ماذا يعني تعيين فانس نائبا لترامب؟ عناوين الترامبية وحدودها.

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

ملخص ورقة تقدير موقف:

تقديم:
أثارت مواقف السيناتور الأميركي عن ولاية أوهايو، جيمس ديفيد فانس، الذي اختاره دونالد ترامب ليخوض معه معركة الانتخابات الرئاسية في منصب نائب الرئيس، جدلا بشأن ما يمكن أن تشهده الولايات المتحدة من سياسة خارجية في حال فوز ترامب في انتخابات 5 نوفمبر 2024. وتكاد مواقف فانس تكون نسخة مركّزة ومطوّرة من مواقف سبق لترامب أن عبّر عنها، ما يؤسّس لقاعدة نظرية للترامبية داخل الفكر السياسي الأميركي وامتداداته في العالم.
لقراءة الحدث حريّ مراقبة المفاصل والخلفيات التالية:

– كان الإعلان من قبل ترامب عن اسم نائبة، الإثنين، مفاجأة بعد أن كان تمّ تداول احتمالات أخرى أكثر شهرة. وبدا أن اختيار ج. د. فانس ينمّ عن قناعة المرشح الجمهوري بما يملكه فانس من كفاءة شابة ومعتقدات راسخة بإمكانها الدفاع عن ترامب والترامبية.
– ينحدر فانس من طبقات فقيرة انتقل إلى الطبقة المتعلمة المتوسطة في مسار نجاح يلتقي مع ما يعدّ به ترامب الأميركيين وما يطمح إلى كسبه من خلال اختراق الطبقات الوسطى التي تميل عادة نحو الديمقراطيين.
– اقتران فانس بزوجة من أصول هندية يقرّب الترامبية من مجتمع الإقليات ويبعد عنها سمعة دفاعها عن تفوق العنصر الأبيض وتبني خطب عنصرية.
– كان فانس قد عبّر في سنوات سابقة عن معارضته لترامب واستخدم ضده أوصافا لاذعة قبل أن يتراجع لاحقا ويصبح من أقرب المقربين إليه وأحد الشخصيات الرئيسية في حملته الانتخابية. وكان فانس كتب إلى أحد زملائه على فيسبوك في عام 2016: “أتأرجح بين الاعتقاد بأن ترمب غبي خبيث مثل نيكسون الذي ربما لم يكن بهذا السوء (وربما كان بوسعه أن يثبت أنه نافع) وبين أنه هتلر أميركا”
– أدلى فانس، قبل أشهر من تعيين ترامب له نائبا له، بمجموعة من المواقف في السياسة الخارجية تتبنى تماما خطاب ترامب والترامبية. تناولت هذه المواقف السياسات المتوقّعة بشأن حرب غزّة والقضية الفلسطينية وحرب أوكرانيا والعلاقة مع روسيا والصين والعلاقة مع المنظومة الغربية.
– يعتبر فانس إسرائيل حليفا أساسيا للولايات المتحدة ويجب دعمها بكل الوسائل. ويرى أن إسرائيل نموذجا للحليف الذي يمكن أن يعتمد على نفسه ويتحلى بدينامية ذاتية، ما يلاقي هدف الولايات المتحدة بعدم الانخراط مباشرة في ملفات العالم. وتتناقض هذه الحجّة مع ارتهان إسرائيل لدعم واشنطن لاسيما منذ “طوفان الأقصى.
– يرى فانس أن الولايات المتحدة في ظل بايدن مسؤولة عن تأخر إسرائيل في القضاء على “حماس” في غزّة، وينصح نتنياهو بإنهاء هذه الحرب للشروع بحلول أكثر نجاعة وشمولية في الشرق الأوسط من أهمها إنجاز عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
– فيما تدافع إدارة بايدن عن حلّ الدولتين، بغضّ النظر عن جدّية تلك الإدارة في تسجيل تقدم في هذا الملف، لا يذكر فانس أبدا هذا الخيار ملمّحاً دائما إلى حلول اقتصادية تستعير نظريات جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره حين كان رئيسا، لمقاربة الصراع.
يدعو فانس إلى حدوث عدة أمور:
* إنهاء حرب غزّة “لأن كلما طالت مدة الحرب أصبح وضع إسرائيل أكثر صعوبة”.
* إعادة تنشيط عملية السلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والأردنيين.
* يعتبر أن “اتفاقيات إبراهيم أظهرت وعدا حقيقيا بتوحيد الإسرائيليين مع بعض الدول العربية السُنية”، مؤكدًا أنه “يتعين تمكين الإسرائيليين والدول العربية السُنية من العمل معًا وتوفير توازن فعلي لإيران”.
– في إشارة إلى الضربات الأمريكية على وكلاء إيران في الشرق الأوسط، أكد فانس “الحاجة إلى القيام بشيء ما مع إيران، ولكن ليس هذه الغارات الصغيرة (…) فإذا كنت ستضرب الإيرانيين، فاضربهم بقوة”، مؤكدا أن ترامب فعل ذلك بالضبط عندما أمر باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، في أوائل عام 2020.
– يعتبر فانس أن الحرب في أوكرانيا تشغل الولايات المتحدة عن أولوية تركيز صراعها مع الصين معتبراً أن الدعم الأميركي لأوكرانيا هو إنفاق من دون مكاسب يستهلك قدرات الولايات المتحدة ويجعلها تدفع أثمانا بدل أن تدفعها البلدان الأوروبية”.
– انتقد إدارة بايدن لرفضها المفاوضات مع روسيا ولمّح إلى ضرورة استيعابها لصالح الولايات المتحدة في الصراع مع الصين. وعلى الرغم من حديثه وترامب عن خطّة لوقف الحرب في أوكرانيا، إلا أن الأمر يبقى نظريا من دون الكشف عن ماهية الحلّ الدي يمكن التوصّل إليه مع روسيا لإنهاء تلك الحرب.
– يستعير فانس بقوة مواقف ترامب بشأن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) لجهة استفادة هذه التجمعات الدولية من سخاء الولايات المتحدة واعتمادها على الحماية الأميركية. وكان سبق لترامب في فبراير الماضي أن قال إنه قد “يشجع” روسيا على مهاجمة دول الناتو التي لا تفي بالتزاماتها المالية في حال عودته إلى البيت الأبيض.
– لم تسلم بريطانيا التي لطالما ارتبطت مع الولايات المتحدة بعلاقات تاريخية مميّزة من انتقادات فانس. وتمّ تداول فيديو لفانس يغمز من قناة بريطانيا في مؤتمر لحزب المحافظين أقيم في 10 يوليو الجاري.
– اعتبر فانس: “أن انتخاب حكومة عمالية مؤخراً جعل بريطانيا أول دولة إسلامية حقيقية تحصل على سلاح نووي”. وفيما قوبلت هذه التصريحات باستهجان بريطاني، عمالي ومحافظ، غير أن الأمر عبّر عن نظرة حزبية أيديولوجية ضيقة في مقاربة “الترامبية” للعلاقة مع بريطانيا.
-يعتبر مراقبون أن مواقف فانس تنال من النموذج الاجتماعي البريطاني لجهة التعدّد والتعايش، فضلا عن أن سياسات الهجرة التي هاجمها فانس معتمدة من قبل حزب المحافظين اليميني خلال 14 عاما الأخيرة قبل أن يصل حزب العمال إلى السلطة في انتخابات 4 يوليو الجاري.
خلاصة:

**يجب وضع مواقف فانس وترامب في سياق ما تحتاجه الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة من حجج جاذبة للناخبين، لا سيما في قضايا الهجرة وسياسات الانفاق الخارجي وتداعياتها على الناخب الأميركي.
**تؤكد مواقف فانس العلاقة التي ربطت ترامب ومستشاريه للشرق الأوسط مع إسرائيل ومع اليمين الإسرائيلي بالذات، وتؤكد ثبات واستمرار موقف واشنطن (في عهد ترامب المحتمل) الداعم من دون تحفّظ لإسرائيل (وربما لنتنياهو نفسه رغم تراجع علاقات الرجلين(
**تشير مواقف فانس إلى استمرار مفاعيل “صفقة القرن” التي روّج لها الثنائي ترامب-كوشنر، خصوصا لجهة ما حققته الاتفاقات الإبراهيمية والتعويل على انسحاب ذلك على علاقة السعودية بإسرائيل.
**على الرغم من دعواته إلى عدم انخراط الولايات المتحدة في حروب الخارج، يدعو فانس إلى توجيه ضربات قوية لإيران من دون أن يفسّر كيف لا يؤدي ذلك إلى حرب تتورط فيها الولايات المتحدة.
**تحتفّظ الترامبية، من خلال مواقف فانس، بسياسات التحفّظ مع الشركاء الغربيين والدعوة إلى التقارب مع روسيا وإنهاء حرب أوكرانيا بدعوى خدمة مصالح الولايات المتحدة في صراعها مع الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.