نظرة على الحزب المعاصرالحزب السياسي في زمن متغير
نظرة على الحزب المعاصر
الحزب السياسي في زمن متغير
جمال الطاهـات*
مقدمة:
هذه الورقة معدة لندوة داخلية عن مفهوم الحزب في زمان متغير، وهي ضمن سلسلة ندوات في حزب التحالف المدني، يعقدها بعد بدء عملية اندماجه مع حزب التحالف المدني. وقد مر الحوار حول تشكيل حزب ديمقراطي جديد، قادر على القيام بمهام جديدة، وهناك التباس واضح بتوضيح معنى “الحزب الجديد”، ومعنى “المهام الجديدة”. فلا يمكن فصل الحزب فكرة وتنظيماً داخلياً وآليات عمل وأنشطة مركزية عن مهامه التي يتصدى لها لخدمة الشعب والوطن. فالحزب هو بتعريفه البسيط مجموعة من الأفراد، تشترك بهدف (وهو مشتق من فهم الاولويات الوطنية) وبآلية عمل، وبوعي محدد للبيئة التي تتحرك بها. والمهمة المركزية للحزب (خدمة هدف مشترك بأولويات عمل مشتقة من البيئة) هي التي تقرر شكله التنظيمي، وآليات عمله. آليات العمل والشكل التنظيمي (وليس فقط الاتفاق على الهدف وعلى الاولويات) هو ما يمنح الحزب باعتباره تجمعاً منتجاً للأفراد، هويته وميزاته التي تجعله خياراً مختلفاً عن بقية الخيارات.
وتاتي أهمية هذه الندوة، لتشكيل فهم مشترك لحزب التحالف المدني يوحد بين أعضائه، ويحمي التجربة ومآلاتها من احتمالات خطيرة ربما أهمها: أن يتحول الحزب إلى مجموعة مصالح، او أن يتحول الحزب إلى حالة أيديولوجية سجالية واستمرار للمنطق السائد في العمل الحزبي، الذي لم يخدم الوطن، ولم ينجح بتشكيل جماعات اجتماعية ذات وزن. فما يميز الاحزاب ليس ما تدعوا له فقط، بل وكيف تعمل من أجل هدفها. كلا الحالين: مجموعة مصالح أو منصة سجال ايديولوجي، كلاهما لن يخدم الشعب والوطن، ولن يمكن من أن يكون الحزب رافعة للتحول الديمقراطي الآمن.
وفي هذا السياق تتعرض هذه الورقة لمدخل عام، كمحاولة لتحديد المهة المركزية للحزب الذي ينشأ في سياق التحول الديمقراطي. وبعدها تحاول هذه الورقة أن تقدم إجابات الأسئلة المتعلقة بالحزب الذي نريد، وأهم مميزاته، وذلك دون أن تغفل العنوان وما يستشف منه بأنه إشارة إلى تغير البيئة الاجتماعية والسياسية والاستراتيجية لعمل الحزب الذي يتشكل في بدايات القرن الحادي والعشرين. وخصوصاً أن ملامح هذا القرن وتحدياته تتضحان من خلال الثورة التكنولوجية الرابعة، بما تتيحه من ممكنات لم تكن أكثر المخيلات جموحاً لتحيط ببعض منها، قبل ثلاثين عاماً.
مدخل عام: الحزب في خدمة الأولويات الجديدة للدولة (التطور والاستقرار)
لما كان الحزب (بالناس وللناس)، فلا يوجد حزب دون أعضاء. وهو لا يقتصر على خدمة أعضائه فقط، بل يسعى لخدمة فئة واسعة من المجتمع ضمن سياق محدد هو الدولة. ولكن حتى نتمكن من فهم فكرة الحزب، وبدء الحوار لتطويرها، لا بد من الإشارة إلى أن الحزب آلية تعمل في دولة: والدولة بأركانها الثلاثة (الأرض ومواردها، والسكان وطبيعتهم وثقافتهم والنظام السياسي)، هي آلية كبيرة تخدم مصالح مواطنيها وتعبر عن قيمهم العليا بذات الوقت.
تشترك معظم تجارب نشأة الدولة في العالم لثالث – باستثناء واضح هو الهند- بعامل مشترك وهو السلطة المركزية التي فككت البنية السياسية الاجتماعية السابقة على نشأة الدولة. وهو ما يعرف بالنموذج البونابرتي (حسب الأدبيات الماركسية أو الأمير على حد تعبير ميكافيلي)، وهو الزعيم القوي الذي يفكك البنية القديمة ويأخذ المجتمع بخطوات سريعة باتجاه الحداثة آخذاً الناس: “إلى الجنة بالسلاسل”.
الذي جرى، في العديد من الدول (بونابرتية الطابع)، هو إهمال بناء مؤسسات الدولة، والتركيز على ادوات السلطة، وبعض الانظمة قامت بتحويل مؤسسات الدولة إلى ادوات سلطة. ومع نجاح “الأمير” في مهمته، تنقضي وتنتفي مبررات الحكم بالطريقة القديمة: فبعد أن تفككت البنية التقليدية، وانتشر التعليم وتم تحديث الاقتصاد (أقل من 5% يعملون بنمط الانتاج القديم)، وتحقق الاستقرار الأمني، لم يعد الحكم بالطريقة القديمة له ما يبرره. هذه النتائج لم تدفع بشكل تلقائي للقول بأن مهمة النموذج البونابرتي أنجزت، وعلينا الانتقال بشكل تلقائي وناعم نحو النموذج الجديد المتمثل بالديمقراطية وتداول السلطة. إذ برزت مقاومة للتحول كان أبرزها مقاومة ادوات السلطة. حيث أعاقت أي خطوة باتجاه التحول إلى منظومة جديدة للحكم الديمقراطي، وحشدت لتبرير سلوكها الاعتراضي قائمة طويلة من الحجج، من أن الشعب ليس جاهزاً، إلى أن الدولة تحتاج إلى حماية، وصولاً إلى التشكيك بكل وسائل التحول الديمقراطي، والعمل على إعاقة تشكل الحزب الديمقراطي القادر على خدمة التحول الآمن نحو الديمقراطية. وأصبحت مؤسسات الدولة (التي تحولت في بعض الدول لأدوات للسلطة) هي أهم عائق يعبر عن القصور الذاتي الذي يمنع التحرك قدماً نحو تطوير آليات ووسائل الحكم. وهذا – في تقديري المتواضع- بالذات ما عبر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني، بالشكوى المتكررة من “الحرس القديم”. فهناك قصور ذاتي لآليات العمل القديمة تحتاج إلى جهد لتحريكها.
أهم ميزة للحزب السياسي “بمفهومة الديمقراطي الحديث” أنه يقدم ما يثبت إمكانية الاستغناء عن الوسائل والادوات القديمة في الحكم. والحزب الديمقراطي الناجح هو الذي يمكن من تحقيق التقدم والتطور ويحافظ على الاستقرار بذات الوقت، وهو الحل للمعادلة المعقدة: معادلة الامن والاستقرار والحرية. ولكن مفهوم الاستقرار في النظم الديمقراطية (وكما تثبته التحولات السياسية والثقافية والامنية المنبثقة عن الثورة التكنولوجية الرابعة) مبني على التوازن وليس على السكون. لذلك لا بد من وجود الحزب الفاعل بما يمكن من إعادة مؤسسات الدولة لدورها الصحيح وهي انها في خدمة جميع المواطنين سنداً للقانون.
ضمن هذه التصور لوظيفة الحزب، يصبح (أي) حزب مبشر بالنجاح هدف للقوى المعيقة للتحول الديمقراطي. وقدر الأحزاب الديمقراطية التي تتشكل في سياق التحول الديمقراطي، أن وجودها ونجاحها متلعق بالتحول الديمقراطي، فهي تبدو ضرورة، وشرط مسبق، لهذا التحول، كما أن التحول الديمقراطي شرط لنجاح ومعيار لهذا النجاح. التلازم الموضوعي بين نجاح الحزب الديمقراطي ونجاح التحول الديمقراطي، يحدد المسؤولية المركزية للحزب الديمقراطي الذي ينشأ في مرحلة التحضير والاستعداد للتحول الديمقراطي. فالحزب الديمقراطي الذي ينشأ في هذه المرحلة يحمل -بشكل مركزي- مسؤولية نجاحه (عبر تماسكه وضمان فاعليته الفكرية والتعبوية). فهذا النجاح هو الشرط الضروري اللازم لاثبات صحة وجدوى وإمكانية نجاح التجرية الديمقراطية. وخصوصاً أن القوى المعيقة للتحول الديمقراطي مسلحة بانتشارها في العديد من مفاصل ديناميكيات السلطة، واهم خندق للدفاع عن نفسها ومنع التحول الديمقراطي، هو خندق منع تشكل ونجاح التجربة الحزبية، وإعاقة نجاح أي حزب ديمقراطي.
ولكن نجاح الحزب له تعريف واضح، وهذا التعريف معلق بالإثبات أن الحزب قادر على أن يكون وسيلة يمكن الوثوق بها للتحول الديمقراطي. وسيلة تقدم حلاً لمعادلة التطوير والاستقرار. من هنا، فإن الحزب الديمقراطي في مرحلة التحول الديمقراطي، مطالب بأن لا يضع شروطاً مسبقة على البيئة التي سيمارس نشاطه فيها، بل عليه، أن يتكيف ويحافظ على تماسكه، ويستثمر الهامش الديمقراطي المتاح ويوسعه عبر عملية سلمية آمنة، وأن يتقدم على المسارات الثلاثة لفاعليته كحزب: التماسك والاستمرار، حشد التأييد الشعبي، وتقديم ما يلزم من منتج فكري ضروري للتحول الديمقراطي الآمن.
من هنا يمكن البدء بمناقشة مفهوم الحزب الديمقراطي من خلال مهمته المركزية. وتوضيح هذا المفهوم بإظهار تميزه عن الحزب الثوري (البلشفي)، وعن الأحزاب الشكلية التي تنشأ لوظيفة سياسية، وهي تجميل النظم السياسية التي لا تسعى للديمقراطية. إذ أن توفير هامش للحزب الديمقراطي في ظل أي نظام يتقدم نحو الديمقراطية، هو الشرط الوحيد المسبق للحزب الديمقراطي حتى ينشأ. وقدرة هذا الحزب على المشاركة بشكل واعي بتقديم حلول فكرية وتعبوية لمعادلة التطور والإصلاح والحفاظ على الاستقرار بذات الوقت، هي مهمة الحزب حتى يستثمر الفرصة لخدمة وطنه وشعبه.
التحول في منظور الحزب: من السكان إلى المواطنين
ترافق نشوء فكرة الحزب كما نعرفها الآن مع نشوء وتطور الدولة الحديثة. صحيح أن هناك جماعات فكرية سياسية ظهرت عبر التاريخ بصيغ مختلفة لها ملامح حزبية، يذكر منها، حركة الحشاشين، وبعض الحركات الصوفية التي ظهرت في العديد من الاديان (التصوف لم يكون يوماً حكراً على دين معين)، اضافة إلى التنظيمات السرية في عصر الحروب الدينية في أوروبا، ولكن الحزب كمكون من مكونات المشهد السياسي ارتبط بتطور الدولة الحديثة خلال القرن التاسع عشر.
ومن أولى الحركات التي أخذت طابع فكري ـ سياسي في مستهل مشروع التحديث هي الحركة الرشدية في أوروبا. حيث نشأت حلقات لتداول أفكار ابن رشد، وكانت عضوية أي من هذه الحلقات مجلبة لحكم الإعدام (إما سريع ورحيم أو بالتعذيب المفضي للموت). وتطورت هذه الحلقات إلى أشكال مختلفة، أهمها ما ظهر في القرن السابع عشر، وهي جمعيات العلماء والباحثين، التي ظهرت في بريطانيا (مثل جمعية لندن، وجمعية القمر في بيرمنغهام)، وساهمت بتطوير الثورة العلمية.
ويمكن المغامرة بالقول أن الحزب السياسي الذي نشأ وتطور في سياق نشوء وتطور الدولة الحديثة، كانت له وظيفة مركزية، وهي تنظيم العلاقة بين الأفراد والجماعات وبين الدولة. إذ أن عقلنة المطالب وترشيدها، وانتزاع الاعتراف بها في ذات الوقت، هي مركبة عمل الاحزاب ضمن خط العلاقة بين السلطة والمجتمع. فأهم ميزات الدولة الحديثة هو قدرتها على تجاوز لحظة نشؤوها دون أن تتعرض لانقطاع او انهيار. فما ميزها هو تجاوز الامير الذكي القوي العارف الذي انشأها، فلم يعد هذا الامير قادر على إدارة الدولة التي أنشأها منفرداً. فالتطورات التاريخية تقدم الكثير من الشواهد على أن الأمير (كما تصوره ميكافيلي) ضرورة لنشوء الدولة الحديثة، ولكنه لن يستطيع إدارتها بكفائة منفرداً. فكما كان السلاطين والاقطاعيين ضرورة لتنظيم العلاقة بين مركز الدولة ومكوناتها (الجغرافية والسكانية) وذلك باستمرار الدعوة للخليفة على منابر المساجد، فإن الحزب أصبح ضرورة لتنظيم العلاقة بين مركز الدولة ومكوناتها الاجتماعية من خلال التعبير عن القيم المشتركة لكل مكونات الدولة، مع التمسك بالدفاع عن مصالح فئة من فئات المجتمع ضمن منطق الدولة وليس بالتضاد معها. معضلة الاحزاب، أنهم لم يبلوروا للآن رمزية فاعلة (مثل الدعوة للخليفة على المنابر كمهمة السلاطين في زمن الخلافة) تبقي علاقتهم بقواعدهم الشعبية في سياق الدولة وضمن منطقها. فهناك تعقيد لا يسلم نفسه بسهولة للاختزالية الرمزية. وهناك أزمة ثقة متراكمة، وصلت إلى السؤال والتشكيك بالنوايا بغض النظر عن كل ما يعلن، تحتاج إلى مقاربات إبداعية لتجاوزها. ولكن تمسك الحزب بالدولة، هو عنوان ديمقراطيته. فدون هذا التمسك هو ياخذ جماهيره إلى طريق مجهولة.
فالحزب السياسي بهذا المعنى، هو ضرورة من ضرورات تنظيم العلاقة بين مؤسسات الدولة وبين كل المكونات الاجتماعية، وعلى امتداد جغرافيا الدولة، ومدى انتشار مواطنيها (وليس فقط سكانها). وهذا ربما احد الفروق بين الحزب وبين قلاع الاقطاعيين وبين حدود سلطة السلاطين، أن الحزب عابر لجغرافيا الدولة، وهو متعلق (ليس بسكان منطقة) ولكن بكل المواطنين. وربما يمكن القول أن فكرة المواطنة (بكل ضبابيتها القانونية والواقعية في دول العالم الثالث)، قد تمثل مرجع لبلورة البديل السياسي (او المعادل الرمزي الموضوعي) لفكرة الدعوة على المنابر.
ولا يمكن للحزب أن يكون ديمقراطياً إذا لم يحقق النقلة المفاهيمية في نمط تفكير أفراده، والمتعلقة بتحقيق القفزة نحو فكرة المواطنة. وفكرة المواطنة من حيث دلالتها الكثيفة، قادرة على أن تكون إضافة لمجمل البنية المفاهيمية التي تصوغ وعي المجتمعات. فهي بالتاكيد ليست في تضاد مع الأفكار الأخرى وليست في تضاد مع الهويات الفرعية التي تستند إلى وعي المصلحة. فما يميز الحزب عن قلاع الاقطاعين، من حيث أن كلاً منهما ينظم العلاقة بين مركز الدولة وبين شعبها، ان قلاع الاقطاعيين مسؤولة عن من يقع في نطاق سلطتها الجغرافية، في حين الحزب في الدولة الحديثة، هو لكل المواطنين على امتداد جغرافيا الدولة، بمن فيهم من يمارس الحكم. فالحزب للجميع بغض النظر عن موقعه في هرم الدولة.
مهام مزدوجة للحزب:
حتى يمكن اشتقاق آليات عمل الحزب، لا بد من التوقف عند ازدواجية مهامة. فأولها، التي أشير لها سابقاً، أن الحزب معني ببناء نفسه، ومعني أيضاً بالمساهمة في بناء الدولة الديمقراطية، وفي إنجاز عملية التحول الديمقراطي الآمنة. كل هذه المهام متزامنة ومتوازية، وليس متتابعة.
والتاريخ الحديث، مليء بالشواهد على تعقيد وازدواجية مهام الحزب. فمثلاً الحزب لم يكن وسيلة تركيب وبناء فقط (خدمة وظيفة الامير)، بل كان أيضاً وسيلة تفكيك. فكما أن المفتاح (يغلق ويفتح) كذلك الحزب يفكك ويركب. والأحزاب الثورية في العصر الحديث شاهد على هذه الحقيقة. هذه الاحزاب الثورية نفسها تحولت إلى صيغة تركيب بعد انتصارها. الحزب الديمقراطي هو الذي يسعى لفك ارتباطه بادوار الحزب التقليدية (التفكيك والتركيب). إذ أن التفكيك والتحلل ينتج عن عجز المنظومات القديمة للدولة عن تادية دورها في ظل التحولات الكبرى التي تفرضها وسائل الانتاج والتنظيم الاجتماعي المعاصرة، ولا تحتاج إلى جهود منظمة، التحدي هو التركيب. ولكن مهمة التركيب لا يمكن اشتقاقها من منظور الاحزاب التقليدية البلشفية. بل من المهمة الاكثر تعقيداً وهي حماية الدولة من فاعلية التفكيك الناشئة عن تحول وسائل الانتاج.
والبديل عن منطق التفكيك والتركيب في المرحلة التاريخية التي هيمن فيها المنطق البلشفي، هو المنظور البديل للحزب من حيث أنه كان وسيبقى وسيلة مزدوجة (للاستقرار والتغيير). فمع استقرار فكرة تداول السلطة، وتحول الانتخابات إلى استفتاءات شعبية على برامج التغيير والتطوير، أصبح الحزب في الدولة الديمقراطية هو حزب مزدوج الوظيفة (أولاً تصميم وتنفيذ برامج التغيير السلمي الآمن) وضمان الاستقرار الحيوي (وليس السكون) للمجتمعات، ويعبر عن هذه الازدواجية بمهة حفظ التوازن الفعال. وعند دمج كلا الوظيفتين (ضمان الاستقرار وتحقيق التطوير المطلوب) يصبح الحزب الديمقراطي وسيلة لتحقيق التطور المتوازن في المجتمعات. إذ أن عنوان ومضمون فكرة الاستقرار في الدولة الديمقراطية الحديثة متعلق بمفهوم التوازن، بديلاً لمفهوم السكون في الدولة الاقطاعية ودولة السلاطين.
الحزب الديمقراطي عليه أن يسعى لحل معادلة التغيير والتطوير مع حفظ الاستقرار. الحزب الذي يتمسك بالتغيير فقط ليس حزباً ديمقراطياً. ربما هذه هي الأحزاب الثورية ذات الطابع البلشفي. والحزب الذي يسعى للسجال الأيديولوجي كوسيلة عمل ليس حزباً ديمقراطياً. كذلك فإن الحزب الذي يتخلى عن مهمة التغيير، بحجة صيانة الأمن والاستقرار، ليس حزباً على الإطلاق.
من هنا فإن الحزب الديمقراطي يعرف بنقطتي اسناد مرجعية: الأولى متعلقة بهدف إحداث التغيير، والثانية متعلقة بمحددات إجراء هذا التغيير، وهي: صيانة الاستقرار، وأن يجري التغيير في سياق الدولة. ولاحقاً سوف يتم التعرض للأدوات وآليات العمل، باعتبارها هي نقطة الاسناد الثالثة لتعريف الحزب الديمقراطي.
تمكين المجتمع والدولة من الاستجابة للتطورات وخدمة فئة من الفئات:
ومن أهم وظائف الحزب الديمقراطي، المنبثقة من مهمته المركزية (تحقيق التطور المتوازن)، وهذه تتطلب فهم ضرورات التكيف مع المستجدات الاقتصادية والثقافية والسياسية. فالحزب يقدم برامجه مبررة بضرورات التكيف مع الحقائق والمستجدات. خطاب الحزب دائماً محمول على ركنين: المصلحة المشتركة لكل الفئات، (خدمة وظيفة الأمير بالحفاظ على الاستقرار) مع الانحياز لمصلحة فئة من الفئات (خدمة مصلحة عبر تغيير آليات العمل في بعض مؤسسات الدولة). فهو من جهة وسيلة لتشكل رؤية المصالح والفهم الموضوعي للمصلحة في سياق الدولة، وليس في حالة تضاد معها. ومنطلق التوفيق بين الركنين (ركن الجماعية، وركن الفئوية) يتم من خلال الحديث عن ضرورة التكيف والتحول للحفاظ على التوازن الكلي في الدولة والمجتمع.
بهذا المعنى، سيبقى الحزب وسيلة لتمكين المواطنين من خدمة مصالحهم والدفاع عن قيمهم العليا المشتركة التي توحدهم في سياق الدولة. وبالتالي، فإن ما يتقدم به الحزب من مقترحات لتطوير آليات عمل مؤسسات الدولة، لا تنبثق ولا يمكن تأسيس شرعية هذه المقترحات – فقط – على مصلحة فئة من فئات المجتمع. فمثل هذا الخطاب يجعل الحزب مجرد جماعة مصالح. ولكن الحزب، بوعي تام، يوظف ما يجري من تحولات (بيئية، تكنولوجية، اقتصادية مالية، سياسية) لتبني مقترحات للاستجابة لهذه التحولات، بما يضمن تحقيق منافع اكبر (أو أعباء أقل) لفئة من فئات المجتمع، وذلك عبر مقترحات لتطوير العمل في بعض مؤسسات الدولة، استجابة لهذه التطورات.
فكما ان حفظ التوازن بين الفئات المختلفة، وظيفة مركزية من وظائف الدولة، فإن الحزب يجب أن يعي، من حيث هو، في خدمة وظائف الدولة، أنه مطالب بخدمة وظيفة التوازن، عبر تطوير آليات عمل مؤسسات الدولة. فالحزب مثلاً مطالب أمام تحدي أمني بأن يقدم مقترح لتطوير آليات عمل المؤسسات والاجهزة الامنية. وأمام تحدي شح المياه، مطلوب منه أن يتقدم بتطوير آليات جمع وتوزيع المياه، وتعظيم المصادر المائية. وأمام ثورة المعلومات، مطالب بتقديم تصورات لتمكين المجتمع والدولة من التكيف مع ما يجري. وأمام ثورة الطاقة مطالب بتقديم تصور جديد لآليات إدارة مصادر الطاقة وتوزيعها. فالدول تتطور عبر تطوير آليات عمل مؤسساتها، وبمقدار ما يتم هذا التطوير في سياق ضمان التوازن بين المصالح المختلفة فإن الدولة تستقر وتزدهر. وهذه المهمة، يجب أن يقوم الحزب بتقديم تصورات (ليس داخلية لأعضائه) ولكن لكل المجتمع، لتطوير آليات عمل مؤسسات الدولة. أزمة التعليم التي تعصف بالأردن، تقتضي أن يتقدم الحزب بتصور لتطوير آليات عمل وزارة التربية والتعليم، وتطوير منظور إدارة عناصر العملية التعليمية.
هذه هي الوظيفة العامة للحزب، ولكن كيف سيقوم بها؟ هل يمكن لحزب يفكر بطريقة تنتمي إلى أحزاب مرحلة تكوين الدولة، أن يكون شريكاً بتطويرها وزيادة كفائة مؤسساتها؟ هذا السؤال يفضي بنا إلى مناقشة الجزء الثاني من التصور عن الحزب الذي نريد وهو آليات عمل الحزب. فالحزب الذي يعجز عن تقديم تصورات لتطوير آليات عمله، سيكون بالتأكيد عاجزاً عن تقديم تصورات لتطوير آليات عمل الدولة. وبالتالي، فإن الحزب الديمقراطي يجب أن تكون له نظريته الخاصة عن الدولة وعن الحزب. فالحزب الذي يخفق في فهم وتطوير نظرية للدولة تنسجم مع واقع المجتمع والدولة التي يعيش فيها الحزب، سوف يتخبط بالخيارات التي يتبناها، ويتحول إلى مطية لجماعات المصالح. والحزب الذي يخفق في تطوير نظرية للحزب سوف يفشل في حشد وتطوير موارده. ولكن لنتذكر أن كلا النظريتيين هما نظريات مهمة ضمن قواعد واطر “فلسفة الممارسة” التي تمثل رافعة العمل الحزبي الديمقراطي. وليست نظريات (أيديولوجية) عامة صالحة لكل مكان وزمان. ولنتذكر أن فلسفة الممارسة التي نبحث عنها، محددة بشرطين: الهدف الواضح، وامثلية توظيف الموارد المخصصة لتحقيق هذا الهدف. فكل ممارسة يجب تقييمها سنداً لهذين الحدين. وكل ممارسة تقترح يجب أن تتضمن الهدف وآليات تحقيقه بالموارد المتاحة.
المهة الفكرية للحزب:
التطور الأبرز، والذي يمكن الحزب من القيام بمهامه المتباينة في سياقات الدولة الديمقراطية، حصل على المهمة الفكرية للحزب. فكرياً كانت الاحزاب تتفاضل في رؤيتها للدولة من منظور أيديولوجي. ويمكن القول بأن مفهوم الأيديولوجيا في سياق الحديث عن الاحزاب، يتناول بعدين: بعد الانحياز لفئة اجتماعية (دون اعتبار لمصالح غيرها بل وفي حالة تناحر مع غيرها)، والبعد الآخر هو في تصور الدولة التي تنحاز لفئة دون غيرها (دولة الرأسماليين، دولة الكفار، ودولة المؤمنيين، ودولة البروليتاريا). إذ يسعى الحزب الأيديولوجي لأن يأخذ كل الدولة لخدمة مصلحة الفئة التي يمثلها، وهذه مقاربة الأحزاب البلشفية. حيث كانت ديكتاتورية البروليتاريا، ضرورة لتحقيق هدف الحزب الأيديولوجي. كذلك كان الحزب القائد (حزب البعث) انعكاس لهذه النظرية. فالنظرية البلشفية للحزب، تضمنت رؤيته لوظيفته الفكرية منبثقة عن تصور لوظيفته في (الصراع الاجتماعي). التحول هو في الانتقال من مفهوم الصراع الاجتماعي إلى مفهم التنافس الاجتماعي الذي يحفظ وحدة الدولة والمجتمع ويصون الاستقرار عبر تحقيق التوازن. ومن مفهوم الدولة التي تبنى لتخدم مصالح فئة دون غيرها (كما تجلت في الأيديولوجيا) إلى أن تصبح الدولة لكل موطنيها.
وكان تغيير آليات عمل مؤسسات الدولة (بالنسبة للحزب البلشفي) ، مسألة مؤجلة لما بعد ضمان انحياز الدولة لهذه الفئة الاجتماعية او تلك. لذلك عبر العالم العربي، وبالرغم من السيل العارم – في مرحلة من المراحل- للكتابات السياسية الحزبية، كانت هذه الكتابات تتجنب أسئلة نظرية الدولة وآليات عملها. فكانت رؤية هذه الأحزاب تمثل استمراراً للمنطق البلشفي، الدولة تختزلها السلطة، والسلطة هي الوسيلة الوحيدة لتغيير أهداف الدولة، مع تجاهل ضرورة فهم وتحليل آليات عمل مؤسسات الدولة، وتطوير هذه الآليات. ولا بد من الاستيلاء على السلطة حتى تتغير أهداف الدولة، وفي كثير من الأحيان تبقى آليات عمل الدولة بأهدافها الجديدة، هي ذات الآليات القديمة دون تغيير. فلم يكن الشعار التعبوي الشعبي استرداد الدولة من الفئة التي تهيمن عليها لتصبح دولة كل الشعب عبر تطوير آليات عمل الدولة، بل كان الشعار استبدال الفئة المهيمنة على الدولة بفئة جديدة مع بقاء آليات عمل كما هي في السابق. حيث تعجز الأيديولوجيا عن تقديم ما يلزم للتمييز بين الدولة والسلطة. فتصبح السلطة هي الهدف، وليس قواعد ممارستها.
إلا أن التجربة في العقود الاخيرة، تقول أن الحكم، ربما في أغلب الدول العربية، وعلى الأخص في الأردن، يبدي تفهماً وانفتاحاً لمنطق تغيير آليات عمل مؤسسات الدولة، وتطوير قواعد ممارسة السلطة. وهناك انفتاح على تعديلات قانونية جوهرية لضمان مصالح فئات كانت مهمشة، او “أقل حظاً” في التعبير الجديد الذي يدل على النية في إحداث التغيير. هذا التحول يحتاج حتى يكتمل بشكل ديمقراطي سلمي إلى إبراز فكرة التوازن، والتي تجلت في العديد من محطات الحوار الوطني، ولكن دون جهود يمكن ذكرها لتحويل مفهوم التوازن إلى معيار جديد يوجه الممارسة السياسية. واولوية التوازن تلزم بان يجري التطور عبر التنافس بين الفئات المختلفة في سياق وحدة الدولة. هذا التنافس يقتضي بروز أحزاب من نوع جديد لا تتميز فقط بفكرتها وخطابها ولكن بآليات عملها. لقد عجزت الاحزاب التي تستلهم النموذج البلشفي في آليات عملها وتنظيمها الداخلي – أكانت تطالب بالتغيير والتحول الديمقراطي أو تطالب بالدفاع عن الوضع الراهن- عن أن تكون وسيلة للتطور. فهذه الأحزاب من جهة عجزت عن طمأنة الشركاء الوطنيين بنواياها. فما يعلن من خطاب لا يترجم على شكل آليات عمل داخلية. وهذا بحد ذاته مدخل لتبرير الكثير من الشكوك. فلا يمكن لحزب يعلن أنه إصلاحي ديمقراطي ولا يطور آليات داخلية لإنتاج البرامج الإصلاحية. واستمرار البنية الداخلية (البلشفية) للحزب تمثل أهم مصدر من مصادر عدم الثقة بالأحزاب، بغض النظر عن خطابها المعلن. فحتى اكثرها تكراراً للولاء بقيت موضع شك ممن تعلن لهم الولاء. ومن جهة ثانية، عجزت هذه الاحزاب عن تقديم ما يلزم لخدمة قاعدتها الاجتماعية في التنافس من أجل تطوير مصالح هذه القواعد عبر مؤسسات الدولة. فأحد مهام الحزب هو تمكين الفئة التي يدافع الحزب عن مصالحها (فلا يوجد حزب للجميع) من خدمة هذه المصالح في سياق الدولة، وبما يضمن استقرار الدولة وتوازنها وتطورها في آن معا. لنعلن بوضوح بأن الإعلان عن الهدف وهو “بناء دولة مدنية ديمقراطية”، يجب أن يترافق مع حزب بمواصفات جديدة. إعلان الهدف لا يعني تحقيقه. وآليات العمل (وأدواتها) والسياق هي التي تحدد الهدف بشكل موضوعي يمكن الثقة به. فمن الحكم المتكررة في الأدب والأساطير وتؤكدها الوقائع: إن الادوات والقابليات تستدعي الخيارات. فما لم تترجم الخيارات والاهداف المعلنة إلى آليات عمل ومنظومة ادوات، سيبقى الشك بصدق النوايا هو سيد الموقف، وهو الذي يصوغ ممكنات العلاقة مع الأطراف الوطنية.
الحزب وفلسفة الممارسة:
كيف تتعلق “فلسفة الممارسة” بالمهمة الفكرية للحزب؟ فكما ذهب غرامشي للحديث عن المثقف العضوي والامير الحديث، إلى الإشارة إلى انه لا توجد فعالية بشرية (وليس فقط مؤسسات بشرية بل فعالية بالمطلق) لا يدخلها جهد فكري… حيث يؤكد على استحالة فصل “الصانع عن العارف”. تصبح مهمة النقد والبناء أهم مهمة لفلسفة الممارسة. فهذه الفلسفة تنطوي على نقد لشكل من الممارسة، وتقدم شكلاً جديداً وبديلاً للممارسة السابقة. وعليه تصبح “فلسفة الممارسة” من حيث هي عنوان للمهمة الفكرية للحزب، وسيلة لها مهمة مركبة، من جهة تحرر النخب والقواعد الاجتماعية من اوهام الأيديولوجيا، وتحرر الحياة الحزبية من رواسب هذه الاوهام، والأهم أنها تقدم القاعدة للبدء ببناء آليات عمل حزبية ديمقراطية إصلاحية يمكن الوثوق بها. وهذه المهة لا تتم – فقط- من خلال التصدي المباشر والاشتباك مع مفهوم الأيديولوجيا، بل بالتطور والتقدم نحو (فلسفة الممارسة)، عبر تقديم النموذج البديل بشكل فوري، والتمسك بالأسئلة التي تخلت عنها الأيديولوجيا، او تلك التي يتجنب منطق التفكير الأيديولوجي من التصدي لها. المنطق الأيديولوجي ترك مساحات هائلة دون ان يرتادها الجهد الفكري، وقائمة اسئلة طويلة جداً تجنبت الأيديولوجيات المختلفة طرحها والبحث عن اجابات لها، مما يدفع على الاعتقاد أن نمط التفكير الأيديولوجي لا يمكنه من تقديم إجابات لهذه الأسئلة.
ونقطة المفاصلة بين الأيديولوجيا وفلسفة الممارسة، هي أن الأيديولوجيا تخلط الوقائع بالموقف والرأي، مما يعيق فرصة تشكيل فهم موضوعي للواقع. ويحافظ على فرصة تقديم الواقع ورسم ملامحه بطريقة سجالية. إذ أن طريقة التعامل مع الوقائع هي معيار التمييز بين الفلسفات المختلفة. فإحدى القوائم المهمة لفلسفة الممارسة هي منهجية فهم الوقائع من خلال مسارين متلازمين: تحديد الهدف “المشترك”، و قواعد العمل وشروط أمثلية الفعل لتحقيق الهدف. وأي محاولة لخلط الموقف (وهو تحقيق الهدف)، بالوقائع المتعلقة بتحسين آليات العمل، سوف يعيدنا مرة أخرى إلى هيمنة الأيويولوجيا واوهامها.
ومن الضروري في هذه العجالة التذكير بأن “مفهوم فلسفة الممارسة” لا يستعمل هنا في هذه الورقة بالمعنى الماركسي الذي تبنته الاحزاب الشيوعية من أن “مهمة الفلسفة تغيير العالم، وليس فقط تفسيره” على حد تعبير كارل ماركس. فلسفة الممارسة المطروحة هنا في هذه الورقة قائمة على أساس كونها نمط تفكير (غير أيديولوجي) ينطوي على منهجية محددة وهي: تقديم ما يلزم لتطوير الممارسة خدمة للهدف المشترك، وبالتالي (إحداث التغيير) عبر تطوير آليات العمل. إذ أن فلسفة الممارسة – كما تستخدم في هذا السياق، تنطوي على تقديم مقاربة مباشرة للآداء البديل. هي لا تكتفي بالإشارة النقدية إلى الاداء السابق، بل تتقدم بخطوات حاسمة نحو تقديم تصور لآليات العمل ولقواعد الآداء الجديد. لهذا فإن فلسفة الممارسة لا تساوم ولا تناقش الهدف المشترك، ولكنها تسعى لتطوير صياغته ليصبح قابلاً للقياس والتحقق عبر الممارسة القابلة للتطوير. فلسفة الممارسة تتيح الفرصة لإعادة توصيف الأهداف بما يمكن من ربطها بتطوير آليات العمل.
ولكن الحزب الذي يستلهم فلسفة الممارسة بديلاً للأيديولوجيا يتطلب أعضاء حزبيين من نوع مختلف. فكما تتكئ فكرة الأيديولوجيا على (المناضل الثوري) فإن فلسفة الممارسة تنطلق من تعظيم (المناضل المواطن). ففي كلا الحالين هناك جهد دؤوب ونضال مستمر، ولكن في السياق الأيديولوجي المنطلق من فكرة تناحرية قائمة على فرضية أن الدولة منحازة ولا تخدم إلا مصالح فئة واحدة من المجتمع، وهذه الفرضية تستدعي الحاجة إلى ثوار. في المقابل فإن فلسفة الممارسة تتطلب مواطنين يحفظون مصالحهم ويخدمونها عبر تطوير آليات عمل مؤسسات الدولة، مفترضين أن الدولة للجميع، وهم بهذا الفعل وهذا الاإفتراض يجعلون الدولة في خدمة جميع مواطنيها. بحيث يتحقق التغيير من خلال تغيير آليات العمل وبشكل يصون وحدة الدولة واستقرارها. لنتفق أن كلاهما مناضل، ولكن أحدهما (الثوري يفترض أن الدولة لجزء من المواطنين) ينفي الآخرين ويستدعي نفيه من الآخرين، والثاني (المواطن) يتواصل مع كل المواطنين، ولكن دون أن يخفي حقيقتين: الاولى أنه مواطن ينتمي للجميع، والثانية أنه ينحاز إلى فكرة أو فئة دون أخرى، ويسعى لتطويرها وتحسين التوازن بينها وبين الفئات الأخرى. إذ أن فلسفة الممارسة من حيث هي منهجية لتطوير آليات العمل مع الحفاظ على وحدة السياق، تمثل بديلاً حقيقياً للأيديولوجيا، ولمنطق الاستقطاب الثوري. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الاستقطاب القائم على أسس دينية او جهوية أو عرقية او طبقية، هو نفي موضوعي لفلسفة الممارسة، ونفي للفرصة لتطبيق هذه الفلسفة وانفاذها عبر مسيرة العمل. مع التأكيد على أن فلسفة الممارسة تقدم منظور جديد لنقد طيف واسع من أشكال العمل السياسي والحزبي والفكري، ولكن سنداً لمنطقها (فلسفة الممارسة). فلا يتم نقد الآخر بشكل يتطلب نفيه، بل يتم نقده على أساس الفرصة لتطويره وتطوير أداءه.
وفي حال تبنى الحزب، فلسفة الممارسة، فإنه مطالب، ليس بتقديم تأصيل نظري لهذه الفلسفة، (وربما كان هذا مهماً ومفيداّ ومثريا) ولكن الاولوية المهمة أن يكون لدى الحزب ماكينة عمل فكري تمكنه من تقديم تصورات وبدائل لآليات الممارسة الراهنة. أي أن يتم تحويل الموقف النظري إلى ممارسة تدفع للإطمئنان إلى النوايا. وذلك يتم بتقديم آليات عمل جديدة، في القطاعات التي يتصدى لها، والتي تعتبر أولوية للفئات التي يمثلها. فأهم خدمة يقدمها لقواعده الاجتماعية هو في تطوير مطالب واضحة تبقي هذه القواعد ووعيها لمصالحها في سياق الدولة، وذلك عبر تكريس المطالب بتطوير آليات العمل. فمثلاً تطوير التعليم يتم بتطوير آليات التعليم وشكل تنظيم عناصر العملية التعليمية. وفلسفة التعليم هنا، هي الجسر الذي يمكن من إعادة توصيف أهداف العملية التعليمية بطريقة تسمح بربطه بآليات عمل جديدة. كما أن البحث في السياسات المالية يجب أن ينطوي على بدائل وخيارات لتطوير آليات إدارة الموارد المالية للدولة. فلا يمكن مناقشة ضرورة أن تخدم السياسات المالية النمو الاقتصادي، ولكن الحوار هو في كيفية تعريف العلاقة بين النمو الاقتصادي والسياسات المالية، بما يسمح بتطوير الأخيرة.
بقي أن نشير هنا، إلى ان فلسفة الممارسة تمكن من تطوير آليات عمل الحزب نفسه، وبذات الوقت، اقتراح تطوير آليات عمل الدولة. إذ أن فلسفة الممارسة، كإطار فكري مرجعي للحزب، تمكنه من التمسك بتطوير آليات العمل على العديد من المستويات في الدولة بما فيها الحزب نفسه. فهدف الحزب هو صيانة وحدة الدولة واستقرارها، والدفاع عن مصالح بعض مواطنيها في ذات الوقت. هذا الهدف ليس موضوعاً للحوار والتفنيد. موضوع الحوار هو في كيفية تحقيق هذا الهدف بآليات عمل متميزة وجديدة.
أهم ما تقدمه فلسفة الممارسة للحزب ليطور نفسه، هو أن يحدث قطيعة حاسمة مع أشكال عمل الاحزاب الأيديولوجية (الثوري منها والمحافظ). فالقطيعة المطلوبة ليس مع خطاب الاحزاب الاخرى، بل مع ممارستها وشكل تنظيمها، وطريقة العمل على خدمة الشعب والوطن. كما أن التحولات الكبرى في وسائل الانتاج، وفي الممكنات التكنولوجية المعاصرة تستدعي مثل هذه القطيعة، وتسهلها بنفس الوقت. فالمطلوب حزب بماكينة داخلية تمكنه من: فهم آليات عمل مؤسسات الدولة، والقدرة على اقتراح بدائل لهذه الآليات. والمهمة الاخرى هي صياغة هذا الفهم على شكل أدوات ووسائل تعبوية، والثلة في امتلاك وسائل الحشد الجماهيري للتمكن من انفاذ المقترحات الجديدة عبر الوسائل الديمقراطية.
من هنا فإن الحزب المدني الديمقراطي الذي نتحدث عنه، ليس حزباً تعبوياً يقوم على أساس التبشير بحتمية التغيير لاحداث هذا التغيير عبر تفكيك الدولة، بل بتحويل فكرة حتمية التطور والتغيير (وهي فكرة مشتركة للذات السياسية لأي جماعة) إلى متكأ وخلفية فكرية، لإنجاز التغيير عبر تطوير آليات العمل في سياق الدولة.
دور فكرة الحتمية وتوظيفها:
الحزب المدني الديمقراطي ليس مطالب ببث الإيمان بين قواعده بحتمية تحقيق مصالحهم، بل زيادة الأمل بأن هذه المصالح سوف تحقق عبر الدولة في حال تغيرت آليات عملها. فهناك طاقة إيمان بحتمية التحول والتطور بين الناس (حتى عند أكثرهم تشاؤماً ويأساً)، بل هناك من يعتقد بأنه مع تعمق حس الجماهير والنخب بالهزيمة يتزايد تمسكهم بفكرة حتمية التحول التاريخي لصالحهم. ولكن يجب أن ندرك بأن هذه الطاقة – طاقة الإيمان بحتمية التحول وتحقيق مصالح أي فئة- تخبو أو تنشط حسب الظروف، ولكنها طاقة كامنة وموجودة لا يمكن نزعها من الناس والحفاظ على وحدة المجتمع في نفس الوقت. فكرة حتمية التغيير هي القوة الموحدة للفئات المختلفة. ودور الحزب المدني الديمقراطي تتجلى في تحويل هذه الحتمية إلى عنصر تعزيز للحمة المجتمع، وذلك عبر ربط التغيير الحتمي والضروري، بتغيير آليات العمل بطرقة آمنة تحافظ على وحدة سياق الدولة وديمومتها.
مهمة الحزب توظيف هذه الطاقة (الطاقةالمنبثقة عن فكرة حتمية التغيير) وتركيزها نحو الهدف، عبر تصميم خطط وآليات وثقافة للفعل والممارسة التي تبقي المطلب وتحافظ على الفعل والسعي من أجل تحقيق هذا المطلب في سياق الدولة عبر تطوير الممارسة. فالمطلوب فكر وثقافة وخطط وتصورات لتطوير آليات العمل. هذه العناصر (فكرة نظرية عن الدولة ككل وعن أي قطاع من القطاعات التي يتم التصدي لتطويره، وثقافة متحررة من أوهام الأيديولوجيا القائمة على نفي الآخر، وخطط وتصورات لآليات عمل بديلة) مجتمعة تمثل فلسفة الممارسة التي يجب أن يتمسك بها الحزب المدني الديمقراطي. فمن خلال هذه المقاربة، تصبح فكرة الحتمية، مصدر لتعزيز وحدة الدولة، وليست مبرراً لتقويضها بمقاربات تناحرية.
الأحزاب الثورية، تستلهم فكرة الحتمية للدعوة للثورة، في حين الحزب المدني الديمقراطي، يستلهم فكرة الحتمية لتعزيز وحدة المجتمع، وضرورة حل الاستعصاءات في سياق الدولة. ولكن هذا ليس مجرد موعظة، بل هي نتيجة لانفاذ فلسفة الممارسة التي تتمسك بضرورة وحدة الهدف، وتعديل وتطوير آليات العمل لتحقيقه.
كيف يعمل الحزب الديمقراطي في البيئة المعاصرة:
التجربة التاريخية، ربما تمثل مصدر من مصادر تطوير الفكرة النظرية المتعلقة بوظيفة الحزب في الدولة والمجتمع. ولكن تطوير آليات عمل الحزب، تحتاج إلى تركيز النظر في اللحظة الراهنة. فكما أن للحزب وظيفة مزدوجة (او جسر بين الكل والجزء)، فإن تطوير رؤية عملية للحزب تتطلب الجمع بين العام والممتد وبين اللحظي الراهن. آليات عمل الحزب التقليدية كانت تتضمن مهام لم تعد ذات صلة. ويمكن القول بأن الحزب كآلية عمل تطورت بأركانها الثلاثة الرئيسية: الاتصال، والمهمة الفكرية (وهي ما تم مناقشته سابقاً)، والتعبئة الشعبية والحشد.
التطور في مهمة الاتصال:
الحزب بتنظيمه يختصر مهمة مركزية وهي الاتصال بين أعضائه. فكان الحزب التقليدي وسيلة أو منصة للاتصال بين أعضائه. وكان القيام بهذه المهمة يتطلب جهود هائلة من تنظيم خلايا واجتماعات، إلى منظومة تواصل، كانت هذه المنظومة تقرر بنية الحزب التقليدي وتستدعي المركزية في قيادة وإدارة الحزب (وعدم التمييز بينهما). إذ أن هذه المركزية كانت ضرورة لتفعيل منظومة الاتصال. فعند مراجعة فكرة المحترفين الحزبيين التي تحتاج لإدارة مركزية، كانت مهمتهم تحقيق التواصل مع كل أعضاء الحزب. هذه المهة لم تعد تحتاج إلى منظمة حزبية، بل يمكن انجازها من خلال فريق لا يتعدى بضعة أفراد يضمنون تواصل شبه يومي مع مجمل المنظمات والتشكيلات الحزبية مهما كان اتساع رقعة وجودها، ومهما تعددت مهماتها ومضامين التواصل معها. التواصل كضرورة للحفاظ على وحدة الحزب، أصبحت مهمة يسيرة، ولم تعد بحاجة إلى جهود كبيرة، وهذا يتضمن من جملة ما يتضمن، تغير في شكل الحزب وبنيته الداخلية. فالاتصال مهمة ما تزال مركزية، ولكن هناك تغير كبير في كيفية القيام بها، وآليات ووسائل تنفيذها.
وعند هذه النقطة يجب التوقف عند سمتين متلازمتين لثورة الاتصال: الاولى نهاية عصر هرمية المعرفة، وتركز افقيتها بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية. فالمعرفة لم تعد تكسب قيمتها من قيمة المصدر، بل أصبح لها قوام مستقل عن مصدرها. وهي بهذا المعنى لم يعد بإمكان قيادة الحزب أن تحافظ على تماسك قاعدة الحزب بمجرد تقديم أي كلام، بل لا بد من تقديم مادة معرفية وفكرية مقنعة، وإلا سيتم تجاوزها، وهذا سيودي بوحدة الحزب وتماسكه. أما السمة الثانية، فهي تشكل المنظومات الأفقية للحركات الاجتكاعية بديلاً للمنظومات الهرمية. ثورة المعلومات، تؤدي إلى تراجع في قيمة المؤسسات المركزية على مستوى الدولة، وبالتأكيد على مستوى الحزب. فمثلاً مع ظهور العملات الرقمية، بدأت البنوك المركزية تواجه تحدي غير مسبوق. فيما مضى كان التحدي هو تزوير العملة، الآن التحدي هو نشوء عملات رقيمة لا يمكن منع التداول بها. كذلك هي معضلة الجامعات. هذه السمات المتلازمة لثورة الاتصال تقودنا إلى رصد التغير الكبير والمتعلق بفكرة القيمة. صحيح أن المنظومة الاجتماعية هي مصدر كل قيمة. فلا وجود للقيم خارج المنظومات الاجتماعية. ولكن الآن تتشكل المنظومات الاجتماعية بفاعلية الفكرة المشتركة، وهذه المنظومات تحل مكان الإمبراطوريات والدول. فالأخيرة ليست إلا منظومات اجتماعية تشكلت عبر ديناميكيات معقدة جداً. والآن المنظومات الاجتماعية المنتجة للقيم تتشكل وتتحلل بفاعليات مركزية جديدة هي وسائل وادوات الاتصال. فيمكن ببساطة المقارنة بين المضامين المختلفة لمفهوم المنصة أو الــ(Platform) لمعرفة أن ما ينشأ الآن فرصة هائلة لتشكل منظومات اجتماعية تنشئ القيم وتنتجها.
ولكن يجب التوقف هنا عند نقطة مركزية، وهي أن ثورة الاتصال، تتطلب وجود مضامين. فثورة الاتصال تكتسب بجدارة اسم (الثورة المعرفية) او ثورة المعلومات. وبالتالي، حتى يكون الحزب قادر على استثمار التكنولوجيا الجديدة، لا بد من توفر مادة معرفية كافية تستطيع أن تلبي الطلب المتزايد بشكل هائل على المعرفة والمعلومات حتى يكون الاتصال مجدياً. الاتصال ليس مجرد تبادل للمعلومات الشخصية، تكنولوجيا الاتصالات المعاصرة تحتاج إلى توفير مادة معرفية كافية لإدامة الاتصال.
ويمكن التذكير هنا بأن ما يميز أكثر الشبكات نجاحاً في إدامة العلاقة بين اعضائها هي تلك التي تقدم مادة معرفية كافية للحفاظ على حيوية الموقف بين أطراف معادلة الاتصال. والاكثر نجاحاً هي الحركات ذات الطابع الأصولي (إسلامية وغير إسلامية) حيث توفر مادة جديدة بشكل يومي. فما هو متاح من التراث لهذه الحركات يكفي لإدامتها لفترات طويلة. وبدائلها تتصف بانها حديثة، عليها أن تكثف جهدها لتضييق الفجوة مع الحركات الأصولية.
الثورة التكنولوجية الرابعة:
وقبل الدخول في الإشارة إلى وظيفة الحشد، والتحول الذي جرى على فرص تحقيق هذه الوظيفة بآليات عمل مختلفة، من المناسب الإشارة إلى أهمية التكيف مع الثورة التكنولوجية الرابعة. ففي الثورة التكنولوجية الأولى (الآلة البخارية وخطوط الانتاج/ثورة الانتاجية)، تعرضت المنطقة لصدمة الحداثة الاولى، عبر غزو نابليون. وفي الثورة الثانية (ثورة محركات الاحتراق الداخلي، التي ترافقت مع ثورة خفية ومهة في الإدارة والتنظيم) تعرضنا للاحتلال والاستعمار الاوروبي المباشر. مع الثورة الثالثة التي تكونت من عدة عناصر، طالت العديد من المجالات، ربما أبرزها الانتاج والاتصال الجماهيري، والثورة الخضراء التي مكنت من بناء مدن مليونية، ترافقت مع تحولات كبرى في مجتمعاتنا، وخطت مجتمعاتنا في ظل الثورة التكنولوجية الثالثة خطوات لا رجعة عنها باتجاه التحديث. الثورة الرابعة، تطال ربما كل مناحي الحياة، وربما يمكن وضع قائمة طويلة بأهم ما تتضمنه من ميزات ولكن ربما أهمها، انهيار هرميات المعرفة والانتاج والقوة. وهذه لها منطويات سياسية وثقافية وامنية واقتصادية لا يمكن الاحاطة بها كلها الآن. فمع الانتقال من الاتمتة إلى استقلال الآلة، نحن امام عصر جديد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فمع تراجع الحاجة للعمل الفيزيائي للإنسان، تزايدت قيمته الامنية والثقافية والسياسية، واصبح شعار عدم ترك أحد بالخلف شعار مركزي على مستوى العالم تقتضيه الحاجة للامن والتماسك الثقافي كضرورات للحفاظ على وحدة المجتمعات وديمومة مؤسسات الدولة، حيث ما تزال البشرية بحاجة لهذه المؤسسات ربما لعقود قادمة. الضرورات التي فرضتها الثورة التكنولوجية الرابعة املت إنهاء منطق “المتن والهامش” في المجتمعات. كل مكونات المجتمع يجب أن تنتظم في متن واحد متكامل. الثورة التكنولوجية الرابعة تنهي الكثير من مظاهر الحياة السياسية التقليدية أهمها على الإطلاق، إنهاء معادلة الهوامش والمتون، او ما عرف في النظرية الاقتصادية الاجتماعية (المركز والاطراف). وهذه من شانها أن تفتح المجال لفهم الوظيفة التعبوية للحزب بأنها تتجلى في توضيح آليات عمل تتيح للجميع خدمة مصالحهم في سياق الدولة.
ولكن قبل التعرض للوظيفة التعبوية، من الضروري الإشارة إلى أن حتمية التطور لم تعد مجرد “إيمان للمهزومين” للحفاظ على فرصهم في المستقبل، بل متطلب موضوعي للحفاظ على الذات. إن قدرة الدولة والمجتمع على التكيف، ليست اختيارية أو تطوعية. الذي سيعجز عن التطور سوف يندثر. مهة الحزب من خلال تمسكه بفلسفة الممارسة أن يتجاوز ببرامجه (خطاب الموعظة والتبشير) للوصول إلى آليات عمل بديلة، تسعى لتمكين أبناء الهوامش من اجتياز المسافة التي تفصلهم عن المتون، عبر التركيز على أهمية أن تتطور آليات عمل مؤسسات دولة، بما يضمن أن تتمكن كل مكونات المجتمع من خدمة مصالحهم عبر الدولة ومؤسساتها، وليس بمعزل عنها. الاطراف(ضمن ديناميكا المركز والاطراف) تنشأ بفاعلية التنافس على المصالح، ولكن الآن، إلغاء ديناميكا المركز والأطراف عبر إلحاق الاطراف بالمركز، ضرورة للحفاظ على فاعلية الدولة لكل (ونشدد على كلمة كل) مواطنيها.
الثورة الرقيمة الكمية، تترافق مع زيادة غير مسبوقة في عدد سكان الأرض، ومع قابليات هائلة للتواصل والتنقل. فلم تعد البنية السياسية والثقافية القديمة (الهرمية التقليدية) ذات فاعلية. إذ بإمكان أي صبي أن يهتف الآن (إن السلطان عارياً). وأصبح شرط الحقيقة الموضوعية الأساسي وهو “قابليتها للمعاينة من الجميع” ليس مجرد إحالة إلى مصدر، بل ضرورة للمعاينة المباشرة. فمن حق أي كان أي يتيقن من (موضوعية أي معلومة). ومن يتاخر عن الحضور في الفضاء الافتراضي يحكم على نفسه بالتهميش، فهذا الفضاء هو المتن العالم الجديد للبشرية.
وخطورة الفضاء الافتراضي أنه سمح للجميع بأن يكون عنصراً فاعلاً في أي شبكة. فليس هناك شبكات مغلقة، بل فضاء مفتوح تسري به طاقة هائلة. فلا يمكن لحزب أن يدعي أنه لنفسه. بل هو بحكم تعريفه أولاً، وبحكم سهولة الانتماء ثانياً، هو فضاء مفتوح للجميع. فالحزب ليس معنياً بالحشد بمقدار ما هو معني بإفساح الفرصة للمواطنين للمشاركة بما لديه من منتج فكري وبرامجي لتطوير آليات عمل الدولة.
فهناك متخصصون بتطوير آليات عمل أجهزة الكمبيوتر، آخرون متخصصون بتطوير عمل الآلات، والحزب متخصص بتطوير عمل آليات عمل الدولة. ولكن ليس لنفسه ولأعضائه، بل لكل المجتمع (وإن انطوت التعديلات المقترحة على مصلحة لفئة أكثر من اخرى). وهذا بالضبط هو مدخله لاستراتيجية الحشد الشعبي. فالحشد الشعبي يتم عبر إشراك المواطنين في انتاج القيمة الجديدة.
وقبل مغادرة هذا العنوان الفرعي، من الضروري التأكيد على أن الثورة التكنولوجية الرابعة لا تعني ادخال التقنيات الجديدة إلى منظومات عمل الحزب السابقة. التكنولوجيا الجديدة، تعني تطوير شامل لكل الشؤون المتعلقة بالعمل الحزبي. فلا يمكن استعمال التكنولوجيا وتوظيفها والبقاء على آليات العمل القديمة. التكنولوجيا الجديدة تعني تطوير شامل لكل منظومات العمل الحزبي. فالتطور في منظومات التواصل تستدعي تطوير العلاقة بين مركز الحزب وقياده من جهة، وبين قواعده وفروعه من جهة أخرى، فبمقدار زيادة المركز على رقابة أنشطة وفعاليات الاعضاء، تزداد بمضاعف واضح هوامش الحرية والمبادرة للاعضاء. وبمقدار تزايد الفرصة لتفعيل منظومات ومنصات التواصل بمقدار الحاجة لمضامين جديدة، ولغة جديدة ومفاهيم جديدة.
الحشد الجماهيري:
والمهمة المركزية الثالثة للحزب، هي التعبئة والحشد الجماهيري. الحزب الذي يمتلك وسيلة اتصال عصرية، ويمتلك ماكينة فكرية لتطوير البرامج والتصورات القطاعية، وتعديل آليات عمل مؤسسات الدولة من اجل التكيف مع الحقائق الجديدة للعصر، فإن مضمون آليات عمل الحزب في التعبئة الشعبية هي إلحاق الفئات المختلفة بالدولة. فالتعبئة لن تكون من أجل الحزب، بل من أجل الكل. دعوة الحزب للمواطنين ليس للمضي خلفه، بل هي الدعوة للمواطنين للمساهمة في إحداث تغيير محدد، يتلخص في تطوير آليات عمل مؤسسات الدولة. المطالبة بصيانة مصالح أي فئة، يجب أن تنطوي على مصلحة لكل الفئات الأخرى، من خلال الاكتفاء بتعديل آليات العمل لتجويدها وزيادة فاعليتها. الحزب المدني الديمقرطي لا يخدم فئة ويلحق الضرر بأي فئة أخرى. فلا معنى للاستمرار بمنطق التناحر. فإحدى أهم بركات الثورة التكنولوجية الرابعة، أنها حولت فكرة الوفرة إلى حقيقة فاعلة فيها ما يكفي لمصالح الجميع. الشبكات المتماسكة هي المنتج الحقيقي للقيم وبالتالي للثروة. يجب عدم التوقف عند فكرة تقاسم المغانم، بل المطلوب طريقة لزيادة المغانم بما يسمح لحصول الجميع على حاجاتهم. كما أن الثورة التكنولجية الرابعة حولت مفهوم تعظيم الموارد من شعار و”مُحدَد” أو شروط لعمليات التخطيط المركزي، إلى آلية عمل تمكن الجميع من الحصول على مطالبهم.
الفكرة المركزية في عملية الحشد والتعبئة الشعبية، هي العمل على تطوير الفرص، وليس تقاسمها. لقد تحول النمو والتقدم من وعد إلى حقيقة ممكنة، مطلوب توظيفها في الرؤى التي ستقدم لتطوير آليات عمل الدولة. فإحدى بركات الثورة التكنولجية الرابعة أنها أدت وبشكل حاسم إلى تراجع قيمة وأهمية وظيفة أندية جماعات المصالح. والعديد منها يلجأ إلى وسائل ملتوية لتحقيق بعض أهدافه.
فجماعات المصالح، وهي تعمل على تطوير آليات الدولة لخدمة فئات محددة، عبر صيغ معقدة تعتمدها هذه الاندية، قائمة على أساس توظيف ما يمكن توظيفه لتمرير تعديلات إدارية وقانونية تتيح لهم فرص جديدة. الحزب من حيث أنه وسيلة لحشد وتعبئة الجماهير، تتلخص وظيفته التعبوية بالتأكيد على أن التطور المطلوب، يجب أن يترافق مع تعديلات تطرح بشفافية وبما يسمح برؤية أثر هذه التعديلات على مصلحة كل مكون من المكونات الاجتماعية.
وعليه، فإن عنوان مهمة الحشد هو: الحشد في سياق الدولة وليس في سياق الحزب. مع ضرورة التأكيد هنا على أن الألتحاق بسياق الدولة يتم عبر برامج الحزب، برامج الحزب تضمن تلبية مصالح بعض الفئات من خلال مؤسسات الدولة. وهذا يعني أن الحزب يصبح فعلاً وسيلة لإلتحاق الجميع في متن الدولة. وخطاب التعبئة يجب أن يتغير في لغته وتعابيره وأن يتخلى عن كليشيهات مثل (يا جماهير شعبنا)، إلى أن يأخذ شكل رسالة (إلى من يهمه الأمر). فخطاب الحزب – وإن كان تعبويا- يجب أن يتخلى عن مفردات الاستقطاب، ويركز على تطوير مفرداته ليكون خطاباً تجسيرياً بين كل المكونات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن النموذج الجديد في الحشد والتعبئة والشعبية، إذا نجح، سيتحول إلى نموذج يؤثر على سلوك وممارسة الاحزاب الأخرى. ليس السجال المفضي للتناحر والخيارات التناحرية هو وسيلتنا لتطوير الاحزاب الاخرى، بل تقديم النموذج الناجح. فمبقدار ما نقدم نموذجاً للحزب الجديد، (اتصالا وفكراً وتعبئة)، فنحن نفرض على الآخرين التطور. وهذا التطور، هو الذي يجعل منا حزباً طليعياً حقيقياً. السجال مع المختلفين، يفضي إلى مزيد من الاستقطاب، ويحولنا إلى حزب مثل بقية الأحزاب ويفقدنا طليعيتنا. كما أن أي حزب يتورط بالسجال والاستقطاب سوف يفقد تبعاً لذلك فرصة التعبير عن لحظة التحول في تاريخ الانسانية والتي تفرضها حقائق الثورة التكنولوجية الرابعة. لهذا ان نكون الحزب المدني الديمقراطي الذي يتعلم منه الآخرون هو خيارنا. وأن نؤثر على الآخرين بأن نقدم النموذج الجديد لتطوير آليات العمل الحزبي، وذلك من خلال آليات عملنا المتطورة. هذا الذي يضمن الفاعلية الأمثل لحزب التحالف المدني.
ومن المناسب، عند مناقشة آليات الحشد، التعرض لفكرة القبول والقوة في سياق العمل التعبوي الشعبي. وأريد هنا أن انهي مع فكرة لجرامشي وهي ثنائية “لقبول والقوة: “عنصر القبول دائماً متضمن في ممارسة القوة وتطبيقها، وفكرة القوة وصورتها دائماً موجودة في كسب القبول”. الحزب القوي الواثق الذي يستطيع أن يكون مقنعاً، هو حزب قوي، ولكنه بذات الوقت حزب مقبول. القبول الشعبي للحزب يتحول إلى رافعة لزيادة قوته وتأثيره، وقوة الحزب المستمدة من الدعم الشعبي، وسيلة له ليكسب المزيد من القبول الشعبي. إذ أن الدعم الشعبي وسيلة لتحقيق بعض القوة. وتوظيف هذه القوة ضرورة لصيانة الدعم الشعبي وزيادته كماً ونوعاً.
الفاعلية المركزية المستقلة للحزب والتي ستطور آليات عمله (في الاتصال والحشد) هي الفاعلية الفكرية. وهي بهذا المعنى العنصر المميز للحزب. وسوف تتشابه الأحزاب الناجحه في وسائل الاتصال، ووسائل الحشد الشعبي. فمع تراجع فاعلية البنية السياسية والثقافية القديمة (الهرمية التقليدية) لصالح الشبكات، أصبح بإمكان أي صبي أن يهتف الآن (إن السلطان عارياً). وأصبح شرط الحقيقة الموضوعية الأساسي وهو “قابليتها للمعاينة من الجميع” ليس مجرد إحالة إلى مصدر، بل ضرورة للمعاينة المباشرة. فمن حق أي كان، وضمن حدود الممكن المتاح، أن يتحقق من (موضوعية أي معلومة). صحيح أن ثورة الاتصال ضيقت الفجوة بين من يعرف ومن لا يعرف، ولكن صحيح أيضاً أن البحث عن الفكرة الجديدة الفاعلة ما زال سعياً إنسانياً مشتركاً. فمع نهاية عصر الإعلام الجماهيري، أصبحت الفكرة الموضوعية المقنعة هي أهم وسيلة للحفاظ على وحدة الحزب المدني الديمقراطي وتماسكه وفاعليته.
ملخص، وبديلاً عن الخاتمة:
ما جرى من تشويه لفكرة الحزب في بلادنا، استلزم العودة إلى الأصول النظرية المركزية لفكرة الحزب لتأصيل تصور جديد لحزبنا، حزب التحالف المدني. فالحزب، أياً كانت مقاربة فهمه، من السهل اكتشاف وظيفته المزدوجة من حيث أنه يخدم فئة محددة، وبذات الوقت يخدم كل المجتمع. وهو بذلك وسيلة تصل بين تفاصيل الواقع المعاش وبين القيم العليا السامية المشتركة لكل مكونات المجتمع. وعليه فإن الحزب الذي يغرق في يوميات المعاش لا يعود حزباً، كما أن الحزب الذي يحلق عالياً ويفقد صلته بالوقع لا يعود حزباً.
وهذه الإشارة توضح أن فكرة الحزب التي تقوم على القيم العليا والواقع في ذات الوقت، متعلقة بفكرة الدولة الحقيقية. فالدولة الحقيقية ليست كلها أفكار وقيم عليا، كما أنها ليست كلها مصالح. فكما أن البناء يتميز عن الجحر بأنه يقدم وظيفيتن: وظيفة استعمالية متعلقة بالموئل، ووظيفة جمالية تعبر عن القيم المشركة للمجتمع، كذلك الدولة هي بناء ينتظم فيه الجميع عبر قيمهم المشتركة، وبما يمكن من صياغة وعيهم الجمعي للمصلحة المشتركة، وهي بذات الوقت سياق لتأمين مصالح كل فئة من فئات المجتمع. وهذا الجمع بين المهمتين يتم عبر آليات العمل. فآليات العمل هي التي تجمع بين القيم العليا والمصالح. المقاربة الانثروبولوجية لفهم التقدم تؤكد على أن الحاجات والمطالب البشرية لم تتطور ولم تتغير، الذي تطور عبر التاريخ هو طرق ووسائل وآليات تلبية المطالب والحاجات.
من هنا فإن الحزب – عبر تبني القيم العليا المشتركة – هو الجسر الذي يربط بين الفئات والمصالح المختلفة مع الكل الوطني. وذلك من خلال العمل على مسارين: مسار متعلق بتعزيز فكرة المصلحة المشتركة (وهي المصلحة الوطنية العليا)، ومسار خدمة مصالح الفئات الاجتماعية التي يعبر عنها الحزب، من خلال سياق الدولة. وحيث أن المجتمعات تتكون من فئات بمصالح مختلفة، تسعى الدولة – من خلال وظائفها وفكرتها الجامعة- لتحقيق التوازن بينها، فإن الحزب إحدى وسائل تحقيق هذا التوازن. وهو يخدم التوازن من خلال المساهمة الفاعلة بتطوير آليات عمل العديد من مؤسسات الدولة.
وبالتالي فإن الحزب بمقدار ما يجب أن يكون لجميع المواطنين، يجب أن يلتزم من خلال برامجه بخدمة فئة من المواطنين. الحزب الذي يعبر فقط عن الفكرة الكلية الجامعة (بحجة التعبير عن الجميع)، ليس حزباً، والحزب الذي يعبر فقط عن فئة ليس حزباً بالمعنى الديمقراطي للحزب (هو حزب بلشفي). من هنا فإن الحزب من حيث هو جسر، يركز على خدمة مصالح فئة من المجتمع (بجعل هذه المصلحة قابلة للخدمة والتلبية من خلال وحدة الدولة والمجتمع). فالحزب –حتى يقوم بهذه الوظيفة المزدوجة دون ان يفقد وحدته ودون ان يفقد تماسكه الفكري والفلسفي- يجب أن يلتزم بسياق فكري مركزي يوحد جهوده عبر (فلسفة الممارسة).
لقد استحق الحزب اسم الأمير المعاصر (حسب تعبير أنطونيو غرامش) من حيث أنه يحافظ على وحدة الدولة، وأيضاً هو منصة التفاعل التي تنتج المثقف العضوي، من حيث أن هذا الاخير هو الذي يقدم المادة الفكرية الضرورية لتطوير ممارسة الناس بفئاتهم المختلفة. فالمثقف العضوي هو الذي طور ممارسة الناس عبر العصور، وهو وظيفة انثروبولوجية وليس مجرد وظيفة سياسية. تطوير وسائل الأنتاج، في فترة ما قبل الثورة العلمية وظهور برامج البحث والتطوير ضمن المؤسسات الصناعية، كانت تتم عبر المثقفين العضوين الذين يمثلون الجسر بين (الفكرة والعمل الفيزيائي).
فالحزب من حيث هو المنتج والمطور للمثقف لعضوي، هو الحاضنة – في أي مجتمع- لتطوير الممارسة. فمن خلال تطوير الممارسة يتم خدمة الفئات المختلفة المكونة للمجتمع، ويتم الحفاظ على وحدة الدولة في ذات الوقت. فالحزب الديمقراطي- ينتج المثقف العضوي الذي يطور ويغير، وهو من جهة أخرى خادماً لوظيفة الأمير في توحيد المجتمع والدولة.
التوصيات والمقرحات:
كيف يمكن اشتقاق طرائق وآليات عمل حزبية داخلية سنداً للمقدمات النظرية السابقة. أقترح، في هذا الاسياق، أن تتضمن التوصيات ما يجب أن نقوم به، وما يجب أن نمتنع عنه. لذلك من الضروري التأكيد هنا على ضرورة توضيح ما يجب أن يعمل بما يجب أن لا يعمل.
أولاً تكامل الأنشطة: الفكرة المقترحة هنا هي تضيق الفجوة ما امكن بين انشطة الحزب المختلفة: فمثلاً بين النشاط الفكري والإعلامي، والتعبوي والتنظيمي، يجب أن تكون هناك هوامش مشتركة وواسعة بين هذه الانشطة. ويجب تجنب العزلة بين الأنشطة المختلفة.
ثانياً إزالة الحواجز مع الإطار الاجتماعي: الحزب المدني الديمقراطي ليس لأعضائه، هو منصة يؤسسها ويديرها أعضاء الحزب ويقدمونها لكل شرائح المجتمع. كافة لقاءات واجتماعات الحزب (باستثناء الانتخابات الداخلية) تكون مفتوحة، وعلى الأعضاء ضمان حد أدنى من المشاركين من خارج أعضاء الحزب. الإقصائية في العمل الحزبي يجب تجنبها، وهي تتناقض مع جوهر العمل الحزبي بأنه بالناس ولهم.
ثالثاً التشاركية الفكرية والسياسية: وتتحقق بالعمل على إصدار وثائق وطنية بالتشارك مع مجموعات عمل وطنية من حزبيين ومفكرين ونشطاء عبر الطيف السياسي والاجتماعي وخصوصاً في القضايا التي لا تحتمل أن تبقى رهينة للخلافات السياسية والأيديولوجية. الحزب ينظم فرصة لأصحاب الرأي والفكر لتقديم ما لديهم. الحزب هنا يحدد الاولويات، ويصوغ الخلاصات والتوصيات، ويتميز بأنه يقدم مفاهيم جديدة، وتصورات لآليات العمل، ولكنه لا يحتكر المادة التي ستقدم على منصته، هو شريك لهذه المنصة وليس محتكراً لها.
رابعاً انضاج الخطاب بالمفاهيم والتوصرات العملية: رسائل الحزب وخطابه يجب أن تتضمن 1- مفاهيم واضحة للحياة العامة، 2- تصورات للعمل. فلا يوجد ما يمكن أن يديم صورة الحزب لدى إطره الاجتماعية ويصوغ الفهم المشترك لأنشطته مثل المفاهيم المحددة، وتصورات العمل الواضحة. وهذا يقتضي تجنب الخطابات المرسلة، والتخلي عن المقاربات السجالية، والعبارات المستندة إلى الاحكام القطعية.
ويبقى السؤال كيف ستترجم هذه القواعد على تنظيم عمل الأنشطة المركزية الثلاثة (آليات العمل) في الأنشطة المركزية للحزب.
- إعلامياً:
- تشجيع الأعضاء والمؤيدين على إنشاء مجموعات تواصل عبر التطبيقات المختلفة للإنترنت. هذه المجموعات مطلوب منها لتبقى مع الحزب، فقط العمل على مناقشة مبادرات الحزب ومقترحاته لتعديل آليات العمل (داخلياً) وآليات عمل مؤسسات الدولة.
- التأكيد على ان مجموعات التواصل (باستثناءات قليلة جداً) مفتوحة لمن يرغب من المواطنين بالمشاركة.
- بالرغم من صعوية صياغة قواعد ممارسة واضحة على مجموعات الحوار، لكن من الضروري التأكيد على نقطتين: الأولى، الإلتزام بالقواعد العامة للحوار. واحترام تعدد الآراء، وعدم التجريح الشخصي. إلا أن نجاح منصات الحوار معلق بالقدرة على تقديم مضامين تحافظ على حيوية هذه المجموعات.
- إدارة مجموعات الحوار مطالبة بتقديم مادة للحوار (ليس بالضرورة من أعمال أعضاء الحزب او من وثائق الحزب) ومن الضروري أن تتصف هذه المواد اولاً بسوية معرفية ملائمة، وثانياً أن تناقش واحدة من القضايا التي يعتبرها الحزب اولوية.
- تنظيمياً:
- العضوية ليست امتياز، العضوية إلتزام، وهي مفتوحة لكل من يريد العمل. والتفاضل بالعمل وليس بزمن العضوية. ولا توجد عضوية مستندة فقط إلى تأييد مبادئ الحزب، بل العضوية مرتبطة بسلسلة مهام وانشطة محددة. ما يميز العضو عن المؤيدين هو ما يمنحه من وقت وجهد لخدمة المؤيدين عبر المنصات الحزبية.
- مهمات وانشطة العضو يجب أن تكون واضحة ومعرفة بأنشطة محددة: لا بد من ترجمة إلتزامات العضو الواردة في النظام الأساسي عبر خطوات وممارسات محددة. كما أنه من الضروري التأكيد على أن مهام العضو الحصرية (التي تكون فقط للأعضاء) هي بحضور اجتماعات الهيئات التنظيمية والمشاركة بالحوارات لتطويرها وانتخابات ممثليها. وعدا عن هذه المهمة، فإن كل مهام العضو هي مهام للداعمين للحزب بما في ذلك دفع التبرعات، والتصويت للمرشحين، والترويج لأفكار الحزب. تعرف العضوية بالإنخراط ببرنامج عملي، وليس بدفع الاشتراكات. سيكون للحزب إطار عريض يدفع مساهمات مالية منتظمة ولكنه لا يشارك بالمهام التنظيمية، وهؤلاء داعمين للحزب وليسوا اعضائه.
- الحزب ملزم بأن يقدم لأعضائه التسهيلات الضرورية حتى يقوموا بمهامهم: وعلى رأسها عرض أفكار وبرامج الحزب على الناس، ومطلوب من الاعضاء تنظيم لقاءات مفتوحة، أو إنشاء منصات افتراضية، لعرض أفكار الحزب وبرامجه، والمساهمة بتطوير هذه البرامج.
- قيادة الحزب وإدارته، ليست للضبط، ولكن للتفعيل. المهمة المركزية لقيادة الحزب هي تفعيل موارد الحزب، وتمكين الأعضاء من العمل. لا يوجد الحزب إذا توقفت الأنشطة. حجة توقيف الأنشطة حتى يتم ترتيب الحزب، هي كمن يريد قتل الشخص حتى يتمكن من تأهيله. الحزب يتطور كفاعلية، وليس كمجموعة قطع في حالة السكون. مهمة القيادة ضمان أن تتوفر للأنشطة شروط نجاحها، والاخذ بيد الأعضاء حتى يقدموا ما يلزم من شروط لنجاح الانشطة. وبالتالي الفشل تتحمل مسؤوليته القيادة وليس الأعضاء الذين التزموا يقواعد وآليات العمل الموصى بها من القيادة.
- فكرياً:
- الحزب المدني الديمقراطي منصة للعمل الفكري، وليس محتكراً لها. صحيح أن هناك ضرورة لتطوير مساهمات خاصة بالحزب، ولكن يجب أن تصدر معظم مساهمات الحزب على شكل نواتج لمجموعات عمل وطنية، وأن تكتسب هذا الغسم، حتى لو كان كل المشاركين فيها فقط من أعضاء الحزب.
- يجب التمييز بين الدراسات والأبحاث التي تصدر عن المتخصصين، وبين ما يصدر عن الحزب من اوراق سياسات تقدم بدائل لخيارات واستراتيجيات وسياسات تتعلق بآليات العمل. المهمة الفكرية المركزية للحزب هي تطوير وتقديم بدائل لسياسات واستراتيجيات لتطوير آليات العمل.
- الحزب مطالب بتقديم سياسات واستراتيجيات قطاعية، تتضمن هذه الوثائق صياغة واضحة للهدف، ولآليات العمل الجديدة. المنتج النهائي للانشطة الفكرية هي اوراق سياسات تتضمن توصيفاً دقيقاً للهدف ولتطوير آليات العمل لتحقيقه. العبارات المرسلة التي تعبر عن الموقف، مكانها لغة الاتصال، وليست أوراق السياسيات.
- إحدى المهام المركزية للمسار الفكري للحزب هو العمل على تطوير قاعدة واضحة لفهم وتطوير العمل الحزبي. هذه المهمة ليست فقط من أجل خدمة الحزب، هذه المهمة ضرورية لتطوير العمل الحزبي على المستوى الوطني. فلا ديمقراطية ولا تحول نحوها دون نضج للحياة الحزبية.
- تعبوياً:
- داخلياً، من الضروري الحفاظ على تفاعل شبه يومي مع شبكة أعضاء الحزب. وهذا التفاعل يمكن أن يتحقق من خلال مجموعات التواصل المختلفة، وعدم التورط بمنصة تواصل داخلية مركزية واحدة. فهذه على اهمية أن توجد لكنها لن تكون بديلاً عن شبكات التواصل التي يتم انشائها لتسهيل حشد الموارد الداخلية لأنشطة فرعية وجزئية وقطاعية.
- يتم تحقيق تكامل مجموعات العمل الفرعية من خلال وحدة المبادئ، ومن خلال الحوار المستمر ضمن منظور فلسفة الممارسة.
- يقتصر العمل التعبوي على تحقيق أهداف محددة. مثل الانتخابات او حملات تشكيل الرأي العام من خلال الاجتماعات المفتوحة
- تكون الاجتماعات المفتوحة لعرض خيارات محددة. في حال غابت الخيارات الجديدة، سوف تنخفض فاعلية الأنشطة التعبوية المفتوحة.
- كاتب وسياسي اردني ، كاتب وسياسي أردني، عضو مؤسس في حزب التحالف المدني…