ما وراء حرب الدمار الشامل على مخيمات الضفة
مدخل انهاء القضية الفلسطينية وتغيير المنطقة
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
ملخص تقدير موقف:
ما شهده ويشهده مخيم نور شمس ومخيم جنين في شمال الضفة الغربية هو حرب دمار شامل احتلالي واجتثاث للمخيمين ضمن مخطط لاقتلاع معظم مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية كما في قطاع غزة. وهو يلتقي في الرؤية الاسرائيلية مع الحرب المعلنة منذ سنين طويلة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الاونروا والتي بلغت سقفها الاعلى خلال الحرب على غزة. وهل باتت الامور بصدد خلق حالة نزوح قسري في الضفة؟
لقد تم اجتياح مخيم جنين 33 مرة ومخيم نور شمس بعدد مضاهي، وللتنويه فقد سبقت عملية اجتثاث المخيمات الحرب على غزة، وحصريا مخيمات شمال الضفة والاغوار وهي المناطق المستهدفة بالضم وتكثيف الاستيطان، الذي بلغ حد بدء الاجراءات لقوننة 68 بؤرة استيطانية في المنطقتين المذكورتين وفي المناطق المصنفة ج وفقا لاتفاقات اوسلو والتي تشمل نحو ثلثي مساحة الضفة الغربية وهي الاقل كثافة سكانية فلسطينية. وفقا لمعطيات الاونروا فإن عدد اللاجئين في الضفة الغربية هو نحو 830 ألف فلسطيني وتشكل المخيمات المواقع الاكثر كثافة سكانياً والاكثر ترابطاً بين سكانها، وتنطلق اسرائيل من ان المخيمات هي الحاضنة السكانية والمكانية للكفاح المسلح الفلسطيني، كما تنطلق من ان المخيمات تشكل البعد الذي تريد اسقاطه نهائيا ألا وهو قضية اللاجئين والعودة.
مباشرة بعد السابع من اكتوبر واعلان الحرب كرر كلّ من نتنياهو وغالنت وغانتس مقولة الحرب الطويلة والتي ستمتد لسنوات، وانها ستغيّر وجه غزة والمنطقة برمتها، وهذا بحد ذاته لا يعني ان الحرب ستحقق اهدافها وقد تتحول الى اخفاقات طويلة الامد تتراكم في هذه السنوات، وقد تحقق غاياتها او جزءا منها. لم تكن الحرب المتواصلة لسنوات مجرد زلة لسان او نتاج الصدمة والاخفاق الهائلين، فهي النقيض للعقيدة الثابتة في حروب اسرائيل والتي تعتمد الحرب الخاطفة وقصيرة المدى وتحقيق أكبر انجازات في أقل وقت كي لا تكون لها تداعيات مرتدة على اسرائيل. لقد باتت الحرب على غزة هي الاطول في تاريخ اسرائيل وقد تضاهيها زمنا حرب الاستنزاف مع مصر والتي تعتبر الى حينه من اصعب حروب هذه الدولة.
هدف هذه الحرب الأبعد المرتسم خلال السنوات القادمة هو إنهاء قضية فلسطين، وهي حرب تقوم على بعد واحد وهو الحل العسكري وليس غيره، وهو ما تناولته إدارة بايدن مع بداية الحرب وحين كانت أساطيلها في البحر المتوسط لتشكل مظلة حربية لإسرائيل، بأن إسرائيل أضعف من ان تحصر اعتمادها بشأن مستقبلها على الحل العسكري وحده.
في بداية الحرب كان المشروع الاسرائيلي الامريكي هو تهجير الفلسطينيين من غزة وتوزيعهم لاجئين في انحاء العالم، وكان اعتماد رفح محطة لتجميعهم فيها بهدف تهجيرهم نحو الاراضي المصرية في سيناء ومنها الى بلدان اللجوء وجزء منهم عن طريق البحر. حسمت مصر الامر حتى رأت به خطا أحمر يهدد امنها القومي ليعزز من موقفها الرافض للتهجير، وفي قطاع غزة هنالك نحو 1.4 مليون لاجئ في الاصل مما مجموعه نحو 2.25 مليون يشكلون سكان القطاع. لقد ردع الموقف المصري مدعوما بالمواقف الفلسطينية والاردنية والسعودية ادارة بايدن، والتي تراجعت عن مشروع التهجير وتحولت رفح الى ورطة استراتيجية اسرائيلية لا حل لها فيها. فاجتياحها الواسع سيؤدي الى مضاعفة الكارثة في غزة، والتراجع عنها يعني ان نتنياهو سيفقد حلمه بالانتصار الموعود والذي يؤكد لجمهوره بأنه على بعد خطوة، ومن غير ذلك ستحصد اسرائيل الهزيمة.
حرب الدمار الشامل على مخيمات الضفة تتوافق بالكامل مع خطة الحسم التي بلورها سموتريتش قبل سبعة اعوام بمباركة المرجعيات الدينية الصهيونية. وهو الوزير صاحب الصلاحيات الاوسع في الضفة الغربية في كل ما له علاقة بالاستيطان وبنهب الاراضي الفلسطينية وبتحويل الميزانيات وبخلق كيانية عسكرية للمستوطنين وحصريا للتنظيمات الارهابية مثل فتيان التلال، وتياره هو المسؤول المباشر عن تهجير الفلسطينيين في مناطق (ج) وعن حرق القرى والمزروعات والانسان الفلسطيني، كل ذلك بحماية الجيش، وبمشاركة مباشرة من كتيبة “نيتسح يهودا” (اي مملكة يهودا الى الابد) التي تدرس ادارة بايدن حظرها امريكيا والتي اعلن قائدها قبل الحرب بأن الجيش والمستوطنين ليسوا طرفين بل كيان واحد. وهي كتيبة تسير وفقا لمرجعيات الصهيونية الدينية وباسم ارض اسرائيل الكبرى وبروح خطة الحسم قبل ان تأتمر بقيادة الجيش.
اسرائيل المأزومة استراتيجياً ولا تستطيع تحقيق الاهداف الحرب ولا تستطيع التراجع عن مواصلتها على الاقل في ظل الطبقة السياسية الحاكمة، تسير نحو التصعيد غير القابل للضبط تجاه مخيمات اللاجئين في الضفة كما في غزة، ايضا من اعتبارات ان الاستيطان لن ينجح في شمال الضفة ما دامت المخيمات متماسكة داخليا وحصريا مخيمي نور شمس وجنين، ولذلك تعمل بشكل متسارع لتفكيكها والقضاء على بنيتها من اجل القضاء على التواجد السكاني فيها.
للخلاصة:
– حرب الدمار الشامل الاحتلالية على مخيمات الضفة بهدف اقتلاعها تندرج في مشاريع الضم وخطة الحسم وهي جزء لا يتجزأ من الحرب على غزة والتي ستمتد لسنوات وفقا للمنظور الاسرائيلي.
– من غير المستبعد ان تحدث حركة نزوح قسري في الضفة الغربية في حال لم يتم ايقاف المخطط الاحتلالي.
– اثبتت الفيتو الامريكي في مجلس الامن ضد الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال، ما هو مثبت سابقا بأنه لا يمكن ولا يجوز التعويل على الولايات المتحدة في اي شأن، بل كشف الفيتو عزلة هذه الدولة العظمى وتراجع نفوذها والذي يترافق مع تراجع نفوذ اسرائيل الاقليمي.
– إسقاط الحكومة الاسرائيلية هو شأن هام فيما لو حصل، الا انه بحد ذاته لا يشكل افقا فلسطينيا فلا توجد اية قوة حاكمة او تطمح لتكون بديلا لنتياهو لديها فعليا بدائل سياسية جوهرية، بل ان السياسة الاسرائيلية مأزومة جوهريا.
– الازمة الاسرائيلية الشاملة آخذ بالتعمق، وتسعى القوى الحاكمة الى التصعيد ضد الشعب الفلسطيني كمخرج موهوم.
حماية شعب فلسطين هي المهمة الاولى في هذه المرحلة.