مصر-السعودية: جدل بشأن مقر الجامعة العربية وأمينها العام
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
ورقة سياسات
ملخص تنفيذي:
-الجدل لا يدور بين المواقع الرسمية لدى مصر والسعودية، لكنه يروج على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعبّر عادة عن أي خلاف بين البلدين.
-مصادر برلمانية مصرية تدعو إلى “التفكير بعقلانية” لنقل مقر الجامعة إلى الرياض وتعيين أمين عام سعودي.
-رفض في مصر لفكرة التخلي عن الجامعة ودفاع عن أحقية مصر بحكم الموقع والوزن الديمغرافي.
-الجدل ليس جديدا سبق لدول عربية أن خاضته واعترضت على احتكار مصر للمقر والمنصب.
تقديم:
في سياق انتهاء ولاية الأمين العام لجامعة الدول العربية قريبا، نقلت وسائل الإعلام جدلا يجري بين مصر ودول عربية، لا سيما السعودية، بشأن احتكار مصر لمقر الجامعة ومنصب أمينها العام، وتطالب بالتداول على المنصب من ضمن مطالب أخرى بنقل المقر إلى الرياض. ووسط الصمت الرسمي في القاهرة والرياض، تراقب المصادر جدلا بالواسطة يجري بين العاصمتين تعبّر عنه منصات الإعلام الاجتماعي لدى البلدين.
مرشح مصري لخلافة أبي غيط:
لم يصدر عن الجهات المصرية والسعودية الرسمية أية إشارات تشي بوجود خلاف بين القاهرة والرياض بشأن مستقبل جامعة الدول العربية وأمينها العام. غير أن وسائل التواصل الاجتماعي شهدت جدلا بهذا الصدد اتّخذ أهميته من كون تلك الوسائل طرقا شبه رسمية يتم استخدامها للتعبير عن المزاج الرسمي من غير أن يكون صادرا عن منابر رسمية لدى البلدين.
وما أظهرته تلك الوسائل شهد نقاشا بشأن امكانية نقل مقر الجامعة إلى السعودية أو أن يكون الأمين العام سعوديا أو الاثنين معا. ويعود هذا النقاش إلى قرب انتهاء الولاية الثانية للأمين العام الحالي، أحمد أبو غيط، وما نقل عنه من عدم رغبة بالتجديد له في هذا المنصب. ومعروف أن القاهرة هي مقر الجامعة ويقضي العرف المتداول أن يكون الأمين العام من دولة المقر، لكن بدون إلزام قانوني بذلك.
وقالت مصادر ديبلوماسية مصرية مراقبة إن مصر طرحت خلال مداولات خلفية اسم رئيس الحكومة المصري الحالي مصطفى مدبولي لتقلّد منصب الأمانة العامة، بما يشكّل سابقة في تاريخ الجامعة، منذ تأسيسها عام 1945، لجهة أن يأتي الأمين العام من منصب رئاسة الحكومة في مصر بعد أن درج تولي المنصب من قبل وزراء خارجية سابقين.
وسرّبت تقارير إعلامية أن مدبولي يتمتع بثقة كبيرة من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومؤسسات الدولة المصرية. كما كشفت تقارير أن مصر كانت طرحت اسم وزير الخارجية الحالي بدر عبد العاطي، والسابق سامح شكري. وتكمن حيثيات الجدل الذي تنقله وسائل التواصل الاجتماعي في أن معلومات قالت إن هناك مناخاً عربيا مستجدا يطالب بالتداول على المنصب.
ويتسرّب من المصادر المصرية أن الجدل هذه المرة بشأن هذه المسألة يأخذ واجهة جديدة، فالاعتراضات المزعومة خليجية، فيما تظهر رغبة في أن يكون المرشح لمنصب الأمين العام للجامعة سعوديا. حتى أن بعض المعلومات التي نُسبت إلى مصدر دبلوماسي أفادت بأن قرار مصر بالتخلي عن دفع وزير خارجيتها السابق سامح شكري للمنصب يعود إلى اعتراضات على شخصيته، جميعها خليجية. أضافت المصادر أن مصر طرحت اسم مدبولي بديلا باعتباره أحد الوجوه التي لم يعرف عنه جدل مع العواصم العربية أو خلاف معها.
وكانت قد شهدت إحدى الدورات ترشيح قطر لممثل لها لتولي المنصب في انتخابات 2016، لكن مصر دعمت أحمد أبو الغيط الذي فاز بالمقعد ليستمر لفترة أخرى تنتهي في سبتبمر 2025.
منذ إنشاء الجامعة العربية في مارس 1945، تحتضن القاهرة مقرها، حيث نص ميثاق الجامعة، في المادة العاشرة منه، على أن تكون القاهرة هي المقر الدائم للجامعة العربية، أما مجلس الجامعة فمن الممكن أن يجتمع في مكان غيره، ما يعني أن أي قرار بنقل الجامعة من مقرها يعد غير صحيح، إلا إذا تم تعديل ميثاق الجامعة. وظل مقر الجامعة في القاهرة، حتى نقل إلى تونس عقب توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979
وقد تولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية منذ انشائها مصريين باستثناء الفترة من 1979 حتى 1990 حيث كان الأمين العام تونسي هو الشاذلي القليبي، ومن بعدها تولى السفير أحمد عصمت، ثم السفير عمرو موسى، ثم السفير نبيل العربي وأخيرًا السفير أحمد أبو الغيط من عام 2016 وحتى الآن.
مناخ خليجي جديد:
تداولت مصادر مراقبة معلومات تكشف أن قطر والسعودية يريدان أن يكون الأمين العام لجامعة الدول العربية في الفترة المقبلة أحد مرشيحها، وهو ما يسعيان إليه الآن من خلال الحصول على دعم الدول العربية للمرشح الذين يرغبون في دعمه في خلال الفترة المقبلة.
يدعم هذه الأنباء خروج أصوات سياسية وإعلامية داخل قطر والسعودية تطالب بنقل مقر جامعة الدول العربية من مصر إلى السعودية وأن يكون منصب الأمين العام للجامعة سعوديا أو قطريا. واعتبرت تلك الأصوات سبب طلبها يعود إلى أن السعودية تلعب دورا بارزا خلال الفترة المقبلة للمّ شمل العرب إلى مستوى رفيع، خصوصا أن الرياض باتت تتحدث باسم العالم العربي، بدليل الضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سوريا، وحالة الوهج السياسي التي لعبته السعودية أثناء زيارة ترامب للرياض مؤخرا.
ويعتقد أن الجدل الذي ظهر على وسائل الإعلام الاجتماعي يعبّر عن خلاف بين القاهرة والرياض في ملفات عديدة يبرز بمناسبة اختيار أمين عام جديد للجامعة. وتقول مصادر مراقبة متابعة لهذا الملف إنه في حال لم تنجح الرياض بالحصول على الأمانة العامة، فإنها لن تتخلى عن طموحها بأن يكون الأمين العام المساعد سعودياً، مع صلاحيات واسعة. ومع ذلك لك يصدر عن الرياض ما يشي بترشيح لأحد شخصياتها أو مطالبة معيّنة بشأن الجامعة.
جدل قطر والسودان والجزائر:
لم تخرج أنباء رسمية سعودية أو قطرية لتعلن عن مطالبها بنقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة أو ترشح شخصيات سعودية أو قطرية لمنصب الأمن العام لجامعة الدول العربية. لكن الجدل حول المنصب ليس جديدا، فقد حاولت دول مثل قطر والسودان كسر هذا الاحتكار المصري في عام 2011، بترشيح عبد الرحمن العطية، الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، لخلافة عمرو موسى، إلا أن التوافق العربي في النهاية ذهب لصالح مصر، عبر ترشيح نبيل العربي بديلًا لـمصطفى الفقي الذي افتقد الإجماع حينها. وفي عام 2016، أثارت قطر تحفظًا واضحًا على ترشيح أحمد أبو الغيط، بسبب دوره خلال نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، لكنها وافقت لاحقًا “حفاظًا على وحدة الصف”، حسب تصريحات رسمية.
وكان جدل قد اندلع على المستوى الرسمي بين مصر والجزائر بشأن منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية في فترات متعددة. وقد أثيرت عام 2016 مسألة “الهيمنة المصرية” على منصب الأمين العام، حيث اعتبر البعض أن المنصب أصبح بمثابة “وزير خارجية مصر الثاني” بسبب سيطرة مصر الطويلة عليه. وتصاعد الجدل المصري الجزائري عام 2021 عندما شنّت وسائل إعلام جزائرية انتقادات لمصر، متهمة إياها بالاستيلاء على رئاسة الجامعة العربية وإضعاف فعاليتها في معالجة القضايا العربية. كما برزت عام 2022 أزمة جديدة عندما طرحت الجزائر مقترحًا لسحب رئاسة الجامعة من مصر وتغيير طريقة عملها، بحيث لا يكون الأمين العام من دولة المقر (مصر). كما تضمنت مناقشات قمة الجزائر (أكتوبر 2022) دعوات الجزائر لإصلاح الجامعة، مما أثار جدلاً حول دور مصر.
جدل مصري-مصري:
غير أن أحد السياسيين المعتمدين عادة للتحدث عن الموقف المصري الرسمي أثار جدلا بإدلاء دلوه المفاجئ في هذا الصدد. فقد أثار عماد جاد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بدعوته نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى السعودية، ردود فعل واسعة في مصر.
وكان جاد استخدم حسابا له على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “دعوة للتفكير بهدوء” معتبرا أن “تولي المملكة العربية السعودية رئاسة جامعة الدول العربية ونقل مقرها إلى الرياض أو أي مدينة سعودية أخرى هو قرار موضوعي ومفيد لكافة الدول العربية”. أضاف أن “العرب جاءوا من السعودية واليمن، ووفق التوازنات القائمة حاليا أحسب أنه من الأفضل للجميع القبول بنقل مقر الجامعة العربية إلى السعودية، وأن يكون أول أمين عام جديد سعودي الجنسية”.
ولم يحسم المراقبون دوافع جاد، وهو عضو في مجلس الشعب المصري، بما يضفي موقفه صبغة برلمانية محدودة. وفيما قد يُشتم من إشارته تلميحا مصريا للنقاش والتفاوض، فإن ذلك الموقف قوبل بردود مصرية مضادة مستهجنة رافضة.
تراوحت تلك المواقف بين المخاوف على “الهوية العربية ووحدة الأمة”وتبعات خطيرة “على حاضر الأمة ومستقبلها، ويضعف دور مصر القيادي، ويوحي، ولو دون قصد، بأنها ليست عربية الأصل، بل طارئة على هذا الانتماء”. فيما رأت آراء أخرى أن مصر هي الثقل البشري والسياسي، وهي من يجب أن تبقى على رأس العمل العربي، أما الأمين العام للجامعة فـ “يجب أن يكون من بلد له عمق حضاري حقيقي، لا صناعة أجنبية ولا منتجا سياسيا غربيا”.
بالمقابل حذّر الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى من محاولات لإثارة الفتنة بين الدول العربية، ولا سيما بين مصر والسعودية، في ظل ظروف إقليمية معقدة تمر بها المنطقة. ودعا إلى تجنب الانجرار وراء التعليقات العنيفة والمضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعتمد على معلومات مشوشة أو مضللة تستهدف ضرب العلاقات. وأكد موسى أن العلاقة بين مصر والسعودية تمثل ركيزة أساسية في العالم العربي.
عادل الجبير مرشحاً؟
تقول بعض المصادر السعودية غير الرسمية إن الرياض تجري اتصالات مع الدول العربية لترشيح عادل الجبير، لمنصب الأمين العام للجامعة. لكن أمر هذا الجدل ظهر على وسائل الإعلام السعودية كشكل من أشكال السجال الصامت بين القاهرة والرياض.
فقد دعا الكاتب السعودي، عبيد العايد إلى وقف “احتكار” مصر للأمانة العامة في جامعة الدولة العربية، داعيا إلى إسناد هذا المنصب الذي تستأثر به مصر، إلى “أعلام العرب ودهاة السياسة”.
وقال إن الوقت قد حان”لخروج الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من إحتكار الخارجية المصرية”. مرشحا شخصية سعودية لتولي المنصب. وأضاف العايد: “يستحق الداهية والمتحدث اللبق والقوي معالي وزير الدولة عادل الجبير أن يحظى بدعم السعوديين وكل العرب لرئاسة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية”.
من جهتة قال الكاتب السعودي خالد الدخيل: “تقدمت حكومة مصر بطلب التجديد للأستاذ أحمد أبو الغيط أمينا عاما للجامعة العربية. تنطلق في ذلك من تقليد بدأ مع تأسيس الجامعة سنة 1945 أن يكون أمينها العام مصريا”.
وأضاف أن هذا أمر كان مفهوما آنذاك، مستدركا بالقول: “بعد 75 سنة حان الوقت أن يتقاعد هذا التقليد. ليس من مصلحة مصر ولا الجامعة أن تحتكر دولة هذا المنصب للأبد”.
أولاً: الخلاصة الاستنتاجات
** الجدل حول مقر الجامعة ومنصب الأمين العام يعكس تحولات في التوازنات العربية: تزايد الأصوات الخليجية، لا سيما السعودية والقطرية، للمطالبة بتداول منصب الأمين العام ونقل مقر الجامعة يعكس رغبة في إعادة تشكيل الدور القيادي داخل النظام العربي الرسمي، بالتوازي مع بروز محوري خليجي واضح في السياسات العربية والإقليمية.
** الخلاف لم يصل بعد إلى مستوى رسمي، لكنه يعبر عن مزاج سياسي جديد: استمرار الصمت الرسمي من مصر والسعودية يشير إلى رغبة في تجنب التصعيد، لكن ما يدور على وسائل التواصل الاجتماعي يعكس حالة “دبلوماسية ناعمة” غير معلنة، تستهدف اختبار ردود الفعل وتوجيه الرأي العام.
** مصر تعتبر الجامعة ركيزة من ركائز دورها الإقليمي: الرفض المصري لفكرة نقل المقر أو التخلي عن منصب الأمين العام يعكس إدراكًا عميقًا لأهمية الجامعة في ترسيخ النفوذ السياسي والدبلوماسي لمصر داخل العالم العربي.
** المطالب الخليجية ليست جديدة لكنها أكثر تنظيماً هذه المرة: سبق وأن طُرحت هذه المطالب في مراحل سابقة (من قطر، الجزائر، السودان…) لكنها لم تجد الزخم السياسي أو التوافق الضروريين، أما اليوم فهناك توجه خليجي منسق نسبياً، تدعمه متغيرات إقليمية ودولية.
** انقسام في الرأي العام المصري حول مدى “واقعية” الموقف الراهن: وجود شخصيات مصرية تدعو لنقل المقر أو التنازل عن المنصب (مثل عماد جاد) يعكس نقاشًا داخليًا حول ما إذا كان من الأفضل التفاعل مع هذه المطالب أم مقاومتها كليًا.
** عدم وجود توافق عربي حقيقي على بديل مصري: رغم وجود طموحات خليجية، لم تظهر حتى الآن شخصية قادرة على حشد توافق عربي شامل، ما يفتح الباب أمام بقاء الوضع الراهن أو البحث عن تسويات مرحلية (مثل منصب أمين عام مساعد بصلاحيات موسعة).
ثانياً: التوصيات
** إطلاق حوار عربي شامل حول إصلاح الجامعة: بدلاً من التنافس على المقر أو الأمانة العامة، يُستحسن فتح نقاش مؤسسي حول إصلاح عمل الجامعة العربية، وتطوير آليات التمثيل والتداول الوظيفي، ما يخفف من الطابع “الشخصي” والاحتكاري للخلاف.
** اعتماد آلية دورية لتناوب منصب الأمين العام: يمكن التفكير في تعديل العرف غير المكتوب الذي يربط بين مقر الجامعة وجنسية الأمين العام، عبر اعتماد مبدأ التناوب بين الدول العربية الكبرى، دون المساس بوحدة الجامعة ومقرها.
** تعزيز الدور المؤسسي للجامعة لا الشخصي: يجب أن يتم التركيز على تطوير قدرات الجامعة ككيان إقليمي فاعل، بغض النظر عن جنسية الأمين العام، ما يساهم في ترسيخ الحوكمة العربية ويمنع التوظيف السياسي للمنصب.
** تعزيز التفاهم المصري-السعودي لاحتواء التوترات: لا بد من تفعيل قنوات التواصل بين القاهرة والرياض لتفكيك عناصر التوتر، وتفادي الانجرار وراء خطاب الاستقطاب الإعلامي، لا سيما في ملفات حساسة تمس الرمزية والدور القيادي.
**تفادي التصعيد الإعلامي المتبادل: يُنصح بضبط الخطاب الإعلامي داخل مصر والخليج لمنع تشويه العلاقات الثنائية، والابتعاد عن الشخصنة، والتركيز على الأهداف الاستراتيجية المشتركة بين العاصمتين.
**ضرورة التفرقة بين النقاش المشروع والحملات الدعائية: ينبغي التعاطي بمرونة مع الأصوات المنادية بالإصلاح داخل الجامعة، ولكن مع الحذر من تسييس المطالب أو توظيفها ضمن صراعات نفوذ إقليمية.
**تشجيع المقاربة الواقعية داخل مصر: على القاهرة أن تعيد تقييم موقفها في ضوء التحولات الجارية، مع الحفاظ على ثوابتها، لكن مع الانفتاح على صيغ جديدة تضمن لها دوراً محورياً دون الإصرار على “الاحتكار”.