هل ستوقف عائلات الرهائن والاسرى الاسرائيليين الحرب
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
انطلقت الثلاثاء 14/11 مسيرة عائلات ذوي الاسرى والرهائن الاسرائيليين في غزة، وذلك من ساحة كابلان في تل ابيب والتي اطلقوا عليها ساحة المخطوفين ، ويخطط المنظمون ان تصل مشيا على الاقدام الى القدس مساء يوم السبت 18/11 لعقد اجتماع شعبي احتجاجي امام منزل رئيس الحكومة في القدس، ومن المتوقع ان يشارك في أنشطتها عشرات الالاف.
هناك قناعة واسعة في الراي العام الاسرائيلي بعدم الثقة بالصيغة الحكومية التي اعتمدها الجيش والقائلة إن تعميق الاجتياح البري يجعل امكانيات الضغط على كتائب القسام افضل لعقد صفقة تبادل بشروط اسرائيلية. ويقول الموقف الاسرائيلي بأنه كلما تعاظم الضغط على حماس يقترب موعد الافراج عن الاسرى.
نجح كابينيت الحرب في تغيير الشعار الاصلي للعائلات والقائل “الكل مقابل الكل” اي جميع الرهائن والاسرى الاسرائيليين مقابل جميع الاسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الاسرائيلية، وهو ما اعتبرته الحكومة بأنه يضعف موقفها التفاوضي وبات الشعار “اعيدوهم فورا”، وذلك بعد ان اخفقت مساعي الحكومة في اسكات صوت العائلات قبل ان يتحول الى حركة احتجاج شعبية تتسع يوما بعد يوم ويزداد أثرها.
من اللافت في صفقات تبادل سابقة انه كلما كثر الحديث عن صفقة تبادل فإنه يخلق حالة مضللة، وطالما ساد الصمت والتكتم فهو من مؤشرات التقدم بالمفاوضات والتي باتت متعددة الاطراف بالاضافة الى مصر وقطر والولايات المتحدة. كما ومن اللافت ايضا انه وقبل عقد اية صفقة تبادل او تهدئة يشهد الميدان تصعيدا عسكريا مكثفا وواسع النطاق ويستهدف البنية الحياتية للسكان.
اجمع الاعلام الاسرائيلي على عدم عرض شريط الفيديو الصادر عن الناطق باسم كتائب القسام والتي اعلن فيها ان المجندة نوعا مرتسيانو قتلت نتيجة لغارة اسرائيلية. وأعلنت وسائل الاعلام انها لن تعرضه معتبرة اياه كما الجيش والحكومة على انه “ارهاب نفسي”. بينما أكدت مديرة منظومة تعزيز مناعة عائلات المخطوفين (القنال 12 يوم 14/11) بأن أفراد العائلات لم ينتظروا الاعلام الحكومي وشاهدوا الشريط وانهم في حالة من الدموع والخوف والقلق و”عدم الثقة بأيٍّ من الاطراف”، والمقصود بالموقف الحكومي. خاصة وأن الجيش اعترف بمقتل المجندة متهماً حماس لكن من حيث التوقيت فقط بعد انتشار شريط الفيديو مؤكدا انه يتحدث بناء على معلومات استخباراتية، مما عمق عدم الثقة وحالة القلق لدى العائلات وانتقادا واسعا تجاه المنظومة الاعلامية.
تفيد هذه التفاصيل باتساع نطاق حجب الثقة الشعبي عن حكومة نتنياهو وعن تحديثات الناطق باسم الجيش اليومية، ويتزامن تقدم مسألة الرهائن وتبادل الاسرى الى راس اولويات الرأي العام، وباتساع الاصوات التي تؤكد ان الحكومة والجيش يتحدثون كثيرا عن هذه المسألة لكن ممارستهم الميدانية في غزة وتحركات الجيش لا تتلاءم مع كون الاسرى اولوية بل تضعهم في دائرة خطر الاستهداف في مسعى لاحتلال سعيا للقضاء على سلطة حماس والقضاء على قدراتها العسكرية وضمان عدم دخول السلطة الوطنية الفلسطينية الى غزة بعد الحرب كي لا يشكل ذلك اساسا لحكم فلسطيني واحد في غزة والضفة.
بات هذا الموقف الذي يرى بالتنافر بين الاولويات واسعا وملموسا للغاية في الراي العام وتتبناه اوساط واسعة بمن فيها قيادات عسكرية وسياسية سابقة. كما تتعالى الاصوات الشعبية التي تعبر عن الضائقة المالية والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية بسبب استمرار الحرب والتي تشير الى تصدع منظومة ترميم المعنويات التي بدأت تتراجع امام أثمان الحرب في مختلف مجالات الحياة ولدى الجمهور الواسع، وهناك شعور عام بعدم قدرة الناس على تحمل الاعباء واسقاطاتها، ناهيك عن مسألة النزوح من المنطقتين الحدوديتين مع غزة ومع لبنان.
كانت تصريحات وزير خارجية اسرائيل (13/11) بشأن تضاؤل الفسحة الزمنية التي منحها العالم (اي الولايات المتحدة) لحكومة اسرائيل لمواصلة حرب الدمار الشامل على غزة لافتة، واحدثت غضبا في الاوساط الحاكمة وحالة من عدم اليقين شعبيا، خاصة ان المجتمع الاسرائيلي لا يتوقع انجازا عينيا من هذه الحرب، في ضوء التشكيك الامريكي بقدرة اسرائيل على تحقيق غاياتها والاعتراض على التهجير وعلى انتزاع مناطق من غزة وعلى التصورات بشأن اليوم التالي للحرب.
تأتي مسيرة عائلات الرهائن والاسرى الاسرائيليين والتي باتت حراكا شعبيا واسعا ومؤثرا للغاية لتعزز عدم الثقة بالحكومة وعدم الركون لوعودها بل تتماشى اكثر مع الموقف الامريكي المشكك بالاهداف، ولتصبح مسألة تبادل الاسرى هي الموجه للحكومة وليس اداة لتحقيق غايات اخرى، ولن يكون مستبعدا ان تسرّع الحكومة خطاها نحو اتمام صفقة التبادل الاولية مقابل هدنة لبضعة ايام وإدخال مساعدات لغزة، وفي حال حدثت قد يكون ذلك بداية لنهاية الحرب على غزة، اذ لن يكون ممكنا تبادل الجنود الاسرى دون وقف تام لاطلاق النار.