ماكرون في الرباط: فرنسا تحسم انتهاج “خيار المغرب”

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: تتوّج زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب تحوّلا فرنسيا جذريا لسياسة باريس في شمال أفريقيا لجهة أخذ مسافة من خيار الجزائر، الذي عملت باريس على تطويره خلال السنوات الأخيرة، والتحوّل نحو خيار المغرب، لدرجة دعم وجهة نظر الرباط من مسألة الصحراء الغربية، ما أغضب الجزائر وأدى إلى الغاء رئيسها زيارته إلى باريس. فما هي أسباب وحيثيات تحوّلات فرنسا المغاربية؟
نرصد الحدث في قراء لمسار متدرّج للمعطيات التالية:
– في 28 اكتوبر 2024 بدأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، زيارة دولة إلى المغرب تستمر حتى 30 من نفس الشهر. وتعبّر الزيارة، وهي الأولى لماكرون كرئيس لبلاده، عن تحوّل جذري في علاقة باريس بالرباط، بعد مرحلة من التوتّر والأزمات بين العاصمتين.
– تأتي الزيارة بعد سلسلة مواقف أعلنتها فرنسا كان أهمها انضمام باريس إلى العواصم الدولية المعترفة بالحلّ المغربي لقضية الصحراء الغربية أو المعترفة بمغربية الصحراء، وكان ماكرون أعلن نهاية يوليو 2024، عن تأييد بلاده لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي قدمته الرباط كحل لأزمة الصحراء الغربية المتنازع عليها. وأبلغ ماكرون العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في رسالة وجهها حينذاك، أن مخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط هو “الأساس الوحيد” للتوصل إلى تسوية للنزاع المستمر منذ نحو خمسين عاما مع جبهة بوليساريو بشأن مصير الصحراء الغربية، وأن “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”.
– وضعت رسالة ماكرون حدا لفترة فتور في علاقات البلدين الدبلوماسية خلال الأعوام الماضية. وأتت الرسالة استجابة لضغوط الرباط على باريس لتحذو حذو واشنطن التي اعترفت بسيادة المملكة على هذا الإقليم أواخر العام 2020.
– زيارة ماكرون للرباط تأتي بعد الإعلان عن إلغاء زيارة كانت منتظرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس في إشارة إلى غضب الجزائر من التحوّلات الحديثة التي أجرتها السياسة الخارجية الفرنسية على مقاربتها لمنطقة شمال أفريقيا، وتخليها عن خيار الحياد القريب من موقف الجزائر من مسألة الصحراء، لصالح انحياز وتأييد لموقف المغرب في هذا الصدد.
– كان ماكرون قد أجل زيارة للمغرب عام 2020 لصالح مباشرة ورشة كبيرة لتحسين العلاقات بين فرنسا والجزائر. وقد عمل بتوصيات لجنة كان قد شكلها لمراجعة “مسألة الذاكرة” في تاريخ العلاقة بين البلدين. وقد أقرّ، وفق تلك التوصيات، بمسؤولية فرنسا في مرحلة استعمارها للجزائر من دون أي يرقى الأمر إلى مستوى تقديم اعتذار.
– كانت لافتة الزيارة التي قام بها ماكرون إلى الجزائر في أغسطس 2022 تلاها زيارة قام بها نصف وزراء الحكومة الفرنسية برئاسة، اليزابيت بورن، في اكتوبر من نفس العام، من دون أن يؤدي الأمر إلى ارتقاء نوعي في علاقات البلدين.
– يُعتقد في فرنسا أن باريس أدركت تعقّد الملفات في العلاقة مع الجزائر والعائدة إلى مشكلة الذاكرة المرتبطة بفترة الاستعمار. وكانت الجزائر اتّخذت مواقف اعتبرت عدائية في باريس في قرار تخليها المتدرّج عن اللغة الفرنسية لصالح اللغة الانكليزية. كما راقبت فرنسا ترجيح الجزائر كفة العلاقة مع بلدان أوروبية أخرى، مثل ألمانيا وإيطاليا، ناهيك من سياسة اقتراب من روسيا وتركيا والصين.
– يشكّل موقف فرنسا إضافة نوعية إلى موقف المغرب، خصوصا بعد العودة إلى إثارة مخطط تقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة بوليساريو في تقرير المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا منذ أسبوعين، وبعد قيام محكمة العدل الأوروبية بإلغاء اتفاقيتي الصيد البحري والتبادل الزراعي بداية شهر اكتوبر الجاري بحجة أنهما يشملان مياه وأراضي الصحراء بينما المغرب “لا سيادة قانونية له عليها”، وفق ديباجة الحكم.
– من المقرّر أن يتوجه ماكرون بخطاب إلى البرلمان المغربي في 29 اكتوبر الجاري. وينتظر أن يعلن الرئيس الفرنسي عن موقف فرنسا الرسمي حيال مسألة الصحراء. ولم يكشف ما إذا كان ماكرون سيكتفي بتأييد خطّة المغرب لإقامة حكم ذاتي في الصحراء، أم أنه سيذهب أكثر من ذلك في الاعتراف بمغربية الصحراء كما فعلت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
– يصطحب ماكرون تسعة وزراء والعديد من رؤساء ومديري كبريات الشركات الفرنسية. ويرى مراقبون أن فرنسا مهتمة بالشراكة الاقتصادية وجذب المغرب نحو صفقات أسلحة من صناعة فرنسية، وعقد اتفاقات تتعلق بالهجرة وملفات ثنائية أخرى.
– يرى خبراء أن باريس تنظر أيضا إلى إطلالة جديدة على أفريقيا ومنطقة الساحل من بوابة المغرب، بعد أن فقدت باريس كثيرا من نفوذها في تلك المنطقة، واضطرت إلى انهاء عملية “برخان” العسكرية في المنطقة، في اكتوبر 2023، ومغادرة القوات الفرنسية بلدان نفوذ مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
خلاصة:
**تفتح فرنسا صفحة جديدة مع المغرب بعد سنوات تخللتها قطيعة بين باريس والرباط. ويسعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في زيارته للرباط، إلى إعادة ترتيب العلاقة مع المغرب، عن طريق عقد تفاهمات وشراكات في قطاعات متعددة.
**استجابت فرنسا لضغوط مغربية تركزت على ما كان أعلنه العاهل المغربي في خطاب ملكي، في أغسطس 2022، حول قاعدة في علاقات بلاده مع دول العالم تقوم على موقفها من مغربية الصحراء الغربية ويطالب العالم بالاعتراف بسيادته الكاملة عليها.
**يأتي اعتراف باريس بالحلّ المغربي لمسألة الصحراء بعد تحوّل في هذا الاتجاه صدر عن دول مثل ألمانيا واسبانيا. وليس معروفا ما إذا كان الرئيس الفرنسي سيعلن في الرباط موقفا مشابها للموقف الأميركي في الاعتراف بمغربية الصحراء وسيادة المغرب التامة عليها.
**يأتي التحوّل الفرنسي حيال المغرب مقابل تراجع في علاقات باريس والجزائر لدرجة إلغاء الرئيس الجزائري زيارة له كانت مرتقبة إلى باريس. ويعد تحوّل فرنسا باتجاه المغرب مراجعة لسياسة تتعلق بشمال أفريقيا، ومنطقة دول الساحل، وأهمية العلاقة مع المغرب داخل المشهد الجيوستراتيجي العام.
**تعوّل المغرب على موقف فرنسا حيال الصحراء لصدّ محاولات إنعاش مشاريع تقسيم الصحراء وفق تقرير للمبعوث الأممي دي مستورا. وتعوّل فرنسا على تعاون اقتصادي وأمني مع المغرب بما في ذلك العودة للإطلالة على منطقة الساحل التي خسرتها فرنسا في السنوات الأخيرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.