ما وراء توقيت تحرّك “داعش” في سوريا؟
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: يربط مراقبون بين انتعاش أنشطة تنظيم داعش في سوريا وإصداره خطابا تحريضيا ضد الحكم الجديد ورئيسه في سياق صراعات مع واجهات متطرفة من داخل النظام وخارجه. متواكب مع تنافس إقليمي دولي شرس على مستقبل سوريا. فكيف يستفيد “داعش” ومن يحرّكه؟
في التفاصيل:
-في 28 أبريل 2025، ذكرت وكالة “أعماق” التابعة لتنظيم “داعش” أن التنظيم قتل 5 مقاتلين أكرادا خلال هجوم في محافظة دير الزور بشرق سوريا. وأكد فرهاد شامي، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مقتل 5 أفراد في الهجوم الذي وصفه بأنه أحد أعنف الهجمات ضد القوات منذ فترة.
-في 20 أبريل، اتهم تنظيم “داعش”، في فيديو أصدره باللغة العربية، الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته بالردة ودعا المقاتلين إلى “اعتناق الإسلام الحقيقي”. ورفض الفيديو “شرعية الجولاني” وفق تسميته في الفيديو الدعائي.
-تأتي الرسالة الجديدة مكمّلة لاتهام قديم من “داعش” للجولاني بخرق البيعة لقيادة التنظيم، وانتهاك الوحدة الإسلامية، وإضعاف التماسك الجهادي.
-يعتبر الفيديو أن اندماج الشرع في هياكل الدولة والإصلاحات الدستورية والانتخابات تعني “اسقاطا لمبادئ الشريعة الإسلامية”. ويرى مضمون الفيديو أن مقاتلي الحكم الجديد مندمجين مع هياكل وعناصر النظام السابق ضد “المجاهدين”.
-يصف الفيديو الشرع بأنه “جزء من تحالف صليبي صهيوني شريك للمصالح الغربية التركية”. ويعتبر أن الإدارة السورية الحالية “كافرة وغير شرعية”، وأن هيئة تحرير الشام منحرفة وتخلت عن أهداف الأمة الإسلامية.
-تقول مصادر متخصصة إن تنظيم “داعش” يعمل في منطقتين رئيستين، هما: البادية السورية (بادية الشام)، التي تغطي أكثر من نصف البلاد، ومنطقة الجزيرة (شمال شرق سوريا)، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد). وأنه في هذه المناطق النائية يواصل إعادة تنظيم صفوفه، وتدريب المجندين الجدد، وشن هجمات إرهابية، باستخدام التضاريس الصحراوية الشاسعة كملاذ آمن.
-يعتبر خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية أن هذا الخطاب ليس جديدا في أدبيات تنظيم “داعش” منذ انشقاق الجولاني عن التنظيم وما تبع ذلك من مواجهات وشنّ القوات التابعة للجولاني هجمات ضد القوات التابعة للتنظيم في المناطق التي سيطر عليها الشرع في إدلب وجوارها.
-يضيف هؤلاء أن التنظيم كفّر الجولاني حين انشقّ عن داعش ليبايع تنظيم “القاعدة”، لينشق بعد ذلك وينشأ جهة النصرة ذات التوجه السوري الذي تطوّر لاحقا تحت مسمى “هيئة تحرير الشام” مركّزا على “الوطن السوري” مخالفا هدف قيام دولة إسلامية عابرة للحدود.
-يلفت مراقبون إلى أن الفيديوهات الدعائية ضد الشرع وحكومته قد تكون مقدمة لحملة هجمات سيقوم بها التنظيم شرع ضد قوات الشرع “الكافرة” عبر تقديم مبررات شرعية لذلك. وأن انتعاش التنظيم قد يكون مرتبطا ببعض التطوّرات الداخلية مستفيدا من تحوّلات دولية.
-يرى خبراء في شؤون الإرهاب أن قرار الولايات المتحدة بتقليص قواتها في سوريا، أوحى بأعراض قرار مقبل بالانسحاب الكامل من هذا البلد اتّساقا مع رغبات في هذا الاتجاه كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد عبّر عنها في مناسبات متعددة بعضها يعود إلى ولايته الرئاسية الأولى.
-يشدّد هؤلاء على أن التنظيم يستفيد دائما من ضعف الدولة المركزية وهو أمر تعاني منه سوريا سواء في علاقة المركز مع الأطراف، لا سيما الأكراد شرقا والعلويين غربا والدروز جنوبا، أو في العلاقات “التجريبية” بين دمشق ودول العالم.
-يقول مراقبون إن ضبابية الموقف الأميركي بشأن سوريا تساهم في توسيع هامش مناورة أطراف الصراع الداخليين والخارجيين في سوريا، ويسمح برواج فوضى يستفيد منها تنظيم “داعش”.
ويشدد هؤلاء على أن الضغوط الإسرائيلية على هدف الاستقرار في سوريا وقوة الدولة فيها توفّر مناسبة يعوّل عليها “داعش” لتجنيد الأنصار وتوسيع عملياته.
-بالنظر إلى الغموض الذي واكب دائما الأجندات الحقيقية للتنظيم الإرهابي والحديث عن الأجهزة التي تقف وراءه، فإن بعض الباحثين يرون في حراك “داعش” واجهات إضافية قد لا تكون بعيدة من القوى المنخرطة في الميدان السوري، لا سيما إسرائيل.
-لا يستبعد محللون وجود أجندات، متعددة الهويات، قد يكون بعضها من داخل مؤسسات الولايات المتحدة، وراء حراك “داعش” من أجل منع الإدارة من تنفيذ الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من سوريا.
-لا تستبعد جهات سورية مراقبة إمكانية استفادة الشرع والحكومة من ظهور “داعش” وعدائها لدمشق، بما يبرئ الحكم الجديد من سمعة جهادية قديمة، ويضعه في قائمة الأهداف الجهادية التي يستهدفها التنظيم الإرهابي، ما يعزز الدعوات لرفع العقوبات عن سوريا وإدماجها داخل الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
-تدعو بعض الآراء إلى تأمل وضع داعش والمنظومة الغربية في معسكر الأعداء الواحد، لاستنتاج ماهية القوى الإقليمية والدولية المستفيدة من هجمات جهادية تستهدف نفوذ تركيا في سوريا في عزّ السجال التركي الإسرائيلي بشأن سوريا.
-في 11 و16 و23 ديسمبر 2024، أي في الشهر الذي سقط فيه النظام، شنّت القوات الأميركية غارات على مواقع للتنظيم في البادية السورية.
-في 11 يناير، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن إحباط محاولة لتنظيم “داعش” لتنفيذ تفجير داخل مقام السيدة زينب قرب العاصمة السورية دمشق. وقيل لاحقا إن معلومات مصدرها أميركي كانت وراء كشف العملية وإحباطها.
-في 16 فبراير، اعتقلت السلطات السورية الجديدة أبو الحارث العراقي، المتهم بالتخطيط لهجمات إرهابية داخل العاصمة دمشق.
-يشتبه مراقبون بأن تحرّك “داعش” منسّق مع القوى الإقليمية والدولية التي فقدت نفوذها بعد سقوط النظام، خصوصا أنه يتواكب مع استعدادات يروّج لها النظام السابق (إعلان رامي مخلوف) لتحرّك نوعي في منطقة “الساحل” غرب البلاد.
خلاصة:
**يتحرّك “داعش” مستفيدا من قرار تقليص القوات الأميركية في سوريا كمقدمة محتملة لانسحابها بشكل كامل.
**غياب موقف أميركي واضح والحذر في رفع العقوبات يحرم سوريا من شرعية دولية كاملة تتيح لـ “داعش” العمل في ميدان ضعيف الرعاية.
**يستفيد التنظيم من ضعف القوة المركزية وهشاشة الوضع السوري وبروز انقساماته والتهاء القوات الأمنية التابعة لدمشق في مواجهة حركات التمرد ضد الحكم الجديد.
**يركّز التنظيم على خطاب عقائدي يكفّر الحكم الجديد في سوريا في محاولة للتأثير على المقاتلين ذوي الماضي العقائدي الجهادي الذي تعتنقه “داعش”.
**يشتبه مراقبون بأن تحرّك “داعش” منسّق مع القوى الإقليمية والدولية التي فقدت نفوذها بعد سقوط النظام، خصوصا أنه يتواكب مع استعدادات يروّج لها النظام السابق لتحرّك نوعي في منطقة “الساحل” غرب البلاد.
**لا يستبعد خبراء تقاطع الأجندات الإسرائيلية مع تحركات “داعش”، كما استفادة التنظيم من العامل الإسرائيلي لتجنيد الأنصار وتوسيع عملياته.
**قد يستفيد نظام الحكم الجديد من خطاب “داعش” المعادي وتحركاته لتقديم نفسه بعيدا من السمعة الجهادية التي تلاحقه وشريكا للعالم في الحرب ضد الإرهاب.
**وجد مراقبون قاسما مشتركا بين استهداف خطاب “داعش” لتركيا والسجال التركي الإسرائيلي بشأن النفوذ في سوريا.