مقتل الرئيس الإيراني: السيناريوهات وتداعياتها

تقدير موقف اولي، مركز تقدم للسياسات.

تطرح مسألة تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أسئلة ملحّة بشأن الظروف الغامضة التي أدت إلى هذا الحادث وسط تضارب سيناريوهات بشأن الجهات المستفيدة والمتضررة من غياب الرئيس الإيراني ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. وفيما لم يصدر عن طهران ما يرجّح فرضية ألا يكون مقتل الرئيس ومرافقيه حادثا طبيعيا، غير أن الأمر يبقى غير مستبعد.
لرصد سياق الحدث وتفسيراته حريّ التوقف عند النقاط التالية:
– يأتي الحدث في ظل توتّر شديد في الشرق الأوسط وتصاعد مستويات الصدام بين إيران وإسرائيل منذ قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 ابريل ورد إيران المباشر في 13 وردّ إسرائيل في 19 من نفس الشهر.
– وجب عدم إهمال أن رئيسي كان عائدا من أذربيجان التي تعتبر دولة على خلاف مع إيران. ولطالما اتهمت طهران باكو بالتآمر ضد النظام في إيران، خصوصا أن أذربيجان تقيم علاقات متينة مع إسرائيل وجرى بين البلدين تعاون متقدم في شؤون الدفاع والأمن. إذا ما كانت إسرائيل مسؤولة عن الحادث، فإن للأمر أسبابا عامة على علاقة بحالة العداء وتبادل الضربات خصوصا في سياق التصعيد منذ عملية “طوفان الأقصى”. لكن تطوراً ملفتا في الأيام الأخيرة لجهة حالة التقارب بين واشنطن وطهران قد تكون عاملا ودافعا في هذا الصدد
– تنظر إسرائيل بعين القلق إلى ما أعلنته إيران من استعداد للانفتاح على مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. وكان لاستجابة الولايات المتحدة السريعة وإرسالها وفدا دبلوماسيا أميركيا للقاء وفد إيراني في مسقط ما يمكن أن يستفزّ إسرائيل ويرفع من مخاوفها من احتمالات تقارب تحتاجه إدارة بايدن انتخابيا ويضعف موقف إيران.
– تحتاج إسرائيل إلى إحداث حالة إرباك داخل إيران وخلط أوراق الإدارة في طهران في استراتيجية يراد منها إضعاف الموقف الإيراني العام وربما جعل الوضع الداخلي أولوية تفوق أي أولويات في المنطقة.
– لا يبتعد الوضع الداخلي الإيراني عن دائرة الشك. ففريق الرئيس رئيسي ووزير خارجيته تولوا ملف الانفتاح عل عديد من الدول الإقليمية. وإذا ما كان آخر حلقات هذه السياسة هي الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني إلى أذربيجان، فإن هذا الفريق هو الذي اشتغل على ملف الانفتاح على بعض دول العالم العربي لا سيما الإمارات والسعودية، وهو وراء التوجه لإبرام اتفاق بكين برعاية الصين بين الرياض وطهران في 10 مارس 2023.
– كانت سرت أنباء عن معارضة من داخل بعض التيارات المتشددة في إيران لهذا التوجه. وكان الوزير عبد اللهيان قد مارس ضغوطا على حزب الله في لبنان والفصائل الموالية لإيران في العراق من أجل التأقلم مع السياسة الجديدة حيال السعودية والخليج وسط كثير من الامتعاض لدى هذه الفصائل كما داخل إيران نفسها.
– رغم أن المرشد على خامنئي كان داعما لسياسات الانفتاح على الجوار والتي كادت في عهد فريق رئيسي أن تشمل مصر، غير أن مصلحة المتضررين من هذه السياسية قد تقتضي القضاء على الواجهة التي يستخدمها خامنئي لإرباك هذا المسار أو تأجيله.
– في السيناريوهات الداخلية وجب عدم استبعاد أن يكون الحدث مرتبطا بالصراعات بشأن مستقبل منصب المرشد بعد وفاة خامنئي. بعض التحليلات سبق أن تحدّثت عن أن رئيسي كان من الأسماء المرشحة لتبوء هذا المنصب منافسا أسماء أخرى من بينها مجتبى نجل خامنئي نفسه. وقد يكون للأمر علاقة بترتيب البيت الداخلي داخل جناح المحافظين الذي يتولى مقاليد السلطة.

خلاصة:

**لا تلغي فرضية الحادث الطبيعي فرضية عملية اعتداء طالت طائرة الرئيس بالذات فيما نجت بقية الطائرات المرافقة رغم مرورها في نفس منطقة الأحوال الجوية السيئة.
**الضرورات والأجندات السياسية هي التي ستقرر تعريف طهران لهذا الحادث. فحتى لو كان الحادث مدبّرا فقد تستمر إيران في تبني رواية الحادث الطبيعي إذا ما كانت مصالحها الخارجية وحساباتها الداخلية تقتضي ذلك.
**من المستبعد أن يؤدي الحادث إلى ارباك داخلي طالما أن السلطة الحقيقية هي في يد المرشد وليست في يد الرئيس والحكومة، ومع ذلك فإنه من غير المستبعد اندلاع صراع ما لإعادة تكوين السلطة برئيس وحكومة جديدين.
**كان لافتا ردود الفعل العربية والدولية المتضامنة مع المصاب الإيراني ما بعث برسائل إيجابية صوب إيران من الممكن أن تشكّل بيئة مفترضة لتحولّات ما في سياسة إيران الخارجية، علما إلى أن ذلك لن يكون عاملاً كافيا لإحداث تغير في عقائد الحكم في طهران.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.