ماذا وراء مواقف الأسد الجديدة حيال التطبيع مع تركيا؟

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم:
أعلن الرئيس السوري سلسلة مواقف تضع إطارا لإعادة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. ورأى المراقبون في توقيت هذه المواقف خطوة جديدة باتجاه تدبير إمكانات قمّة تجمعه مع الرئيس التركي. غير أن أسئلة تدور بشأن ما تريده دمشق ومدى تأثرها بالوساطة الروسية في هذا الصدد وما يحكى عن عراقيل تضعها إيران داخل هذا الملف. فما الذي استجد وما الذي يدفع دمشق إلى مقاربة استحقاق طالت وتعدّدت أعراضه؟

نقرأ هذا الحدث برصد حلقات تطوّر مسار التطبيع ومواقف العواصم المعنية خلال الأشهر الأخيرة:

• في 25 أغسطس 2024، أعلن الرئيس السوري، بشّار الأسد، خلال كلمة ألقاها في “مجلس الشعب” عن سلسلة من المتطلّبات لإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا بعد قطيعة مستمرة منذ عام 2012. واعتبر المراقبون تناول الأسد لهذه القضية يعطي مؤشرات ملتبسة عن حقيقة التقارب الجاري بين البلدين واحتمالات لقائه بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
• عملت وساطة روسية على التقريب بين دمشق وأنقرة، استضافت موسكو لقاءات على مستوى مخابراتي ثم على مستوى وزراء الخارجية والدفاع بين البلدين. وجرى تداول أنباء عن إمكانية لقاء قمّة، تستضيفها روسيا، تجمع الرئيسين السوري والتركي. غير أن تحفّظات صدرت عن دمشق وأنقرة ما زالت عائقا دون ذلك.
• في يوليو الماضي قال مصدر كبير في وزارة الخارجية التركية، إن “الأنباء التي تفيد بأن الرئيس إردوغان سيلتقي الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو لا أساس لها من الصحة، ولا تعكس الحقيقة”.
• أعاد الأسد اتهام أنقرة “باحتلال” جزء من الأراضي السورية و”دعم الإرهاب”، مشيراً إلى أنها تتحمل بذلك مسؤولية انهيار العلاقة بين بلاده وتركيا. واعتبر أن عودة العلاقات لطبيعتها بين الجانبين تتطلب إزالة تلك الأسباب بانسحابها ووقف دعمها للإرهاب، مؤكداً أن “لا تنازل عن حق من حقوقنا”.
• اعتبر الأسد أن فشل اللقاءات السابقة في الوصول إلى نتيجة، سببه غياب مرجعية لأي اتفاق، مقترحا أن يضمّن الجانبان الأسس والمبادئ التي يطالبان بها، ووضعها ضمن “ورقة”، ثم الإعلان عنها بشكل مشترك على مستوى يُتفق عليه لاحقاً، لتكون بمثابة “ورقة مبادئ” يُبنى عليها للخطوات اللاحقة في مسار تطبيع العلاقات. وقال أن عناوين الاتفاق من الجانب التركي هي مسألة أزمة اللاجئين ومكافحة الإرهاب، ومن جانب النظام هي الانسحاب التركي ووقف دعم الإرهاب أيضاً.
• كان لافتا قوله: “غير صحيح ما يصرح به بعض المسؤولين الأتراك، بأن سوريا قالت إن لم يحصل الانسحاب لن نلتقي مع الأتراك، هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع، نحن نعمل في هذا الموضوع بشكل منهجي، المهم أن يكون لدينا خطوات واضحة، ونعرف كيفية السير باتجاه هذه الأهداف، ومهما كانت الخطوات المحتملة فسيكون أساسها السيادة وحدودها السيادة ومعيارها السيادة”.
• اعتبر مصدر تركي مراقب أن الأسد ليس صاحب قرار في مسألة العلاقة مع تركيا بوجود الراعيين، روسيا وايران، وأنه في خطابه يتجاهل المشكلة السورية السياسية الداخلية ولا يقدم جديدا في الداخل بإمكانه فكّ عزلة النظام مع الخارج. واستغرب المصدر استمرار الأسد في تحميل تركيا مسؤولية الخلاف رغم ما صدر عن أنقرة خلال الأشهر الأخيرة.
• لفت مصدر سوري معارض إلى أن روسيا تملك السطوة في سوريا وأن رفع روسيا يدها عن سوريا يؤدي إلى انهيار النظام وأن نفوذ إيران في سوريا يأخذ بالاعتبار هذه الحقيقة في ما تسعى إليه موسكو لتقريب وجهات النظر بين أنقرة ودمشق. يؤكد المصدر أن قرار التقارب روسي تمّ الاتفاق عليه مع الرئيس أردوغان وأن إيران تلتحق بالركب ولا تملك معاندته وإن تحاول عرقلته.
• في 20 اغسطس 2024، قال السفير التركي لدى إيران، حجابي كرلانجيتش، إن هناك حاجة إلى دور إيران البناء في ما يتعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا. واعتبر التصريح إشارة إلى وجود عدم تعاون في هذا الصدد.
• في 24 يونيو 2024 قال وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، إن “تركيا تريد من النظام السوري استغلال حالة الهدوء ووقف إطلاق النار الحاصل “لحل المشكلات الدستورية” و”تحقيق السلام مع معارضيه”. وأشار إلى أن أنقرة لا ترى أن النظام “يستفيد من ذلك بما فيه الكفاية” وأكد على أهمية “توحيد سوريا حكومة ومعارضة”، “من أجل مكافحة الإرهاب في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني”.
• في 8 أغسطس 2024 التقى فيدان، مع وفد من المعارضة السورية، وأكد خلاله اللقاء دعم تركيا لجهود الحوار والتفاوض “الهادفة والواقعية”، التي من شأنها تمهيد الطريق لحل سياسي شامل في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن الدولي “رقم 2254”.يتطابق هذا الموقف مع تصريحات وزير الخارجية الأسبق مولود جاويش أوغلو في أغسطس 2022، اعتبر فيها أنه “من الضروري تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا، بطريقة ما”، كشرط للمصالحة”.
• تقوم مقاربة تركيا لتوحيد مواقف النظام والمعارضة على ثوابت في سياسة أنقرة حيال المسألة السورية تتعلق بالموقف من قيام كيان كردي في شمال سوريا على الحدود مع تركيا يكون تابعا لـ “حزب العمال الكردستاني” المصنّف تنظيما إرهابيا.
• يؤكد خبراء في الشؤون التركية أن تقديم تركيا ملف المعضلة التركية على كافة الملفات، ولأسباب داخلية، يعيد تموضع أنقرة في موقع الدولة التي تدافع عن حقوقها ومصالحها لا في موقع المدافع عن حقوق المعارضة السورية ومصالحها ضد النظام. وهذا تحوّل يمكن أن يكون مفهوما من قبل النظام السوري، لا سيما أنه ينطوي على اعتراف من قبل أنقرة بالدولة السورية الحالية وشرعيتها ودورها في الحفاظ على أمن الحدود بين البلدين.
خلاصة:

**رغم تراجع حدّة خطاب الأسد ضد تركيا غير أنه أعلن بأسلوب آخر شرطيه السابقين بضرورة الانسحاب التركي من سوريا عن طريق خريطة طريق تعلنها أنقرة، ووقف تركيا دعم المعارضة السورية، من خلال استخدام مصطلح مكافحة الإرهاب.
**مقابل مطالب تركيا بحلّ داخلي مرحلي في سوريا ينهي أزمة البلد، يسعى الرئيس السوري إلى القفز عن القرار الأممي 2254 والذهاب إلى اتفاق مع أنقرة يستجيب لهواجس الأمن (مسألة الحدود بالنسبة لتركيا ومسألة وقف دعم المعارضة بالنسبة لسوريا).
**حديث الأسد عن ضرورة وجود مرجعية لأي اتفاق مع أنقرة يهدف إلى إهمال المرجعية الدولية (القرار 2254) واستحداث مرجعية بديلة بين البلدين هي “البيان المشترك”.
**مطالبة السفير التركي في طهران إيران بالتعاون في مسألة التطبيع بين أنقرة ودمشق يغمز من قناة تحفّظات إيرانية ما زالت تعرقل هذا الاستحقاق. ويرجّح أن الأسد يستفيد من موقف طهران لشراء الوقت أمام ضغوط موسكو.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.