مقتل حاخام في الإمارات: المعطيّات والدلالات
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
تقديم: أثارت مسألة مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات كثيرا من الأسئلة حول ظروف الحدث وملابساته في سياق الحروب في الشرق الأوسط. ورغم أن التحقيقات ما زال غامضة، فإن النقاش يدور حول الجانب الجنائي من السياسي من العملية ومدى ارتباطها بدول أو منظمات ناشطة. تلفت هوية الجناة إلى احتمالات متعددة. فكيف يمكن قراءة هذه الحدث؟
نعرض لذلك لمجموعة من المعطيّات والتحليلات أهمها:
• في 24 نوفمبر 2024، أُعلن في الإمارات عن العثور على جثة الحاخام اليهودي، زفي كوغان، الذي يحمل الجنسيتين، المولدافية والإسرائيلية، بعد اختفائه في 21 من نفس الشهر. وفق مصدر إسرائيلي، فقد عثّر على الجثة بعد العثور على سيارته على مسافة حوالي ساعةْ قيادة من منزله في دبي، حسب مصدر مطلع على التحقيقات.
• في اليوم نفسه أعلنت وزارة الداخلية الإماراتية عن تمكنها “في وقت قياسي من القبض على الجناة في حادثة مقتل شخص مقيم في الدولة يحمل الجنسية المولدوفية بحسب الأوراق الثبوتية التي دخل بها إلى الإمارات”.
• في نفس اليوم أيضا، توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باتخاذ بلاده كافة الوسائل لـ “محاسبة قتلة كوغان ومن أرسلوهم”، معرباً عن تقديره للتعاون الإماراتي في التحقيق بمقتله. ووصف نتانياهو مقتل كوغان بأنه “عملية إرهابية معادية للسامية وشنيعة”.
• في 25 نوفمبر، كشفت وزارة الداخلية الإماراتية أن الرجال الثلاثة المشتبه بأنهم قتلوا الحاخام الإسرائيلي هم من أوزبكستان. وهم: أولمبي توهيروفيتش (28 عاما) ومحمود جون عبد الرحيم (28 عاما) عزيزبيك كاملوفيتش (33 عاما).
• في 25 نوفمبر، نفت السفارة الإيرانية في أبوظبي، في بيان، بشكل قاطع الادعاءات التي تتهم إيران بالتورط في مقتل حاخام يهودي في الإمارات.
• كانت صحيفة يديعوت أحرنوت قالت إن “الجناة لم يتصرفوا بناءً على أوامر من إيران، رغم أن أسلوب التنفيذ مشابه لطريقة عمل طهران مع من وصفتها بشبكات مرتزقة في هجمات سابقة”.
• قال يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى واشنطن إن مقتل كوغان هو جريمة ضد الإمارات و”هجوم على وطننا وقيمنا ورؤيتنا”. وأضاف في بيان “نتبنى التعايش السلمي ونرفض التطرف والتعصب بكافة أشكالهما”.
• قالت مصادر إسرائيلية أن حركة “حباد” هي مجموعة “حسيدية” متشددة يقدم حاخاماتها خدمات لليهود في كل أنحاء العالم. وأن كوغان كان يدير أيضا بقالة “كوشير” في دبي. وأكدت المصادر لا دور سياسيا أو حكوميا له.
• تعتقد مصادر مراقبة أن ثغرة أمنية تمكن المنفذون من النفاذ منها داخل النظام الأمني المشهور بكفاءته ومناعته في دولة الإمارات، وأن التحقيقات ستكشف لاحقا ملابسات الأمر.
• تؤكد المصادر أن كفاءة النظام الأمني الإماراتي مكّن بشكل سريع من تتبع سيّر المنفذين، والقبض عليهم بعد استعادتهم من تركيا التي تمكنوا من الهروب إليها.
• ترى مصادر متخصصة بعمليات الإرهاب، أن العملية مخططة ومنسقة ومعقّدة وليست عملا فرديا أو مستقلا، وأنه لا يمكن لثلاثة أشخاص أجانب أن ينفذوا العملية من دون تخطيط تقف وراءه جهات محترفة. ومع ذلك ليس هناك معطيات كافية تدعم ربط هذه المجموعة بجماعات أو جهات معروفة.
• تستبعد مصادر إسرائيلية ان تكون إيران متورطة في هذه العملية، وتبحث إمكانية ارتباط الجناة بجماعات معروفة مثل داعش والقاعدة أو بجماعات جديدة غير معروفة.
• ترى هذه المصادر أن الأمر يوجه تهديدا لحرية تنقل المواطنين الإسرائيليين إلى الدولة الموقعة على الاتفاقات الإبراهيمية، لكنه يأتي في مرحلة فوضى في المنطقة بحيث من الصعب اعتباره حملة دائمة ومنهجية.
• تقول مصادر متخصصة إن هوية الجناة من أوزبكستان ترجّح فرضية ارتباطهم بجماعات بدأت تنشط في آسيا الوسطى، وسبق لها أن نفذت هجمات داخل الاتحاد الروسي، وكان آخرها ضد كنيس يهودي في داغستان في 23 يونيو 2024.
• تستبعد نفس المصادر تورّط تركيا مباشرة بالعملية، بل على العكس فإن أنقرة تحرّكت بسرعة للقبض على الجناة على أرضيها وتسليمهم فورا إلى الإمارات، بما يؤشّر إلى أعلى درجات التنسيق الأمني بين البلدين.
• تلفت المصادر إلى تحوّل تركيا إلى بلد استضافة لشرائح اجتماعية واسعة من مواطني وسط آسيا، ما يعزّز احتمال وجود نشاط لجماعات هذه المنطقة في هذا البلد.
• قالت مصادر إسرائيلية إن أمر التحقيق في هذه العملية يجري بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والإماراتية. وكشفت أن عمليات التنسيق بدأت منذ قيام الموساد الإسرائيلية باغتيال قيادي حماس، محمود المبحوح، في دبي في 19 يناير 2010، وما رافق ذلك من غضب عبّرت عنه الإمارات وأجهزتها آنذاك.
• على الرغم من احتمال أن يكون للعملية دوافع جنائية وليس سياسية، إلا أن مراقبين يلفتون إلى أن نتنياهو هو الذي بادر إلى اعتبار الأمر معاديا للسامية مستبقا بذلك نتائج التحقيقات.
• اعتبرت مصادر إسرائيلية بأن نتنياهو يسعى من خلال إثارة مسألة معاداة السامية في حادثة الامارات، إلى الاستفادة من ذلك لدعم مواقفه السياسية في الداخل والخارجية.
خلاصة:
**تمكّنت الإمارات من الكشف بسرعة قياسية عن ملابسات مقتل الحاخام الإسرائيلي واعتقال الجناة بعد تسليمهم من قبل تركيا.
**مع احتمال الطابع الجنائي للعملية، إلا أن نتنياهو سارع إلى اعتبارها عملا إرهابيا ضد اليهود وأنها تصبّ في إطار معاداة السامية.
**يستبعد متخصصون أن تكون العملية عملا فردي، ويرجّحون أنها عملية منسّقة معقّدة تقف وراءها جهات متخصصة.
**تعتبر بعض المصادر أن هوية الجناة من أوزبكستان قد ترجّح فرضية أنها مرتبطة بجماعات ناشطة في آسيا الوسطى، سبق لها أن قامت بعلميات داخل الاتحاد الروسي.
**ترى مصادر إسرائيلية أن العملية، في حال كانت سياسية، تهدد تحرّك الإسرائيليين باتجاه الدول الموقعة على الاتفاقات الإبراهيمية.