ما بعد الضربة الغربية على سوريا: مناورة بالصواريخ لاجبار موسكو على توافق سياسي

اسعد كنجو* 
بعد  الضربة العسكرية التي وجهتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا  ، لما قيل أنها منشآت ومراكز مرتبطة بالبرنامج الكيماوي للنظام السوري، بات واضحا أن تلك الغارات جاءت مخيبة لآمال كل من عول عليها بقلب موازين القوى، أو احداث أي تأثير عسكري يضعف النظام السوري أو يلجم تحركاته العسكرية،  فالنظام مدعوما بروسيا وإيران جدد بعد الضربة بساعات فقط هجماته العسكرية، وهو يشن حاليا حملة عسكرية على جنوب دمشق، تجمع الآراء أنها الحملة الأخيرة في العاصمة، بنجاحها يكون قد بسط سيطرته على كامل محافظة دمشق وريفها، فيما بدت تظهر السيناريوهات التي تتحدث عن الوجهة القادمة للنظام السوري، كل ذلك يوحي بأن النظام السوري مدعوما بالروس، لايزال يراهن على الحل العسكري وبسط نفوذه على الأراضي السورية، وأن الضربة العسكرية الأخيرة لم تعد بأي أثر سياسي أو عسكري يغير توجهات النظام السوري وحلفائه، الذين يرفضون حتى اللحظة أي حل سياسي للأزمة السورية في إطار التوافق الدولي .

 

الضغوط السياسية الغربية:

بعيدا عن الميدان العسكري ، تشهد الأروقة الغربية معارك سياسية محتدمة وتسارع للتحركات الدبلوماسية، فإذا كانت الضربة العسكرية لم تستهدف تغييرا استراتيجيا في الميدان ، إلا أن ماهو واضح أنها أوجدت حالة من الإجماع الغربي على مواجهة محاولات موسكو الاستفراد بالمسارين العسكري والسياسي في سوريا، وأحدثت تأثيرا باتجاه عزلها ومحاصرتها سياسيا، تلك المحاصرة استندت على اعاقة روسيا للحلول السياسية في سوريا، وعدم الوفاء بتعهداتها في العام ٢٠١٣ بإلزام النظام السوري بالتخلص من الأسلحة الكيميائية ، فالتحركات السياسية التي تبعت الضربة لم توفر فرصة لإنقاذ موسكو وتحميلها مسؤولية اعاقة التوصل لحل سياسي، تلك الانتقادات تزامنت مع تلويح بعقوبات اقتصادية جديدة ومزيد من العزلة قد تطبق على موسكو، آخر تلك الضغوط تمثل ببيان لمجموعة ”السبعة“ (كانت تسمى مجموعة الثمانية قبل استبعاد روسيا منها في عام ٢٠١٤ بعد أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم)  تلك القمة وصفت سلوك روسيا الدولي ”بالمؤذي“ وقالت أنها قد تفرض مزيدا من العقوبات على موسكو مع إبقاء العقوبات المفروضة سابقا، وعزت ذلك لما أسمته بسلوك روسيا الذي يزعزع الاستقرار العالمي، هذه اللهجة التصعيدية أتت في وقت أعلن فيه القائم بأعمال وزير الخارجية الاميركي جون سوليفان أن موسكو ”سيتم محاسبتها“ ان لم تغير سلوكها في سوريا، لهجة التهديد الغربية تلك أيضا أتت مع اعلان واضح جاء على لسان مسؤول أمريكي بأن واشنطن لن تدعم اعادة اعمار المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وهو تكرار لذات الاهداف الاستراتيجية التي كان قد أعلن عنها وزير الخارجية الاسبق تيرلسون في معهد هوفر حين قال “لن تقدم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والشركاء الإقليميون أي مساعدات إعادة إعمار دولية لأي منطقة خاضعة لسيطرة نظام الأسد. ونطلب من مختلف أصحاب المصلحة في مستقبل سوريا أن يحذوا حذونا. لن نشجع العلاقات الاقتصادية بين نظام الأسد وأي بلد آخر“ ويبدو أن التأكيد الأمريكي جاء هذه المرة لتذكير موسكو أن سياساتها الأحادية وإعراضها عن أي حل دولي للملف السوري واستئثارها بالقرار، سيحملها كلفة اعادة اعمار بلد منهك اقتصاديا ونظام محاصر ومنبوذ دوليا، وهو ماتدرك موسكو أنه يفوق طاقتها، سيما مع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وشبح المزيد من العقوبات التي يلوح بها الغربيون، اضافة لأن غالبية الموارد النفطية السورية تقع خارج سيطرة النظام السوري ولا أمل بعودتها قريبا لعهدته، فحتى وان طبقت الولايات المتحدة وعدها بالانسحاب من سوريا، فلا حظوظ لروسيا أو حلفائها باستعادة تلك المناطق، في وقت يتم الحديث عن استبدال القوات الأمريكية -ان انسحبت-  بقوات عربية أو فرنسية بحسب ما تسرب عن مقترح قدمه ماكرون للرئيس الأمريكي خلال لقائهما الأخير في واشنطن.

 

الاعتراف بالدور الروسي:

 

رغم كل التلويحات الغربية ضد موسكو والتحركات لمحاصرتها وعزلها دوليا، إلى أن الغرب حرص على ابقاء الباب مفتوحا دائما للالتقاء مع الجانب الروسي في الأمور العالقة والمتنازع عليها، فمنذ اليوم الأول الذي هدد فيه الرئيس الأمريكي بأن حكومته ستعاقب روسيا لدعمها النظام السوري، لمح ترامب بتغريدة أخرى لاحقة أن لدى روسيا فرصة لتجاوز ضائقتها الاقتصادية اذا ما تعاونت مع الغرب بالملف السوري، كما أن ذات المؤتمر الأخير لمجموعة السبع والذي حمل ماحمل من التهديدات والتصعيد، إلا أنه في ذات الوقت مد يد التعاون لروسيا، حيث عبر ممثلوا الدول السبع عن استعدادهم للتعاون مع روسيا حول الأزمات الإقليمية والتحديات العالمية، وجاء في البيان الختامي للمجموعة أن العقوبات يمكن أن ترفع عن روسيا في حال أدت التزاماتها، كما اعتبر وزير الخارجية الألماني أن لاحل في سوريا بدون الدور الروسي ودعا موسكو للمساهمة في هذا الحل، ويبدو كلام وزير الخارجية الألماني الأكثر واقعية في الوقت الراهن، فبعد الانتصارات العسكرية التي حققتها روسيا وتأمينها للعاصمة دمشق، أصبحت في موقف أفضل وأوراق ضغط أكثر، وهو ماتدركه موسكو جيدا وتحاول استثماره حتى الرمق الأخير رغم الضغوط الغربية، فهي تدرك حجمها في سوريا وأنه ليس بإمكان أي طرف تجاوزها في طريق الوصول لحلحلة الملف السوري، كما أنها حريصة على تأمين مصالحها وقواعدها الوحيدة في البحر المتوسط.

الخلاصة
تدرك روسيا أنها غير قادرة بمفردها على تحقيق الاستقرار في سوريا، وهي العقبة التي حاولت الالتفاف عليها عبر التفاهمات الاقليمية مع تركيا وايران في اجتماعات استانة، قبل أن تأتي الضربة الغربية، لتوجه إنذارا بأن لابديل عن حل دولي للأزمة السورية، ولايمكن تهميش الدور الغربي عبر التفاهمات الاقليمية التي سعت للاستئثار بالملف السوري، وعليه فقد جائت التحركات الغربية عسكريا وسياسيا كمحاولة لاعادة ترتيب الأوضاع السورية، والدفع باتجاه إعادة إحياء العملية السياسية السورية، والتي من المفترض أن تفضي لعملية انتقال سياسي، تسبقها مرحلة انتقالية واعادة اصلاح/تعديل للدستور السوري، من خلال اللجنة الدستورية، والتي تولى المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا مهمة تشكيلها بعد مؤتمر سوتشي ، وبات من الواضح أن التحركات الغربية أدت جزءا من الرسالة إلى روسيا وحلفائها في سوريا، بعدم قبولها بما يتم تحضيره في استانة وحل الأزمة السورية من خلال الاتفاقيات الاقليمية التي تتم بين ايران وتركيا وروسيا، فالتحركات والمستجدات الأخيرة أثبتت أن ما جرى هو اعادة خلط للأوراق التي رتبتها اجتماعات وتفاهمات أستانة، فتلك التفاهمات الهشة أساسا، لايبدو أنها قادرة على انجاز أي حل سياسي شامل للأزمة السورية، خصوصا مع تمكن النظام من استعادة معظم الأراضي السورية وتأمين العاصمة دمشق، وانتهاجه سياسة الأرض المحروقة والحلول العسكرية في استعادة المناطق السورية، فقد بدا من الصعوبة بعدها جلب النظام السوري وحلفا ؤه لطاولة المفاوضات أو دفعه للقبول بحل سياسي متوازن للأزمة السورية.

*مساعد باحث فى مركز التقدم العربى للسياسات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.