ميقاتي وبري بعد نعيم قاسم: الأعراض الأولى للتحوّلات
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: أظهر حزب الله أول موقف له بعد اغتيال زعيمه قبل أيام، من خلال كلمة متلفزة أدلى بها نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم. وبغضّ النظر عن المواقف التعبوية الموجهة لجمهور الحزب وتلك التي أكدت تمسّك الحزب بثوابته وخياراته واستمرار صراعه، إلا أن إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بعد اجتماعه برئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، عن استعداد لتنفيذ القرار 1701 وعقد جلسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يفصح عن بداية تحوّلات ليس حزب الله بعيداً عنها.
نرصد الحدث من خلال قراءة حذرة للمعطيات التالية:
في 30 سبتمبر 2024، وبعد مرور ثلاثة أيام على قيام إسرائيل باغتيال أمين عام حزب الله، السيّد حسن نصر الله، أدلى نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، بكلمة بثّتها قناة المنار التابعة للحزب ونقلتها وسائل الإعلام الأخرى، المحلية والدولية. وإضافة إلى نعيّه نصر الله والتحدث عن خصاله ومسيرته، أوضح أعلى قائد سياسي لحزب الله نقاطا تنظيمية وسياسية عديدة.
– أقر قاسم بمقتل شخصيات قيادية، لا سيما علي كركي، وعباس ميلوشان ضحية نفس الهجوم الذي تعرّض له زعيم الحزب. لكنه نفى أنباء إسرائيلية عن مقتل 20 قياديا للحزب كانوا مع زعيم الحزب في اجتماع داخل المقر العام. وأكد مقتل عدد من العناصر القريبة من نصر الله يعملون في مجالات لوجستية وأمنية ملتصقة بتحركاته.
– شدد قاسم على الاستقرار الهيكلي الاعتيادي المنظم للحزب، بحيث يصار إلى استبدال القادة في كافة القطاعات بنوابهم المعينين أصلا لهذا الظرف. واعتبر أن هذه العملية هي من عاديات الأمر ومن ضمن سياق استباقي مُعد سلفا.
– أكد أن الحزب يسير بنفس قواعد العمل السابقة وبنفس الثوابت السياسية التي تؤشّر إلى استمرار الصراع ضد إسرائيل ومواصلة ربط جبهة لبنان بجبهة غزّة. وقال: “لن نتزحزح قيد أنملة عن مواقفنا، وستواصل المقاومة مساندة غزة وفلسطين ودفاعا عن لبنان وشعبه”.
– أعلن أن الحزب سينتخب أمينا عاما جديدا للحزب “في أقرب فرصة، وحسب الآلية المعتمدة في الحزب. الخيارات ستكون سهلة؛ لأنها واضحة ولأننا على قلب واحد “.
– نصح بعدم قراءة لائحة التعيينات الجديدة لاستنتاج أي تغييرات في خطّ الحزب وخياراته، بما يعني أن لا شيء سيتغير في سياسات الحزب بعد غياب نصر الله، موضحا أن “ما يحصل الآن هو قيد المتابعة العادية والطبيعية ولا تنتظروا أموراً قد لا تكون على خاطركم أيها الأعداء”.
– أشار إلى جهوزية مقاتلي حزب الله لـ “الالتحام” مع القوات الإسرائيلية في حال عمدت إلى توغّل بري داخل الأراضي اللبنانية.
– لفت قاسم إلى أن عمليات الحزب العسكرية ضد إسرائيل “استمرت بنفس الوتيرة” وطال بعضها أهدافا على بعد 150 كيلومترا في العمق الإسرائيلي. أضاف أن “ما نقوم به هو الحدّ الأدنى بحسب خطط متابعة المعركة، وبحسب تقديرانا وما يتطلبه الميدان. نحن نعلم أن المعركة قد تكون طويلة، والخيارات مفتوحة أمامنا”.
– نفى المزاعم الإسرائيلية عن تدمير القوى والامكانات العسكرية لحزب الله، وأكد استحالة ذلك واحتفاظ الحزب بترسانته. وقال إن إسرائيل لن تتمكن من ضرب قدراتنا العسكرية المتينة والكبيرة، وهو (الإسرائيلي) يجن في كثير من الأحيان لعدم قدرته على ضرب هذه القدرات… لدينا جهوزية كاملة عسكرياً وبشرياً”.
– حذّر قاسم من أن تركيز الهجمات الإسرائيلية على استهداف المدنيين وتدمير القرى والمدن هدفه “زرع الشقاق بين المقاومة وشعبها”.
– توجه بالشكر إلى الحكومة اللبنانية والوزارات المعنية والقوى السياسية والمؤسسات التي تتعامل مع الوضع الحالي.
– بعد أقل من ساعة على كلمة نعيم قاسم، وبعد اجتماعه مع رئيس مجلس النواب اللبناني حليف حزب الله، نبيه بري، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي أنهما “اتفقا” على التزام الدولة بأي وقف فوري لإطلاق النار في لبنان، مشدداً على الاستعداد لتنفيذ القرار 1701، بما في ذلك إرسال الجيش اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني فور وقف إطلاق النار.
– أعلن ميقاتي أيضا أن بري “أبلغه” أنه فور وقف إطلاق سيعمد إلى دعوة مجلس النواب لعقد جلسة لانتخاب رئيس جمهورية “توافقي”.
خلاصة:
**توجه نائب الأمين لعام لحزب الله، نعيم قاسم، في كلمته إلى جمهور حزب الله وبيئته في محاولة من أعلى شخصية رسمية في الحزب حتى الآن، لطمأنته واستنهاضه والشروع بتوضيح خطاب الحزب بعد اغتيال زعيمه “التاريخي”، السيّد حسن نصر الله الذي شغل المنصب لمدة 32 عاما.
**يُفهم من أجواء الكلمة أن الحزب سيبقى يعيش، في المستقبل القريب على الأقل، على هيبة وذكرى نصر الله وخطابه وإرثه، بحيث سيبقى ملهما لأي قرارات أو خيارات سيتّخذها الحزب من بعده. حتى أن البعض رأى أن قاسم في كلمته بدا وكأنه يقدم تقريرا في حضرة نصر الله.
**حرص قاسم على تأكيد قدرة الحزب على إعادة ترميم هيكله القيادي، بما في ذلك اختيار أمين عام جديد، نافيا ضمنا أي تغييرات ستطال الخطّ العام للحزب بتغير قياداته.
**شدد قاسم على الاستمرار في العمليات العسكرية وربط جبهة لبنان بجبهة غزّة، كما التمسّك بنفس خيارات الحزب وعناوينه السياسية، بما ينفي أي احتمالات قد تطال خطاب الحزب بعد الخسائر التي منيّ بها.
**نفى قاسم مزاعم إسرائيل عن القضاء على قدرات الحزب العسكرية، ولفت إلى مواصلة الحزب هجماته التي طالت عمق إسرائيل.
**إعلان ميقاتي بعد اجتماعه مع بري عن الاستعداد لتنفيذ القرار الأممي رقم 1701، يدل على أن بري لديه ضوء أخضر من الحزب للشروع بالبحث عن صيغة لتنفيذ القرار الذي يقضي بعدم تواجد أي قوات عسكرية جنوب نهر الليطاني ما عدا قوات الجيش اللبناني وقوات اليونيفل التابعة للأمم المتحدة.
**إعلان ميقاتي عن أن بري أبلغه إنه “فور وقف إطلاق النار سيتم دعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس توافقي، وليس رئيس تحدي لأحد”، يعني أن الحزب تخلى عن مرشحة، سليمان فرنجية، الذي رفض سابقا التخلي عنه لصالح بديل توافقي آخر.
*يعتقد، أنه وفي ظل التخبط الذي يعيشه الحزب، فإن إيران هي التي تلعب دورا مباشرا في تبني توجّهات جديدة للحزب كشفها ما أعلنه ميقاتي من عناوين جديدة.