وساطة سعودية إماراتية بين إيران والمغرب: قراءة في الخلفيات والاحتمالات

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم: كشفت تقارير إعلامية عن زيارة قام بها مبعوث إيراني إلى المغرب في سعيّ لتفقد إمكانية تطبيع العلاقات بين البلدين. أكدت التقارير أن المبادرة أتت من طهران التي طلبت وساطة عربية لتسهيل هذا المسعى. وفيما عاد المبعوث الإيراني بشروط مغربية، فإن أسئلة تدور بشأن توقيت هذه المحاولة وحوافزها في إطار التحوّلات الكبرى والضغوط غير المسبوقة التي تتعرّض لها إيران، والتي يمكن أن تزداد حدّة مع إدارة ترامب المقبلة للولايات المتحدة.

نقرأ هذا التطوّر من خلال رصد المعطيّات والتحليلات التالية:

– تقول المعلومات إن إيران أرسلت مسؤولا رفيع المستوى إلى الرباط، أوائل نوفمبر 2024، اجتمع، برفقة ممثلين عن السعودية والإمارات، مع مسؤولين مغاربة. وتشير المصادر الى ان كلا البلدين (تم الحديث عن سلطنة عُمان أيضا) تتوسطان لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمغرب التي انقطعت وعادت عدة مرات خلال العقود الماضية.
– في الأول من مايو 2018، قطعت الرباط علاقاتها مع طهران بعد اتهامها إيران بدعم جبهة بوليساريو عبر السفارة الإيرانية في الجزائر. وفي عام 2021 اتهم المغرب إيران بزعزعة استقرار شمال أفريقيا. ويعود التوتّر بين البلدين إلى عام 1981، حين قطعت إيران العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، بعد استقباله شاه إيران المخلوع، الذي كان صديقا شخصيا للعاهل المغربي الراحل، الملك الحسن الثاني.
– قبل ذلك، في 27 فبراير 1980، كانت إيران قد اعترفت بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” التي أعلنتها جبهة بوليساريو.
– هناك تقديرات أن المبادرة الحالية الإيرانية للتواصل مع المغرب ترتبط بالتحوّلات في المنطقة خاصة بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وبتداعيات اتفاق بكين بين السعودية وإيران في 10 مارس 2023 لجهة إتاحة انفراج في العلاقات الإيرانية العربية.
– قالت المصادر إن المسؤول الإيراني عبّر في الرباط عن رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة مع المغرب. وانه عاد إلى بلاده محملا بشروط مغربية، تتعلق بشكل أساسي بوقف الدعم الإيراني لجبهة بوليساريو، والتزام طهران بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للمغرب، واعتراف إيران بوحدة التراب المغربي.
– تقول مصادر مغربية إن موقف المغرب يشدّد على دفاعه عن قضية الصحراء، وإدانته لثبوت تورّط طهران في دعم بوليساريو وتنظيمها لعمليات تدريب لميليشياته من خلال حزب الله، والتصدي لسعي إيران لـ “تصدير الثورة”، وردع عمليات نشر التشيّع، الذي يُعتبر اختراقا للنسيج الاجتماعي للمغرب وشمال أفريقيا ومنه إلى أفريقيا.
– بالمقابل حمّلت مصادر إيرانية إسرائيل والولايات المتحدة مسؤولية زرع فتنة بين إيران والمغرب، مؤكدة أن حكومة الرئيس مسعود بزشكيان ستعمل على تجاوز الخلافات وتطبيع العلاقات مع المغرب. واعتبر أن الأمر يأتي أيضا في سياق تطبيع العلاقات مع دول أخرى مثل مصر والسودان والبحرين وغيرها.
– ترفض مصادر المغرب تعليق الخلاف على مشجب العامل الأميركي الإسرائيلي، وتؤكد أن القطيعة قامت على أسباب موضوعية وجيهة. ودعت المصادر إيران لتأكيد عدم وجود مصلحة لها في معاداة المغرب، من خلال إعلان، بسيط وصريح، بالاعتراف بالوحدة الترابية للمغرب.
– نفت مصادر إيرانية أن يكون لأي فصيل من “محور المقاومة” أية علاقة مع جبهة بوليساريو، وأكدت أن لا مصلحة لإيران بدعم بوليساريو ضد المغرب، وأن البعد الاستراتيجي الإيراني لا يصل إلى المغرب.
– تشير المصادر الإيرانية الى أن المشكلة بدأت حين استقبل المستشار الثقافي للسفارة الإيرانية في الجزائر، أمير الموسوي، ممثلين عن جبهة بوليساريو ما أدى إلى قطع المغرب علاقاته بإيران. وأوضحت هذه المصادر أن طهران استدعت المستشار وأوقفته عن العمل، وأن طهران لم تعلن ذلك في حينه.
– ترى مصادر مغربية أن التفسيرات الإيرانية بعدم وجود مصلحة استراتيجية لدعم بوليساريو، تسهّل اعترافا ايرانيا بوحدة التراب المغربي ورفض الدعوات الانفصالية. وتعتبر هذه المصادر، أنه بعد حرب غزّة والتحوّلات في العالم، فإن من مصلحة إيران ألا تنخرط في مجالات جيوستراتيجية بعيدة عنها.
– مقابل نفي إيران تقديم أي دعم للبوليساريو، تقرّ مصادر مغربية أن الدعم لم يكن مباشرا، لكن عن طريق حزب الله. وقد وثّقت هذه العلاقة من خلال صور جمعت مسؤولين من الحزب مع زعيم البوليساريو، ومن خلال تصريحات لمسؤولي بوليساريو يشيدون بالدعم الإيراني عبر الجزائر.
– ترجّح المصادر أن يكون تواصل إيران مع بوليساريو قد جرى ردّا على تواصل المغرب مع معارضين إيرانيين خاصة نجل شاه إيران، وأن الأمر لا يرقى إلى مستوى خطط لمعاداة المغرب والتدخل في شؤونه.
– ترفض مصادر إيرانية تقارير تحدثت عن أن طهران تريد من خلال التطبيع مع المغرب وساطة الرباط مع إسرائيل. وأوضحت أنه لو احتاجت إيران إلى هكذا وساطة، فأمامها مروحة واسعة من الدول التي تستطيع أن تلعب هذا الدور.

خلاصة

**تُعتبر مبادرة إيران للاتصال بالمغرب جزءً من سياق بدأ في عهد الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، ويعبّر عن مسعى لتصفير المشاكل مع دول مثل السودان والبحرين، كنتيجة لاتفاق السعودية وإيران في بكين برعاية الصين في مارس 2023.
**يُعتقد أن السعودية والإمارات توسّطت لتنظيم الزيارة التي قام بها مسؤول إيراني إلى الرباط. وجرى تداول أسماء السعودية والإمارات بصفتها فتحت صفحة جديدة مع إيران وتمتلك علاقات متميّزة مع المغرب.
**يُعتقد أن إيران تحاول ردّ الضغوط المتزايدة، لا سيما بعد اندلاع الحرب في غزّة وتعرّض ميليشياتها التابعة في المنطقة لضربات مباشرة (أهمها في لبنان)، إضافة إلى ضغوط محتملة من إدارة ترامب المقبلة، لتدعيم موقفها في الدائرتين، العربية والإسلامية.
**يتهم المغرب إيران بدعم جبهة بوليساريو ومحاولة مدّ مشروع ثوري ديني مذهبي نحو المغرب وأفريقيا. بالمقابل تنفي إيران أي دعم للبوليساريو وتعتبر أنه لا يخدم مصالحها الاستراتيجية.
**يشترط المغرب لتطبيع العلاقات مع إيران توقف طهران عن دعم جبهة بوليساريو والاعتراف بوحدة التراب المغربي ضد الدعوات الانفصالية، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
**يُنتظر أن تمرّ مفاوضات التطبيع بين البلدين بمراحل زمنية تبدأ بصدور مواقف جدّية تعبّر عن تحوّل في سياسة إيران حيال المغرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.