هجوم مريب لـ “داعش” في سلطنة عُمان: قراءة في الحدث واحتمالاته
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
لفت مراقبون استهدافُ سلطنة عمّان، مساء الإثنين في 15 يوليو 2024، بالهجوم الإرهابي الذي الذي استهدف مسجدا للشيعة في مسقط، وأعلن تنظيم “داعش”، الثلاثاء، مسؤوليته عنه. ورغم المعطيّات التي تؤكد أن الهجوم يندرج في إطار عمليات سابقة كان التنظيم قد نفّذها ضد أهداف شيعية في كثير من دول المنطقة، بما فيها الخليجية، غير أن استهداف عُمان أثار أيضا احتمالات أن يكون للعملية أجندة خارجية تسعى إلى بعث رسائل إرباك إلى مسقط. فكيف يمكن قراءة هذا الحدث وما احتمالات خلفياته؟
لرصد الحدث حريّ تأمل مجموعة من المفاصل والخلفيات:
– جرى الهجوم، مساء الإثنين، ضد “مسجد الإمام علي” في منطقة الوادي الكبير في مسقط، وأسفر عن مقتل 6 أشخاص، بينهم رجل شرطة. وأعلنت شرطة عُمان السّلطانية، الخميس، أن الجناة الثلاثة المتورّطين في حادث إطلاق النار عُمانيون وهم إخوة، لافتة إلى أنهم “لقوا حتفهم نتيجة إصرارهم على مقاومة رجال الأمن”. وأضافت: “دلّت إجراءات التحرّيات والتحقيقات على أنهم من المتأثرين بأفكار ضالة”.
– نظراً إلى الطابع المذهبي الأصولي المتشدّد الذي يعمل “داعش” في مناخه، فإن الأمر يعدّ اختراقا غير مسبوقا للمجتمع السنيّ في البلاد في بلد يتّسم بالتعدد الطائفي ويتميّز بخطاب التسامح والتعايش وغياب خطب الحقد والتعصّب.
– رغم الاستقطاب الطائفي، لا سيما السنّي الشيعي، بعد حرب العراق عام 2003، لم يتمدد هذا الاستقطاب إلى السلطنة على عكس حالات التوتّر التي شهدتها دول مثل العراق ولبنان والسعودية والكويت والبحرين. ولم تنشط داخل السلطنة أي جماعات طائفية تعُدّ امتدادا لنظيراتها في المنطقة.
– جرى التداول على السلطة بعد وفاة السلطان قابوس على نحو سلسّ بالتقيّد بما ظهر في وصيته. وقد تمّ الخضوع لوصية السلطان الراحل بتعيين هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد سلطانا للبلاد ورئيسا لمجلس الوزراء منذ 11 يناير 2020.
– لم يظهر في مرحلة انتقال السلطة إلى السلطان هيثم ومن ثم تعيينه نجله وليا للعهد أي أعراض تملّمل أو اعتراض ممكن أن تكون سببا لبروز أي ظواهر نافرة بما في ذلك تسلل الإرهاب إلى السلطنة.
– بالنظر إلى عدم وجود أعراض لأسباب داخلية جاذبة للعنف والإرهاب، وبالنظر إلى أن تنظيم “داعش” قد يعمل وفق عناوين مختلفة ولصالح أجندات محتملة، فإن الهجوم، إضافة لمادته الطائفية العقائدية، قد يهدف أيضا إلى إحداث إرباك يطال أدوار السلطنة في المشهدين الإقليمي والدولي وسياساتها الخارجية.
– تمتلك السلطنة منذ عهد السلطان قابوس علاقات مميّزة مع إيران تأخذ بالاعتبار “ضريبة الجغرافيا” التي تجمع البلدين. وكانت إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي قد تدخلت عسكريا في سبعينات القرن الماضي لمساندة السلطان قابوس في التصدي للمعارضة المسلحة في ظفار، على نحو يكشف علاقة مسقط بطهران. واستمرت السلطنة في المحافظة على علاقة جيدة مع إيران حتى لو كان هذا السياق أحيانا خارج المزاج الخليجي العام. وقد التزم السلطان هيثم بدقّة بهذا التوجه.
– تمتلك عُمان علاقات متقدمة مع الولايات المتحدة والمنظومة الغربية منذ مرحلة الحرب الباردة. وتلعب عمان دورا في تواصل واشنطن مع طهران وتستضيف مسقط مفاوضاتهما بما ذلك التي أفضت إلى إبرام فيينا النووي عام 2015.
– على الرغم من علاقة السلطنة مع إسرائيل، بما في ذلك استقبال السلطان الراحل قابوس لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اكتوبر 2018، إلا أن علاقات السلطنة بإسرائيل تراجعت في عهد السلطان هيثم. وقد اتخذت سلطات عُمان، بما فيها مجلس الشورى العماني مواقف عدائية تجاه إسرائيل. كما برز مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد الخليلي بتصريحاته الرافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة.
– تلعب عُمان دورا مهما في ملف اليمن وتمتلك علاقات جيدة مع جماعة الحوثي وتستضيف بعثة دائمة لها في السلطنة. وقد اتُهمت عُمان من بعض الجهات بالتورط في تهريب الأسلحة الواردة من إيران باتجاه الحوثيين في اليمن. لكن تلك الاتهامات بقيت محدودة الصدى معدومة الأدلة. ويعوَّل على الدور العماني في التوسّط لتبادل الأسرى بين الأطراف المتقاتلة وإنضاج تسويات معينة بموافقة دولية إيرانية عربية.
– لاحظ خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية أن القيادة المركزية لـ “داعش” وليس الأذرع الفرعية، هي التي أعلنت، عبر موقع “أعماق” عن العملية والمسؤولية عنها ما قد يُفهم منه تعويل على الحدث لأهميته في الخطّط المقبلة للتنظيم.
– نشرت بعض المواقع نقلا عن موقع “أعماق” التابع لتنظيم “داعش” صورة للأشخاص الثلاثة الذين نفّذوا الهجوم تظهر أحدهم البندقية الآلية من نوع Steyr AUG. زعمت هذه المواقع أنه نادرا ما تتوفّر القاعدة او مشتقاتها على هذا النوع من السلاح. وقالت إن هذا الطراز ظهر بين عامي 2017 و 2018 بيد مليشيا وفصائل مقاتلة تابعة للتجمع الوطني للإصلاح في اليمن . وتساءلت بعض المصادر عما إذا كان قد تمّ تهريب بعض قطع من هذا السلاح من المهرة او حضرموت.
– تزامن هجوم “داعش” في عُمان مع إعلان الجيش الأمريكي في 17 يوليو الجاري، أن تنظيم داعش يحاول “إعادة تشكيل نفسه” في حين بات عدد هجماته بسوريا والعراق في طريقه إلى التضاعف مقارنة بالعام الماضي. وذكرت القيادة المركزية الامريكية للجيش في بيان أن “داعش تبنى 153 هجوما في كلا البلدين خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024”.
– ما يمكن أن يروّج لكثير من السيناريوهات هو تكتم السلطات العُمانية على مجريات التحقيقات والإفراج على الحدّ الأدنى من المعلومات التي لم تكشف عن ظروف العملية وخطّ سيّر المهاجمين ومصدر انطلاقهم وسلاحهم والجهات التي تقف وراءهم.
خلاصة:
**تكمن أهمية الحدث في أنه سابقة بالنسبة لعُمان فيما أن “داعش” نشط قبل ذلك في المنطقة ودول خليجية أخرى. كما أن الهجوم الطائفي يستهدف الجالية الآسيوية لكنه يستهدف أيضا إحداث شرخ طائفي في بلد متعدّد الطوائف والقبائل والعرقيات.
**الإدانة الجماعية التي عبّرت عنها كافة دول الخليج لا تمثّل تضامنا مع سلطنة عُمان وحسب، بل لأن اختراق الإرهاب لواحدة من دول مجلس التعاون الخليجي يمثّل اختراقا لأمن دول المجلس كافة، ما يفرض رفع مستوى التنسيق الأمني وتبادل المعلومات والخبرات في ما بينها.
**تشابك علاقات عُمان الإقليمية والدولية مع أطراف متناقضة وأهميّة أدوارها داخل ملفات معقّدة، تسلط المجهر على أبعاد أخرى محتملة لهجوم “داعش” وأجنداته.
**عملية “داعش” في عُمان تعبّر عن أعراض انتعاش لأنشطة التنظيم الإرهابي لتطال منطقة الخليج، وسلطنة عُمان بالذات، بعد اختراقات سجّلها مؤخرا في أفغانستان وروسيا وإيران، ناهيك من انتعاش عملياته في سوريا والعراق وفق تقييم الجيش الأميركي.