مواجهات الساحل السوري: الداخل في صراعات الخارج

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

تقديم: تطرح المواجهات الدموية الشرسة بين قوات الأمن التابعة لدمشق وجماعات موالية للنظام السابق أسئلة بشأن حجم التحرّك وأهميته وتداعياته على استقرار التحولات السورية منذ سقوط النظام السابق. ويمثّل الحدث تحديا خطيرا للإدارة الجديدة وسط تكهنات بأن الأمر قد يكون بداية، وهو مخطط ومدعوم، ويرتبط بأجندات خارجية.

في التفاصيل:
-في 7 فبراير 2025، ذكرت تقارير عن ارتفاع عدد ضحايا الاشتباكات بين قوات الأمن ومقاتلين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد في اللاذقية إلى اكثر من 70 شخصا في أعقاب كمائن نصبت قبل يوم لأرتال للقوات التابعة للإدارة الجديدة في سوريا برئاسة أحمد الشرع.
-في 6 فبراير، وعقب هذه الهجمات نشرت وسائل التواصل الاجتماعي بيانا يعلن إطلاق “المجلس العسكري لتحرير سوريا” يحمل توقيع العميد غياث دلا، وهو أحد أشهر الضباط بالفرقة الرابعة التي كان يديرها ، ماهر الأسد شقيق الرئيس السابق.
– حاولت البيانات الرسمية اتهام فلول الأسد وتجنّب استهداف الطائفة العلوية التي اعتبرتها البيانات ضحية لعناصر خارجة عن القانون. فيما رصدت وسائل الإعلام زحف أرتال تابعة للنظام الجديد من مناطق متعددّة في البلاد باتجاه الساحل السوري.
– ذكرت تقارير أن العمليات العسكرية التي استهدفت قوات الأمن السورية كانت ذات طبيعة محترفة، ومنسّقة، توحي بعدم عفوية وعشوائية العمليات، واحتمال اعتمادها؟ ولأجل طويل، نهج الاستنزاف العسكري للحكم الجديد.
– اتّهمت تقارير غير رسمية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الطابع الكردي بدعم المجموعات العسكرية الناشطة في الساحل السوري، وقالت نفس التقارير بأن تنسيقا يجري مع جهات في محافظة السويداء في جنوب سوريا. غير أن هذه التقارير لم تعط أي أدلة على ذلك.
– يعتبر مراقبون سوريون أن المقاربة الأمنية التي اعتمدتها الإدارة السورية الجديد لجهة عقد صفقات مع رجالات من النظام السابق، وعدم ملاحقة فلول النظام السابق بشكل جذري، والتسامح مع حالات خطرة، وغياب أي تطهير أمني عام، قد تكون مسؤولة عن حالة الارتخاء الأمني التي أتاحت تحرّك هذه المجموعات، بأسلحتها الثقيلة؟ في منطقة الساحل المعروفة بأنها حاضنة للنظام السابق.
– تتهم مصادر مراقبة سورية إيران بالوقوف وراء القلاقل الأخيرة، كما تتهم حزب الله في لبنان بالضلوع بالأمر بالنظر إلى التواصل الجغرافي بين لبنان وسوريا، لا سيما مع الساحل السوري، وإلى امتلاك الحزب بنى تحتية عسكرية في سوريا حتى الآن. ويعتبر المراقبون أن الأمر جزء من محاولة إيرانية لتوطيد نفوذ مناطقي لها في سوريا بعد أن فقدت نفوذها على قرار دمشق.
– تضيف المصادر أن نفوذا إيرانيا في الساحل السوري سيضاف إلى ما تمتلكه من نفوذ في شرق سوريا من خلال العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية. وكان وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، قد حذّر إيران في 27 فبراير، من تداعيات أي دعم محتمل تقدمه لـ “قسد” أو أي أطراف أخرى في سوريا، بغية إثارة الاضطرابات. وقال فيدان فيما يشبه التهديد: “إذا كنتم تدعمون مجموعة في بلد آخر لإثارة الفوضى، فمن الممكن أن يقوم بلد آخر بدعم مجموعة داخل بلدكم للهدف ذاته”.
– في ديسمبر 2024، تتالت مواقف إيرانية بهذا الاتجاه. توقّع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أن أن تخرج ما وصفها بـ “مجموعة من الشرفاء” لتغيير الوضع الجديد وإخراج ما وصفهم بـ”الثوار” من السلطة. قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن “من يعتقدون حاليا بتحقيق انتصارات مؤكدة، لا ينبغي لهم أن يفرحوا قبل الأوان”. وحذر محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية المستقيل، من اندلاع حرب أهلية شاملة في سوريا.
– يربط المراقبون التحركات المناهضة للإدارة في دمشق بمواقف صدرت عن وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعد، دعا فيها إلى تعزير التحالف مع الأكراد والدروز في سوريا. يربطونها أيضا بمواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأخيرة بشأن تجاه مستقبل الأقليات في هذا البلد.
– في مقابل انتقادات للإدارة الحالية بالبطء في توسيع المشاركة السياسية والعسكرية والحكومية لتشمل كافة المكوّنات السورية، تؤكد مراجع محايدة أن ما يجري أمنيا كان سيجري أيا كان مستوى المشاركة، وأن الشأن السوري هو ميدان صراع بين الدول، وأن ما قد يحصل في هذه المنطقة أو تلك هو جزء من أعراضه.
– كان لافتا صدور بيان سريع عن وزارة الخارجية السعودية، في 7 مارس، أعربت فيه عن “إدانة المملكة العربية السعودية الجرائم التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون ودعم المملكة للحكومة السورية في ما تقوم به من جهود لحفظ الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم الأهلي”.
– يأتي الانفجار الأمني بعد ساعات على إعلان بريطانيا عن رفع حزمة عقوبات عن سوريا، أهمها على المصرف المركزي السوري، وبعد أيام على رفع الاتحاد الاوروبي عقوبات طالت عددا من القطاعات الاقتصادية.
– لفت مراقبون إلى أن التطوّرات الأمنية في الساحل أتت بعد تقارير تحدثت عن قرب إبرام اتفاق بين دمشق وموسكو يتعلّق باحتفاظ روسيا بقاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية الواقعتين في منطقة الساحل السوري، ما أثار أسئلة بشأن استهداف هذه التطوّرات مصالح روسيا في سوريا.
– حذر مراقبون الإدارة السورية من مغبة الانجرار إلى فخّ الساحل واستخدام العنف المفرط، بما قد يقوّض حملة العلاقات العامة التي نجح الشرع وفريقه من خلالها من جذب اهتمام دولي بالتحوّل السوري.

خلاصة:

**تعتبر الهجمات التي شنّتها جماعات موالية للنظام السابق أكثر الهجمات شراسة، وتمت بكل منسق وفي مناطق مختلفة، واستهدفت لاحقا التعزيزات التي أرسلتها سلطات دمشق من مناطق مختلفة من سوريا.
**نشرُ بيان يعلن إطلاق “مجلس لتحرير سوريا”، يوحي بانتقال حالات التمرّد إلى هياكل منظمة، تشمل تحالفات متعددة، ويمكن أن تحظى بدعم خارجي.
**تربك اشتباكات الساحل العملية السياسية التي بوشرت منذ تعيين أحمد الشرع رئيساً وتَعِدُ بإصدار إعلان دستوري، وتشكيل حكومة موسعة، وتعيين برلمان مؤقت، ولجنة لدراسة الدستور الجديد. كما قد يشوه الحدث سمعة النظام الجديد لدى المجتمع الدولي.
**تربط مصادر التطوّرات الأمنية بدعم إيراني لتغييرات في سوريا وفق ما كانت منابر قيادية إيرانية توقعته. ولا تستبعد المصادر تورّط حزب الله من خلال ما يملكه من بنى تحتية عسكرية في سوريا.
**لا يستبعد المراقبون علاقة بين التحرك العسكري في الساحل ومواقف إسرائيلية داعمة للأقليات في سوريا.
**تهدد القلاقل الأمنية في الساحل أمن القاعدتين الروسيتين في هذه المنطقة، ما أثار شبهة تشويش إيراني محتمل على تفاهمات تبرم بين موسكو ودمشق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.