هجمات الحوثيين ضد أهداف في إسرائيل : قراءة في الموقف الحقيقي لواشنطن من اليمن.

تقدير موقف؛ مركز تقدم للسياسات

تقديم:
إثر الهجمات التي شنّتها جماعة الحوثي، فجر الجمعة 19 يوليو 2024، على إسرائيل، يثار جدل بشأن موقف واشنطن من الجماعة التي تهدد، منذ اندلاع الحرب في غزّة، الملاحة الدولية في البحر الأحمر وسبق لها أن استهدفت ميناء إيلات ومواقع أخرى في إسرائيل كان آخرها في تل أبيب. غير أن مجموعة من الحجج والقرائن قد تفسّر ضبابية الموقف الأميركي، وهي ضبابية معتمدة منذ انفجار أزمة اليمن عام 2011. فما هي زوايا المقاربات الأميركية وكيف تُفهم استراتيجيات واشنطن للتعامل مع ملف اليمني؟
لرصد موقف واشنطن يجدر تتبع مجموعة من العوامل والملاحظات التالية:
– يتحدث خبراء بأن الولايات المتحدة تقصّدت عدم توسيع المواجهة ضد الحوثيين بسبب ما سيؤديه ذلك من توسيع للحرب في غزّة، ناهيك من رفض الإدارة في واشنطن الانخراط في صراع جديد في العالم بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس 2021.
– يرى هؤلاء أن موقف واشنطن بدا ضعيفا بسبب عدم موافقة دول المنظومة الغربية، في ما عدا بريطانيا، في أن تكون شريكة مع الولايات المتحدة في عمليات توجيه ضربات إلى مواقع للحوثيين على الأراضي اليمنية. لكن هناك رأي آخر يرى أن واشنطن لم تسعَ جديّا لتوسيع الحلف ولم تمارس ضغوطا في هذا الصدد.
– تعتبر مصادر أخرى أن الاكتفاء بالثنائي واشنطن-لندن كان مقصوداً لخفض سقف التدخل الدولي في المنطقة، وجعل العمليات العسكرية الهجومية مقتصرة على تحالف الدولتين التقليدي في أي أزمات دولية تستدعي عمليات عسكرية.
– غياب البلدان الإقليمية، لا سيما المطلّة على البحر الأحمر، عن التحالف الأميركي، “حارس الازدهار” أو التحالف الأوروبي، حرم التدخل الأميركي-الغربي من حاضنة إقليمية تشرّع تدخل الدول الكبرى. ثم أن إعلان دول خليجية، لا سيما السعودية والإمارات، عن رفضها إقلاع المقاتلات الأميركية من أراضيها لشنّ غارات تستهدف مصالح حوثية أو إيرانية، ساهم في وضع سقف محدود للتحرك العسكري والسياسي الأميركي. ومع ذلك لوحظ تعامل واشنطن تقنيا مع ذلك من دون أي ضغوط دبلوماسية مقابلة.
– ترجح مصادر في الولايات المتحدة تجنّب واشنطن الوقوع في فخّ الاستدراج الذي تريدة طهران لدفع الأميركيين إلى صراع خطير بهدف إلى إضعافهم في أي تسويات تتعلق بإيران ومصالحها. وتؤكد هذه المصادر أن عملية تشتيت القوى والجهود الأميركية هو هدف يسعى إليه أيضا حلفاء إيران، روسيا والصين.
– تقول بعض التقارير إن الولايات المتحدة غير متضررة اقتصاديا مباشرة من الأخطار التي تهدد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وأن تلك الأضرار ستنال من اقتصاد الصين على المدى الطويل.
– توضح التقارير أن الصين تصدّر وتستورد عبر البحر الأحمر ما يعادل 300 مليار دولار سنوياً، أي نحو ربع واردات بكين وصادراتها في المنطقة، وأن واشنطن تتوقع أن يمثًل واقع البحر الأحمر الراهن إنهاكاً لاقتصاد الصين على المدى الطويل.
– تضيف التقارير أن الولايات المتحدة لم تتضرّر من أي نشاط حوثي ضد حركة السفن في البحر الأحمر، بل على العكس، فإن سلسلة الإمدادات عبر البحر الأحمر تذهب إلى أوروبا غالباً، ويدفع انقطاع إمدادات أوروبا، من الطاقة العربية تحديداً، إلى التعويض من الولايات المتحددة وبأسعار أعلى.
– تعتقد بعض الأوساط المتخصّصة أن أزمة الحوثيين في البحر الأحمر منحت الولايات المتحدة مبررا للانتشار العسكري لمواجهة ومراقبة القواعد الصينية في المنطقة وفي أفريقيا، وأن عدم حلّ هذه الأزمة في هذا الممر الدولي يثبت وجودا عسكريا أميركيا في المنطقة لأجل طويل.
– تعتقد مصاد أكاديمية يمنية أن الولايات المتحدة تدرك أن أمن البحر الأحمر سببه الأزمة التي تعصف باليمين منذ أكثر من عقد وأنه لا يمكن وقف الأخطار الواردة من البرّ اليمني من دون حلّ جذري شامل للقضية اليمنية برمتها. وترى هذه المصادر أنه رغم ذلك فإن واشنطن تعاملت بارتباك مع هذه المسألة منذ إدارة باراك أوباما حتى الآن، ولا تريد أو لا تستطيع الشروع الجديّ بحلّ جدي يوحّد البلاد وينهي النزاع ويعيد الاعتبار للدولة القادرة على حماية الشواطئ وأمن الملاحة هناك.
– تؤكد وجهات نظر أميركية أن واشنطن لا تنظر إلى الأزمة اليمنية من زاوية أنها يمنية بل من زاوية أنها مشكلة إيرانية تضاف إلى سلسلة من الملفات المتعلقة بالنزاع بين طهران والمجتمع الدولي والمرتهنة إلى التوتّر التقليدي في علاقات واشنطن وطهران منذ أكثر من 4 عقود. وبالتالي فإن واشنطن لا تؤمن بحلّ يمني منفصل عن حلّ الشامل لملف إيران. وترى هذه الأراء أن دول المنطقة التي كانت منخرطة في الصراع اليمني قد أدركت ذلك أيضاً.
– يرى خبراء في الشؤون الأميركية أن استراتيجية الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة باتت تعتمد خيار إدارة الصراعات لا إنهاءها، أولا تجنّبا لكلفة سياسية وعسكرية ومالية عالية تتطلبها التدخلات الكبرى الشاملة، وثانيا لأن إدارة الصراعات، لا سيما الإمساك بمفاتيحها، يتيح حضورا أميركيا دائما في ملفات الصراع وتحقيق مصالح الولايات المتحدة في أي مآلات لها. يضيف هؤلاء أن واشنطن تستفيد حاليا من موقف رمادي يبتزّ الحلفاء في الخليج ويمكن استثماراته في أية تفاهمات محتملة مع إيران.
– يستدل من مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة تمسّك واشنطن باستراتيجية واحدة في التعامل مع الملف اليمني. ففيما يسوّق دونالد ترامب لموقف متصلّب في ملف اليمن والبحر الأحمر، إلا أن إدارته (2017-2021) تعايشت مع الحالة الحوثية في اليمن من دون أي سياسة مختلفة ولم تضع جماعة الحوثي على لوائح الإرهاب إلا قبل أيام قليلة من انتهاء هذه الولاية.
– تعتقد المصادر أن التصعيد الذي بدأته جماعة الحوثي منذ اندلاع حرب غزّة باستهداف سفن في البحر الأحمر أو ضرب أهداف في إسرائيل بما في ذلك تل أبيب فجر الجمعة 19 يوليو 2024 تقوم على تقييم إيراني بمحدودية الردّ الأميركي وقواعده وبارتباك أوسع هذه الأيام للإدارة الديمقراطية بسبب حاجتها إلى عدم التورّط في صراعات عشيّة الانتخابات الرئاسية في البلاد.

خلاصة:

**لا تملك واشنطن خطّطا لإنهاء الأخطار في البحر الأحمر وليست جدّية في إيجاد حلّ جذري للأزمة اليمنية. كمان أن واشنطن تتعامل مع أزمة اليمن بصفتها ملفا إيرانيا لا يمنيا.
**للولايات المتحدة مصلحة في إدارة الصراعات لا حلها وهي تستغل أزمة البحر الأحمر لشرعنة حضور عسكري مواجه ومراقب لقواعد ومصالح الصين في المنطقة وأفريقيا.
**أزمة البحر الأحمر لا تسبب ضررا للاقتصاد الأميركي، لكنها تسبب ذلك لأوروبا والصين بسبب اعتمدهما على هذا الممر لانسياب سلاسل التوريد نحوهما، ما يعزّز الموقع الأميركي في مشهد التبادلات الدولية.
**فيما سعت واشنطن لاستغلال قضية اليمن لابتزاز الحلفاء في الخليج وجعلها ورقة مساومة مع إيران. بدأت واشنطن تعتقد أن اليمن بات ميدانا لروسيا قد تزوّد فيه الحوثيين بالصواريخ النوعية ردّا على التسليح الأميركي لأوكرانيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.