف إطلاق النار في لبنان، كما استنتج عدم الافراط في التعويل على الإدارة الجديدة فيما يطمح إليه ضد إيران، متخوّفا مما سبق لترامب أن أعلنه من استعداد لإبرام صفقة مع إيران، خصوصا بعد الكشف عن تواصل حصل بين الطرفين عبر لقاء حصل بين إيلون ماسك، عضو الإدارة المقبلة، والسفير الإيراني لدى منظمة الأمم المتحدة.
– توفّر ظروف توقف الحرب في لبنان ومأزقها في غزّة أرضية تكشف فشل نتنياهو في تحقيق ما وعد به من تغيير الشرق الأوسط، وعدم توفّر أي حاضنة أميركية غربية لدعم ورشته لتحقيق هذا التغيير. ويكشف الحدث الحدود القصوى لـ “اللحظة الإسرائيلية” التي سادت المنطقة منذ “طوفان الأقصى”، وحاجة إسرائيل إلى سلوك خيارات جديدة على ضوء حاجة العالم إلى ضبط الانفلات في المنطقة.
– تندرج موافقة إسرائيل على وقف الحرب في لبنان من ضمن وهج صدمة صدور مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالنت، وتعامل الدول الغربية معها والتعبير بمستويات متفاوتة عن الاستعداد للتعامل معها، حتى لو كان الموقف الأميركي شاجبا ورافضا. يكشف الأمر انزياحا غربيا عن حالة الدعم غير المحدود وغير المشروط التي حظيت به إسرائيل بعد 7 اكتوبر 2023.
– مجرد صدور ترجيحات في إسرائيل عن إمكانية إعطاء وقف الحرب في لبنان دفعة لإنجاح المفاوضات في غزّة، بوحي بأن إسرائيل دخلت منطق انتهاء الحرب في القطاع، ما سيضعها وجها لوجه أمام ما يطالب به المجتمع الدولي لما يسمى “اليوم التالي” في غزّة وفلسطين.
– فيما لوّح ترامب في ولايته الأولى بصفقة قرن أشرف على إنتاجها، مستشاره وصهره، جاريد كوشنر، فإن المنطقة تغيّرت، وأعدت، بقيادة السعودية، ومن خلال الدائرتين العربية والإسلامية، في قمتيّ الرياض لعامي 2023 و2024 صفقة واضحة شاملة تضع شروطا لمستقبل إسرائيل وعلاقاتها في المنطقة، بالمطالبة رسميا بإقامة دولة فلسطينية، ناهيك عن قيادة الرياض، المفترض أنها حليفة ترامب، تحالفا دوليا من 90 دولة لتنفيذ حلّ الدولتين. يأخذ نتنياهو جيدا هذا المتغيّر وحدود هامش المناورة الذي يمتلكه لمعاندة هذا التحوّل.
– الأرجح أن إيران، بعد حربي غزّة ولبنان، فقدت أدواتها في التأثير على قضايا الصراع، ويدفعها إلى تحري اتفاقات دولية تتعلّق بمصالحها الذاتية متجرّدة من أوراق لم تعد مفيدة. هذا يظهر من دعمها لصفقة لبنان، وخروجها من ميدان غزّة، وعدم معاندتها لإجراءات حكومة بغداد للجم فصائلها الموالية، وتحوّل أزمة البحر الأحمر إلى مسألة يمنية حوثية. من شأن ذلك أن يفقد بالمقابل نتنياهو أوراقا كان يسوّقها لاجتذاب الدعم في واشنطن والفضاء الغربي.
– يمكن استنتاج وصول المشروعين، الإيراني والإسرائيلي، إلى أقصى سقوفهما، ما يسهّل تعويم المشروع الإقليمي الجماعي والدولي، لإنتاج مقاربات حلّ تأخذ بالاعتبار تراجع اندفاعة المشروعين وعجالة الحاجة إلى قراءة هذه اللحظة فلسطينيا والتعامل البناء مع تداعياتها.