هل من حرب إسرائيلية شاملة ضد لبنان؟.. الاحتمالات وموانعها
د. محمد قواص، مركز تقدم
ورقة سياسات.
– ملخص تنفيذي:
– نشبت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل بصفتها ردّ فعل على حرب غزّة، ويرى الحزب أن إنهاء المواجهة الحدودية يتطلّب وقف تلك الحرب.
– تدخّل الولايات المتحدة وإيران منذ الأيام الأولى لانفجار الحدود اللبنانية الإسرائيلية حال دون توسّع رقعة المواجهات وتحوّلها إلى حرب شاملة.
– كل يوم من مواجهات الحدود، لا سيما ارتفاع خطورة بعض أهدافها، كان بإمكانه أن يكون ذريعة لحرب، ومع ذلك لم تحصل.
– واشنطن استشعرت خطورة التصعيد وأرسلت موفدها عاموس هوكشتاين إلى المنطقة من دون ظهور نتائج واضحة.
– ليس منطقيا دعم واشنطن لحرب ضد لبنان ولا مصلحة انتخابية لبايدن في دعم حرب جديدة وهو يسعى لوقف حرب غزّة.
– تراجع الدعم الغربي لحرب غزّة وتصاعد الإدانات لإسرائيل حتى من قبل المحاكم الدولية لا توفّر بيئة حاضنة لحرب ضد لبنان
ارتفعت في الأيام الأخيرة حدّة التهويل من احتمال تشوب حرب إسرائيلية شاملة ضد لبنان. فإضافة إلى الضخّ التقليدي الإسرائيلي الملوّح باستعدادات عسكرية في شمال إسرائيل على الحدود مع لبنان معطوفة على مجموعة من التصريحات السياسية الصادرة عن حكومة بنيامين نتنياهو وبعض وزرائها، سرّب الإعلام الأميركي معلومات بشأن إبلاغ إسرائيل الولايات المتحدة عن خطّة حرب ضد لبنان.
وجاءت نسخة من هذه الأنباء تؤكد أن واشنطن لم تعبّر عن اعتراض، فيما جاءت نسخة أخرى قالت إن مسؤولين أميركيين أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين في اجتماع في واشنطن أن الإدارة الأميركية ستدعم إسرائيل لكنها لن تنشر قوات أميركية في المنطقة. وما بين ما هو دقيق وما هو تهويلي، تتعدّد السيناريوهات التي يمكن أن يذهب إليها الوضع المتوتّر بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.
جبهة إشغال وإسناد:
بدأ التوتّر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية حين شنّ حزب الله في 8 اكتوبر 2023 هجوما صاروخيا على أهداف إسرائيلية شمال إسرائيل. نُفّذ هذا الهجوم في اليوم التالي لقيام “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” بعملية “طوفان الأقصى” في 7 اكتوبر 2023 وما استتبع ذلك من ضربات إسرائيلية على قطاع غزّة قبل أن تتطوّر إلى حرب دموية مدمّرة لم تنته حتى يومنا هذا. وفيما اعتبر حزب الله أن تدخله لا يرمي إلى إشعال حرب شاملة، بل فتح جبهة مشاغلة وإسناد، فإن اشتعال الجبهة الحدودية أدى إلى إجلاء آلاف من السكان المدنيين على جانبي الحدود.
وعلى مدار 8 أشهر شهد القتال والتراشق بين الطرفين إيقاعات متفاوتة في حدّتها وخطورتها. ومع ذلك بقيت المواجهة محترمةً لقواعد اشتباك غير مكتوبة جرى التفاهم بشأنها منذ انتهاء حرب عام 2006 وعلى هامش عرفي لقرار مجلس الأمن رقم 1701. وعلى الرغم من أن أي تفصيل من هذه المواجهات، بما في ذلك ضرب حزب الله أهدافا استراتيجية في عمق الشمال الإسرائيلي وضرب إسرائيل أهدافا في شمال البقاع اللبناني واغتيال قيادات رفيعة في حزب الله واغتيال إسرائيل في يناير 2024 لقيادي “حماس” صالح العاروري في قلب ضاحية بيروت حيث قيادة حزب الله، فإن الطرفين تجنبا مباشرة حربا كبرى على غرار ما حصل منذ 18 عاماً.
التهدئة الخارجية:
جرى خلال الأشهر الماضية تدخّل خارجي مباشر لضبط المواجهات ومنع توسيع رقعة الاشتباكات جغرافيا وتجنّب تصعيد غير محدود يصعب السيطرة عليه. وكان أن أوفدت إيران عدّة مرات مبعوثين في مقدمهم وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان الذي تقصّد دائما التعبير عن “حرص إيران على أمن لبنان” وتجنّب التصعيد. ولم تحد إيران عن هذا الموقف الرسمي فيما صدر عن القائم بأعمال وزراة الخارجية حالياً، علي باقري كني، الذي زار بيروت في 3 يونيو 2024 والتزمت تصريحاته بخط الموقف الإيراني بشأن العمل على التضامن مع حزب الله والتمسّك من جهة أخرى بهدف ضبط التصعيد و “دعم استقرار لبنان”.
بالمقابل مارست الولايات المتحدة ضغوطا واضحة على إسرائيل لثنيّها عن استغلال التضامن الغربي المفرط للعالم الغربي إثر “طوفان الأقصى” من أجل فتح جبهة ضد حزب الله في لبنان. وكانت صدرت في الأسابيع الأولى للحرب في غزّة دعوات من داخل إسرائيل إلى توسيع الحرب لتطال حزب الله في لبنان وحتى البرنامج النووي في إيران. غير أن تطوّر الحرب في غزّة وتبدّل المزاج الدولي من الحرب وإسرائيل خفّفا من طموحات إسرائيل وجسارة خطّطها حيال لبنان. وإضافة إلى تدخّل الموفدين الأميركيين لدى إسرائيل ولبنان، فإن وزراء خارجية دول أوروبية، لا سيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، قاموا تباعا بزيارة البلدين في سعيّ لممارسة الضغوط من أجل وقف التصعيد وضبط التوتّر ومنع نشوب حرب كبرى.
التهويل الحديث بالحرب:
تصاعد في الأيام الأخيرة ميل إلى التهويل بالحرب وقرب اندلاعها من خلال مواقف عبر عنها المسؤولون الإسرائيليون تحت مسوّغ الدفاع عن أمن الشمال وعودة السكان إلى بيوتهم. اعتبرت مراجع سياسية وعسكرية إسرائيلية بأن الحرب ضد لبنان باتت ضرورة لتدمير قدرات حزب الله ومعاملة لبنان، وليس حزب الله فقط، على منوال ما جرى في غزّة.
استشعرت واشنطن خطورة هذا التصعيد إثر قيام إسرائيل في 12 يونيو 2023 باغتيال طالب سامي عبد الله وهو أرفع شخصية قيادية في حزب الله يتمّ اغتيالها منذ بدء المواجهات وقيام الحزب بالمقابل بردّ واسع استخدم فيه مئات من الصواريخ.. وقد عجّلت واشنطن من جديد بإيفاد مستشار الرئيس الأميركي للطاقة عاموس هوكشتاين في محاولة لإعادة الهدوء وضبط العنف على الحدود. غير أن زيارة هوكشتاين لإسرائيل ولبنان، والذي سبق له رعاية اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في عام 2022. لم تسفر عن نتائج واضحة ولم تؤد إلى التخفيف من إيقاع الجبهة الحدودية.
بالمقابل وسّع الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله” في 19 يونيو من تهديداته ضد إسرائيل في حال قيامها بحرب ضد لبنان. وذكّر نصر الله بما يمتلكه الحزب من قدرات تسليحية وقتالية تضاعفت عدّة مرات كمّا ونوعا منذ حرب 2006 وما يمكن أن تدفعه إسرائيل وليس شمالها فقط من أثمان.
وطالت تهديدات زعيم الحزب جزيرة قبرص، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، بسبب ما قال إنه اشتباه بإمكانية توفير قبرص مطاراتها لانطلاق المقاتلات الإسرائيلية في حال نشوب حرب ضد لبنان. وفيما استغرب المراقبون أن يفتح نصر الله في تهديداته جبهة أخرى في شرق المتوسّط ضد قبرص وأوروبا، غير أن مراقبين يعتقدون أن حزب الله أراد من خلال هذه التهديدات توسيع مساحات التهويل وجغرافيتها كورقة ضغط جديدة رادعة لقيام الحرب.
هل تدعم واشنطن حربا ضد لبنان؟
يُسجل في الأشهر الأخيرة تراجع الدعم الغربي لحرب غزّة وتصاعد الإدانات لإسرائيل حتى من قبل المحاكم الدولية. وهذا الأمر لا يوفّر بيئة حاضنة لحرب ضد لبنان. أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة، فإنه، على الرغم من نشر أنباء في واشنطن (CNN) توحي ببدء واشنطن القبول بمبدأ قيام إسرائيل بحرب ضد لبنان، بقيت هذه الأنباء غير موثوقة ومن دون أي سند وغامضة المصدر ولا تثبت دعم واشنطن للحرب ضد لبنان لعدّة أسباب:
• ففي الأنباء التي تحدّثت عن أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بخطّة للحرب، لم تكشف هذه الأنباء عن الجهة التي قدمت هذه الخطّة في ظل توتّر ظهر مؤخرا في علاقة إدارة البيت الأبيض مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إثر بثّه لفيديو يشتكي به من حجب واشنطن لشحنات أسلحة لإسرائيل.
• كما أن الأنباء التي تحدّثت عن عدم اعتراض واشنطن على الخطّة الإسرائيلية لم تكشف عن تلك الجهات في الولايات المتحدة التي لم تعترض، خصوصا أن كافة المسؤولين الأميركيبن، من الرئيس الأميركي جو بايدن مرورا بوزراء الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي، كانوا صرحوا برغبتهم بعدم توسيع الحرب باتجاه لبنان وحتى الطلب من إسرائيل بالذات خفض التصعيد.
• رغم تحريك الولايات المتحدة لحاملة الطائرات جيرالد فورد والأسطول المرافق لها باتجاه البحر المتوسط إثر تهديدات نصر الله إلى قبرص وبتحويل المتوسط إلى بحر ساخن، غير أن هذا الإجراء لا يعني بالضرورة مباركة أميركية لحرب إسرائيلية ضد لبنان.
• التقييم الأميركي، لا سيما بعد زيارة هوكشتاين إلى بيروت واجتماعه مع مسؤولين لبنانيين (من بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعتبر الواجهة التي يتفاوض من خلالها هوكشتاين مع حزب الله بشكل غير مباشر ) هو وجود ترابط بين وقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ووقف الحرب في غزّة.
• يسود اعتقاد أن منطق الأمور يقود إلى استنتاج أن واشنطن لن تدعم حربا في لبنان وهي التي تحاول وقف الحرب في غزّة. كما أن الحوافز الانتخابية للرئيس الأميركي جو بايدن بإنهاء الحرب في غزّة هي نفسها التي تمنع إدارته من دعم حرب محتملة ضد لبنان.
• فيما تنطلق إسرائيل من حسابات داخلية، داخل الطبقة السياسية، الموالية والمعارضة، ومن أجندات أمنية عسكرية في الدفع بالتهويل بحرب كبرى على جبهة الشمال، فإن الولايات المتحدة تجري حوارا خلفيا مع إيران يطال ملفات نزاع متعدّدة من بينها البرنامج النووي ودور طهران في تبريد الجبهات من غزّة إلى البحر الأحمر مرورا بجبهة لبنان.
خلاصة واستنتاجات:
**تحاول إسرائيل تسويق الأخطار الآتية من لبنان كعامل منفصل ومستقل عن الحرب في غزّة. وقد سعت منذ الأيام الأولى لحرب غزّة للحصول على غطاء أميركي-دولي للتخلّص من هذه الأخطار حتى تلك من إيران.
**بالمقابل يعتبر حزب الله أن المواجهة الحدودية هي نتيجة لحرب غزّة، وانه لا يسعى لإشعال الحرب، وأن أي ضغوط لوقف إطلاق النار تتطلب وقفا لإطلاق النارفي غزّة.
**المواجهات في جنوب لبنان هي جزء من أوراق حوار يجري بين واشنطن وطهران بشأن ملفات متعدّدة من أبرزها البرنامج النووية. وتشمل أيضا دور إيران في ملفات نزاع، عديدة بما فيها أمن البحر الأحمر وجبهة جنوب لبنان.
**ترويج إسرائيل لضرورات الحرب ضد لبنان وقرب حدوثها تصبّ في سياق تبرير إنهاء الحرب في الجنوب في غزّة كمبرر للتصدي للخطر في الشمال.
**رغم تسريب أنباء عن دعم أميركي لإسرائيل في حربها المحتملة في لبنان، فإن لا مصلحة انتخابية للرئيس بايدن في دعم اشتعال حرب جديدة في المنطقة فيما يسعى لتسويق خطته لوقف الحرب في غزّة.