مواقف كامالا هاريس بشأن فلسطين: رصد وتحليل

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم:

لفت اجتماع نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس 25 يوليو 2024، إلى ما يمكّن أن يميّز المرشحة الديمقراطية المحتملة للانتخابات الرئاسية، في نوفمبر المقبل، من مواقف خاصة بالصراع في الشرق الأوسط، ومستقبل الحرب في قطاع غزّة. وفيما لا تحيد هاريس عن سياسة الولايات المتحدة التقليدية، غير أن المراقبين يرصدون مواقف كانت صدرت عنها خلال الأشهر الأخيرة ويبحثون في خلفياتها الايديولوجية لبناء صورة عن مواقفها المحتملة حيال المسألة الفلسطينية.
نستعرض في هذه الورقة ما يمكن التقاطه من مواقف وخلفيات يمكن البناء عليها لفهم هامش المناورة للرئيسة المحتملة للولايات المتحدة:
– قالت هاريس، الخميس 25 يوليو، إنها عقدت محادثات “صريحة وبناءة” مع نتنياهو. وجددت التأكيد على “التزامها الراسخ” تجاه أمن إسرائيل. قالت: “أبلغت نتنياهو بأن الوقت قد حان لإنجاز اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب”، لافتة إلى أن هناك صفقة على الطاولة لوقف النار في قطاع غزة. أضافت ” أن هناك اتجاه متفائل بشأن محادثات وقف إطلاق النار في غزة. وفيما أكدت التزامها بمسار يؤدي إلى حل الدولتين، قالت إن “حل الدولتين صعب، لكنه الحل الوحيد لتحقيق مصالح الطرفين”.
– أشارت هاريس إلى أنها عبرّت لنتنياهو عن قلقها الشديد من مقتل عدد كبير جدا من المدنيين الأبرياء والوضع الإنساني المزري في غزة. لكنها أكدت أيضا التزامها الراسخ بدعم إسرائيل وأمنها وحقها في الدفاع عن نفسها ووصفت حركة حماس بأنها “منظمة إرهابية”.
– قالت هاريس: “لا يمكننا غض الطرف عن هذه المآسي. لا يمكننا السماح لأنفسنا بأن نصبح غير مبالين بالمعاناة ولن أصمت”. ودعت هاريس الشعب الأمريكي إلى تذكر تعقيد الصراع وتاريخ المنطقة. ويجب إدانة الإرهاب والعنف، حسب قولها. وأضافت: “دعونا جميعا نفعل ما في وسعنا لوقف معاناة المدنيين الأبرياء. ودعونا ندين معاداة السامية والإسلاموفوبيا والكراهية من أي نوع”.
– رأى مراقبون أن انتقادات هاريس الصريحة تتعارض مع صورة الودّ الكبير التي أظهرها بايدن ونتنياهو خلال لقائهما، الأربعاء، على الرغم من أن العلاقة بين الرجلين معقّدة للغاية.
– اعتبر مراقبون أن هاريس التي تمسّكت بالموقف الأميركي الرسمي المدافع عن أمن إسرائيل، قدمت خطابا مختلفا نسبيا في الحديث، في حضور نتنياهو، عن معاناة غزّة.
– رأى مراقبون أن هاريس اعتمدت خطابا متوازنا ضروريا لصالح حملتها الانتخابية. فمن جهة ترضي اللوبي اليهودي وأنصار إسرائيل في تأكيد التمسّك بالدفاع عن أمن إسرائيل ووسم حماس بالإرهاب، ومن جهة أخرى ترضي شريحة أخرى من الأميركيين لا سيما من أصول عربية ومسلمة (الذين قد تحسم أصواتهم الانتخابات في الولايات المتأرجحة) في الحديث عن المعاناة في قطاع غزّة والحاجة لوقف الحرب.
– تشير بعض المصادر إلى أن مواقف هاريس بعد لقاء نتنياهو كانت رئاسية متخلّصة من وصاية بايدن متوجّهة للداخل الأميركي قبل الخارج. وعلى الرغم من أن تلك المواقف قد تحسب بسبب توقيتها لصالح الحملة الانتخابية لكن من غير المستبعد أن تكون عناوين تتحوّل لسياسات في المستقبل.
– نقل موقع “واللاه” الإسرائيلي عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إنّ “تصريح هاريس بعد اللقاء كان أكثر انتقاداً بكثير مما قالته لنتنياهو في الغرفة المغلقة”. وأضاف أنّ نتنياهو “منزعج” من حقيقة أنّ هاريس تحدثت عن صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار باعتبارهما نهاية للحرب، بينما تتمسّك إسرائيل بموقفها الذي يتيح لها استئناف القتال بعد تنفيذ الصفقة.
– قال المسؤول الإسرائيلي أيضاً إن نتنياهو غير راضٍ عن انتقاد هاريس لإسرائيل علناً في ما يتعلق بالأزمة الإنسانية في غزة وقتل المدنيين، خاصة في الوقت الحالي أثناء التفاوض على الصفقة.
– أثناء زيارة بيني غانتس إلى واشنطن في مارس الماضي القت هاريس خطابا ألقت فيه باللائمة على إسرائيل في ارتفاع حجم الضحايا المدنيين.
– في يونيو من العام الماضي كتب الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت في موقع “مونيتور” أن انتقادات هاريس للحكومة الإسرائيلية تتجاوز حدود غزة، فقد كانت دعت إسرائيل إلى الحفاظ على “قضاء مستقل”. وقد أثارت هذه التصريحات غضب اليمين الإسرائيلي في ذلك الوقت.
– على عكس أعضاء رفيعي المستوى في فريق بايدن للسياسة الخارجية والدفاع، بما في ذلك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الدفاع لويد أوستن وبايدن نفسه، من بين آخرين، لم تسافر هاريس إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر. وبينما كان بايدن يتعامل مع نتنياهو منذ أربعة عقود ويروج لعلاقتهما الوثيقة على الرغم من توترها الواضح في الأشهر الأخيرة، لم تقابل هاريس رئيس الوزراء الإسرائيلي سوى عدد قليل من المرات.
– قالت هاريس، في كلمتها أمام مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير الماضي، إن حماس استخدمت اغتصاب النساء الإسرائيليات كسلاح في الحرب، لكنها أضافت: “لقد أوضحنا أيضًا أن عددًا كبيرًا جدًا من الفلسطينيين الأبرياء قُتلوا، وأنه يجب على إسرائيل أن تفعل ما هو أفضل من أجل ذلك”. حماية المدنيين الأبرياء”. في تلك المناسبة دعت هاريس أيضًا الإسرائيليين والفلسطينيين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، مشيرة إلى أنه “في رأيي، لا يمكن أن يكون هناك سلام وأمن لتلك المنطقة – لشعب إسرائيل أو الفلسطينيين وشعب غزة”. – من دون حل الدولتين”.
– لم تختلف دعوة هاريس لحماية حياة المدنيين في غزة بشكل ملحوظ عن التصريحات التي أدلى بها بايدن. ومع ذلك، وعلى النقيض من بايدن، في مقابلة أجرتها معه صحيفة The Nation في 8 يوليو، تناولت هاريس تفاصيل أكبر حول معاناة سكان غزة. ونقلت الصحيفة عن هاريس قولها: “أطرح أسئلة مثل: ما الذي يأكله الناس فعليًا الآن [في غزة]؟ إنني أسمع قصصًا عن أكلهم لعلف الحيوانات والعشب… وهكذا أفكر في الأمر”.
خلاصة واستنتاجات:
**كامالا هاريس هي جزء من “الدولة العميقة” للولايات المتحدة، وجزء من السياسة الخارجية المعمول بها في الشرق الأوسط، وجزء من الحزب الديمقراطي الذي لم يحدّ عن دعم إسرائيل. غير أنه يجب في المقابل ملاحظة تبدّل في مقاربة هاريس للمسألة الفلسطينية.
**تعتبر هاريس شخصية على يسار بايدن وهي قريبة من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي ومن الدوائر الليبرالية في الولايات المتحدة، وهي بالتالي تعبّر بتأنٍ ودقّة عن نمط تفكير يتباين عن الخطّ السياسي التقليدي الأميركي من دون الابتعاد عنه.
**يسجل لهاريس أنها، من موقعها الرسمي كنائبة للرئيس، كانت أول مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن يطالب بوقف إطلاق النار في غزّة.
**استمرت هاريس في الدفاع عن نفس مواقفها بشأن الحرب في غزّة بعد انسحاب بايدن من السباق الرئاسي ودعم ترشّحها للمنصب. بمعنى أن خطابها مفيد انتخابيا، ودعمها المفترض من قبل الحزب الديمقراطي لتسميتها مرشحة رسمية للانتخابات الرئاسية يأخذ أمر هذه المواقف، لا سيما تلك التي عبّرت عنها بحضور نتنياهو، بعين الاعتبار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.