مستشار الأمن القومي الأمريكي في السعودية:
محاولة انقاذ التراجع في الوظيفة والنفوذ الإسرائيلي
ورقة سياسات: امير مخول
مركز تقدم للسياسات
تقديم: في مؤتمره الصحفي قبيل زيارته الى المملكة العربية السعودية 5 ايار/مايو، صرّح مستشار الامن القومي الامريكي جيك سوليفان بأن الولايات المتحدة عازمة على بذل كل الجهود للتطبيع الكامل بين السعودية واسرائيل وأن بلاده عاقدة العزم على تحقيق هذه الغاية التي تعتبرها أولوية و”مصلحة أمنية أمريكية على رؤوس الأشهاد”.
في الملف النووي الايراني أكد سوليفان، ان بلاده ستقوم بكل الخطوات المطلوبة لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، بل أكد ان بلاده تقوم بالتعاون مع كل حلفائها في المنطقة بما فيهم إسرائيل التي يتم التعاون معها بشكل يومي وعميق للغاية.
في وقت تتصاعد حدة التوترات الامريكية الروسية في أوكرانيا، والامريكية الصينية في خليج تايوان وممرات التجارة البحرية وسباق التسلح.
قراءة:
رغم الجفاء العلني وتنافر المصالح الذي شهدته العلاقات السعودية الأمريكية خلال ادارة بايدن، والذي تعمق بعد الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على النظام العالمي وعلى تشابك المصالح الحيوية للسعودية مع الصين وروسيا في مسائل التجارة وأسعار النفط، والتي توجت في اتفاقية إعادة العلاقات الدبلوماسية مع ايران والمترافقة مع سلسلة من التوافقات الاستراتيجية في المنطقة واتفاقات اقتصادية، وما تبعها من مساع جدية لمصالحة عربية وبالذات خليجية مع النظام السوري، فإن الولايات المتحدة عازمة كما يبدو على عدم التسليم بهذه التطورات كونها تؤثر على طبيعة النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب.
أخفقت جهود نتنياهو المباشرة ووعوده لجمهوره بالتطبيع مع السعودية، وشهدت المرحلة تراجعا لوتيرة العلاقات الخليجية الإسرائيلية ولجوهر الاتفاقات الإبراهيمية ولفكرة إقامة نوع من قيادة أركان جماعية واسرائيل في مركزها. بل يمكن الإشارة الى قراءة عربية للمستجدات العالمية وتبلور استراتيجية جديدة تقوم على الانصياع للمصلحة العربية وبالذات الخليجية، والتعاون المكثف مع الصين في مجال التجارة العالمية والتفاهمات مع روسيا في إطار منظمة أوبك وفي مسائل تخص أمن المنطقة، بعيدا عن فكرة تحالفات عسكرية مع اسرائيل كما كانت تنوي الاخيرة في جهدها لتعزيز نفوذها وفي حربها ضد إيران.
يبدو أن الأزمة الاسرائيلية العميقة حيث لا يمكن رؤية مخارج منها في المدى القصير، وتراجع الرهانات على اسرائيل إقليميا، فإن الولايات المتحدة وجدت نفسها بحاجة كبرى للتدخل نحو إرساء التطبيع بين السعودية واسرائيل، كون الإدارة الامريكية تولي أهمية كبرى لإدماج اسرائيل في المنطقة وذلك خدمة للأمن القومي الأمريكي، ومن خلال الوظائف التي توكلها الولايات المتحدة لإسرائيل عوضا عن تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة لصالح تعزيز النفوذ في المحيط الهندي والهادئ لمواجهة الصين.
في هذا الصدد جاء ضم إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” والذي شكل إمعانا أمريكا في تعزيز وظيفة إسرائيل الاقليمية، كما انه محاولة لضبط سلوكها العدواني ولا يتيح لها شن عدوان على إيران لحسابها وبمفردها، بإمكانه أن يشعل المنطقة برمتها وأن يحرف الولايات المتحدة عن مصالحها الحيوية وأولوياتها الاستراتيجية.
في سعيها لإقامة علاقات اسرائيلية سعودية، تعترف الولايات المتحدة فعليا بأن العلاقات السعودية الايرانية وكذلك الخليجية السورية باتت أمرا واقعا، جعلت قانون قيصر يتآكل، كما أنه دليل على ان الولايات المتحدة تعود للتدخل لضبط الأمور بعد انسحابها من المنطقة. كما تأخذ بالحسبان ان دول المنطقة تسعى الى الاستقرار وليس الى مواجهات كبرى مع إيران، بل الى توافق في المصالح. وعليه فإن المعادلة الجديدة أمام ادارة بايدن هي التدخل المباشر والضغوطات على قدر تراجع النفوذ الاسرائيلي الجوهري والوظيفي على السواء وهو تراجع ناتج من ضمن مسبباته عن الازمة الاسرائيلية العميقة.
حين قررت السعودية وإيران اعادة العلاقات بينهما برعاية الصين، فقد اعتبرت بعض القراءات الاسرائيلية بأن هذا التحول قد يجعل السعودية أكثر قابلية لإقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. الا ان منحى التطورات لم يؤشر الى ذلك، بل وجدت اسرائيل نفسها دونما استراتيجية إقليمية واضحة المعالم، بل وتعثرت أيضا فيما راكمته من إنجازات حسب اعتباراتها. وعليه فإن التدخل الأمريكي المكثف لإقامة علاقات سعودية اسرائيلية مردّه اضافة الى ما ذكر، الى ضعف النفوذ الاسرائيلي الذي بات يحتاج بالضرورة إلى الضغط الأمريكي المباشر.
ألمح سوليفان الى المحادثة الهاتفية السرية التي أجراها مع نظيره الإسرائيلي تساحي هنغبي والتي تدخل فيها نتنياهو ايضا، وبأنها جاءت في سياق زيارته للسعودية وعشية القيام بها. إلا أنه لم يفصح عن تفاصيل زيارته للرياض، والتي قد تحمل مقترح صفقة امريكية سعودية كبرى، أو السعي للموافقة على المطلب السعودي بإقامة مفاعل نووي للأغراض المدنية، الا ان اوراق الضغط السعودية تبدو اليوم أكثر قوة من التي تملكها الولايات المتحدة في الاتجاه المعاكس، وبالذات، نظرا للتحكم السعودي بسوق الطاقة عالميا والتقاء مصالحها مع روسيا في هذا الصدد، مما يضع الولايات المتحدة أمام امتحان ليس بالسهل تجاوزه. كما انها ترى في التطبيع تحولا من شأنه لجم عدوانية اسرائيل في المنطقة وهذا ما تسعى تسويقه للسعودية والدول الخليجية.
تشير التحليلات الاسرائيلية بأن الجهود الامريكية لا تشكل أساسا وافيا للعلاقات، بل إن ادارة بايدن وبدعم من أحد أبرز قادة الحزب الجمهوري ليندزي غراهم، تسعى إلى التفتيش عن خطوات تقارب اولية تمهد الطريق لعلاقات رسمية لاحقا، وكان لافتا ان الوفد الأمريكي الى جانب سوليفان شمل كلا من عاموس هوخشتاين المستشار الخاص للرئيس بادين لشؤون الطاقة، وبيرت ماكيرغ مسؤول الشرق الاوسط في مجلس الأمن القومي واللذان غادرا الرياض إلى إسرائيل للقاء نتنياهو.
يسعى نتنياهو الى فتح باب تبادل الطيران لنقل الحجاج الفلسطينيين الى السعودية بمن فيهم من الضفة فلسطينيي 48، كخطوة اولى نحو تعاون اوسع ضمن التطلع الى علاقات تطبيع علنية. وهو مسعى لكسب مزدوج، دبلوماسي واقتصادي على السواء.
يبقى ان المبادرة العربية التي تشترط التطبيع مع اسرائيل بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس بحدود الرابع من حزيران 67 وبحل “عادل ومتوافق عليه لقضية اللاجئين”، وبغض النظر عن المواقف منها، فإنها تحمل اسم السعودية، وليس بهذه البساطة التنصل منها، ولن يكون بإمكان نتنياهو التنصل من “دفع هذا الثمن” والذي لا تتيح له حكومته بتركيبتها الحالية القيام به، ليجد نفسه بحكم موقعه عاجزا في التوصل إلى مخرج. بل يواصل الحديث عن “إنهاء الصراع الإسرائيلي العربي” متجاوزا قضية فلسطين.
خلاصة:
من الصعوبة بمكان التكهن بمدى قدرة سوليفان وادارة بايدن على تغيير الموقف السعودي المعلن من إسرائيل، والمرتبط بالمصالح الحيوية لهذا البلد.
اضطرار الإدارة الأمريكية للضغط العلني والمكثف على السعودية هو دليل ضعف النفوذ الإسرائيلي ودور هذا البلد إقليميا ودوليا في سياق الوظيفة التي تحددها له الولايات المتحدة.
لا يوجد لدى نتنياهو القدرة على الالتزام ولو بالحد الادنى من متطلبات التطبيع مع السعودية، والتوجه نحو ملاقاة شروط المبادرة العربية في قضية فلسطين. يبدو ان السعودية التي باتت تلعب دورا عربيا وإقليميا محوريا، غير قادرة من باب اعتباراتها ومصالحها على التنازل عن هذا الدور لصالح مصالح الولايات المتحدة واسرائيل.
تسعى الادارة الامريكية الى التعامل مع الاتفاق الإيراني السعودي كأمر واقع، وتسعى الى ضبط ايقاع السلوك الاسرائيلي، وترى ان معركتها الكبرى هي مع الصين ونفوذها المتعاظم، وجدير الالتفات الى ان الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد، وأنها لا تملك القدرة على الإبقاء على النظام العالمي ضمن معاييرها ومنظومتها.