مصالح القوى الكبرى في حرب الهند وباكستان
د. محمد قواص، تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم: يسلط انفجار الوضع بين الهند وباكستان المجهر على مواقف الدول الكبرى المتصارعة في المنطقة وتموضعها لصالح أطراف الصراع. فما هي تداعيات الحدث على الخارطة الجيوستراتيجية المرتبطة بالصراع بين الصين والولايات المتحدة، وما هو موقف روسيا ودول العالم من الحدث؟
في التفاصيل:
-في 8 مايو 2025، أعلنت باكستان أن جيشها أسقط 12 طائرة هندية بدون طيار انتهكت مجالها الجوي، فيما ذكرت الهند أنها قصفت 9 مواقع باكستانية وأن التصعيد العسكري أدى لإغلاق نحو 25 مطاراً هندياً ووقف الرحلات الجوية.
-في 7 مايو، أعلنت الهند عن إطلاق عملية “سيندور”، حيث شنت قواتها “ضربات صاروخية دقيقة” على 9 مواقع في باكستان تضمّ “بنى تحتية إرهابية”. تأتي تلك الضربات في إطار الرد على هجوم “باهالغام” الذي وقع في الشطر الهندي من كشمير، في أبريل، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 26 سائحًا (25 مواطنًا هنديًا ومواطن نيبالي واحد (.
-اتهمت الهند جماعة “عسكر طيبة” المتواجدة في باكستان، بتنفيذ الهجوم، كما اتهمت الهند باكستان بالضلوع في الهجوم، وقالت إن إثنين من المهاجمين الثلاثة المشتبه بهم يحملان الجنسية الباكستانية.
-رفضت باكستان هذا الاتهام، ودعت إلى إجراء تحقيق محايد في الهجوم. لكنها قالت إنها “على أتم الاستعداد” للدفاع عن نفسها في حال تعرضها لهجوم، مما أثار دعوات من قوى عالمية لخفض التصعيد.
-في 6 مايو، شجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تهدئة التوتر بين الهند وباكستان. وأعرب عن استعداده للمساعدة في تخفيف حدة التوتر الحالي.
-في 7 مايو دعت وزارة الخارجية الصينية، في بيان الهند وباكستان إلى التزام ضبط النفس والمحافظة على الهدوء، وتجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى التصعيد.
-قال وزير الخارجية الصيني لنظيره الباكستاني، وفق بيان: “بصفتها الصديق الموثوق لباكستان وشريكها الإستراتيجي في جميع الظروف فإن الصين تدرك تماما المخاوف الأمنية المشروعة لباكستان وتدعمها في حماية سيادتها ومصالحها الأمنية”. ما فسره المراقبون تحذيرا للطرف الهندي.
-في 5 مايو، قالت وزارة الخارجية الروسية إنَّ الوزير سيرجي لافروف، تحدث إلى نظيره الباكستاني إسحق دار، وعرض عليه مساعدة روسيا في حل الخلافات بين باكستان والهند بشأن كشمير.
-تعتقد مراجع متخصصة في الشؤون الآسيوية أن القوى الكبرى مسؤولة عن تفاقم التوتّر التاريخي بين البلدين والذي أدى إلى اندلاع الحرب بسبب تجاهلها للقرارات الدولية المتعلّقة بإقليم كشمير، وتجاهل حقّ الأغلبية المسلمة في الإقليم في تقرير المصير، كما تجاهل المطالبة بتحقيق دولي بشأن الهجوم الذي استهدف “باهالغام”.
-ترى هذه المراجع أن حربي غزّة وأوكرانيا أوحت للنظام الدولي بالعمل بمنطق القوة بما يبرر الردّ الهندي من دون وجود رادع تفرضه الدول الكبرى على أي من الأطراف. وأن حديث ترامب عن شراء غرينلاند والسيطرة على قناة بنما وضمّ كندا أوهن قواعد النظام الدولي.
-تستبعد مصادر مراقبة أن تكون الحرب بين البلدين هي بالوكالة بين الولايات المتحدة حليفة الهند والصين حليفة باكستان. وتعتبر أنها حرب تنهل حوافزها من أسباب تاريخية وأن التوتّرات عادة ما تكون لأسباب داخلية وأن إسلام أباد ونيودلهي لطالما أجادا الخروج من مآزقهما كلما تفاقمت.
-تستغرب مصادر متخصصة بالشؤون الهندية إفراط الهند في الانتقام لهجوم “باهالغام” الملتبس، ويعتبرون الهجوم اخفاقا أمنيا هنديا في منطقة في كشمير تبعد عن الحدود الباكستانية حوالي 300 كلم.
-ترجّح هذه المصادر حاجة التيار الهندوسي المتطرف إلى تصعيد الموقف مع باكستان بغية تعظيم قدرة الهند على حماية أراضيها. وتضيف أن أسبابا انتخابية يحتاجها هذا التيار داخل الدولة يقف وراء التوتّر الهندي في معالجة موقف أمني ليس الأول في كشمير.
-يرى خبراء عسكريون أن الهند تتفوق عسكريا، لكن لا مصلحة لها بخوض حرب طويلة الأمد ضد باكستان ستؤثر على أدائها وخططها الاقتصادي ويخفف اندفاعاتها لتبوء الصدارة بين الدول الأكثر نموا في العالم.
-لاحظ المراقبون أن لهجة واشنطن وبكين كما لهجة دول العالم لا سيما دول الخليج تدعو إلى التهدئة وتحكيم العقل والعودة إلى الحوار بما يحرم هذه الحرب من أية بيئة حاضنة أو مشجعة، بما يعني أن لا أحد من القوى السياسية والاقتصادية الكبرى مستفيد من انفجار الوضع في آسيا.
-يرى متخصصون في الشؤون الصينية أن بكين تنتهج مع الحدث نفس السياسة التي انتهجتها حيال حرب أوكرانيا لجهة عدم الدعم العسكري المباشر للحلفاء والدعوة إلى التسوية السياسية. ويعتقد أن الصين تبدي حرصها على علاقتها واستثماراتها الباكستانية، لكنها حريصة على التهدئة وعدم جرّها إلى موقف يؤجج توترات الحدود بين الصين والهند.
-يذكّر المتخصصون أن إقليم كشمير ينقسم إلى 7 مناطق تسيطر الهند على 3 منها وتسيطر باكستان على 2 وتسيطر الصين على 2. وتطالب الهند بالسيطرة التامة على المناطق السبع ووضعها تحت السيادة الهندية ورفض تنظيم أي استفتاء، ما يجعل من الوساطات الدولية أمرا معقدا.
-على الرغم من أن بعض التحليلات تعتبر أن للولايات المتحدة مصلحة في استنزاف الصين من خلال هذه الحرب، إلا أن مصادر أميركية مراقبة ترى أن لا مانع لإدارة ترامب في أن تسجل حليفتها الهند انجازات في هذه الحرب على أن لا تذهب الأمور إلى المسّ بقواعد الصراع الدولي الاستراتيجي في تلك المنطقة.
-تقول مصادر مراقبة للشأن الروسي أن موسكو اتخذت موقفا محايدا على الرغم من تعويل روسيا على مصالحها مع الهند أكثر منها مع باكستان. غير أن موسكو تراعي أيضا مصالحها مع الصين وتتفهم حسابات بكين في باكستان، ولا تنسى أن الصين والهند أنقذتا صادرات الطاقة الروسية بعد المقاطعة الأوروبية بسبب حرب أوكرانيا.
خلاصة:
**يستبعد المحللون وجود حرب صينية أميركية بالوكالة من خلال الحرب بين باكستان والهند، ويرون أن لا مصلحة للقوى الكبرى بنشوب حرب بين الدولتين النوويتين قد لا يمكن السيطرة على نهاياتها.
**لا يضير الولايات المتحدة اتاحة الفرصة المناسبة لحليفتها الهند في تسجيل إنجازات وقواعد لعبة جديدة في المنطقة ترجّح كفة نفوذ واشنطن في المنطقة.
**تحرص الصين على شراكتها واستثماراتها مع باكستان لكنها تتخذ موقفا شبيها بموقفها من حرب أوكرانيا لجهة تجنب الدعم العسكري لباكستان مخافة اشعال التوترات على الحدود الصينية الهندية.
**تراعي روسيا مصالح الصين في باكستان لكنها تعوّل على مصالحها مع الهند أكثر من مصالحها مع باكستان. ولا تنسى موسكو أن الصين والهند أنقذتا صادراتها من الطاقة بعد المقاطعة الأوروبية بسبب حرب أوكرانيا.
**يستبعد مراقبون قدرة النظام الدولي على التوسط في نزاع ترفض الهند تدويله وتعتبر كشمير أراض هندية محتلة وليست مناطق متنازع عليها وتطالب بالسيادة الكاملة عليها.
**رغم التفوّق العسكري للهند، فليس من مصلحتها خوض حرب طويلة مع باكستان ستستنزف خططها التنموية التي تضعها في مصاف الدول المتقدمة.
**تقابل القوى السياسية والاقتصادية الكبرى بما فيها دول الخليج هذه الحرب بحذر والمطالبة بالهدوء وتحكيم العقل والحوار بما يحرم هذه الحرب من بيئة حاضنة مشجعة.