واشنطن تقترب من سحب القوات الأميركية من سوريا

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم: كثّفت الولايات المتحدة من المؤشرات باتجاه سحب القوات الأميركية من سوريا. تلاقي هذه المؤشرات ميل الرئيس الأميركي لهذا الخيار وسط تضارب في تقييم تداعيات الأمر على التوازنات داخل سوريا كما بين الدول الإقليمية والدولية المنخرطة بالشأن السوري

في التفاصيل:

-في 15 أبريل 2025، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر عسكرية أميركية أن البنتاغون يستعد “لدمج” قواته في سوريا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، في خطوة قد تُقلص عددها إلى النصف. وقالت مصادر أميركية إعلامية إنه يوجد حاليًا حوالي ألفي جندي أمريكي في سوريا، معظمهم في شمال شرق سوريا ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. وبحلول نهاية عملية السحب، سيكون هذا العدد أقل بقليل من ألف جندي، وفقًا للمسؤولين.
-نُقل عن مسؤولين أميركيين أن تغيير وضع القوات سيؤدي أيضا إلى تقليل انتشار القوات الأمريكية في جميع أنحاء سوريا، عقب محادثات السلام بين الحكومة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية بقيادتها الكردية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة.
-أكدت مصادر سورية إعلامية أن وضع القوات الأميركية في مواقعها في شمال وشرق سوريا لم يتغير منذ الإعلان عن هذا التطوّر باستثناء إنزال منطاد مراقبة في قاعدة حقل كونيكو، وأنها رصدت بالمقابل في 10 ثم في 14 أبريل دخول قوافل مؤلفة من أكثر من 200 شاحنة دخلت إلى مناطق شمال شرق سوريا عبر معبر الوليد الحدودي مع العراق.
-لكن في 16 أبريل، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن سكان محليين في ريف دير الزور الشرقي قولهم إن “رتلا من القوات الأمريكية أغلبه ناقلات تحمل آليات وعتاد خرج ليلا من حقل كونيكو للغاز شمال شرق مدينة دير الزور باتجاه محافظة الحسكة “.
-يعتقد مراقبون للشؤون الأميركية أن تسريب معلومات عن خطة تقلّص حجم القوات الأميركية في سوريا مؤشر جديد إلى ما سبق عن عبّر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ضيق من وجود قوات أميركية في سوريا، ويبعث رسائل متعددة الاتجاهات إلى الأطراف والدول المعنية بالشأن السوري.
-بعد أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة في نوفمبر 2024، كشف روبرت كينيدي جونيور الذي عيّن لاحقا وزيرا للصحة، عن أن ترامب رسم في دردشة معه خريطة للشرق الأوسط وأعاد التساؤل بشأن نجاعة وجود قوات أميركية في سوريا.
-يلفت مراقبون إلى أن الوجود الأميركي يمثل حماية سياسية وعسكرية للوجود العسكري الكردي شمال وشرق الفرات من خلال “قسد” بقيادة مظلوم عبدي، وأن أي تقليص أو سحب للقوات الأميركية يعني إضعافا لتلك القوات أمام سلطات دمشق وأنقرة.
-يضيف هؤلاء أن تشجيع الولايات المتحدة عبدي على إبرام الاتفاق الأخير مع الرئيس السوري أحمد الشرع سبقه تدخل رئيس الحزب الكردستاني الديمقراطي في العراق مسعود برزاني القريب من واشنطن للضغط على “قسد” للاتفاق مع دمشق والانفصال عن حزب العمال الكردستاني في تركيا.
-يلفت معلقون أميركيون إلى أن التصريحات الودّية التي أدلى بها ترامب بشأن العلاقة مع أردوغان أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، في 8 أبريل، مؤشّر على انخراط أنقرة وواشنطن في تفاهمات تطال مستقبل الوضع في سوريا والوجود الأميركي هناك قد تكون نوقشت مع وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن في مارس 2025.
-يرجّح محللون أن يؤثر الانسحاب الأميركي على ديناميات إسرائيل في سوريا لجهة استفادتها خلال السنوات الأخيرة من رعاية الوجود الأميركي لعملياتها العسكرية خلال السنوات الأخيرة في هذا البلد، معطوفا على غضّ طرف روسيا عن ذلك. كما أن الوجود الأميركي لطالما كان رادعا لانتشار تركي أوسع وأعمق في الأراضي السورية، ما قد يحتاج إلى تفاهمات جديدة مع تركيا برعاية واشنطن تقدم ضمانات أمنية للجانب الإسرائيلي.
-في 15 أبريل، أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة الأميركية ستبدأ بالانسحاب تدريجيا من سوريا خلال الفترة المقبلة. وقالت الصحيفة إن مسؤولين أمنيين أميركيين أبلغوا المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بهذا الانسحاب من سوريا والذي سيبدأ خلال شهرين.
-وفق الصحيفة فإن إسرائيل لا تزال تضغط على واشنطن لتأجيل هذا الانسحاب من سوريا. وتخشى إسرائيل بحسب الصحيفة من سيطرة تركيا في حال انسحاب الولايات المتحدة، على المزيد من الأصول الاستراتيجية في سوريا.
-في 9 أبريل، عقد وفد سياسي أمني إسرائيلي برئاسة رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، وبمشاركة كبار ممثلي وزارة الأمن والأجهزة الأمنية اجتماعًا مع وفد تركي رسمي في أذربيجان. وقالت مصادر إسرائيلية إن الطرفين عرضا مصالحهما الأمنية والإقليمية، وتم الاتفاق على مواصلة الحوار عبر قناة تواصل مباشرة للحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة.
-أوضحت مصادر تركية أن المحادثات الفنية التي جرت في أذربيجان مثلت البداية للجهود الرامية إلى فتح قناة اتصال لتجنب صدامات أو سوء فهم محتمل بخصوص العمليات العسكرية في المنطقة.
-يرى مراقبون أن احتمال سحب القوات الأميركية من سوريا يأتي في ظل تمسك الحكومة العراقية باستمرار تواجد “المستشارين” الأميركيين في العراق وتأجيل المفاوضات بين بغداد وواشنطن بشأن سحب الوجود العسكري من العراق. وكانت بغداد قررت تجميد هذا السياق بعد التحوّلات السورية التي أقلقت بغداد.
-يعلّق بعض الخبراء على احتمال سحب القوات الأميركية من زاوية نقاش يجري بين دمشق وموسكو بشأن مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا، لا سيما في قاعدة طرطوس البحرية وحميميم الجوية المطلتين على البحر المتوسط غرب سوريا. ويعتبر هؤلاء أن الانسحاب الأميركي سيعد اعترافا بنفوذ روسي في سوريا يصاحب تراجع مطالب أميركية لانسحاب روسي من سوريا وتحسّن علاقات واشنطن وموسكو.

خلاصة:

**ترسل واشنطن مؤشرات جديدة بشأن عزم ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا ما من شأنه تغيّر خرائط التوازنات داخل سوريا وبين الدول المنخرطة بالشأن السوري.
**يقلق الانسحاب الحكومة العراقية التي ترى في استمرار وجود هذه القوات في سوريا والعراق ضمانة أمنية بعد سقوط النظام السابق في سوريا.
**تعبّر إسرائيل عن قلق وتسعى لإقناع الإدارة في واشنطن بتأجيل الانسحاب، وتخشى من تداعيات ذلك على تعظيم نفوذ تركيا في سوريا.
**استبقت إسرائيل وتركيا استحقاق الانسحاب الأميركي بتنظيم تواصل سياسي أمني في أذربيجان لتجنب الصدام في سوريا، ويعتقد أن واشنطن تدفع بهذا الاتجاه.
**إشادة ترامب بأردوغان أمام نتنياهو قد تكشف عن تفاهمات بين واشنطن وأنقرة نوقشت مع وزير خارجية تركيا في واشنطن، منها ضمانات أمنية لإسرائيل
**من شأن الانسحاب أن يضعف أوراق “قسد” الكردية داخل سوريا ويوفّر بيئة لإنجاح سياق دمج القوى الكردية داخل هياكل الدولة بقيادة الشرع.
**الانسحاب الأميركي من سوريا قد يمثل اعترافا بنفوذ روسيا وربما تأكيد عدم اعتراض واشنطن على اتفاق بين موسكو ودمشق يؤمن استمرار تواجد روسيا في قاعدتين عسكريتين في سوريا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.